Skip to main content

Full text of "كتب فراس السواح"

See other formats


لخرح 2 سار 





الا أوهة الدونتة 0700000 ا 





لضخرح 2 هار 


الالوهة المؤنثة واصل الدين والاسطورة 





عداو عله انيم 


جد اجو لجو اجو اعد 


ل 


نت 


لغز عشتار 
الألوهة المؤنئة وأصل الدين والأسطورة 
تأليف: فراس السواح 
الطبعة الأولى: ماها 
الطبعة الثامنة ٠٠١١‏ 
عدد النسخ ٠٠٠١‏ نسخة 
جميع الحقوق محفوظة لدار علاء الدين 
تصميم الغلاف: يحيى الشيخ 
الإشراف الفني: ماهر الرشيدي 
يطلب الكتاب على العنوان التالي: 


وا رعلزء الرس 


للنشر والتوزيع والترجمة 
سورية» دمشف» ص.ب: ٠١094‏ 
هاتف: 0717/١‏ فاكس: 0717141 


الاهداء 


الى زينب 


عنبرار ربحدث عن رقرربها 


أنا الأول , وأنا الآخر 
أنا البغي ؛ وأنا القديسة 
أنا الزوجة , وأنا العذراء 
أنا الأم » وأنا ا" 
أنا العاقر وبر هم أبناني / 
أنا في عرس كبير ول أتخذ زوجا 
أنا القابلةٌ ولم أنجب أحداً 
وأنا سلوة أتعاب حملي 
أنا العروس وأنا العريس 
٠‏ وزوجي من جيني 
أنا أم أبي » وأخت زوجي 
وهو من نسلي”" 





لقةئطنطآ 3لقةنتمنصوط1 عدلظ8 ع1 ,ممكصتطمظ8 .154 وعتهمول (1) 
(1981 :معمتعهق:] تنقد ,18009 سد دعم1132) 


المحرق 


عندما يشرع المؤلف في الكتابة بعد فترة تحضير طويلة » يقبل على عمله 
معتقدأ ان جملة الأفكار التي غدت جاهزة في ذهنه ٠‏ والخطوط العامة التي بعثرها .على 
الأوراق والدفاتر والبطاقات » هي كل ما سيقدمه مؤلفه إلى القراء وان جهده المقبل 
سوف ينصب على توضيح تلك الأفكار_وصقلها وتفصيلها من خلال المنهيج الذي 
رسمه . إنه يريد من خلال عمله مشاركة الاخرين له في معارف توصل إليها وحقائق 
أضناه الكدح في سبيلها . ولكنه ما أن يسير شوطاً قصيراً في طريق ظنه ممهداً 
سهلا » حتى تتكشف له جسامة المهمة وفصور العدة التي تزود بها . فكل مرحلة من 
الطريق ترمي به إلى أخرى أشق وأوعز » فيجد نفسه يرتاد مفازات لم يحلم بارتيادها 
وتنكشف أمام ناظريه افاق لم تخطر ببال . فاذا وصل غايته سالماً غانماً بعد أن حنثته 
نفسه مراراً بالنكورص والعودة من حيث أتى » استدار بصره إلى الوراء البعيد » إلى 
نقطة البداية » وقارن حصيلته الراهنة بأهدافه الأولى » عرف مقدار ما علمته الرحلة 
مقاساً بما كان عنده . ثم يخامره شعور غامض وخفي ٠‏ حقيقي بمقدار ماهو غير 
مفهوم » شعور بأنه لم يكن الا قناة مرت من خلالها حقائق كامنة في الظل منتظرة أن 


تعبر عن نفسها من خلال أحد ما مستعد لبذل الوقت والجهد وأرق النفس . 

ولعل أهم ها علمني إياه العمل في هذا المؤلف ٠‏ هو وحدة التجربة الروحية 
للانسان عبر الزمان واختلاف المكان ٠‏ وإن كل دين ونظام ميث ولوجي ليس إلا قطعة 
ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة زاخرة بالاجزاء التي تبدو مستقلة عن قرب » متوحدة 
عن بعد » في نظام متكامل يعطي معنى لكل جزء من أجزائه » ويستمد معناه من هذه 
الأجزاء ذاتها . ولعلني في نلك قد حصلت تفصيلا ما قاله الشيخ الأكبر محي الدين بن 
عربي جملة عندما المح في كتاب «فصوص الحكم» الى أن عبادة الآلهة المتعددة 
ليست في جوهرها إلا عبادة الإله الواحد فقال : « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه » أي 
حكم . فالعالم يعلم من عبد » وفي أي صورة ظهر حتى عبد » وأن التفريق والكثرة 
كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية . فما عبد 
غير الله في كل معبود . ( فص حكمه سبوحية في كلمة نوحيه ) . 

في البداية » كنت أطمح الى تقديم بحث واف عن شخصية الإلهة الأم » أو الأم 
الكبرى ٠‏ في النسق الميثولوجي السوري - البابلي » ومتوازيائها في الثقافات الكبرى 
المجاورة . ثم اكتشفت تدريجياً أن الحيز المكاني الثقافي » والمدى الزمني اللنين 
حددتهما اطارا للبحث قاصران عن الاحاطة بالموضوع . كان تتبع الأم الكبرى يوغل 
بي زمنيا إلى ما وراء حدود التاريخ حيث وجدت نفسي أودع التنصوص المكتوية 
مجتا زا عتبة ما قبل التاريخ حيث لا شواهد وعلامات سوى الأدوات الحجرية واعمال 
الانسان الفنية الأولى ‏ وكان اقتفاء أثر قدميها على الأرض يأخذنني في الاتجاهات 
الأربعة حتى درت الكرة المعمورة راجعاً إلى نقطة المبتدى . وشيئاً فشيناً كنت أتبين أن 
البحث في ميئولوجيا الأم الكبرى ليس بحثاً في موضوع محدد , بل هو بحث في 
جوهر الاسطورة ومبدتها وغاياتها لآنها المحور الأساسي الذي دارت حوله أساطير 
الثقافات البشرية وعنه شعت وتفرقت . ومن خلال البحث تكونت النظرية التي تلم 
شتات الملاحظات في كل واحد فتفسرها وتعطيها المعنى . وكما تكونت النظرية من 
خضم البحث ٠؛‏ لا سابقة عليه ولا موجهة له ٠‏ كذلك جعلتها تتفتح تلقائياً عبر صفحات 
الكتاب دون أن اعمد إلى بسطها ثم انفق الجهد في اثباتها . قانا لاطمح إلى وضع 
تفسير شامل لايأتيه الباطل من أمام أو وراء ٠‏ بل اطمح لاثارة الاسئلة عند من 
سيحاورهم هذا الكتاب ويحاورونه لا لاعطاء الاجوبة 5 


ورغم أني قد قدمت الملامح العامة للنظرية في الفصل الأول ٠‏ فان الفصول 





الباقية يجب ألا تعتبر بحال من الأحوال جهداً منصباً نلى اثبات الأطروحات الأولى » 
لأنني في الحقيقة قد كتبت الفصل الأول اخر ماكتبت لا أوله » فكان بالنسبة لي نتيجة 
لا فرضاً مسبقاً موجهاً للبحث . من هنا ء يستطي ع أي قارىء ان يصرف النظر عنه إذا 
شاء دون أن يفقد البحث مضمونه ووحنته وتماسكه . 

أخيرأً . لقد كان من الأهداف الأساسية لمنهجي في البحث ٠‏ تقديم كتاب سهل 
التناول للقارىء غير المتخصص ء وإقامة حوار على المستوى العالمي مع الحلقات 
المهتمة والمتخصصة بهذا الموضوع . كل ما أرجوه أن لا أكون قد ضحيت بأحد هنين 
الهدفين لحساب الاخر . 


فراس السواح 


خريف عام 1١946‏ 


1١١ - 


البؤرهالحضاررية 
١‏ | والاأسطوواتول 


منذ أن انبئق الانستان من المملكة الحيوانية» كان في صراع مع عوامل البيئة من 
أجل إثبات نفسه كجنس متميز يبتكر تاريخه الخاص» مبتعداً عن الأجناس الأحرى التي 
خلفها وراءه بلا تاريخ مستسلمة لآلية الطبيعة . وقد جاءت حضارتنا الحديثة ثمرة لذلك 
السعي الدائب الذي استمر مثات الألوف من الأعوام وتتويجاً له . إلا أن السؤال الذي 
طرح نفسه منذ أمد طويل على العقل الانساني» لم يجد جوابه إلا في العقود الثلاثة 
الأخيرة » ومن خلال البحث الاركيولوجي الحديث : فمتى بدأت حضارتنا الحديثة» وما 
هي العوامل الحاسمة التي أدت الى ظهورها؟ أين ابتدأت هذه الحضارة: وكيف تم 
تعميمها على جهات العالم الأِع؟ هل نشأت في بؤرة أساسية فشعت منها نحو الأطراف » 
أم صدرت عن مراكز متباعدة وسارت في خطوط متوازية قبل أن تلتقي وتمازج؟ . 


بت 107 مت 


تميز التاريخ الانساني بأربعة تحولات أساممية. كان كل تحول منها يحدث انقلاباً 
الت تي الحياة» وبعطي للحضارة نقلة حاحمة في شتى مظاهرها ومضامينها 
أقدم هذه التحولات حدث في مطلع العصر البليستوسيني الأعلى الذي أمتد من 

عام ٠٠١,٠...‏ ق م إلى عام ٠١,٠.‏ ل ل ا 
قد أحس انفصاله الفعلي عن عالم الحيوان وأخذ في إدراك إمكانيات بيكته الطبيعية وتكيين 
نفسه تجاهها وتنظيم جهوده من أجل استغلالها وتوجيبها لمصلحته. وقد أصطلح على 
تسمية جملة التغييرات التي حدثت خلال هذه الفترة الممتدة عبر تسعين ألف سنة 
بالنقافة الباليوليتية »نطاناهءدله5 أي ثقافة العصر الحجري القديم, والتي تم تقسيمها إلى 
ثلائة عصور فرعية هي الباليوليتي الأدنى والمتوسط والأعلى . ب التحول الثاني حدث في 
أواخر الألف التاسع وأوائل الألف الثامن قبل الميلاد» وذلك بتأثير ثلاثة عوامل حاسمة هي 
١‏ الاستقرار في الأرض وبناء المستوطنات الثابتة الأولى ١‏ اكتشاف الزراعة والبداية 
المنظمة لانتاج الغذاء 1 تدجين الماشية . ولقد أحدث هذا التحول هزة كبرى في بنية 
المجتمعات البشرية أعطتها الدفعة الأولى الحاسمة لبناء الحضارة والخروج من رقدتها 
المستكينة في حضن الطبيعة وامتلاك مصيها بنفسها . فخرج الانسانٍ من كهرفه وبدأ 
ببناء القرى المستقرة الأولى في السهول المفتوحة منهياً بذلك تاريخاً طويلاً من التجوال في 
الأأض بمناً عن الغذاء . ثم تعلم زراعة الحبوب بعد أن قضى زمناً في جمعها من حقوها 
ألببية ؛ وسيطر على بعض الأنواع الحيوانية فدجنها وأخذ يستفيد من منتجاتهاء ولقد أطلق 
على هذا التحول الام اسم «الثورة النيوليتية » التي فتحت الطريق لثقافة العصر النيوليتي 
5017341 الذي امتد بين 86٠٠‏ ق .م و 45.0٠0‏ ق .م وانتبى بظهور أولى المدن في 
تاريخ البشرية. ج حدث التحول الثالث مع تكون المدن الأولى في وادي الرافدين , 
الادنى بتنظيماتها المدنية والسياسية والدينية المتطورة» وهو التحول الذي اطلق عليه اسم 
«الثورة المدينية» 26701104108 11:08 والذي كان بداية لعصر مازلنا نعيش فيه حتى الان. 
د أما التحول الرابع فهر آخخر التحولات وأقربها إلينا وهو التحول المعروف باسم « ألثورة 
الصناعية » في القرن التاسع عشرء والذي أأحدث انقلاباً جذرياً في كل أساليب الانتا ج297 





.2 © ,لام أهعمللكك كه عقكن8ه غ15 رمقصلعء 8 معأممطه  1١‏ 


غ5١‏ سد 


وني الواقع » فإن الثورة النيوليتية التي أدت إلى الاستقرار واكتشاف الزراعة وتدجين 
الماشية» هي البداية الحقيقية لحضارّنا القائمة الآن. أما الثورة المدينية فهي التي أعطت 
هذه الحضارة أطرها الاؤلى التى مازالت قائمة في أساسات مجتمعات العصر الحديث . 
ورغم أن كل الحضارات» القائمة منها والمندثرة» قد حققت هاتين الثورتين في زمن ما من 
تاريفهاء فإن علم الاثار الحديث يقرر اليوم أن الثورة النيوليقية والثورة المدينية قد حدثتا 
لأول مرة في تاريخ البشرية في منطقة الشرق الأدنى القديم؛ وهي المنطقة الوحيدة التي 
حققت ثورتيها في معزل عن كل تأثير خارجي , جاعلة من نفسها نموذجاً ولا للتحولات 
التالية في المناطق الأحرى”". فالثورة المدينية وظهور المدن الأولى؛ قد تم في سومر بوادي 
الرافدين» ومنها انتقلت جنوباً نحو مصرء وشهقاً نحو الهند”" . أما البشائر الأولى للثورة 
النيوليتية » البداية الحقيقية للحضارة» فد انطلقت من سورية» حيث أثبتت الحفريات 
الأثرية إلتي ما زالت قائمة اليوم على قدم وساق» أن أولى التجمعات البشرية المستقرةء 
وأولى القرى المبنية في السهول المفتوحة قد قامت في سورية الجنوبية في منطقة فلسطين 
ووادي الأيدن خلال الألف العاشر والألف التاسع ق .م9" وإن أولى التجارب الزراعية قد 
تمت في المناطق الداخلية من سورية على طول الشريط الممتد من جنوب حلب إلى 
صحراء سيناء» ويعتقد أن قصب السبق في هذا المضمار كان لموقعين رئيسين هما موقع 
تل المريبط في الشمال عند شاطىء الفرات وموقع أربحا في الجنوب بوادي الأدن» وذلك 
نحو نباية الألف التاسع وبداية الأنن الثامن قبل الميلاد؟» . خلال الألفين التاليين» تم 
انتشار الزراعة انطلاقاً من مراكزها الأولى نحو جميع الاتجاهات , فلم يأت الألف السادس 
قبل الميلاد حتى كانت الثورة النيوليتية قد اتت ثمارها في جميع أنحاء الشرق القديم 
وانطلقت منها نحو آسيا وجنوب أوروبا”؟ . وهكذا يأتي علم الآثار ليدعم نظرية البؤرة 
الحضارية الأولى وانتشار الحضارة من مركز واحد في مقابل نظرية التطور المتوازى » ويشير 





1- 10610, 2265-7. 

8 2 أكقظ نوعل8 الماع مخ 1510951 غ15 ,لتنطح مول:ه0 -2 
71-74 م0 ,له نه هلة 01 01 عونا 12 رمقتصلة8 ى اعمط -3 
4 2 أفقظ عوقعءل8! عط 01 عنطاتامع7! عط1 ,أمقلاءكة وعسو[1 -4 


.255 م ]1 5 


إل مطلقة الملال الخضيب كموطن هذه البو حيث :بدا الاستقراز في الأرض وتبعته 
الزراعة في قرن افلال الغربي2» وظهرت المدينة الأول نواة مدنية اليوم في قرئه الشرق . 
ولسوف نأتي فيما يلي على سرد الخطوط العريضة لهذا التحول الكبيرء وذلك لأهميته 
القصوى لموضوع هذا الكتاب . 


لقد شكلت المرحلة الممتدة بين الألف العاشر والألف السادس قبل اللميلاد: 
مرحلة حاسمة في تاريخ الانسانية؛ فالتحولات الجذرية التي تمت هنا قد نقلت الانسانية 
من مرحلة الصيد والالتقاط إلى مرحلة الاستقرار والزراعة وتربية المواشي. وإن الدلائل تشير 
حتى الان إلى أن هذه التحولات التي شكلت القاعدة المككينة لحضارتنا المدنية قد تمت في 
الشرق الأدنى قبل أن تتم في أي مكان آخر على سطح الكرة الأرضية”". ولقد كانت نقطة 
انطلاق هذه التحولات مجموعة من الصيادين واللاقطين التي بدأت تدريجياً بالخروج من 
كهرفها والتجمع في وحدات قروية صغيرة شبه مستقرة أخذت شكلها الثابت مع مطلع 
الألف التاسع قبل الميلاد في منطقة فلسطين وغور الأدنء حيث ظهرت أولى القرى ذات 
البنية الحضرية المكينة » فيما يدعى بالحضارة النطوفية التي نشات وتطورت مستوطناتها 
المستقرة الأولى قبل ظهور أية دلالات واضحة على إنتاج الغذاء'"'. ولقد كان اقتصاد هذه 
المستوطنات اميتمراراً بطريقة جديدة لاقتصاد العصر الباليوليتي» إلا أنها قد أخحذت 
بالاعتهاد أكثر فأكثر على الاغتذاء بالقمح البري الذي كانت الشروط المناخية في المنطقة 
قد ساعدت على انتشاره بكثرة. فكانت المستوطنات في شكلها المتواضع البدني ع 
بصورة مؤقتة قرب حقول القمح البري على شكل مستوطنة أم. تدعمها معسكرات تابعة 
لمعا لجان سه امسو يف نذا رجال امود كار رايع نا ع 
الغذاء ليعودوا من ثم إلى مستوطنتهم ل لي 
وراء حقوق قمح أغنى وقطعان صيد أوفر”» 

. 7 2 رقع ناك الأامع7881 كملع ناع 8 ,لالاراج©. ل -1 
.1-3 22 روعع ةلالا ومعتموءءط ذ5ع.آ ,ررزلاتاقك. ل -2 


) راجع أيضاً ترجمة الاستاذ قاسم طوير 84 ١‏ ( 
421-430 25 بمم كسمل 16 ,بصوعق .0.2 -3 


وقد استمدت هذه الحضارة النطوفية احمها من وادي نطوف حيث تم العثور على أولى 
مواقعهاء وبعد ذلك تابع الكشف الأثري البحث عن امتدادات هذه الثقافة حتى تم 
اكتشاف ثلاثة عشر موقعاً رئيسياً من مواقعها وذلك في الشريط الضيق الذي يمتد بعرض 
ثمانين كيلومتراً على محاذاة البحر المتوسط بين خط عرض بيروت وخخط عرض القاهرة» 
أي من جنوب دمشق في الشمال حتى نهايات صحراء النقب باتجاه سيناء» فكانت هذه 
المنطقة من أكثر المناطق كثافة سكانية بمعايير ذلك الزمن. وفي الألف التاسع, أخذت 
المستوطنات النطوفية تأخذ شكل القرى المستقرة وبعضها كان يسكن لمدة تصل عدة 
مئات من السنين , أما تعداد سكانها فيتراوح بين الخمسين والمائتين والخمسين فردأء وهو 
تعداد كبير إذا ما قورن بتعداد التجمعات الباليوليتية السابقة التي لم تكن تزيد عن 
الخمسة والعشرين فرداً. في هذه القرى ظهرت العمارة لأْل هرة» وبنيت البيوت ذات 
الأساسات والجدران الصلبة والثابتة والأْضيات المرصوفةء فكان عدد بيوت القرية 
الواحدة يصل في بعض الأحيان إلى خمسين بيتا. ورغم أن الزراعة لم تكن قد اكتشفت 
بعدء إلا أن الاستفادة المكثفة من القمح البري وبعض الحبوب الأخرى كانت على 
مايبدو المرحلة المنطقية الممهدة للمرحلة الزراعية » حيث تم في المواقع النطوفية العثور على 
أدوات الامتفادة من الحبوب وتحضيرها للغذاءء وذلك كالمناجل الصوانية وأحجار 
الطاحون وما إليباء ومخازن الحبوب» دون العثور على أية بينة تشير إلى توصل هذه 
الحضارة إلى تقنيات الزراعة أو البداية المنظمة لتدجين الماشية0© 

وإضافة إلى النشاطات شبه الزراعية والصيد» فان التبادل التجاري الدولي» قد 
بدأ في شكله المتواضع البدثي خلال الفترة النطوفية» ولعب دوراً مكملاً في اقتصاد تلك 
القرى الأولى . فقد تم العثور في المواقع النطوفية على بعض أنواع أصداف الزينة التي يرجع 
مصدرها الى البحر المتوسط والبحر الأحمر مما يدل على وقوع تبادل تجاري مع تلك 
لمواقع. كا تشير الدلائل إلى حصول تبادلات تتعلق بأنواع أخرى من بضائع الرفاهية 
وبضائع الاستبلاك مثل الأحجار وقطع العظم المحفورة والجلود والملح (". نحو نهاية الألف 





71-7 11123109222لن) 01 عدنهظ عط1 برمقصسلعظ دعانوتح -1 
33 © رأكوظ قوع]2 عط 1ه عتطغتامع1! عط]1 ,إعقلاء81 وعصو[ 2 


عت /0ا كت 


التاسع انتبت الثقافة النطوفية » وشجرت قراها دوك سسب واأضح » مفسيحة لمجال لظهور 
القرى الزراعية الأزلى : 


أثبت عل الآثار الحديث بالتعاون الوثيق مع علم الحياة النباتية لما قبل التاريخ, أن 
الزراعة لم تظهر لأول مرة في وديان الأنهار الخصبة ؛ ]ا جرى الاعتقاد لفترة طويلة» بل في 
السهول والوديان الداخحلية التي ترويها مياه الأمطارء وفي المناطق التي شهدت لفترة طويلة 
نفو الحر لحقول الحبوب الببية وعلى الخصوص سهول سورية الداخلية وسفوح زاغروس 
الغربية شرق وادي الرافدين”2 فمع مطلع الألف الثامن قبل الميلاد تظهر البيندت على 
بداية التجارب الزراعية الأولى في سورية في أريحا جنوباً وفي تل المرببط شمالاً. وبذلك 
ييتدىء العصر النيوليتي الأول» الذي اصطلح على تسميته بنيوليتي ما قبل الفخارء والذي 
استمر حتى الالف السادسة قبل الميلاد 7 . م تظهر البينات بعد ذلك بوقت قصير على 
تدجين الماشية لاول مرة في الشرق القدجم في موقع «الخيام» غربي البحر الميت 7". 
تظهر أريحا كقرية مكتملة منذ عام 0٠.‏ / ق.م فوق موقع نطوفي قديم» 
وتستمر اهلة بالسكان مدة ألف عام كاملة حتى ٠7*5٠‏ / ق .م» وذلك على ما أعطته 
تواريخ الفحم ١4‏ . وني الحقيقة فإن إطلاق اسم قرية على هذا الموقع ليس إلا انسجاماً 
مع التسمية السائدة لمواقع ذلك العصر . ذلك أن أريحا كانت الموقع الرائد لسلسلة أعقبتها 
خلال الألفين التالبيين من مواقع أشباه المدن . فعدد السكان يقفز هنا من تعداد المواقع 
النطوفية الذي لم يتجاوز الثلاثمائة بأية حال, إلى الألفي نسمة وربما أكثر» في مساحة 
تزيد عن الخمسة هكتارات» ا أن البنية المدنية والسياسية والاقتصادية تتطور وتتعقد 
تاركة الى الأبد الشكل النطوفي البسيط . فاستمرار هذا الموقع قائماً لمدة ألف عام 
ومسكوناً بنفس الثقافة» إنما يذل على اقتصاد مستقر وثابت وعلى بنية مدنية وسياسية 
متطورة . كا أن السور الحجري الذي تم الكشف عن بعض أجزائه والذي يعتقد أنه يحميط 
بالمدينة من شتى جهاتها بسماكة ثلاثة أمتار وارتماع يزيد عن أربعة: وهو أول سور في 


6 2 عاإنالاباآطآ لهغخ2©) ,رأمقدالء11 وعتوو ل -1 
74 2 أموظ جروعلاط عط 01 عتطاتلوعل8 غط]' أنمدااء84 دعترره ل -2 


.5 2 روعئ4 لطاغتامع!! مم لع تاء]1 رمالالاوه ,ل -3 


دما ل 


التاريخ يبنى حول مدينة» إما يكشف عن موارد مادية وبشرية ضخمة بمقياس ذلك 
العصر » وعلى وجود سلطة مركزية متطورة قادرة على القيام بمثل هذا العمل الجماعي الجبار 
وتوجيبه والانفاق عليه. فإلى جانب الزراعة» تظهر التجارة كعامل مكمل في دعم 
اقتصاد أريحا. وييدو خلال هذه الفترة» أن خطوط التجارة قد امتدت إلى مئات 
الكيلومترات عبر سورية في اتجاه الشمال لتصل إلى الاناضول . فقد عثر في أريما على 
أدوات من حجر السبج (الاوبسيدان). وهو زجاج بركاني استعمله الأقدمون في صنع 
المرايا والنصال الصلبة الحادة» ولم يكن متوفراً إلا في منطقة واحدة في هضية الاناضول . 
كا كانت أَريحا تبادل بمواد الاسفلت والكبريت «الملح المتوفر من البحر الميت. وبعض 
المنتجات الحرفية المضنوعة محلياً. أما موقع تل المريبط 8٠١‏ 5 جنوب شرقي حلب)» 
فرغم كونه أصغر قليلاً من أريحاء إلا أنه يعكس خصائص مشاببة . فهنا توصل الانسان 
إلى اكتشاف تقنيات الزراعة منذ مطلع الألف الثامن قبل الميلاد» واستمر في سكن 
هذه القرية الزراعية الأولى مدة ألف عام كاملة كا هو الحال في اريحا. وقد تم هجر هذين 
الموقعين دون سبب واضح في نهاية الألف الثامن, حيث أتت إليهما بعد ذلك أقوام 
جديدة وحلت فيهما ثقافات أخرى . وهنا يتحول المركز الحضاري كلية من سورية الجنوبية 
إلى سورية الشمالية خلال الألف السابع قبل الميلاد» أي في المرحلة الثانية من العصر 
النيوليتي ما قبل الفخاري”" . 


خلال الألف السابع قبل الميلاد بلغت الثورة النيولتية غايتها » حيث صارت 
الزراعة العامل الأسامي في اقنصاد البؤرة الحضارية » بعد ان كانت في شكلها الأوِلي مجرد 
عنصر داعم » واكتمل الشكل المدني والسياسي للقرى الكبيرة المستقرة التي تزايد عددها 
بشكل كثيف من غابات ساحل المتوسط غربا الى حوض الفرات شرقاً مروراً بالسهول 
الداخلية وما يعرف الان ببادية الشام » ومن طوروس ثمالا الى اريحا في الجنوب . من هذه 
القرى ما تم الكشف عنه موّخرا في رأس شمرا على شاطىء المتوسط الشمالي ٠‏ وأبو هريرة 
وبقرص في حوض الفرات » وتل اسود على رافد بليخ » والكوم ومواقع اخرى حول 





42-51 2 أقو8 موعا8 عط 04 علطا تامع81 ع1 بأممولاء54 دعيو[ 1١‏ 


يده 


منطقة تدمر » وتل أسبود وتل الرمد حول مدينة دمشق.: وقد اعتمد الاقتصاد الزراعي 
لهذه المستوطنات على الوراعة المطرية » الا ان تقنيات السقاية البدائية قد بدأت بالظهور 
في اكثر من منطقة . وبالاضافة الى الزراعة فقد تابع إنسان المنطقة الاعتاد على الصيد » 
إلا أن تدجين الماشية الذي غدا نشاطا مستقرا قد حل تدريجيا محل الصيد . وقد ارتبطت 
هذه المستوطنات بعضها ببعض من خلال شبكة تجارية متطورة » حيث كان تبادل 
السلع يتم عبر دروب تتراوح من عشرات الكيلو مترات الى مئات الاميال . ؟! نشطت 
بشكل كثيف تجارة حجر السبج من الاناضول . كل ذلك جعل من المنطقة السورية 
وحدة ثقافية متكاملة '' . وني اواسط هذه الفترة حوالي 160.٠‏ ظهرت إلى الوجود 
مستوطنة شتال حيوك جنوب الاناضول » وهي أكبر مستوطنة نيوليتية تم الكشف عنها 
حتى الان »؛ وهي أقرب الى المدن السومرية الاولى التي ظهرت بعد .٠.ه"‏ قى .م في 
وادي الرافدين . بمعابدها وكهنتها المتفرعين وعسارتها المتطورة الجدارية وتماثيلها . فكانت 
هذه المديئة جزءاً من البؤرة الحضارية الأولى اغنتها واغتنت بها ”© 

مع غهاية الألف السابع وبداية الألف السادس قبل الميلاد يننبي العصر النيوليتي ما 
قبل الفخاري ليبدأ عصر الفخار ألذي ابدع فيه الانسان أرق فنونه التشكيلية . غير ان 
الألف السادس تيز بالتحول التدريجي للركز الثقل الحضاري من سورية باتجاه وادي 
الرافدين . فعبر الفترة الممتدة من ٠.5ه‏ الى 45.٠.‏ قبل الملاد نشأت في وادي 
الرافدين الاعلى وفي القوس الممتد من نهر اعفابور الذي يرفد الفرات الى شواطىء دجلة 
الوسطى و«الجنوبية ثلاث حضارات تتابعت وتتداخلت فيما بينها زمنيا وثقافيا » هي 
حضارات حسونهوسامِرَاء وتل حلف.رجميعها نشأ بتأثييات شرقية واضحة . ولم تقتصر 
كل حضارة من الحضارت على الموقع الأساسي الذي اغطاها اسمها » بل نشأ حول الموقع 
الأسامي عدد من المواقع الأخرى المتأئرة به» الدائرة في فلكه الثقافي » ا ان هذه 
الحضارات الثلاث قد انتشرت شرقا وغربا من المحيط المندي الى ساحل المتوسط » على 
طول اللخطوط التجارية البعيدة المدى . وقد تميزت هذه الفترة ببضة جمالية شاملة تجلت 





.445-66 22 ,2 عنطانامعل8 منم اراك طاءروك رعرم640 إعرلمم -1 


1م113 [0312) ,اأنقجلاء1] تعدرة[ -2 





على وجه الخصوص في الفخاريات الرائعة التي تعد من اجمل ما انتج العصر النيوليتي على 
الاطلاق » وذلك بخطوطها الجيومترية التي ظهرت لأول مرة في هذه المواقع والوانها البديعة 
الغنية والمتنوعة . 5 ان فنون وتكنولوجيا العصر النيوليتي من نحت وعمارة وحياكة 
وتقنيات زراعية » قد وصلت هنا الى ابعد مدى تتيحه طبيعة المرحلة. أما التعدين 
والصناعات المعدنية المتواضعة , فقد ازدهرت نسبياً في هذه الفترة تمهيداً لعصور المعادن 


َي 5 
القادمة 


مع اهيار حضارة حلف حوالي 45.٠‏ قبل الميلاد » تنبي ,الثقافة النيوليتية 
أشواطها الاخرة وتفسح المجال لعصر المدينة الذي كان موقع تل العبيد جنوني وادي 
الرافدين مقدمة له » مهيثا المسرح لظهور الحضارة السومرية التي ابتدأ معها تاريخ 
الانسان المكتوب . وقد انتشرت تأثيرات حضارة تل العبيد من مواقعها الرئيسية لتخطي 
كل المناطق التي شملتها تأثيرات الحضارات الثلاث الانفة الذكر ؛ ولم يبلغ للحضارة بمفردها 
قبل تل العبيد ان بلغ تأثييها في جميع الاتجاهات مبلغ هذه الحضارة © . الا انه منذ 
مطلع الألف الرابع قبل الميلاد يبدأ السومريون بالتدفق على وادي الرافدين الجنوني آخذين 
ببناء حضارة جديدة على أنقاض حضارة تل العبيد التي انطفأت مراكزها واحدا اثر الاخر 
بتأثير الضغط الجديد . ويبدو ان الثقافة السومرية التي ازدهرت فيما بعد مدينة الى ثقافة 
تل العبيد بأكثر ثما اعتقده المؤرخحون قبل أن يتم الكشف الكامل عن أوابد هذه الثقافة”" 

'أعطى السومريون كل العناصر الأولى الي قامت عليها حضارة الإنسان المكتوبة. 

فالى جانب الككتابة السومرية » وهي أول كتابة في تاريخ البشرية قدم السومريون العجلة 
واحراث وأوجدوا النظام العشري وقسموا محيط الدائرة الى 77٠‏ درجة والسنة الى 5568 
يوما ووضعوا اسس الرياضيات ومبادىء الهندسة وراقبوا الافلاك وبنوا المعابد واسسوا نظم 
الحكم والإدارة » وصاغوا الشرائع المكتوبة"' . وما أن يأتي 50٠.٠١‏ قبل الميلاد وهو 





63-66 28 .رامق عوعلة عط 2ه هممناوع نان0 اأمعلاأمدظ ,أمقولاء54 ووصيول 1١‏ 
٠ 119-126‏ 

2- 15010 22 130-22 

2 أاحفقظ تقعلظ 56 01 عنطاتامءل13 ع1 ,أمد[اء34 7265د[ -3 


.1ع لجرك 3 ممنوء8 1115019 ,تعصد ]ا .5.1 -4 


العام الذي تبدأ كتب التاريخ التقليدية منه سرد قصة الحضارة » حتى تككون الثورة المدينية 
قد اكتملت وبدأت بالانتشار خارج البوّرة الحضارية الأولى على الدروب نفسها التي 
سارت عليها الثورة النيوليتية . 


في الوقت الذي عبرت فيه الثقافة النيوليتية من سورية الى أرض الرافدين » كانت 
تنطلق في اتخاهات أخرى وخصوصاً نحو الشمال والغرب . وذلك يتأثير الاحتكاك 
المباشر والتجارة والتحركات الديمغرافية . فباتجاه الشمال اجتازت الأناضول الى قزوين 
والبحر الأسود . وبانجاه الغرب وصلت جنوب اورويا وقطعت البحر الى قبيص وكريت » 
حيث نجد الثقافة النيوليتية تظهر فجأة في هاتين الجزيرتين دون مقدمات » مما يدل على 
وصول مهاجرين ذوي ثقافة نيوليتية مكتملة . أما الانطلاق نحو ايران والهند من جهة 
وفمصرء بوابة افريقيا » من جهة ثانية فقد تآخر عن موجات الانطلاق السريعة الأولى0؟ . 
وهكذا كانت الثقافة النيوليتية تبتعد عن بؤرتها في حلقات يولد بعضها بعضاً طاردة أمامها 
الثقافة الباليوليتية حتى بلغت شواطئ اللحيط الأطلسي الأوروبية » والمحيط الحادي عند 
أطراف الصين . وهناك توقفت فترة قبل أن تتمكن من العبور نحو العالم الجديد عن طريق 
بولونيزيا وميلانيزيا"» فعند حدود الأطلمبي لانعثر في تلك الأطراف الأوروبية على دلائل 
لانتاج الغذاء قبل عام 4.٠٠‏ ق.م» وكذلك الأمر في الصين . أما في العالم الجديد 
فيبدو أن الزراعة لم تتوطد تماما بعد فترة التجارب الابتدائية قبل عام . . ه 7 ق .م7" 

وعندما كانت الثقافة النيوليتية تجاهد لاكتساب العالم » اكتملت الثورة المدينية في 
سومر وانطلقت منها أول ما انطلقت حو اند ومصر 2 فكانت التأثيرات السومرية 
بمثابة المحرض الأول للنبضة المدينية الأولى مع مطلع عهد الأسرات في مصر عام ١.١‏ 
ق .م بعد ذلك انطلقت الثورة المدينية نحو كريت غرباً والحند شرقاً في الوقت نفسه تقريباً 
عام 7٠١‏ ق.مء ووصلت الصين عام ١٠٠١‏ ق .م . وأخيرا عبرت المحيط الهادي نحو 





275 © أموظ موع[ز عط ,0 علطغنامغل8 عط ومققلاء54 دعممدل -1 
.5 .2 ملاع 10مطخ43 )ماعط ,لأعطم صقن طترعدهل -2 
178-44 ,142-143 25 ,مسدلا عتمأمتطعرط ,5210000 أرعط 80 -3 


28 أمظ طوءل! امعاعصة ]31405 عطا , للنطت م006 -4 


حت ست 


عام اججديد فوصلت أمريكا الوسطى والحنوبية يين القرن السابع والققرن الرابع قبل 
لاد( وعلى ذلك يمكن القول بحق أن الحضارة الكونية عبارة عن شجرة والحدة ذات 
أصل واحد وفروع 20 


الأسطورة الأولى : 


ان المقدمة التي سقناها حول أصل الحضارة ونظرية البؤرة الواحدة » كانت ضرورية 
لتحديد منطلق هذه الدراسة . فاذا كانت البؤرة الحضارية قد قدمت الاسس التقنية 
والمادية الأولى التي قامت عليها الحضارة من زراعة وتدجين ماشية وعمارة وفن وكتابة ونظم 
مدينية وما اليها » فانها بلا شك كانت الرقعة التي نضجت فيها تأملات الانسان البدئية 
وتصوراته الدينية وأساطيره . ولذا فان البحث في هذه العوامل غير المادية للحضارة يجب 
ان يأخذ نقطة انطلاق له من المكان الأول الذي نشأت فيه هذه العوامل » فيدرسها في 
بينتها الأولى ليلاحظ فيما بعد كيفية انتشارها خارج هذه البيئة . اي أن نقطة الانطلاق 
يجب ان تكون من ديانة الثقافة النيوليتية وأساطير زارع القمح الأول » والشكل اللاحق 
هذه الديانة والاساطير في المجتمع المديني الاول الذي تلا » ومن ثم دراسة تنوعاتها من 
خلال عبقريات الحضارات الأخرى ونظمها الدينية والأسطورية . إن المنبج المقارن الذي 
اعتمد حتى وقت قريب دراسة الثقافات البدائية القائمة اوالقريبة منا زمنيا » ثم إسقاطها 
على الاشكال الاولى لديانات الانسان واساطيه , لم يعد مبررا الان بعد ان صارت بين 
أيدينا الوثائق الدينية للعصر النيوليتي من تماثيل وعادات دفن وهياكل عبادة وما الها . الا 
ان هذا النهبج المقارن سيبقى مفيدا عندما يتعلق الامر بملء بعض الفجوات الاساسية 
التي تعجز هذه الوثائق عن ماثها . 


إن نظريتنا في هذا الكتاب تقوم على القول بنشوء ديانة مركزية واحدة وأسطورة اولى 





.148 ,لزع 1473:5010 نوعط ,اأعطمتصةنت طمءوه1 -1 
.149 2 ,1510 -2 


عت 777 


في العصر النيوليتي » كانت ذات تأثير مباشر على الاشكال الدينية والاسطورية لدى 
جميع الغقافات اللاحقة » بدءا من امجتمع المديني الاول في وداي الرافدين وانتهاء 
بالديانات الكبرى للحضارات اللاحقة . فمع انتشار الاسباب المادية للثقافة النيوليتية 
من بؤرتها الأولى » انتشرت معها الافكار المرتبطة بحضارة الاستقرار والزراعة » وقام كل 
شعب من الشعوب التي تبنت الثقافة الجديدة بابتكار تنويعه الخاص انطلاقا من هذه 
المعطيات الأول . وهذا ما يفسر لناء» يحق ء تشابه الأساطير الأساسية لذى شعوب 
العام القديم » وهو التشابه الذي سنعمل على كشف كثير من جوانبه عبر فصول هذا 
الكتاب . ورغم ان جهدنا لن ينصب بالدرجة الاولى على اثبات هذه النظرية في مقابل 
نظرية النشوء المتوازى المعاكسة الا ان البرهان سيتكامل من تلقاء ذاته تدريجيا وذلك من 
خلال المجرى الرئيسي لدراستنا وهو : الالحة الأم . 


كيف كانت ديانة الانسان النيوليتي وعلى أي شكل جاءت اساطيه » وما فحوى 
غيبياته فيما وراء المادة ؟ لم يعرك العصر النيوليتي لنا نصوصا مكتوبة ولكنه ترك لنا رسوما 
وَاثيل ومدافن ومعابد ,» حملها كل ما يمكن ان تحمله الرقم المخطوطة » فوصلت اليتا 
رسائله عبر فنونه وجمالياته وابداعاته التشكيلية والمعمارية . ولقّد صار لدينا الاك ثروة من 
نتاجاته كافية لفهم حياته الروحية وتصوراته الدينية وطبيعة طقوسه وعباداته . وفي الحقيقة 
فد ورت الثقافة النيوليتة الزراعية المعطيات الثقافية للعصر الباليوليتي وطورتها في اتجاهات 
تتلاعم واسلوب الحياة الجديد » وذلك أضافة لابداعاتها الخاصة التي أنشأتها من العدم . 
وني المجال الديني ورت عن اخر حلقات العصر الباليوليتي (00.رء* ب 0٠ر١٠‏ 
ق .م ) تصورها للقرة الاغية في شكل وماهية انثوية » هي الام الكبرى للكون.غير ان 
الانسان النيوليتي قد بنى حول هذا الشكل الالحي القديم بنية جديدة من التصورات 
والاعتقادات والاساطير » ذات فحوى ومضامين تتصل بالزراعة التي غدت جوهر حياته 
واساس تنظيمه الاجتاعي والسيامي . فالديانة النيوليتية الاولى والحالة هذه هي ديانة 
زراعية في اعتقادها وطقسها والاسطورة الاولى هي أسطورة زراعية تتركز حول إلهة واحدة 
هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي » وشكلها المدجن الجديد الذي تشارك يد الزارع 
في قولبته وتاهيله . 


58 ده 


كائت إلهة العصر الباليوليتي ومطلع العصر النيوليتي » وحيدة تتربع على عرش 
كون ولكننا مع نضوج الثقافة النيوليتية واكتهال الشكل الاقتصادي الجديد وتزايد الدور 
اجتماعي للرجل بعد ان. كان المجتمع حتى ذلك الوقت أموميا في جوهره » نجد الى جانب 
لاههة الكبرى ابنها الذي دعته عصور الكتابة بتموز أو أدونيس . لاندرى بأي أسم 
دعاها عبدتبا الأولون » ولكننا نعثر على تمائيلها في كل موقع من مواقع العصر النيوليتي » 
هذه اسمائيل التي ابتدأت طينية صغية على شكل دمى (0) وانتبت حجرية ضخمة 
تسكن المعابد الكبرى . وعندما تعلم الانسان الكتابة أخبرنا يأسمائها وقدمتها لنا فتونه 
لتشكيلية في صور شتى ترمز كل منها الى خصيصة من خصائصها أو جانب من 
جوانها . فنراها في هيئة امرأة حبلى أو أم تضم الى صدرها طفلها الصغير » أو عارية 
*نصدر تمسك ثديها بككفيها في وضع عطاء » أو ترفع بيدها باقة من سنابل القمح »أو 
باسطة ذراعيها في وضع من يستعد لاحتواء العالم » أو ممسكة بزوج من الافاعي » أو 
معتلية ظهور الحيوانات الكاسة . 
ولقد لعبت المكانة الاجتّاعية للمرأة في تلك العصور ٠‏ والصورة المرسومة لحا في 
ضمير الجماعة » دورا كبيرا في رسم التصور الديني والغيبي الأول وفي ولادة الأسطورة 
لأولى . كانت المرأة بالنسبة لإنسان العصر الباليوليتي موضع حب ورغبة » وموضع 
خوف ورهبة في ان معا مج جد ا حر جديا 0 رجو عطارها بتع حلفي 
حياة : ودورتها الشهرية المنتظمة في ثمانية أو تسعة وعشرين يوما تتبع دورة القمرء 
وخصبها وما تفيض به على اطفاهاً هو خصب الطبيعة التي بهب العشب معاشا لقطعان 
الصيد » يمار الشجر غذاء للبشر » وعندما تعلم الانسان الزراعة وجد في الأض صنوا 
لنمرأة فهي تحبل بالبذور وتطلق من رحمها الزرع الجديد . لقد كانت المرأة سرا أصغر 
مرنبطا بسر أكبر » سر كامن خخلف كل التبديات في الطبيعة والاكوان » فوراء كل ذلك 
أننى كونية عظمى ؛ هي منشأ الأشياء ومردها . عنها تصدر الموجوادات والى رحمها يؤول 
كل شيء "ا صدر . 


غير أن الأنظمة الدينية النيوليتة تتزعزع مع بزوغ عصر الكتابة » وظهور المدن 





(0) مازالت التنقيبات الجارية في المواقع النيوليتية في سورية تمدنا بهذه الدمى الطينية للإغة الأم 


الكبييرة ذات التنظيمات المدنية والسياسية والاقتصادية المعقدة » التي عكست واقعها 
على الحياة الدينية الجديدة . فمع انتقال السلطة في المجتمع تمائيا الى الرجل » وتكوين 
دولة المدينة القوية ذات النظام المركزي والهرم السلطوى والطبقي التسلسلي الصارم , الذي 
قام على انقاض النظام الزراعي البسيط » يظهر الآلة الذكور ويتشكل مجمع الآلهة برئاسة 
الإله الأكبر » ذلك المجمع الذي يعكس تشعب الاختصاصات وتقسم العمل في المجتمع 
الجديد وتمركز السلطة في يد الملك . هنا تجد الالحة الكبرى للعصر النيوليتي نفسها وقد 
غدت إحدى الحة المجمع » بعد ان كانت الإلهة الواحدة لايشاركها في السلطات سوى 
ابنبا الذي نشأ عنها » وكان مقدمة لظهور بقية الالة الذكور . غير ان هذا التحول في 
مكانة الأ الكبرى » لم يتم الا على النطاق الرسمي » بيغا بقيت مكاتها القديمة على حالها 
في ضمير الناس عامة ممن لم يتوجهوا الا اليبا عند الخوف واليأس وأزمنة الشدة . 
ومن ناحية اخرى فإن الكتابة التي ابتكرها الانسان في مطلع العصر المديني » 
وراح يدون بها اساطيو الموروئة عن أسلافه البسطاء قد ساهمت في تظليل صورة الأم الاولى 
والقاء غلالات سميكة امام وجهها ء فالكهنة المتفرغون ممن ساعد الرفاه الاقتصادي في 
اجتمع الجديد على تفرغهم كلية للنشاط الديني ٠‏ والذين كانوا أول من استعمل الكتابة 
وحفظ أسرارها المقدسة » قد راحوا يدونون أساطير الأمس بلغة اليوم الشعرية » التي 
ابتعدت عن اصلها الطبيعي المباشر متجهة أكثر فأكثر نحو المجاز والرمز » وانتشت 
نفوسهم ببذه الاداة الجديدة » فأخذوا يطلقون على الأم الكبرى أسماء متعددة يشير كل 
منها لوظيفة من وظائفها أو خصيصة من خصائصها . م استقلت الأسماء فصارت ذوات 
منفصلة بتاثير الاتجاه الديني الجديد . ولكن دون أن يفقد الانسان إحساسه بالوحدة 
الصميمية لهذه الذوات وتطابقها » وبكوتها تنبع وتصب في ذات واحدة . فالفكر 
الأسطوري لاييمه أن يعبر عن الحقيقة بطريقة مباشرة, ا هو شأن الفكر الفلسفي 
والعلمي اللاحقين » بل انه يسعى الى التعبير بلغة المجاز والخيال والرمز » وإيصال رسالته 
الى :القلرب وامقاعر ل إلى المقول والأذهات: :والاسطورة"». ولغالة هذه اسيك يق 
شكلها وما ترويه من قصص واحداث » بل هي كالحلم الذي يبدو غامضا متنافر الوقائع 
ولكنه غني بكل معنى ودلالة . إن منطقها ليس منطق أن : «آ» هو «(» وليس 
«ب» ء م هوالحال عند ارسطو . بل منطق أن : »١«‏ هو عين «ب» إذاكان الاثنان 


ا كك 


يشفان عن حقيقة واحدة ؛ ويظهران كتبد لمبدأ واحد . إن آخر مرب للأسطورة أن 
تؤخذ بحرفيتها وشكلها ونصها ٠‏ لأنها اشارة وايماءة » لانصوص تقريرية منتبية . 
من الأسماء التي استقرت فصارت ذواتاً, نجد في سومر الالهة «نمو» الالهة البدئية 
دنياه الأولى ٠‏ و«زنانا» إهة الطبيعة والمخصب والدورة الزراعية . وفي بابل ند 
«ننخرساج» الأَم ‏ الأَرْض و عشتار المقابلة لانانا . وفي كنعان «عناة» و «عستارت» 
وني مصر «نوت» و «إيزيس» و «هاتور» و «سيخمت» وعند الاغريق «ديمتر» و 
«جيا» و «رحيا» و «أرمقيس» و «افروديت» . وني فرجيا باسيا الصغرى «سيبيل» . 
وني روما «سييس» و «ديانا» و «فينوس» . وفي جزيرة العرب «اللات» و «العزى» و 
«مناة» وفي الحند «كالي» . وفي حضارة السلت الأوربية «دانو» و «بريجيت» . أسماء 
متنوعة لالمة كانت واحدة قولا وفعلا في العصر النيوليتي » فصارت متعددة قرلا وواحدة 
فعلا في عصور الكتابة . وافي لأدعوها في هذا الكتاب باسمها البابلي «عشتار» » اي 
عيش الأرض . 
قد يعجب من تعود قراءة الكتب الأكاديمية ية في الأسطورة » مما نقول به من تطابق 
بين امات تعرف إليبن كلا على حدة : إلا أن أحد أهدافنا الرئيسية في هذا الكتاب هو 
البحث عن التطابق في التباعد وعن الوحدة في الشتات . ولسوف يتفد يتفتح اللغز تدريجيا 
وبشكل تلقائي عبر الفصول القادمة . وها هي «إيزيس» تقدم لنا منذ البداية بعض المعونة 
ذ تقول عن نفسها في أحد النصوص من الفترة الرومانية : «أنا أم الاشياء جميعا » سيدة 
العناصر وبادئة العوالم . حاكمة ما في السموات من فوق وما في الجحيم من تحت » مركز 
القوة الربانية . أنا الحقيقة الكامنة وراء الآلهة والالهات » عندي يجتمعون في شكل واحد 
بهيئة واحدة . بيدي أقدار أجرام السماء ورخ البحر وصمت الجحمم . يعبدني العام 
بطرق شتى وتحت أسماء شتى ٠»‏ أما اسمي الحقيقي فهو «إيزيس» , به توجهوا الى 
بالدعاء»0© , 


لايقتصر لغز عشتار على تعدد الأسماء وتنوع التجليات ٠‏ بل يتعدى ذلك الى كل 





6 2 ,نرومامطعرا؟ عاتتصلوط مللعطمسق طمعوم3 1 


57 جد 


ما يتعلق بها من خصائص ووظائف وطقوس وأساطير وتراتيل . ولعل في لغز عشتار البابلية 
نموذج لالغاز شبيباءها عشتارات الثقافات الأخرى . فكل سر من اسرارها يفضي الى سر 
آخر . وما نكاد أن نمسك بها في صورةحتى تهحل الى اخرى » أو نقيض عليها في هيقة 
حتى تنقلب الى نقيضها . هي ربة الحياة وخصب الطبيعة » وهي الملاك والدمار وربة 
الحرب . في الليل عاشقة وفي النهار مقاتلة ترعى المواقع وتغشى المذابح . هي الأ الروقم 
الحانية » راعية الحواملٌ والمرضعات الحاضة أبدا قرب سرير الميلاد » وهي البوابة المظلمة 
الفاغرة لالتهام جفث البشر . هي ربة الجنس وسرير اللذة » وهي من يسلب الرجال 
ذكورتهم ويخصى تحت قدميها الأبطال . هي القمر المنير وهي كوكب الزهرة . هي النور 
ورمزها الشعلة الابدية » وهي العتم والظلمة وما يخفى . هي القاتلة » وهي الشافية هي 
العذراء الابدية » وهي الام المنجبة . هي البتول وهي البغي المقدسة . هي ربة الحكمة وهي 
سيدة الجنون . هي الاشراق بالعرفان وهي غيبوبة الحواس وسباتها . التقت عنده 
المتناقضات وتصالحت المتنافرات . 


إن بحثنا في لغزعشتار هو في الوقت ذاته بحث عن الاسطورة الازلى » والديانة 
المركزية الأولى والطقوس الأولى . إنه بحث عن أصول الديانات البشرية ومردها » عن مبعداً 
الحياة الروحية والغايات التي تسعى اليبا . عدتنا في هذه المغامرة أداة .. وخيال . أما 
الاداة فهي ما تركه لنا الأقدمون من أساطير ونصوص طقسية وصلوات » وما كشفت 
عنه الحفريات من رسوم ونقوش ومنحوتات . وأما الخيال » فليس خيالا جاتحا فوق الحد 
والقيد » بل هو الخيال اللازع لأي معرفة ومغامرة فكر . سيساعدنا الخيال على تخطي 
صرامة الفكر الحديث , الذي يحآم تركة الماضي بأطر العصر ومنطقه وعلومه الوضعية » 
فنلبس لبوس الانسان القديم وننظر الى العالم بعينيه » ونفكر بطريقته ومن خلال منطق 
أسطورته . سنرى الى الاسطورة من داخلها » ونببط الى مستوياتها السرانية الباطنية 
منحدرين من شكلها الخارجي الى اعماقها الحقيقية » ما يظن فكرنا المنطقي العلمي 
الفلسفي أنها تقول الى ما تريد فعلا ان تقول . 

ومن ناحية اخرى فلن يكون منهجنا تاريخيا يعتمد تسلسل المراحل وتتابعها . ولا 


اثنولوجيا يعتمد دراسة معتقدات كل شعب على حدة ومقارنتها » من ثم » بمعتقدات 


لت 7 سد 


نشعوب الاخرى . بل سنضع أنفسنا في قلب اللغر متتبعين طريقنا في كل الاتجاهات 
سيا وجغرافيا وإثناً لنصل الى اطرافه . وستقدم لنا في كثير من الأحيان أعمال الانسان 
نمنية التشكيلية معونة أكبر مما تقدمه لنا نصوصه المكتوبة . فالكلمة مخادعة مخائلة » 
م تسيا ياد ينانا لحل اكير كاحي سات ١‏ اجرلا ل 
“نا وأكثر قدرة على الايصال . غير أن الأداتين ستتعاونان تعاوناً فعالاً في مسار البحث» 

فيبقي العمل الفني ضوءا على النص » ويفلك لنا النص رموز العمل الفني . إن عملا فنيا 
م ن العصر البويتي سيففي غموبا على آخر من مطلع عصر الكتية» أو على نص من 
فرة الحضارات الكبرى . وبالمقابل فإن نصا مكتوباً سيعيننا على فهم عمل فني تركه 
صاحبه دون رسالة مكتوبة . سوف تتبادل عشتار المعابد الكبرى واماثيل الرخحامية الرائعة 
أسرارها مع عشتار المزارع الاول الذي صنع لها الدمى بطين حقله معجوتا بعرق بدنه » 
وستتعاون الاثنتان على كشف كثير من جوانب الديانات الكبرى اللاحقة » التي 
يربطها بأول طقس قام به به إنسان المستوطنات الزراعية في سورية وهو يزرع سنبلته الأولى » 
خيط مكين . 


عشتهر سيدة الأسرار . من يجروٌ على هتك سرها حلت عليه لعنتها المقيمة . تقول 

عر. ن نفسها بلسان الأ المصرية انكرى : «أنا ماكان , وما هو كائن , وما سيكون .. 
دما من إنسان بقادرعلى رفع برقعي 20 ومن حاول رقع السبتر عنها لقي نصير الشاب 
الذي أزاح البرقع عن تمثال لايريس في أحد هياكلها » فأصابه الخبال الما رأى وانعقد 
لسانه بقية حياته . وكذلك مصير الشاب الصياد الوسيم «اكتيون» الذي اقفحم على 
ا ل ا يي ا لدي الكريه متسل قد أ 
طاردته كلابه فمزقته اربا اربا . هذه القصص لاتشير الى احتجاب عشتار يجسدها فهي 
العارية أبدا التتي صور الإنسان جسدها منذ أن تعلم تشكيل المادة بيديه » ولكنها تشير 
الى لغزها الكبير وحيرة الألباب في أمرها . ومع ذلك فاننا سوف نبدأ برفع براقعها ولحدا"' 
تلو آخر» لتكشف عن وجهها الأحاذ » وجه الأنثى الخالدة الكامن في ضمير كل 


اس سس 


ع 113250108 سمناموع8 دوزلا , 1-7 


58 ل 


منا . سننطلق من المشهد البانورامي الواسع لأسطورة الشرق القديم وأساطير الحضارات 
الكبرى » ونصعد الأحراش الجبلية في طريق ضيقة وعرة نحو البحييةٍ الصافية التي تستحم 
فيها عشتار . وعندما نصل » لن يثنينا عن الاقتحام لعناتها المقيمة » لأننا لانكشف عن 





عرنرار الام الكخيى 


امجتمع الأمومي ‏ فردوس الأرض : 


كان الاعتقاد سائداً حتى أواسط القرن التاسع عشر » ان العائلة بشكلها الابوي 
القائم اليوم » قديمة قدم المجتمع الانساني , وأن المجتمعات الأولى قد تشكلت في بداياتها 
نتيجة لتجمع عدد من هذه العائلات وتزايدها تدريجيا . الا ان هذهٍ الفرضية قد تهاوت 
أمام النقد العلمي الذي وجهه إليبا عدد من رواد الأنتروبولوجيا والعلوم الانسانية 
الأخرى » ممن قدموا في دراساتهم الادلة الكافية على وجود شكل أقدم من أشكال العائلة 
سبق شكلها الابوي الحديث نسبيا . وهذا الشكل لايقوم على قيم الذكورة وسلطة الاب » 
بل على قي الانوئة ومكانة الأم© . إن التجمع الانساني الاول لم يؤسس بقيادة الرجل 
امحارب الصياد » بل تبلور تلقائيا حول الام التي شدت عواطفها وحدبها ورعايتها » الابناء 





.27-8 ,2ط رتنع طاه184 عط ,األبده كلظ امعطم -1 


حوها في أول وحدة إنسانية متكاتفة هي العائلة الامومية خلية المجتمع الأمومي الأكبر . 
ذلك ان عاطفة الأم نحو اللادها وعاطفة الاولاد نحو امهم . هي العاطفة الاصلية 
الوحيدة » وكل ماعداها يأتي بالاكتساب والتعلم لايسثنى من ذلك عاطفة الأب نحو 
ابنائه وعاطفة الأبناء نحو ابمهم » التي تأتي بالصقل الاجتّاعي ومعرفة الواجب الاخلاتي . 
لقد عرفت المأة قبل أن يتعلم الرجل » كيف توسع دائرة ذاتها بالحب لتشمل ذاتا أخرى 
ومخلوقا اخر » وكيف توجه كل ما لديها من هبات الطبيعة نحو حفظ تلك الذات الاخرى 
وتنميتها كنفسها , وكيف تفتح هذه الدائرة بعد ذلك لتشمل أولاد أولادها وأولاد النساء 
الأخريات , لان كل رحم ينجب إخوة وأخوات للمولودين من رحم آخر . بالولادة » 
تزدوج المرأة جسدا ونفسياً » وتوسع افاق كيانها الطبيعي والروحي » أما الرجل فهالمولود 
الجديد يشد أزره ويدعم وضعه الاجتاعي ويحافظ على ممتلكه في مقابل تمتلك الأخرين , 
ويتمرأى أمام ذاته . فالمبدأ الأمومي يجمع ويوحد , والمبدأ الاببي يفرق ويضع الحواجز 
والحدود . المبدأ الأمومي مشاعة وعدالة ومساواة » والمبدأ الأبوي تملك وتسلط وتمبيز . 
الأمومية توحد مع الطبيعة وخضوع لقوانيتها . والأبوية خروج عن مسارها وخضوع 
لقوانين مصنوعة 00 


في المجتمع الأمومي » اسلم الرجل قياده للمرأة » لا لتفوقها الجمسدي بل لتقدير 
أصيل وعميق لمخصائصها الانسانية وقواها الروحية وقدراتها الخالقة وايقاع جسدها المتوافق 
مع ايقاع الطبيعة . فاضافة الى عجائب جسدها الذي بدا للانسان القديم مرتبطا بالقدرة 
الالمية » كانت بشفافيه روحها أقدر على التوسط بين عالم البشر وعالم الالحة » فكانت 
الكاهنة الأوْلى والعرافة والساحرة الأولى . بهذه الأسلحة غير الفتاكة » مضى الجنسن 
الأضعف قوة بدنية فتبوأ عرش الجماعة دينيا وسياسيا واجتاعيا » وأمام هذه الأسلحة 
أسلمت الجماعة قيادتها للأمهات ”©. ولقد عزز الدور الاقتصادي للمرأة مكاتها هذه . 
فلقد كانت بحق المنتج الاول في الجماعة » لكونها المسؤولة الأولى عن حياة الاظفال وتأمين 


.79-80 22 مأطونظ ععطأه154 لقنة ومنهنالءه ,طغن1843 رمع أمطعد8 .ل.ل -1 
85-6 .22 .15010 -2 


سبل العيش لهم . كانت المرأة مسؤولة عن تحضير جلود الحيوانات وتحويلها الى ملابس 
ومفارش وأغطية » وكانت النساجة الألى والخياطة » وأول من صنع الاواني الفخارية . 
وبسبب قضائها وقنا طويلا في البحث عن الجذور والأعشاب الصالحة للأكل تعلمت 
خصائص الأعشاب السحرية في شفاء الامراض » فكانت الطبيبة الأولى . وكانت من 
يني البيت ويصنع أثاثه » وكانت تاجرة تقايض بمنتجاتها منتجات الآخرين”" . ومن 
وجود شعلة النار المقدسة في معابد الحضارات المتأخرة » وقيام عذراوات المعبد بحراستها 
والابقاء عليها مشتعلة » نستطيع الاستتتاج بأن شعلة النار الأولى قد اوقدها المرأة وكانت 
أول حارس عليها حافظ لأسرارها . وأخيرا توجت الرأة دورها الاقتصادي الكبير 
باكتشاف الزراعة ونقل الانسان من مجتمع الصيد والالتقاط الى مجمع إنتاج الغذاء © بينا 
حافظ الرجل طيلة هذه المرحلة على دوره التقليدي في الصيد والتنقل بحثا عن الطرائد 
الكبيرة . 


في ذلك المجتمع القديم المتمركز حول الام » فاضت باق المرأة وصفاتها لتصبغ 

حياة الجماعة وقيمها وعلاقاتها ونظمها وجمالياتها . فحب الرأة لأطفاها 0 العاطفة التي 
ميزت علاقاتها بامحيط الأوسع . وهو الموذج الأساسي للعلاقات السائدة بين أفراد ينظرون 
لبعضهم على أنهم أخوة في أسرة كبوة تتسع لتشمل امجتمع الأمومي صغيرا كان 
أم كبيرا. ومعاملة المرأة لأطفالها دون تمييز قاهم على خصائص معينة او قدرات وقابليات 
ومنجزات . هي التي أسست لروح العدالة والمساواة الاجتاعية القائمة في الجماعة 
الأمُومية . وابتعاد سيكولوجية المرأة عن كل ميل نحوالتسلط والاستبداد » هو الذي أعطى 
هواء الحرية الذي تنفسته الجماعات الأمُومية طيلة عهدها . ونفورها من العنف الجسدي 
الا عند الحاجة الحقيقية اليه » قد أشاع السلام بين افراد الجماعة ذاتها وبين الجماعات 
الأمومية الأخرى . وفيضها الطبيعي على من حوها دون حساب كان أساس المشاعة 
البدائية وعدالة توزيع الثروة ضمنها . مناخ اقرب الى مناخ فردوس فقده الانسان بحلول 





100-104 22 رووعط 3710 ع1 والنتة ك8 معطمج 1 
7 2 أطقل8 تعطاهك7 ممه ممنوتك8 ,طاوكز ,مواموطعة8 .1,1 -2 


عد 0 تم 


مجتمع الذكر الذي ضيع السلام والدعة » را الى الأبد ره . 

ولقد جاءت بينات البحث الاركيولوجي الحديث لتثبيت بعض سمات المجتمعات 
الأمومية القديمة . فالمستوطنات المستقرة الأولى في سورية منذ الألف التاسع إلى الألف 
السادس قبل الميلاد » كانت تهجر بعد فترات طويلة من سكناها دون بينة على وجود 
تدمير او حرائق أو حروب . ولا يشذ عن ذلك مدينة أريحا الشهية بسورها الكبير 0 » 
فرغم تأكيد البعض على الغاية الدفاعية لهذا السور . فان البينة الموضوعية لم تؤٌكد 
ذلك » خصوصا وان المدينة لم تكشف بكاملها بعد ولم تظهر طبيعة الاجزاء المدفونة 
الباقية من ذلك السور الذي رما كان محرد تقنية هندسية لدعم المنازل الملاصقة له . 
يضاف الى ذلك أن مستوطنات تلك الفترة لم تعرف الأسوار قط © . 

غير أنه يجب ألا يتبادر الى الذهن أن دور الرجل في الجماعة الأمومية كان دور 
التابع . ذلك أن الرجل قد بوأ المرأة مكاتها احتراما وتقديرا لاخنوعا » ورجال العصر 
الأمومي كانوا أكثر عزة وأنفة وفروسية من رجال العصر البطريركي . فقد نقل إلينا مؤرخو 
اليونان ممن احتكوا بأقوام كانت تعيش أختر عصور الأمومية » أو سمعوا بأخبارها » إن 
رجال تلك المجتمعات كانوا من أفضل فرسان عص,هم على الاطلاق ء وكانت بطولتهم 
وتضحيتهم في المعارك مضرب الأمغال9 , ثم يأتي أرسطو في كتابه «السياسة» فيؤكد 
هذه الحقيقة ويجعل منها ظاهرة ثمولية عندما يقول ان أغلب الشعوب العسكرية الميالة الى 
القتتال هي شعوب منقادة إلى النساء». ذلك أن المرأة رغم, طبيعتها المسالمة » تسلك 
سلوك اللبوة الكاسرة اذ يتعرض أشباها للخطر . 


مر المجتمع الأمومي » عبر تاريخه الطويل بمراحل متعددة انتبت بالانقلاب الكبير 
الذي قام به الرجل مستلما دفة القيادة من المرأة ومؤسسا للمجتمع الذكري البطريركي . 





80-1 252 لزط1 -1 

دنآ [02:4) ,مهلاء51] وعدية[ 2 
21 رقعنتو نط أتامع1! ماعنا ,مانيو ,[ -3 

1 2 لطعن8. ععط:ه3840 لمد 0 طان14 ,مع أمطعة8 .1.7 -4 
أرسطو ء في السسياسة . ص84 57 


راجع نتائج التنقيب في كتاب : 


8 77بهت 


ونستطيع تتبع وفهم تلك المراحل , بتتبع أشكال العائلة الأمومية ونمط العلاقة الجنسية 
القائم بين المرأة والرجل في كل شكل . ففي البدايات السحيقة للتجمعات الانسانية » 
كانت العلاقات الجنسية حرة تماما دون ضابط أو قانون .حيث كل امرأة لكل رجل ١‏ 
وكل رجل لكل امرأة . وهذا الطور موغل في القدم لدرجة يستحيل معها تقديم القرائن 
المباشرة على وجوده . الا ان إثباته يتأق من أطوار لاحقة له منبثقة منه » أطوار حل فيها 
نوع من التنظيم المتطور . والتنظيم لايأتي الا لضبط حالة سابقة من الفوضى وانعدام 
النظام . ولعل نظام عائلة قربى الدم هو الشكل الأول الذي ورث وضع الفوضى البدائية . 
فوفق هذا النظام تنقسم الجماعات الزواجية حسب الاجيال » فنجد جميع الجدود 
والجدات في نطاق القبيلة أزواج فيما بينهم, وكذلك الامر فيما يتعلق بأولادهم أي الاباء 
والأمهات » بينا يشكل اولاد هلا الاخرين الحلقة الثالثة في حلقة الجماعات الزواجية . 
وهكذا نجد أن هذا الشكل قد حرم العلاقة الجنسية بين الآباء والأبناء » من دون الاخوة 
والأحوات . وهي الخطوة التي قام بها الشكل اللاحق . فإذا كانت الخطوة التقدمية في 
تنظم العائلة قد تلخصت في تحريم العلاقة الجنسية بين الاباء والابناء » فقد تلخصت 
الخطوة الثانية في تحريم العلاقة الجنسية بين الاخوة والاخوات . وهذا ما أدى الى تفتيت 
المشاعات القديمة وظهور عائلات زواجية أضيق » حيث كانت مجموعة من الأخوة من أم 
واحدة تدخل في علاقة زواج مشترك مع عدد معين من النساء لايوجد بينهن أخوات لهم » 
والعكس صحيح . عن هذا الشكل الثالث للعائلة القديمة نشأت أشكال فرعية وتنويعات 
متعددة وكلها تبيح العلاقة الجنسية بين شيحتين واسعتين من دون الاحوة والاخوات 
المباشرين أو عبر خطوط القرابة المنحرفة . وبما أنه في كل هذه الجماعات الزواجية لايمكن 
معرفة والد الطفل » فقد كان الأولاد يتنسبون لأمهاتهم ويعرف كل واحد بأمه لا بأبيه . 
وهذا ما أطلق عليه الباحثون اسم «حق الأم» » الذي يشمل انتساب الولد لأمه وما ينشا 
عن ذلك من علاقات وحقوق اجتاعية واقتصادية مختلفة . أما الشكل الرابع من أشكال 
العائلة » فهو العائلة الثنائية التي بدأت بالتكون تدريجيا داخل الشكل الأسبق » حيث 
كان لكل رجل زوجة رئيسية داخل مجموعة الزوجات يساكنها فترة تطول أوتقصر » وكان 
بالنسبة إليها الزوج الأساسي في عداد أزواج كثيرين . وقد تحولت هذه المساكنة الطويلة 
إلى زواج ثناني وعائلة صغيرة مؤلفة من زوجين وأبنائهما المباشرين . في هذا الزواج الثناني 


حافظت الرأة على وضعها المتميز السابق » فكانت حرة في فصل الزواج متى شاءت » 
فيعود الألاد اليها لا الى الزوج الذي يخرج من البيت صفر اليدين . ؟ بقي الأثلاد 
ينتسبون الى أمهم وعشيتهم لا الى أبيهم الذي كان ينظر اليه دوما كغريب . وبناء على 
«حق الأم» لم يكن الابناء يرئون ثروة آبائهم بل يرئون عن أمهاتهم على قدم المساواة مع 
بقية أقربائهم بالدم » اما تركة الأب وممتلكاته فكانت تذهب الى اخوته وأقربائه بالدم . الا 
أنه مع تزايد الثروات بتأثير حياة الاستقرار والزراعة » كان مركز الزوج الاقتصادي يتدعم 
باستمرار على حساب مركز الزوجة وثرواته يمتلكاته تتزايد » الأمر الذي ادى بجماعة 
الدكور الى التفكير جديا بقلب نظام الوراثة القديم لصالح أرلادهم . وقد نجحوا في ذلك 
من خلال المرحلة الأخيرة السابقة لظهور المدن الأولى » حيث افلح الرجل أخيرا في 
القضاء على «حق الأم» واحلال «حق الأب» وظهرت العائلة الاحادية التي تقوم على 
سيادةالرجل مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد تكون أبوتهم ثابتة لاجدال فيبا من اجل 
تمليكهم وتوريثهم . فكان اسقاط حق الأ هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي . ابتدأ معه 
تاريخ استذلال المرأة واستعيادها" . 


الا ان الجنس النسالي لم يبزم دون مقاومة . ورغم ان التاريخ لم يحفظ لنا اثار 
ونتائج الصدام المباشر بين الجنسين والذي حصل ولاشك في زمن ما عند أعتاب التاريخ 
المكتوب » الا ان الأسطورة تستطيع تزويدنا بكثير من المعلومات في هذا الصدد . 
فالأسطورة في بعض جوانبها ذاكرة الانسانية » فيها تحفظ الأحداث طرية غضة بشكل 
رمزي لانتطلب فهمه سوى الامساك بمفاتيح التفسير . من الأساطير المتعددة التي تشع 
الى صراع الجنسين . ستأتي على ذكر اكثرها شهرة » وهي الأسطورة الاغريقية عن 
«النساء الأمازونيات» . فالأمازونيات وفق الرواية الاغريقية كن قبيلة من النساء احاربات » 
أتين من شواطىء البحر الأسود وسكن عند تخوم بلاد الاغريق » فأسسن عددا من المدن 
تحكمها ملكة ؛ وتتعبد للالهة «ارمّيس» . وبسبب عداوتهين للرجال كان مجتمع 
الامازونيات وقفاً على النساء وحدهن » اللواتي اذا أردن الانجاب أتين بلاداً مجاورة 


فريدريك إنجلز » أصل العائلة » الفصل الثاني . 1 


7 د 


فضاجعن رجالا وعدن من حيث أتين . حتى اذا وضعن مواليدهن قتلن الذكور في المهد 
وأبقين على الإناث » اللواتي تتم تربيتين منذ الصغر على فنون الحرب وكره الرجال . ويقال 
إنبن كن يقطعن النهد الأيمن في صدرهن ليستعلعن استعمال القوس بسهولة . وتنسب 
الأساطير الى هؤلاء بناء عدد من المدن بعيدا عن موطنهن الاصلي » منها مدينة افسوس في 
آسيا الصغرى وبافوس في قبيص . ؟ا يدعي أكثر من بطل اسطوري أغريقي قتالهن 
منفرداً والقضاء على ملكتهن . من هؤّلاء هرقل ويسيوس”" . إن هذه الأسطورة لتدل على 
أن المرأة في إحساسها بالوضع المهين الذي أخذت بالانحدار اليه على يد الرجل » قد 
فضلت في لحظة ما من التاريخ » فص المجتمع والاستقلال بذاتها سعيا وراء حياة أسمى 
وأنقى وأكثر خربة وكراعة وراخت اتداقغع بضراقة عن مكتسيانها متحولة ولو يشكل عزنت 
عن طبيعتها المسالمة وغريزتها الامومية في سبيل نقاء القيم الانثوية الاصلية ونبالتها . وإن 
شيوع هذه الأسطورة خارج الثقافة الاغريقية ووجود شبيهاتها لدى معظم الحضارات 
ليدل دلالة قاطعة على حدوث ذلك الصدام في المجتمعات البشرية في زمن ما من 
تاريخها » وعلى رد الفعل الطبيعي لدى الرأة في شتى الثقافات تجاه المحاولات الألى 
لاستعبادها" . 


إن كثيرا من أساطير الشعوب تحتوي عناصر تاريخية واضحة تشير الى الانقلاب 
الذكري الكبير » واحلال حق الأب محل حق الأ . ولسوف نتعرض الى الكثير منها خلال 
الفصول القادمة ولذا سأكتفي هنا بذكر الأسطورة الاغريقية حول أصل مدينة أثينا . 
ففي صباح أحد الأيام » وقبل أن يطلق على مدينة أثينا اسمها المعروف , أفاق أهل المدينة 
على حادث عجيب . فمن باطن الارض نبتت في ليلة واحدة شجرة زيتون ضخمة », لم 
يروا لها شبيها من قبل » وعلى مقربة منها انبئق من جوف الأيْض نبع ماء غزير لم يكن هناك 
البارحة . وقد أدرك الناس أن وراء ذلك سراً إهياً ورسالة تآتي من الغيب . فأرسل الملك 
الى معبد دلفي يستطلع عرافته الأمر ويطلب منها تفسيرا » فجاءه الجواب أن شجرة 
الزيتون هي الالحة أثينا وان نبعة الماء هي الاله بوسيدون , وأن الالمين يخيران أهل المدينة في 





49-0 22 ,لزع 14010 عاءع01 ,20هرتن 2.0 -1 
.104-11-5 28 أخطعل]1 بعط 8401 لقة ممنعنا8 ,طاترلة رد أ)مطعذ85. 1.3 د 


59 لس 





أي من الأسمين يطلقون على مدينتهم . عند ذلك جمع الملك كل السكان واستفتاهم في 
القع فضرتت الضناء ال انب اننبا وضوت الرتجال: الى حتانية بوشيدون لا كان 
عدد النساء أكبر من عدد الرجال كانت الغلية لهن ء وتم اطلاق اسم الالمة أثينا على 
المدينة . وهنا غضب بوسيدون فأرسل مياهه المالحة العاتية فغطت أراضي أثينا وتراجعت 
تاركة املاحها التي حالت دون زراعة التربة وجني المحصول . ولتهدئة خواطر الاله 
الغاضب » فرض رجال المديئة على نسائها ثلاث عقوبات : أولا لن يتمتعن بحق 
التصويت العام بعد اليوم . وثانيا لن يتنسب الأولاد الى أمهاتهم بعد. اليوم بل لابائهم . 
وثالثا. لن تحمل النساء لقب الاثينيات ويبقى. ذلك وقفا على الرجال'' . ان اي نص 
تاريخي موثوق صحيح الاسناد وفق المنهج التاربخي الصارم » لايمكن ان يحمل من صدق 
الخبر ما تحمله هذه الأسطورة التي تؤرخ فعلا لانتزاع حقوق امرأة المدنية والسياسية 
والاجتهاعية عند جذور التاريخ الاغريقي . 


الا ان المجتمنع الأمومي لم يندثر تماما بحلول المجمتع الأبْوي » بل استمر كثير من 
قيمه سائدا في بعض المجتمعات الجديدة الى فترة متأخرة من تاريخها . ففي المجتمع 
المصري بقيت لمسات الثقافة الأمومية واضحة عليه طيلة تاريخه الطويل الذي استمر قرابة 
أربعة الاف سنة . كان كرسي الملك ينتقل عبر سلسلة النسب الأمومي لا النسب الأبوي 
وكل أميرة هي وإرثة طبيعية للعرش . لذا كان على الفرعون الجديد ان يتزوج من وارئة 
العرش لتثبيت حقه فيه . والشيء نفسه فيما يتعلق بوراثة الممتلكات المادية لدى جميع 
طبقات الشعب » فكانت هذه الممتلكات تنتقل الى البنات لا إلى الأبناء . وهذا ما 
رسخ زواج الأخوة من اجل الحفاظ على العرش ضمن الأسرة المالكة » والحفاظ على 
ممتلكات العائلة الواحدة من الخروج الى ايدي الغرباء . أما دور المرأة ومكانتها في العائلة 
والمجتمع » فلم تتغير كثيرا عما كانت عليه في العصور الامومية » وتوضح عقود الزواج 
التي وصلت الينا من فترات مختلفة من تاريخ الثقافة المصرية وضع المرأة الحقيقي . ففي 
احد صكوك الزواج الذي يعود تاريخه الى الألف الثالث قبل الميلاد يقول الزوج موجها 
كلامه الى سيدة المستقبل :« منذ اليوم » أقر لك بجميع الحقوق الزوجية ء ومنذ إليوم لن 


1- 1610 22 7 . 


اخ ها 


أفوه بكلمة تعارض هذه الحقوق . لن أقول أمام الناس يأنك زوجة لي » بل سأقول بأنني 
زوج لك . منذ اليوم لن أعارض لك رأياً » وتكونين حرة في غدوك ورواحك دون ممانعة 
مني . كل ممتلكات. بيتك لك وحدك ٠‏ وكل ما يأتيني أضعه بين يديك 0 » ويعد الفي 
عام من هذا الصك » نجد المرأة في صلك آخخر يرجع تاريخه الى الفترة البطلمية تقول لزوج 
المستقبل :« إذا تركتك في المستقبل لكرهي لك أو محبتي رجلا اخخر » فانني اتعهد أن 
ادفع لك مكيالين ونصف من الفضة وأُعيد إليك هدايا الزواج » . في هذه العائلة القائمة 
على سيادة المرأة كان الأطفاال في مصر يتنسبون لأمهاتهم » ويعودون اليها في حال 
الانفصال . لذلك لم يكن مفهوم الطفل غير الشرعي معروفا » ولم يكن هناك فرق بين 
الطفل المولود ضمن مؤسسة الزواج وبين الطفل المولود خارجها”". 

وف جزيرة كريت الموطن التقليدي للثقافة الامومية » استمرت القم العشتارية محركا 
أساسيا للمجتمع » منذ ان هبط اليها المهاجرون الاول قادمون من المراكز النيوليتية في 
الشرق الادنى خلال الألف الخامس » وحتى اتهيارها أواسط الألف الثاني قبل الميلاد . 
فالأعمال التشكيلية التي وصلت الينا من فترة أزدهار الحضارة الكريتية » كانت في 
غالبيتها تتخذ المرأة موضوعاً رئيسياً لها . فبالإضافة الى رسوم ومائيل الأم الكبرى التي لم 
يعبد الكريتيون سواها طيلة تاريخهم » كانت الأعمال التشكليلية الأخرى تصور الممأة في 
أببى وضع وحلة » فهي إما سيدة قصر ء أو أميرة » أو راكبة عربات منطلقة تسوقها 
نسوة لارجال . أما الأعمال التي كان الرجال موضوعا لا أو جزءاً من موضوعها ء 
فكانت تصور أولئك الرجال كجنود أو موسيقيين أو حصادين » أو سقاة وحملة 
أكواب » للم يتم العثور على أعمال تصور الرجال كحكام ومتنفذين وما الى ذلك من 
المهن العالية . وفي ذلك دلالة واضحة على ما تتمع به المرأة من مكانة في ذلك المجتمع 
الذي استمر فيه «حق الأ» مؤثرا شأن امجتمع المصري . فحبل النسب هنا أيضاً » كان 
مرتبطاً بالأم لا بالأب » وكانت المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق والواجبات التي ينص 
عليها عقد الزواج » فإذا انفصم الزواج لرغبة أحد الطرفين عاد للمرأة أولادها وأموالها » 
ونش الألاد تحت بعايتها وحماية أخيها الذي يلعب منذ البداية وقبل 





.82-54 228 كتعطغه84 عط1' ,السدكتاءظ ألأط0ه 1 


598 سم 


انفصام الزواج 2 دوراً انناضياً في تربيتهم والاهتام بهم » لانت صلة الأخ بأولاد أخته في 
الجتمع الأمومي لا تقل » إن لم ترد » على صلة الأب © 

ويقدم لنا المجتمع الاسبارطي في مطلع عهده صورة عن استمرار «حق الأم» في 
فجر الحضاة اليونانية . فالمرأة الاسبارطية لم تكن مطالبة بالحفاظ على عذريتها قبل الزواج 
ركان الأطفال المولودون خخارج مؤسسة الزواج يدعون بأطفال «الميلاد العذرى» ويتمتعون 
بالوضعية الاجتاعية نفسها التي يتمتع بها الأطفال الاتخرون . وكانت نساء اسبارطة في 
مطلع عهدها كا يروى «بلوتارخ» » يعلون على رجالا في كل المجالات العامة والخاصة . 
أما في المستوطنات الاغريقية التي استقر بها الأغريق خارج موطنهم في وقت ميكر » فان 
حق الأ هناك لم يتأثّر كثيرا بالتبدلات الحاصلة في الوطن الأصلي » واستمر الأولاد 
ينتسبون لأمهاتهم » وبقيت المرأة حرة في حياتها الجنسية وفي اختيار زوجها وتركه أنى 
شاءت ”3 

وفي بابل وفينيقيا لم يستطع الرجل وحتى فترات متأخرة جد من تاريخ امجدم. 
الذكرى هناء أن يضع تحت وصايته حياة المرأة الجنسية قبل الزواج . فكانت بكارة المرأة 
ملكاً للالحة عشتارء لا لزوجها المقبل . وكانت تبب عذريتها في المعبد حيث تمارس الجنس 
المقدس تحت رعاية الالهة قبل أن تلتزم حياة الزوجية '”. وفي أوروبا عند الفتح الروماني 
الذي ساعد على ترسيخ القم الذكرية» كانت اثار القم القومة باقية هناك . فعند 
السلت الدذين ازدهرت حضابتهم في ايرلندا وبعض اجزاء الجزر البريطانية والبر الأوروني » 
كانت المرأة سيدة نفسها تختار زوجها وتترك مؤسسة الزواج أفى شاءت» وكذلك الأمر في 
بلاد الغال فاذا أرادت المرأة الغالية الزواج» دعت جميع الشبان الراغبين فيها الى مادبة 
عامرة فإذا أكل الجميع وشربوا قامت بتقديم كأس من الشراب لمن وقع عليه اختيارها '". 

ليست هذه الأنُئلة إلا غيضاً من فيض. قن متتور الققارات تنقيا دمن 
اليابان شرقاً وحتى مجتمعات المنود الحمر غربًء عثر الباحثون على الاساسات الأمومية 





1- 1514 2285-86. 

2- 15614 2 7 

4 2 طعنا80 2ع0010 عط1' تعموعظ و5عسمول -3 
2291-92 ورعطأه81 عط بأأنهأتكلءظ8 تعطه8 -4 





التي قامت عليها المجتمعات الذكرية الحديثة . وفي الحقيقة أن فهم الثقافة الأّمُومية بقيمها 
ومبادئها وحق الأم السائد فيباء هو نقطة الانطلاق لفهم الالمة الأَم التي كانت بالنسبة 
لاننات تلك العضور الاحة الأول .ورا الوحيدة: 


الأم الكبرى : 


كانت تمائيل عشتارء أول عمل فني تشكيلي صاغه الانسان على شاكلته, 
مجسدة أول معبوداته . فمنذ أن اعتدل جسد الانسان منسلخاً عن شكله النيانداراللي ذي 
القامة المنحنية» كانت عشتار ‏ الام الكبرى له إِهأُء وطفق يصنع ها تمائيل انتشرت من 
أقاصي سيبريا إلى شواطىء الحيط الأطلسي. لم تكن تلك الأعمال الفنية نتاج ولع فني 
جمالي بمقدار ما كانت نتاج حس ديني» وخبرة أولى مع العنصر الالمي . ذلك أن 
الأسلوب الذي صنعت به؛ والمعتمد على تحوير فني مبالغ فيه » يجعلها أبعد ما تكون عن 
تصوير شخصيات واقعية تنتمي للأجناس التي ظهرت بينها. فهي» 5 اتفق الدارسون 
من شتى الاتصاصات. رموز لكائنات فوق طبيعية كانت محل عبادة الانسان الأول 0 

تظهر تماثيل الآَم الكبرى سمات متشابهةء في جميع مراكز الثقافة الباليوليتية . 
فالرأس عبارة عن كتلة غير متايزة الملا ترتكز على الجذع مباشرة أو بواسطة رقبة قصيرة . 
والكتفان دقيقثان أو منحدرتان بطريقة تبعد الذهن عن أي مفهوم للقوة بمعناها الذكري . 
والذراعان نحيلتان جداً ترئكزان على الصدر أو البطن» فتوحيان بعدم جدواهما للفعل 
الارادي» وقد يقوم الفنان بمجرد الاشارة إليبما دون العناية بإظهارهما كعضو تشريحي 
كامل» والساقان في جزئهما الأسفل ضعيفتان وقصيرتان وتنتبيان بقدمين صغيتين. أما 
المنطقة الأساسية في كل تلك المائيل, فمنطقة الثديين والبطن والحوض وأعلى الفخذين» 
التي تشكل معاً كتلة ممتلئة عني الفنان بإظهار وتضخم كل جزء فيها بطريقة تبدو معها 
بقية الأعضاء وكأنها سمت لتظهر ما لهذه الكتلة من أهمية قصوى . فالثديان عبارة عن 
كتلتين هائلتين مستديرتين » والبطن منتفخ في إشارة لحمل أبدى » والردف ثقيل » والوركان 


325 2 لإعه1[ه0طتلا/ا عالانصءط ملأعطمصيدن طومعون[ -1 


كم 8بتك 


قويان بارزان ومثلث الأنوئة منتفخ يشكل مع أعلى الفخذين وحدة متاسكة . وقد يتدلى 
النديان ليشكلان مع البطن والوركين تكويناً واحداً متراصاً تتجمع فيه هذه الرموز في بؤرة 
واحدة هي مستودع الخلق (الشكلان ١و9‏ 5). 


الكل )١(‏ 
عشتار ليسبوغ 
فرنسا 





في هذه الأشكال يثبت الفنان كل ما له علاقة بالخصب والفيض التلقائي 
الطبيعي » وبهمل ما له علاقة بالتصممم والتدبير والفعل الارادي المباشر. وهو بذلك إثما 
يعطي خلاصة تأملاته في القوة الالهية التي تصدر عنها الأشياء دون قصد م تصدر 
الحياة عن المرأة. فخلف ظواهر الطبيعة المتبديةء هناك سر كلي أعظم هو أصل لا 
ومبدأء وروح شمولية هي وراء الزمان والمكان» ومع ذلك تنحل إلى كل شكل في الزمان 
وفي المكان. هناك قدرة إهية تبدو كأم وأنثى كونية متطابقة مع نظام الطبيعة لامتعالية 
عليه فاعلة فيه عن بعد: م صار شأن الاله التكر فيما بعد حين تخيل العالم فكرة ثم 


45 ندم 


) ١ الشكل‎ 





نطقه كلمة ثم سواه وهذبه وشذبه وقبع وراءه منفصلاً عنه مسيراً له. قفي البدء كانت 
عشتار ولا أحد معهاء أمومة تنضوي على المبادىء الأولى» ثم تبدت فخلقت وأعطت . 
وها تنقسم الأنثى دون أن تفكر وتدبرء كذلك تحولت أمومة عشتار الكامنة الى كل شبيء 
حي وجامدء فكان ما صدر عنها جزءاً منها غير منفصل الامفارق» نتاج جسدها في 
حركته التلقائية» لانتاج ذهنها في حركته المجردةء أو نتاج إرادتها المستقلة الفاعلة. وك 
تتغذى الحياة التي أطلقتها الأنثى من رحمها وعلى جسدها وفي أحضانهاء وكا يعطي هذا 
الجسد حليباً ينبئق منه بشكل سحري معجزء وكا يبب هذا الجسد طفولة الانسمان دفياً 
وأمناً وسكناًء كذلك هي الأ الكبرى . عنها انبتقت الحياة على المستوى الشمولي وعليها 
00 : 
ولعل مما يدعم القيمة الدينية والرمزية هذه الأعمال الفنية» ان من بين الستين 


7# لد 


عملاً نحتياً التي وصلتنا من العصر الباليوليتي » هناك خمسة وخمسون منها مكرسة لاشباه 
هذه الأشكال» وخمسة أعمال فقط تمثل أشكالاً ذكرية. وهذه الأخيية منفذة بشكل 
سيء يدل عل عدم الأميام والمبالاة » وبعد هذه الاشكال عن ثيل شخصيات الية ا 
هو الحال في الاشكال الأنوثية . وهذا يتفق مع حقيقة أن الاله المذكر لم يظهر إلا في 
الفترات المتأخرة» مبتدثاً عهده كأبن للأم الكبرى” . 


عندما خفتت نبضات المراكز الثقافية للعصر الباليوليتي» أعطت تلك المراكز 
طاقتها لنبض واحد قي مركزه الشرق الأدنى القديم. وانتقلت عشتار إلى مستقرات 
الانسان الأولى في سورية» حيث بدأت تماثيلها الطينية الصغيرة تظهر منذ مشارف عصر 
الزراعة . فاذا كانت الأَم الكبرى للعصر الباليوليتي» الهة للطبيعة البكر بمياهها وأمطارها 
ومروجها وشجرها وعواصفها وبرقها ورعدهاء فان عشتار العصر النيوليتي ستغدو إلهة 
الطبيعة المنظمة التي تتعهدها يد الانسان ويساهم جهده في توجيه غاياتها» دون أن تفقد 
خصائصها الأل . إنها الآن سيدة الدورة الزراعية ومركراً للديانة الزراعية الأولى التي 
تددو تضدراً للديانات اللاحقة. وكا كانت عشتار سيدة مطلقة للعصر الباليوليتي » 
كذلك ستغدو سيدة مطلقة للعصر النيوليتي في حقبته الأول ما قبل الفخارية» خلال 
الألفين الثامن والسابع قبل الميلاد. ومنذ الألف السادس قبل الميلاد سيبداً الاله الاين 
ظهوره معهاء وتبدأ الأعمال التشكيلية في رسمهمامعاً بعد أن كانت وقفاً على الأ وحدها. 


حافظت تمائيل عشتار في العصر النيوليتي على كثير من خخصائص تماثيل عشتار 
العصر الباليوليتي» وذلك من حيث التركيز على مناطق الخصوبة وابرازها في مقابل بقية ' 
الأعضاء (الاشكال + 4.ه). كا ظهرت منذ مطلع الألف الثامن الوضعية التي 
غدت كلاسيكية فيما بعد وهي وضعية عشتار الممسكة بثديها العاريين (الشكل 4 )» 
والتي سنجدها خلال الفترات اللاحقة لدى كل ثقافات الشرق القديم تقريباً كرمز 
لخصب الالح الأ. ولقد أعطتنا التنقيبات الأثرية في مواقع الألف الثامن والألف السابع 
( وبعضها ما زال جارياً اليوم) الكثير من هذه الفاثيل» كا هو الأمر في أريحا ومحئطة والبيضا 





.5 2 ,7840561 أوع05) 116 مسمفسنعل8 طعلرظ -1 


28 لد 





الشكل + الشكل 4 
الأم السورية الكبرى تل أسود قرب دمشق الأ السورية الكبرى تل المرييط على الفرات 


في الأردث ؛ ووادي فلاح والخيام في فلسطين وتل أسود وتل رمد وتل المربيط في سورية» 
وشتال حيوك وهيجيلار في جنوب الأناضول وغيرها ... وهذا يدل على أن عيادات الشرق 


القديم في تلك الفترة [ إِغا كانت تنويعات على أرضية مشتركة . هذه الأضية المشتركة هي 
مانعنيه بمصطلح «الديانة المركزية » . 


وخلال العصر الينوليتي» نضجت في سورية الرموز التشكيلية الخاصة بالأم 
الكبرى» وهي الرموز التي. انتقلت معها بانتقال ديانتها النيوليتية إلى الأصقاعٌ الأخرى . 
من تلك الرموزء الصليب المعكوف (السواستيكا) والصليب العادي» اللذان اسثمرا 
رمزين مقدسين في الديانات العشتارية والديانات الذكرية على السواء» وصيلاً إلى السيد 
المسيح وأمه مريم آخر أم كبرى في الديانات البشرية : ومازال. الضليب: المعكوف: رهزا 
مقدساً لدى الحندوسية في المهند والبوذية في الشرق الأقصى . م وجد في نقوش ورسوم 
الهنود الحمر في أمريكا . وليس صليب النازية إلا إحياءً لتقليد قديم من تقاليد القبائل 
التوتونية التي تحدر منها الألمان. ومن الرموز الأولى الفأس المزدوج» رمز الصاعقة, الذي 
حفلت به بشكل خاص حضارة تل حلفء والذي سوف نراه في كثير من رسوم الأَم 









03 :9 
تر 
4 
م 





الشكل ه 
الأ السورية الكبرى شتال حيوك جنوب الاناضول 
الكبرى في حضارة كريت ومطلع الحضارة الأغريقية (الشكل .)١4‏ 
وقد رسم الفنان النيوليتي مع مطلع عصر الفخار هذه الرموز في وحدات زخرفية 
تجريدية وبأسلوب فني ما زالت جماليته وقواعده سارية الى يومنا هذا . فاذا كان فتان العصر 
الباليوليتي لم يعن قط بابراز حيز استاتيكي يجمع في داخله عناصر متباينة في وحدة جمالية 
مترابطة وايقاع منتظم » فان الفنان النيوليتي » وايتداء من حضارة تل حلف وسامرّاء قد 


8 بم 


الشكل ‏ 
صليب العصر النيوليتي » نقش على جدار معبد جنوب الاناضول 
الالف السادس قبل الميلاد 


ا5ةة ده 


ابتكر ولأول مرة » العمل الفني الجيومتري المتكامل ذا الوحدات التجريدية المترابطة في 
كل موحد (الشكلان لم2 9). 





٠7 الشكل‎ 


صليب عصر الكتابة ‏ من اليسار: بابل » مضر. أبران 


الى جانت الرموز التجريدية .ارتبطت بالأم الكبرى رموز حيوانية لايخلو عمل 
ككل من واد انباء أهها الخسافة: ولأق» ونور وسوف تلفي أضواء عن هده 
الرموز كل في حينه . ولقد انتقلت مجموعة الرموز هذه مع انتقال عبادة الأم النيوليتية إلى 
الثقافات الأخرى فانتقلت أولاً الى كريت» ومن هناك نقلتها السفن عبر مضيق جبل 
طارق شمالاً حتى الجزر الببيطانية» وجنوباً على طول الشاطىء الأفريقي . ومن كريت 
يض إلى سينا “هي أول مدينة متحضرة على الارض اليونانية . ومن ميسينا تخللت 





بك ست 


الثقافتين الاغريقية والرومانية . ومن الهلال الخصيب وصلت مجموعة الرموز هذه الى مصر 
منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد» وكذلك اتجهت شرقا نحو اسيا حتى أقصى أصقاع 
المققورة. نيا الى جنب مع الديانة العشتارية'" . 

ومنذ أن تعلم الانسان النيوليتي صناعة الجرار الفخارية » انضم الاناء الفخاري الى 
جملة رموز الأ الكبرى ”؟ ذلك أن الجسد الأننوي هو أشبه بالوعاء السحري الذي 
يتحول في داخله الدم إلى حليب يتفجر من فوهة الثندي, وبالمستودع الذي تختمر في 
ظلماته بذور الحياة لتنطلق من بوابة الرحم . وجسد الأنثى الكونية هو الجرة الفخارية 
التي تحتوي على نعم الحياة وأسبابها ثم تطلقها نحو الخارج . وقد انتقلت تقاليد صناعة 
الجرار المقدسة من العصور النيوليتية التي حفلت بها إلى عصور الكتابة» وتعددت أنغاط 





( الشكل )١٠١‏ (الشكل )1١‏ 
الجرة المقدسة الجرة المقدسة 
طروادة ١١٠١٠١‏ ق.م كريت ١5٠0٠١‏ ق.م 





143 2 نروهامطاح14 عاالتسصووط ,لأعطمصة© طوعو0[ -1 
120 2 ,عمطه4شآ أدءر0 1156 ,ممقطتاءل8 8165 -2 


ترمد 


صياغتها ومعظمها يعير الجرة المقدسة الاثداء الأنوثية التي هي مركز العطاء في جسد 
المرأة . فقد تصنع الجرة على هيكة جسم كروي ذي عنق قصير يليه ثديان وسرة واضحة » 
أو على هيئة كتلة مؤلفة من أربعة أثداء متقابلة» أو جسم متطاول في أعلاه ثديان عند 
الصدرء تليهما عشرات الائداء التي تغطي الجسم كله . وقد تزين السرة بصليب عادي 
أو سواستيكا (صليب معكوف). والسرة هنا ذات قيمة رمزية كبيق» لأنّ سرة عشتار 
هي مركز الكون» ومعبدها هو سرة الأرض . وفيما بعد صار لرمز السرة الالمية هذا شأن في 
الديانات الذكرية حيث صار كل شعب ينظر إلى معبد المه الرئيسي على أنه سرة الارض . 
كذلك كان معبد أبوللو في دلفي بالنسبة لليونان» وهيكل سليمان في أورشلم بالنسبة 
للعبرانيين» والتدعبة بالنسبة للعرب. هذا ونجد عشتار نفسها في العديد من رسومها 
ومنحوتاتها تحمل بيدها جرة فخارية يميل عنقها قليلاً نحو الأمام. من ذلك» اتمثال 
المعروف باسم ربة الينبوع المحفوظ في متحف مدينة حلب بسورية» والذي يمثل عشتار 
' مدينة ماري السورية . ويعتبر هذا اتمثال أحد أجمل الأعمال الفنية التي تركتها الحضارات 
القديمة . 

وقد كان للقيمة الرمزية للجرة الفخارية أثر في تكوين بعض عادات الدفن. ففي 
فلسطين تم العثور على جرار فخارية استعملت كتوابيت للموقى منذ الألف الخامس قبل 
الميلاد» وفيها تكورت الحياكلى العظمية على نفسها متخذة وضعية اجنين في رحم أمه . 
فالجرة الفخارية هي الرحم الذي يطلق الانسان إلى الحياة» والرحم الذي يستعيده إليه 
ثانية بعد الممات. ا شاعت عادة دفن المون أو دفن رمادهم في الجرار» وذلك في مناطق 
كثيرة خلال العصر البرونزي. منها جزر بحر ايجهء واسيا الصغرى» وايطالياء ومناطق 
متعددة من أوروبا. ونجدها أيضاً في أمريكا الجنوبية0© كا صار للجرار المقدسة قيمة 
طقسية كبية لدى العديد من ديانات عصور الكتابة. من ذلك مثلاً الجرار الفخارية 
التي كانت تستخدمها عذراوات النار المقدسة في هياكل عشتار» سيدة الشعلة في رومه . 
ومن ذلك الجرة المقدسة التي كان يحفظها العبرانيون داخل تابوت العهد مع لوحي 
الوصايا اللذين تلقاهما موسبى من يبوه: والتي اعتقدوا أنها تحتوي على بعض من المن الذي 


/- 1514 52 163-14 


د 55 يت 


نزل عليهم من السماء أثناء تمبهم في صحراء سيناء(© إلا أن مريم العذراء قد أعادت 
لهذه الجرة العبرانية المقدسة صلتها المباشرة بالأم الكبرى . فبالاضافة إلى كون مريم الوعاء 
الذي احتوى على الاله الكوني نفسه فانها الجرة التي عهب البشر حياة وغذاءٌ حيث نقرأ 
في بعض مدائحها: «السلام عليك ياجرة تحوي المن المحلي حواس الأتقياء» السلام 
عليك ياغذاءً يقوم بدل لمن" . 


وبعدء إذا كانت الأ الكبرى هي مصدر الأشياء وسند الأحياءء ومالئة الكون 
بالخصب وأسباب الفاء . فإن هذه الصورة التجريدية لم تتعارض في ذهن الانسان القديم 
مع صور أخرى مشخصة ومعاينة للأم الكبرى . فإذا كان الكون بكليته يشكل تبدياً في 
الزمان والمكان لهاء فإن أي جزء من هذا الكون» إذا أخذ في حد ذاته» وفي اعتبار 
ماهيته» هو .. هي . فقبة السماء الزرقاء التي تنشر غطاءها فوق الأرض هي الأ الكبرى» 
ورداء الليل المعتم الذي يبدو بلا أطراف هو الأ الكبرى» والبحر الذي يصدر عن مياه 
أزلية لانهاية لها في الامتداد هو الأم الكبرى . إن ذهن الانسان القديم قادر على التجسيد 
قدرته على التجريد . والعالمان عنده متداخلان تتحرك بينهما الحدود وتنمحي السدود . 
لاالمادي منفصل عن الاي ولا اللي يعلو على المادي, كلاهما يعكس الآخر في مراته . 
ولعل أكثر مظاهر الكون تجسيداً للأم الكبرى» كانت الْأَرْض 0 هي الأ الحقيقية 
للانسان الجميع مظاهر الحياة عليهاء من بطنها تخرج عشبا وزرعاً وشجراًء حياة 
للانسان. والحيوان » ومن أعماقها تتفجر ينابيع المياه» وعبلى سطحها تسيل مجاري الانهار. 
يلتصق بها الانسان في حياته ويعود الى جوفها في مماته. من هنا كانت تمائيل عشتار 
توضح صلتها هذه بالارضء وخصوصاً تلك الهائيل التي تظهرها في وضعية الجلوس, 
حيث يشكل الردف والساقان المطويان تحته أو المنبسطان, تكويناً منديجاً على هيئة قاعدة 
مستقرة على الأْض تعطي الناظر إحساساً بالوحدة بين اتمثال والْأرض » وذوبان الواحد في 
الآخر ( الشكل ه ). وفي تمائيل عشتار الواقفة نجد أن الشكل كله متمركز حول محور 
ثقله يتجه نحو الارض . وقد تزود اتماثيل تحت الورك مباشرة بقاعدة مستوية مستقرة على 





اللب متري هاحجي أثناسيو ؛ الموسوعة المركية ص 7١‏ . 1 
نفس المرجع ص 537 . 2 





الأض . ولعل هذه القثيلات التشكيلية هي أصل الاشارة إلى الأم الكبرى على أنها 
الجبل, ذلك الجزء من الأرض المرتكز فوقها بكل عظمة وجلالء المتصل معها في وحدة 
عضوية . إن العمل الفني الموضح في ( الشكل.؟١‏ ) لذو دلالة عميقة في هذا المجال» 





عشتار الجبل ‏ كريت ١٠٠.٠.‏ ق.م 


حيث نجد عشتار الكريتية وقد ذاب جزؤها الأسفل في الجبل . الذي يشكلقاعدة مخروطية 
لهاء بينا يشكل جزرها الأعلى قمة ذلك الجبل. ومثل الجبل في الدلالة على الأْض» 
الصخر والحجر المنتزع من الأرض . لذا كان للأم الكبرى في العديد من الثقافات حجر 
وحجر اللاتث . 


الأم الكبرى لعصور الكتابة : 


متذ البدايات الأول للثورة المدينية تتزايد الأعمال الفنية اللخصصة مثيل الآلهة 
الذكور؛ ويأخذ الفن الديني » الذي كان وقفاً على عشتار وحدها ثم على عشتار وابنباء 
في معالجة موضوعات مقدسة أخرى طيلة أربعة الاف عام» قبل أن يعود فيقتصر على 


الأم والابن في الايقونات البيزنطية المسيحية . إلا أن تماثيل الأم 
الكبرى ورسومها تستمر في خط فني متواصل مع المرحلة 
النيوليتية » ولكن مع تطويرات أستتيكية استدعتها طبيعة 
العصر . فجسم الإلحة يغدو أكثر رشاقة وتناسقاً وتختفي 
المبالغات والتحويرات الرمزية مع استمرار التاكيد على مناطق ١‏ 
الخصوبة » إلا أن هذا التأكيد يتبع اسلوبا مختلفا لا تحوير فيه 
ولا تضخم » بحيث تشد هذه المناطق النظر دون أن تبدو في 
تنافر مع بقية أعضاء الجسم . واتقثال الموضح في الشكل ١١‏ 
هو نموذج على ذلك » فيه نجد عشتار البابلية واقفة بكل جمال 
الأمومية وجلالها » مسندة ثديها بكفيها في وضع بذل وعطاء . 
ويبدو هذا العمل وكأنه بالفعل تطوير تمثال تلى المرييط الموضح 
في الشكل 4 » والذي تفصله عنه ستة الاف عام . 

إلا أنه رغم التفتت الذي عانته صورة الأم الكبرى على 3 
نطاق الدين الرسمي للدولة » فقد حافظت على سماتها القدهة 0 


4 متيسة السانة لماي أووق لوي اناي اللجي ال والتكل لم 011 
عشتار البابلية 





ا 


ع 


الذين تعبدوا للاهة السماوية تعبد خوف »,.وتابعوا تعبدهم للأم 
الكبرى» تعبد محبة. ففي سومر التي شهدت أول مجمع لآلحة الذكور برئاسة إله السماء 
« ان »» الذي ادعى لنفسه معظم خصائص الأم الأولى الخالقة» بقيت أساطير الأم 
الكبرى وأناشيدها وصلواتها تشير إلى مقامها الذي لايعلو عليه أحد. 

تقرل صلاة مرفوعة الى «إنانا» ربة الطبيعة وخصب الأض ودورة الزراعة والتكاثر : 
« سيدة النواميس الكونية» أيها النور المشع يا واهبة الحياة وحبيبة البشر . أنت أعظم من 
كبير الآلحة ان وأعظم من الأم التي ولدتك . يا مليكة البلاد الحكيمة العارفة» يا مكارة 
الخلوقات »”" وفي ترتيلة لعشتار البابلية نقرأ لك الحمد يا أرهب الالهاتء لك الإجلال 
يا سيدة البشر وأعظم الآلهة . عشتار مالحا في عظمتها قرين»: بيدها مصائر الموجودات 


126-128 22 ,2 لا أو مدعا أمعلء مم غ18 رلمقاء رط معهول -1 


جميعاً . لها الدعاء واسمها الأول بين الأسماء . نافذة شرائعها سامية محكمة . مقامها الأعلى 
يسعى الاآلهة اليهاء ظاهرة فوقهم مطاعة الكلمات» مليكة عليهم نافذة الارادة»”2. 


لم تكن إنانا وعشتار الصورتين الوحيدتين اللتين انحلت اليهما صورة الأ السوربة 
الكبرى في وادي الرافدين. إلا أمبما كانتا الصورتين الرئيسيتين اللتين كان هما ديانة 
منظمة ومعابد وعباد. أما بقية الصور فبقيت صوراً ميثولوجية .لا تلعب دوراً فعلياً في 
الديانة والأساطير الاعتقادية . ففي سومر بقيت صورة الأم الأولى الخالقة على حاها تقريياً 
دون أن تمسها الأسطورة الذكرية بالتشويه: بل أبعدتها عن محال العبادة والهيكل الرسمي 
مجمع الالحة. ففي البدء كانت الالهة « نمو » أصل الكون وأم الجيل الأول من الالمة . وقد 
تخيل السومريون”'" امتدادها البدثي كمياه أولى تملا حيز المكان قبل بدء الزمان . ثم أنجبت 
هذه الأم الأولى أول كتلة متايزة عن الماء وهي كتلة السماء والأرْض ملتصقتين في جبل 
بدثي تغمره المياه من كل جاتب . في داخل هذا الجبل ولد الجيل الأول من الآهةء ثم 
انقسم الجبل الى نصفين 5 المّدقة؛ فصار الشق الأعلى سماء وارتفع؛ وصار الشق 
الأسفل أرضاً واستقر. 

إن الخو العام لأسطورة التكوين السومرية :هدم لقريب ذا من جو الأسطورة 
النيوليتية السابقة عليهاء وإنها رغم اجتزائها لتلقي أضواءً على جوانب الأسطورة الأصل . 
إن مافعله النظام الميثولوجي للمجتمع المديني الأول هو فصل الخصائص الكونية للأم 
الكبيى عن خصائصها المتعلقة بالخصب وحركة الطبيعة الأرضية . فترك الأولى لاسمها 
« نمو » وجعلها إهة مرحلة تعيش في عالم المجردات بلا ظل ولامعبد ولاديانة منظمة» وترك 
الثانية لاسمها « إنانا » التي أديجها في بانثيون الالحة الجديد برئاسة « أن » وجعل ها 
نسباً وأمأ وأبأ في شجرة عائلة الآلهة الذكرية . 

وني بابل نجد الشيء نفسه . ففي مقابل الإلهة الكوية « نمو » نجد الله لكري 
« تعامة » المياه الأولى وأصل الكون وأم الجيل الأول من الالهة: التي تصفها الاسطورة 
بخالقة الأشياء جميعاً. غير أن الفيض التلقائّ الذي رأيناه في الأسطورة السومرية» التي 


231-32 8 و15 
راجع مؤلفي « مغامرة العقل الأولى » فصل التكوين السومري . 2 


عب 0017 شت 





كانت قريبة زمنياً من الأسطورة النيوليتية » يتحول في الأسطورة البابلية إلى اتقسام بالاكراه 
والقتل بمارسه الاله مردوخ. الذكر الأسمىء على الأ الكبرى. ففي البدء كانت الأ 
تعامة على شكل مياه بلا أطراف ولا حدود. في أعماقها ولد الجيل الأول من الآلةء 
وتناسل » إلى أن خرج جيل متمرد من الآلهة الفتية» قرر الخروج على تعامة وإحلال نظام 
جديد . فعقدوا اللواء لأشجعهم « مردوخ » الذي دخل في صاع ثميت مع تعامة فقتلها 
ثم قسم جسدها نصفين» فمن نصف إفع السماء ومن نصف ثبت الأرض . ثم أذ 
بتنظيم الكون ليخرجه على صورته ال حالية. إن اسطورة التكوين البابلية هذه؛ لتعترف 
بدور الأ الكبرى 3 إخراج الكون من حيز الهيولي الى حيز الوجودء لكنبا تجعل منه 
دوراً سلبياًء لأن الأم الكبرى تغدو مادة لفعل الإله الذكر لا مصدراً تلقائياً للإشعاع, 
وبرحلة يتجاوزها مردوخ ليبني مجمع المته الجديد على أشلاء جسدها الذي كان أصلا 
خمية الخلق» الخلق بمحبة المرأة لا الخلق بقسوة الرجل . ومن ناحية أخرى فإن قتل الأم 
في هذه الأسطورة .ليعكس غبة الرجل» سيد الحضارة الجديدة؛ في الخروج من حضن 
الطبيعة والتحكم فيها وتوجيبها لمصلحته بعد تاريخ طويل من الاستسلام والعيش في 
5 1 
إضافة الى تعامة التي غدت في الميغولوجيا البابلية إلهة ‏ مرحلة عاشت في الأيام 
الغابرة ثم ماتت عند عتبة التاريخ» فإننا نجد في بلاد الرافدين شكلاً آخر من أشكال الأم 
الكبرى » أكثر حضوراً يتمثل في الأم ‏ الأرض « ننتو » أو « ننخرساج ». فلما كان 
الاله الذكر لايستطيع الادعاء بقتل الأرض ‏ ولو استطاع لفعل فقد أضعف صوتتها 
الكلية القدرة وجعلها منفعلة لافاعلة . فخصبها لايفيض عنها بل يأتي من خارجهاء ومازها 
الذي ينبع من أعماقها ويسقي تربتها لاينتمي إلى ملكتها بل إلى مملكة إله آخر هو 
« إنكي » إله الماء العذبء الذي تجعله بعض الاساطير زوجا لننخرساجء فنراهما 
يعيشان في جنة وارفة الظلال تفيض بكل شجر ور نتيجة لاتحاد الماء إنكي بتربة الأض 
نتخرساج . هذه الجنة البدئية هي النموذج الأول لكل أرض مزروعة تعطي أكلها بلقاح الماء 
للأرض . هذا وقد احتفظت هذه الأ الْأرْض ببعض خصائص الخلق القديمة » فنراها 





راجع مؤلفي « مغامرة العقل الاؤلى » فصل التكوين البابلي . -1 


ان ل 


تلعب دوراً أساسياً في خلق الانسان ولكن بمعونة إنكي . نقرأ في نص بابلي طقسي كان 
يتلى لتخفيف الام الحوامل عند الوضع: « أنت عون الآغهة يا مامي الحكيمة» أنت 
الرحم الأم أيتها الخالقة » اخلقي الانسان . فقالت ننتتو للاهة الكبار: لن يكون لي أن أنجر 
ذلك وحديء ولكن بمعونة إنكي سوف يخلق الانسان 26 , 


في سورية كنعان وآرام لم تعطنا الاساطير المعروفة حتى الآن صورة عن الم 
الأولى الخالقة» رغم أننا نجد بعض ملامحها في شخصية الالحة « عشيرة » زوجة إيل كبير 
الالحة ورب السماء السابعة. ويبدو هنا أن زواج إله السماء المبكر من الأ الكبرى قد 
ساعد على طمس وجهها القديم ونقل خصائص الخلق كاملة إلى الاله المذكر . إلا أن 
الخصائص المتعلقة بالخصب و«التكائر ودورة الزراعة تبقنى في يد وريئات الأم التيوليتية . قفي 
أوغاريت نجد الاغة عناة» وفي بيبلوس ودويلات المدن الكنعانية الوسطى والجنوبية نجد 
الإلهة عستارت التي يرد ذكرها في التوراة تحت إسم عشتاروت» ولدى الأنباط وبعدهم 
التدمريون نجد الأ الكبرى تحت إسم « اللات ». هذا وقد نقل الجنود السوريون في 
الفيالق الرومانية الى الأْض الإيطالية عبادة هذه الالحة ذات الأسماء المتعددة» ولكن تحت 
إسم موحد هو « ديا سوريا » أي الإهة السورية. وهي التي حاول امبرطور روما 
السوري « اليجا بالوس »20 إحلال ديانتبا كديانة ببمية للامبطورية الرومانية 
باجمعها . 


وفي مصر تظهر لعبة الأسماء بوضوح أكثر من أي مكان آخر . ذلك أن الاتتقال 
المستمر لراكز القوة السياسية من منطقة لأخرى عبر تاريخ مصر الطويل» وأرضها 
لمترامية » كان يعطي الأ الكبرى في كل مرة اسماً جديدا . إلا أن دارس الميثولوجيا المصرية 
يستطيع بسهرلة » إذا غاص قليلاً تحت القشرة الظاهرية للأساطير امختلفة» أن يدرك أكثر 
من أي مكان آخر الوحدة الحقيقية لهذه الأسماء. وإن أول ما يلفت انتباهنا في مجموعة 
تجليات الأم الكبرى في الميثولوجيا المصرية هو الإثمة «نيت». فهذه الإلهة» إن لم تكن 





راجع مؤلفي « مغامرة العقل الاولى » فصل التكوين ابابل وفصل الفردوس. -1 
4 2 ,تلإع0 أو ط 14 تنقنمه 1 ,لجهعانا0. ١‏ -2 


بذاتها واسمهاء الإغحة النيوليتية المصريةء فإنها وريثتها المباشرة. وإلى جانبها نجد الإغة 
« نوت » و « ايزيس » و «هاتور » و « سيخمت ». 

إن شارة الإلحة « نيت » المؤلفة من سهمين مصالبين مرسومين على جلد أو 
درعء هي ذاتها شارة قبائل الدلتا النيوليتية . ونجد أن اسمها قد تسمت به أميرتان من 
الأسرة الأولى عند بداية التاريخ المصري. كانت نيت أم الآهةء وبالذات أم كبييهم 
« رع » الذي أنجبته قبل أن يكون للولادة وجود. وهي البقرة السماوية التي أنجيت 
السماء كأول مظهر من مظاهر الكون. وهي التي نسجت فيما بعد مادة العالم بمغزها . 
وهي صاحبة القول الذي سقناه في الفصل الأول : « أنا ما كان وما هو كائن وما سوف 
يكون. وما من أحد بقادر أن يرفع عني برقعي » . هذا وتختلط هذه الالحة بالإلحة ايزيس 
في الطققوس الاوزريسنية”2. أما الالحة نوت فلم تلعب دوراً في الدين والطقس بل بقيت 
إلهة ‏ مرحلة. فهي قبة السماء المحدبة التي يتقوس ظهرها فوق الْأضِ « جيب » 
المستلقي تحتهاء وهي البقرة السماوية التي أنجبت الشمس التي تشرق من حضهها وإلى 
حضنها تعود عند المغيب» أما بطنها فسقف الكون الذي تزينه النجوم والكواكب . وبينا 
تأخذ نوت ونيت خصائص الأم الكونية البدئية» تأخذ ايريس وهاتور وسيخمت 
خصائصها الطبيعية الدينامية . وهذه الإهات الثلاثة لسن في حقيقة الأّمر إلا واحدة م 
بسيجري تبيان ذلك في مواضع قادمة من هذا المؤلف . 


فإذا انتقلنا من الشرق الأدنى القديم نحو الغرب عثرنا في جزيرة كريت على ظاهرة 

فريدة في تاريخ الديانات القديمة . فكريت قد عرفت أول ثورة نيوليتية في أورباء وت فيها 

أيضاً أول ثورة مدينية هناك. وذلك بتأثير الهجرات الأولى النيوليتية من البر السوري 

والأناضويي » وبتأثير الاحتكاك المباشر الدائم الذي استمر بين الجهتين (*) إلا أن هذه 
الحضارة لم تعرف طيلة تاريخها سوى عبادة الام الكبرى وابنهاء وذلك حتى نبايتها على يد 

2.37 للع 10م ازا ورم نام زوظ .لنسدال. [ 1 

(ه) اكتشف بعض علماء اللغات القديمة مؤخراً أن اللغة الكربتية التي بقيت لغزا مستعصياً منذ 

اكتشافها تعود ني أصرها الى اللغات السامية . وهذا الاكتشاف يؤيد النظرية التي تربط كربت عضوياً 


بالبر السوري . سواء من الناحية الثقافية أو العرقية . 
راجع كتاب : أقق م2163 لمعاعهف عط1 ,0.114.00:068 


البرابرة الاغريق الذين دمروا حضابتها العظيمة حوالي عام ١ 4٠٠‏ ق.م ويبدو أن نباية كريت 
المفاجكة قد تمت قبل أن ب يتمكن امجتمع. الذكري فيها من تحقيق انتصاره الكاملء رغم 
اكتهال ثورتها المدينية» وإحاطتها من كل جانب بالمجتمعات ذات الثقافة الأبوية . هذا 
حفظت الأم الكريتية خصائص الالحة الكبرى للعصر النيوليتي كاملة» سواء منها 
الخصائص البدئية الخالقة أو الخصائص الطبيعية الدينامية . 

بسبب المصاعب التي ما زالت قائمة في قراءة اللغة الكريتية القديمة. وندرة 
النصوص الأسطورية التي تعود إلى ما قبل فترة دمار الحضارة الكريتية» فان الاسم 
الحقيقى للأم الكريتية الكبرى مازال غير مؤكدء إلا أن النصوص اليونانية تشير اليها 
باسم «رحيا» . كانت رحيا الأ الكونية التي جدمع عندها كل ختصائص الألوهة في تركيب 
واحد » ويمتد سلطانها فوق كل مظاهر الوجود . فإضافة الى كونها والدة الكون المتحكمة 
بأفلاكه ومدارات كراكبهء فإنها سيدة خصب الطبيعة وتكائر الحيوان والإنسان .وربة 
الفصول المتعاقبة . كا أنها تحكم مملكة الأموات والعالم الأسفل. وإلى جانبها يظهر فيما 
بعد ابنها الذي أطلق عليه اليونان اسم « زبوس » والذي يبدو أحيانا في هيئة بشرية 
وأحياناً أخرى في هيئة الثور”" . وسوف نرى فيما بعد أن ابن الأم الكبرى كان يتخذ منذ 
العصور النيوليتية في الشرق الأدنى هيعة الثورء ابن البقرة السماوية . 

من الأعمال الفنية الجميلة التي تمثل الأم الكريتية» الرسم الموضح في الشكل 
1 حيث نجد الالحة في وضعية الوقوف ترفع بيديها الاثنتين فأسين مزدوجين» وتياران 
من الحليب ينثالان من ثدييها العاريين فيسقيان الأَرْض » وعن يمينها وشمالها زمرتان من العباد 
في وضعية الصلاة . 

في الثقافة الاغريقية . بقيت الأَم الأولى لما قبل العصر الهيليني قائمة في شخصية 
الالحة «جيا» الأم ‏ الأرض ء إلا أن هذه كمثيلاتها في الثقافات الذكرية الأخرى قد 
استمرت شخصية اسطورية بلا ظل ولا عبادة . بيها تقاسمت «ديمتر» و «ارتميس» و 
«افروديت» النصائص الطبيعية للأم القديمة . فكانت «ارقيس» للة الغاب والبراري 
والأْض البكر » و «ديمتر» إله الأرض المزروعة ودورة الطبيعة » و «أفروديت» إهة التكائر 


9-10 ظ2 ,لاع 010ط 149 عاعع:01) ,لمقنتن0 .2 -1 


9ه عه 





1١5 ال‎ 


الأ الكبرى الكريتية -ءها(زق.م) 


لحب "لتر 


كانت «جيا» الأْض ؛ أول من انبغق من الهيولي والعماء الأول . أول مواليدها كان 
كرونوس ٠‏ السماء الذي غطاها من جميع جهاتها . بعد ذلك تفرغت لخلق العالم 


فصنعت الجبال والأتهار والبحار » وبقية مظاهر 
المادة » ومنها تناسل بقية الالهة . ويبيدو من 
ترتيلة هوميرية أن هذه الالحة كانت أول معبودات 
الاغريق . يقول مطلع الترتيلة «غنوا لجيا » أم 
الكون » وأقدم الآلهة0"» ولعلنا واجدين في 
اريس مدينة افسوس الاغريقية في اسيا 
الصغرى » صورة عن الأم الشرقية الكبرى . 
فارميس هنا لا تبدو كاطة للطبيعة البكر بل كأم 
زراعية كبرى تمثلها تماثيل أفسوس في هيكة ممتاقة 
وقد تزاحم في صدرها عشرات الأثداء (الشكل 
)١‏ تماماً كالجرة الفخارية الموضحة في الشكل 
١١‏ . 





( الشكل )١١‏ 
ارقميس افسوس 





حت :0 مت 


11-1 22 غ15 1 


غير أن الديانات الذكرية المتطرفة قد حاولت أن تحث تماماً صورة الأ الكبرى من 
نظامها الأسطوري . كا هو الحال في ديانة العبراتيين بشكلها التوراتي المتأخر . فهنا لا 
نكاد نجد ما يذكر بالأم الكبرى سوى أثر باهت باق في شخصية حواء التي حولءها 
الأسطورة التوراتية من مبدأ للكون الى محرد أم للجنس البشري . وحتى أمومتها هذه 
ليست أمومة أصلية » لانبا هي نفسها مولودة من الذكر آدم مأخوذة من ضلعه . وبذلك 
يبلغ تحوير أسطورة الام الكبرى أيعد غاياته بتجريدها حتى من أمومة البشر ؛ واعطاء ادم 
فضل الأبُوة والأمومة 3 الأبوة لانجابه لجنس البشري بواسطة حواع ؛ والأمومة لانجابه حواع 

ولكن التقاليد المسيحية ما تلبث ان تعيد للأم الكبرى سابق مجدها وسلطائها » 
وتبدأ مربم العذراء رحلتها من أم يبودية تقية , م تبدو في الأناجيل » الى أم كونية ووالدة 
للاله الذي اقترب من.البشر بدخوله في تاريخهم وتجسده في عالمهم » ومروره عبر جسد 
الأ الكبرى طفلا لما . « فمريم العذراء التي ظهرت في فلسطين وعاشت هناك عددا 
من السنين ليسست إلا تجليا في المكان للأم الكبرى مريم الموجودة قبل الزمان وقبل المكان 
والتي ستبقى بعد فناء المكان وتوقف جريان الزمان 06" . 
افسوس سئة ١195م‏ :ا« السلام عليك يا مريم , يا أم الله ؛ يأكنزا يمجده العالم »يا نورا 
كاملا ويا اكليل البتولية » والصوجان الذي يحمي العقيدة الصحيحة , واليكل الذي 
لا ينقض فيه سكن. من لا يستطيع أن يحويه شيء . أنت التي فيك يتمجد الثالوث 
ويعبد »”" . ونقرأ في بعض عظات الكنيسة : « إن من بنى السماوات واحتواها » 
والذي صنع الكون وما وراء الكون , الذي لا مقر لهء» قد جعل نفسه فيها طفلا 
صغيراً . وجعل منها مقر الوهيته » الفسيح الذي يملا كل شيء وحيداً » ولا حد لهء 
تجمع فيها دون أن يتصاغر »”" . ونقرأ للقديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية في القرن 





113-14 2 ءنسمتأممطن) هذ لقنطتظ لسة طااق8 ,ئغة8آا مدالة -1 


الأب متري هاجي اثناسيو , الموسوعة المريمية ص .772 2 
نفس المرجع ص 79/9. 3 


ا 


الخامس الميلادي في شرحه لعقيدة انتقال مرم الى السماء : « لقد كان مستحيلًا أن 
ييقى ذلك الجسد الطاهر محجوزاً عليه داخجل قبر الأموات » ذلك الإناء الذي احتوى الله 
بالذات » ذلك اليكل الذي مده بالحياة » الإناء الذي امتلاً بالله الذي حمل الله . لقد 
كنت أيتها العذراء المجيدة الجسد الذي استراح فيه هو" » . 


أخيرا اذا نتقلنا من أساطير العالم القديم الى أساطير الشعوب التى داهمها العصر 
الحديث قبل ان تحقق ثورتها المدينية » لوجدنا صورة الأم الكبرى النيوليتية ما زالت مطبوعة 
على نقائها لدى الكثير من تلك الشعوب. ولعل الانشودة التي سنقدم مقتطفات منها فيما 
يلي » والمأخوذة عن تراتيل قبيلة الكاجابا الهندية في كولومبيا بامريكا الجنوبية » تعطي 
صورة عن استمرار عشتار في ضمير الانسان عبر العصور : «سيدة الأناشيد والأغاني : 
أم التسل البشري . حملت بنا منذ البدء . أم الأجناس جميعاً وأم القبائل امختلفة . سيدة 
الرعود والامطار . أم الأغهار والأشجار . سيدة الصخور والأحجار , أم الحبوب وكل شيء 
حي . أم الشعوب المجاورة » وأم الأجانب والأغراب . سيدة الرقص والأغاني » ربة المعايد 
كلها أم الحيوانات الواحدة المولة . سيدة المجرة المضيئة .. لا أم لنا إلا هي 4" . 


نفس المرجع ص 5017. 00 


.5 2 )1540 01621 116 ,متمقصي71 لعءة 2 





عمروساراركهر 


مثلما وجد الانسان القديم في الأْض تجسيداً للأم الكبريى. كذلك وجد في القمر . 
الاثنان يشفان عن حقيقة واحدة وينتميان لمبدأ واحد . وفي كل مكان نعثر على ثنائية 
الأأض والقمر وعلى الاعتقاد بصلتهما الخفية”'©». فالقمر هو الأرض السماوية الأكثر شفافية 
ونقاء””") ٠‏ ويسود الاعتقاد لدى كير من الشعوب بأن القمر قد جبل من أديم لض ع 
والاغريق يطلقون عليه فعلا اسم الارض العليا" . 

ورغم أن الخصائص القمرية للأم الكبرى تبدو واضحة في نصوص وفنون عصر 
الكتابة » فإن ميثولوجيا الحضارات الكبرى لم تمدنا بأسطورة قمرية متكاملة عن الام 
الكبرى . ولذا فان جهودنا في هذا الفصل ستصب في اتجاهين . الاتجاه الاول إعادة بناء 








2 2 ,ععط غ540 ادع 113 ,ملمقتتتنة[7 طأعلمع - ١‏ 


2115 أخطعتظ عع3840)5 لتة دمنتهناع 18 ,رطاوة] دع 1 مطعوظ . [ -2 
364 2 رؤوععط 540 ع1 ,اآناة11ء8 أرعط80 3 


سد 1١‏ هه 


الأسطورة القمرية النيوليتية التي نؤْمن بوجودها » والاتجاه الثاني إعادة تفسير أساطير عصر 
الكتابة لاظهار الجوانب القمرية للأم الكبرى » سواء في النصوص المكتوبة أُو في الاعمال 
الفنية التشكيلية وسنبدأ في تحليل أسطورة سومرية معروفة » هي أسطورة هبوط إنانا إلى 
العالم الأسفل : 
من « الأعلى العظيم » تاقت إلى الأسفل العظيم 
من الأعلى العظيم » تاقت الربة إلى الأسفل العظمم 
من الأعلى العظيم تاقت « إنانا » إلى الأسفل العظم 
هجرت سيدني السماء » وتركت الارض 
« إنانا » همجرت السماء والأأض 
إلى العالم الأسفل قد هبطت 

5 الفاتحة الجميلة » يبدأ نص الأسطورة الحيويزية « هبوط إنانا إلى العالم 
الأسفل' ' وهو النص الذي يعد من أجمل ما انتجه الأدب السومري » بل أدب الشعوب 
القديمة عامة . تبدو الأم السومرية في هذه الأسطورة تواقة إلى ترك كرسيها السماوي 
وهجرة الأْرضِ التي ترعاها » في رحلة إلى العالم الأسفل » عالم الظلمات الذي تببط إليه 
أرواح الموقى » والذي تحكمه اختها الألحة « اريشكيجال » . وهي إذ تشرع في هبوطها 
عبر بوابات الموت السبعة » توصي تابعها « ننشوبار » أن ينتظر عودتها ثلاثة أيام وثلاث 
ليال » فان لم ترجع عليه أن يمضي إلى مجمع الآنهة طلباً لعونهم في استرجاعها إلى العالم 
الأعلى . تنزل إنانا درجات العالم الأسفل السبع بكامل حللها وزينتها السماوية » ولكن 
حراس البوابات يطلبون منها أن تخلع عند كل باب جزءا من ثيابها تنفيذا للشرائع المتبعة » 
إلى أن تعبر البوابة الأخيية وتمئل عارية تماماً أمام ملكة الأمُوات اريشكيجال » التي تأمر 
بموتها حالا وشد جثتها الى عمود خشبي . حتى إذا انقضى ثلاثة أيام وثلاث ليال » مضى 
تابعها ننشوبار الى الألهة طالباً عونهم » فيتلكأون إلا « انكي » إله المياه العذبة الذي 
يصنع لتوه مخلوقين يزودهما بطعام ال حياة وماء الحياة» ويرسلهما في اثرها حيث يفلحان في 
إعادة الحياة اليها » وتصعد من جديد درجات العالم الأسفل ادق متسروها تعمد 





من أجل النص الكامل راجع مؤلفي مغامرة العقل الأولى » فصل العام الأسفل 1 


فحت 7007 حت 


ثيابها وحليها حتى تخرج في الهيئة التي دحلت عايها . 

' لقد حار علماء السومريات ممن تصدوا لترجمة هذا النص وحل رموزه اللخوية » في 
حل رموزه الاسطورية المعقدة . فلمادا اشتاقت ربة السماوات الى زيارة عالم الظلمات ؟ 
ما الذي دفعها إلى ترك عرشها الال مي والشرو ع في رحلة مجهولة العواقب ؟ إلى ماذا يشير 
ا «وداذا بعتي ميعردها وبغلبها عل الورك ؟. في الحقيقة » أننا لا نستطيع فهم 

نص اسطوري اعتاداً على سطوره ومنطوقه ومكانه وزمانه . فالنص الواحد هو جزء من 
جماع التجربة الأسطورية » ومكانه ساحة العالم كلها .. وزمانه تاريخ الانسان . والامطورة 
الواحدة ليست نتاج إبداع فني جماللي لشخص بعينه » بل هي محصلة خبرة بشرية 
طويلة » وتاريخ طويل يمتد إلى أغوار الماضي السحيق » وتطور بطيء . كل هذا يجعلها 
لذهننا العصري مثقلة بالرموز الصعبة » حافلة بكل عصبي غريب . من هنا ء ففهم أي 
اسطورة يتطلب اعادة بنائها » والكشف عن تاريخها » وأشكاها السابقة المتضمنة في 
شكلها الأخير » وصرلًا إلى حلتها الأولى وباعثها الأسامي . 


إن النص الذي بين أيدينا الآن قد تم تدوينه في أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد » 
إلا أن أصوله البعيدة ترجع الى أعماق العصر الباليوليتي . عندما كان الانسان يتأمل 
حائراً في مظاهر الكون العجيبة » محاولاً إيجاد التفسير لا يجري من حوله . رفع رأسه الى 
السماء منذ أن انتصب على قائمتين . وراقب حركة أجرامها وسير شمسها وقمرها وتتابع 
ليلها ونهارها . فكان القمر أول ما رمى في نفسه الروح والرهبة بتألقه وسط الليل الغامض 
وتعارضه مع القبة المعتمة التي يسبح فيها » وغلبته على جميع الأجرام النبرة المنتشرة في 
أرجاء السماء » فكان أول جرم سماوي توجه إليه بالعبادة . كان الانسان حاطأ بالألغاز 
من كل جانب وكل ما حوله سر مكنون » لا يستطيع اتمييز بين أحلامه وواقع يومه . 
وشعوره لم يتايز تماماً عن لا شعوره » محكوماً بغرائزه وملكاته الفطرية لا بعقله » موجها 
بمشاعره وأحاسيسه لا بمنطقه . كان الليل يطمس له بصره ويتركه في ظلمة ورعب من 
نفسه وما حوطاء ينتظر القمر سيد الليل المترامي الأطراف. والكون الممتد بلا فاية) 
وسيد ظلمة النفس وخحوافيها. 

عظم الإنسان الشمس . ولكنه لم يجد فيها ندا للقمر . لم تثر في نفسه من 
العجب «التساؤل ما أثاره القمر . الشمس تشرق كل يوم من نفس المكان وتغرب في 


-ب20 بجت 


مكان محدد آخر ء في حركة رتيبة منتظمة . أما القمر فكل يوم هو في شأن . يشرق 
اليوم من مكان » وغداً يشرق من مكان آخر . يغرب اليوم في مكان » وغداً يغرب في 
مكان آخر . في يومه الأول يبدأ هلالا نميلا ثم يأخذ في الامتلاء والاكتال والتزايد حتى 
يسكذي ايه ويترستطل به الناء يذرا عمسما جيل مهيا . ولكن اكتاله موقت » إذ 
ما يلبث أن يبدأ في الانحدار والتناقص قطعة قطعة . حتى يختفي تماما في آخر الشهر 
غائصاً نحو العالم الأسفل الأسفل . وفي اليوم الثالث لغيابه » وبعد نسعة وعشرين يزما عن اكزوقة 
السابق » تظهر قرونه عند الأفق من جديد مبشراً بميلاد آخر . حركة طبيعية كونية » 
أشبه ما تكون بالحركة الطبيعية الداخلية لجسد الأنثى في دورته الشهرية . فكان القمر 
بحق » أنثى كونية عظمى » وكان هو ذاته الأ الكبرى والدة الكون والأرض الخصبة » وقد 
ظهرت في تجليها الجديد : القمر . 

فكما أن « 1 » » وفق المنطق الأسطوري », يمكن أن تكون « ب » أو « ج » 
في الوقت نفسه طالما أن الجميع يعكسون مبدأ واحداً . كذلك هي عشتار الآن » أنها 
تتجلى في القمر الذي يببط من الأعلى العظم على درجات ومراحل الى الأسفل العظمم » 
القمر الذي يحمل توقاً دائماً كلما توسط السماء بكامل حلله وزينته » إلى الانحدار عنها 
والتزول إلى عالم الظلمات نازعاً عنه زينته قطعة قطعة حتى يغيب تماما في اليوم الاول 
ويظهر في اليوم الثالث . وهو في د هذاء لا 0 3 يونت الأحياء » وإنما يغادر 
0 لهء ليلبث أياماً في العالم الأسفل سيداً له أيضاً. فعشتار الأولى كانت 

ة للسماوات و«العالم النوراق + وسيدة: لغالم لوت :وظلمات: العالم. الأسفل .في 
أسطورة العصر الحجري . لا تببط إنانا تموت في العالم الأسفل ثلاثة أيام » بل تمارس 
دور اليا أحن م دون ية لوث .وق أسطورة النصر سجر .لا عرد للها 
أريشكيجال , لأمباهي بالذات أريشكيجال » الوجه الآخر المعم للقمر . في طورها 
الأعلى هي إنانا » وفي طورها الأسفل اسمها اريشكيجال . تهبط وتصعد دون معونة من 
اله آخر ء وفق حركة طبيعية تلقائية لا تحكم لأحد فيا من خارجها . 

لعل أسطورة هبوط عشتار هي أول أسطورة منظمة لفقها خيال الانسان . إلا أن 
شكلها الأحير الذي دونه قلم الكاتب السومري على الفخار » ليس إلا نتاج تطور 
طويل » يعكس لنا بحق تاريخ الأسطورة وتبدلاتها عبر مراحل تطور المجتمعات الانسانية . 


كد 02 بد 


في شكلها الاخير » حافظت الأسطورة على هيكلها الأمومي العام رغم تداخل العناصر 
الذكرية اللاحقة » ورغم تقطيع اوصال الأ الكبرى وتشظي صوتها الأول . ولنعد إلى 
النص من جديد محاولين فهمه على ضوء ما تقدم . 


لا يقدم النص سبباً لهبوط عشتار إلى العالم الأسفل » لأ هبوطها هو جزء من 
قانون طبيعي ولأنها سيدة العالمين تترك الواحد لتنتقل إلى الآخر . وقد كان عباد عشتار 
وكهنتها » ممن حافظوا على أسرارها تحت طغيان الديانات الذكرية يعرفون المعاني الخفية 
الكامنة وراء زخرف النص » وشكله الخارجي ذى الصيغة الذكرية الواضحة . قبل أن 
هبط عشتثار : 
شدت الى وسطها ألواح الأقدار السبعة 
وعلى رأسها وضعت تاج السهول 
فمن محياها يشع الألق والبهاء 
بيدها قبضت على الصوجان اللازوردي 
وجيدها قد زينت بعقد احجار كريعة 
وعلى صدرها ثبتت جواهر متلألئة 
وكقها قد رضعيت خم دعبي 
وجسدها وشحت باثواب السيادة والسلطان 
ومسحت وجهها بالزيت والطيوب 

مشت إنانا في طريقها إلى العالم الأسفل 


يمثل هذا المقطع اكتال البدر في منتصف الشهر القمري » وتربعه على عرش 
السماء بكامل ألقه وبباثه ٠.‏ ولأن القمر لا يكتمل إلا لكي يببط متناقصاً خلال الجزء 
التالي من دورته؛ فان عشتار هنا تتخدْ زينتها وتلبس أثواب السيادة والسلطان وتضع 
الأحجار الكرية المتلالئةاستعدادا للهبوط الى العالم الأسفل . يشيعها خلال المرحلة الأولى 
من الطريق تابعها ورسولها « ننشوبار » الذي صار فيما بعد رسول الالهة السومرية 
والبابلية وانتقل الى 6 تحت اسم « هرمز » . وقبل أن. يغادرها راجعا » تقوم عشتار 
باعطائه تعليماتها بأن يمضي الى الالحة طالب عونهم إذا لم تعد من رحلتها في اليوم الثالث ,ثم 


تتابع سيرها حتى تصل بوابة الظلمات الأولى : 


افتح ياحارس البوابة » افتح البيت » 
افتح الباب يا « نيتي » . وحيدة سوف ألج منه 
« نيتي » كبير حجاب العالم الاسفل 
أجاب إنانا الطاهرة : 
من يا ترى تكونين ؟ 
أنا ملكة السماء » ذلك المكان الذي تشرق فيه الشمس 
فما الذي أ بك . إذأ » إلى الأض التي لا عودة متها ؟ 
وإلى الطريق الذي لا يرجع منه مسافر » كيف حفزك قلبك ؟ 
إن لقب ملكة السماء الذي تدعو به عشتار نفسها في هذا النص » هو من 
ألقابها الرئيسية التي لازمتها طيلة عهدها وتحت كل اسمائها وتجلياتها » إلى جانب ألقاب 
وأوصاف أخرى معظمها يشير الى علاقتها بالقمر . فهي عابرة السماوات ؛ وهي نور 
السماوات وهي الساطعة المنية وهي اللامعة . وهذه هي ايزيس تتخد القابأ مشابهة . 
فهي سيدة السماوات وسيدة الشعلة المضيئة » وسيدة التور » والنار الساطعة . وواهية 
النور . حتى إذا وصلنا إلى السيدة مريم العذراء وجدئاها تحمل نفس الألقاب القمرية . 
فهي سلطانة السماء' . وهي قمر الروح والقمر الخالد وقمر الكنيسة . ويشير البابا 
انوست الثالث في بعض كتاباته الى العلاقة بين مريم العذراء والقمر عندما يقول : إلى 
القمر يجب أن يرفع رأسه ذلك الغارق في الخطايا . لقد غاب عنه النهار » ولم تعد له 
تشرق الشمس . ولكن هاهو القمر عند الأفق . فليتوجه الى مريم التي يجد عندها 
الآلاف في كل يرم طريق الخلاص”” . وفي البرتغال يدعو الأهالي القمر ب « أم الاله » 
وف فرنسا يدعو الفلاحون في كثير من انحائها القمر باسم « السيدة العذراء »© . 
بعد أن يسمع كبير حجاب العالم الأسفل حديث عشتار » يتركها عند الباب 





الاب الدكتور متري هاجي اثناسيو » الموسوعة المريمية » ص 8ه 1 
.99-100 22 ,7143516115 70222115 رع متلعة11 رعطأ5ز8. 11 -2 
.78 2 ,110115 عطط1 ,أن د أأترظ أمءع8056 -3 


1 عبت 


برع إلى سيدته « أريشكيجال » ربة عالم الأموات وأخحت سلطانه السماء ؛ لينقل اليا 
خبر الزيارة . تمتعض ارهشكيجال لزيارة عشتار وتعطي تعليماتها إلى « نيتي » وقد 
أضمرت شرا : 
أي نيتي » ياكبير حجاب العالم الأسفل اقترب مني 
واعط أذنا صاغية لما امرك به 
إرفع مزاليج بوابات العالم الأسفل السبع 
وعند بوابة جانزير » واجهة العالم الأسفل أعلن قوانيتنا 

يصدع الحاجب بما أمر » مضي إلى عشتار المنتظرة عند البوابة الأولى : 
تعالي فادخلي ياإنانا 
ولدى دحوطا البوابة الاولى 
خلع عن رأسها الشوجار ؛ تاج السهول 
ما هذا الذي تفعلون ؟ 
أي إنانا » لقد صيغت قوانين العالم الأسفل بعناية واكتمال 
فلا تناقشي ياإنانا شعائر العالم الأسفل . 
ولدى دخوفا من البوابة الثانية 
اقتلع من كفها الصولجان اللازوردي 

وهكذا يستمر عبور عشتار بوابات العالم الأسفل » وعند كل بوابة تفقد جزءاً من 
زينتها وثيابها حتى تمثل عارية في حضرة اريشكيجال : 
اريشكيجال » كانت مستوية على عرشها 
يحيط بها الانوناكي السبعة الذين يصدرون الأنحكام 
ركزوا عليها انظارهم » انظار الموت 
وبكلمة منهم » الكلمة التي تعذب الروح 
تحولت المرأة المتعبة إلى جئة 
ثم شدت إلى وتد مغروس 
ثلاثة أيام مرت وثلاث ليال . 


سا1 عاد 


يشير هذا المقطع والذي سبقه بوضوح إلى تناقص البدر قطعة قطعة واتحدارة عن 
وسطالسماء تدريجياً في كل ليلة . وليست درجات الموت السبعة التي تخلع عندها إنانا 
جروا هل ريخا ضوع الأيام الأحية السبعة من الشهر القمري حيث يفقد القمر بوضوح 
قطعه الكبية » حتى يغيب تماماً في الأيُام الأخية . عند هذه المرحلة من النص » تبدأ 
المداخلة الذكرية بالظهور . فعشتار ل تعد قادرة كا كان شأتها في الماضي على الصعود من 
العالم الأسفل وحيدة » معتمدة على قواها الذاتية » بل لا بد من معونة الالهة الذكور في 
هذه المهمة . وهنا يأخذ رسوها ننشوبار بالطواف على الآلة الاخرى في أرجاء السماء » 
وقد ملا الكون صراخه وعويله طالباً عونهم على ارجاع سيدته إلى الحياة : 
رسولها نتشوبار 
ذو الكلمات الطيبة 
وحامل كلماتها الحقة 
أذ يملدٌ السماء صراخاً من أجلها 
وبكى عليها في حرم المجمع 
في بيت الآلهة ركض هنا وهناك من أجلها 
ذبلت عيناه وتغير وجهه من أجلها 
وكفقير شريد لبس ثوباً واحداً من أجلها 
والى إيكور بيت « إنليل » اتجه وحيداً 
بكى في حضرته قائلاً : 
أيها الأب إنليل + لا تدع ابنتنك تموت في العالم الأسفل 
لا تعر معدنك الثمين يلقى في تراب العالم الاسفل 
لا تترك لازوردك الغالي يكسر كحجارة البنائين 
ولا صندوقك الخشبي يقطع كخشب النجارين 
لا تترك الفتاة إنانا للموت في العالم الأسفلٍ 
فأضاني الأنا إنقيل شور قانلكة 


ابنتي في الأعلى العظيم سارت بقدميها إلى الأسفل العظيم 
إنانا في الأعلى العظيم سارت بقدميها إلى الأسفل العظيم 


0م ل 


3 


وشرائع العالم الأسفل » أنت تعرف ما شرائع العالم الأسفل 
ومن يا ترى بقادر على الوصول إلى ذلك المكان » 

بعد إنليل يطوف ننشوبار على عدد آخر من الالهة ليلقى نفس الموقف غير 
المبالي . إلى أن يصل إلى «إنكي» إله الماء العذب الذي يسرع الى تجدة الالمحة الميتة . 
يصنع إنكي مخلوقين ويعطيهما طعام الحياة وشراب الحياة » ويزودهما بالتعليمات اللازمة 
لعبور العالم الأسفل واستعادة إنانا إلى الحياة . يفلح الخلوقان في اقتحام العالم الأسفل : 
على الجنة المشدودة إلى وتدها وجّها أشعة النار 
وأنثرا عليها من ماء الحياة ستين مرة ومن طعام الحياة ستين 
فنبضت إنانا 
وصعدت من عالم الأموات 

هنا يبدأ ظهور القمر محدداً أول الشهر كخيط رفيع يتزايد يوماً بعد يوم » لان 
عشتار تضع لدى صعودها عند كل بوابة ما خلعته في نزوها : 
ولا مر بها عبر البوابة الأولى أعاد اليها ثياب جسدها 
ولا مر بها عبر البوابة الثائية أعاد الاساور إلى يديها وقدميها 
ولا مر بها عبر البوابة الثالثة أعاد إلى وركها تعويذة الولادة 
ونا مر بها عبر البوابة الرابعة أعاد إلى صدرها جميع الحلي 
ولا مر بها عبر البوابة الخامسة أعاد إلى جيدها العقود 
ونا مر بها عبر البوابة السادسة أعاد إلى أَذنيها الأقراط 
ولما مر بها عبر البوابة السابعة أعاد إلى رأسها التاج العظم”" . 

وهكذا يتربع القمر من جديد على عرش السماء . 

ان هذه الأسطورة المدونة منذ مطلع عصر الكتابة » تعود في أصلها إلى اعماق 
العصور الباليوليتية المجهولة » كا ألحنا منذ قليل . ولكنها في شكلها الأخير » نتاج عملية 
تطورية تركيبية . فالانسان النيوليتي قد ورث الأسطورة القمرية عن العصر الباليوليتي 
وطورها . ثم ألهمته هذه الأسطورة » أسطورة هبوط أخرى تقوم بها عشتار سنوياً إلى العالم 


. 759 هذا المقطع ترجمة عن النص البابلي » راجع مؤلفي مغامرة العقل الأول ص‎ ١ 


2505 


الأسفل من أحل ضمان دورة الزراعة » وما ليشت الأسطورتان أن ادمجتا في اسطورة واحدة 
عندما صار الاله الابن بطل الحبوط بدلاً عن الالهة الأم في الأسطورة الزراعية . فأخذت 
عشتار تهبط في كل عام إلى العالم الأسفل لفك أسر تموز انحتجز هناك طيلة فترة الخريف 
والشتاء » فتغيب في اليوم الأول لتصعد في اليوم الثالث ومعها الاين القتيل وقد بعت حيا: 
ولسوف نعمل على توضيح هذه البنية المعقدة والمتشابكة تدريجياً في الفصول القادمة . 

تظهر درجات الموت التي يهبطها القمر في بعض الاعمال الفنية على هيئة سلم 
مؤلف من أربع عشرة درجة » كل درجة تمثل يوماً من أيام النصف الثاني للشهر القمري . 
من هذه الاعمال » الرسم المصري الموضح في ( الشكل ١165‏ ) , حيث نجد القمر على 
قمة زهرة اللوقس المقدسة وبين قرنيه عين أوزوريس ( أو ابنه حورس ) التي ترمز إلى القمر 
المتناقص أو القمر المتزايد حسب اتجاه فتحة العين: في شكلها الجانبي , وأمامه سلم هابط 
نحو الاسفل هو الطريق الموصل إلى عالم الظلمات . 


1 )1١11 الشكل‎ ( 


درجات العالم الأسفل ‏ رسم فرعوني 


البقرة السماوية : 


منذ أن رأى الانسان في القمر تجسيداً لعشتار ربط في ذهنه رمزيا بين قرون البقر 
وقرني الهلال » وصور في خياله الأم الكبرى على هيئة بقرة ماوية يرسم قرناها هلالا في 
السماء . ؤقد استمرت هذه الصورة الباليوليتية والنيوليتية مرتبطة بالأم الكبرى في عصور 
الكتابة . فعندما لا تظهر الأَم الكبرى في الأعمال التشكيلية على هيئة البقرة الكاملة 
تظهر برأس البقرة أو بقرون البقر » أو تشير إليها النصوص الميثولوجية والطقسية بلقب 
البقرة . فالالهة « نوت » المصرية التي هي قبة السماء كانت تصور في هيئة بقرة 
كاملة » والأم المصرية « نيت » كانت تدعى بالبقرة السماوية » والالهه هاتور » كانت 
تظهر دوماً برأس بقرة » والإلهة ايزيس ان لم تظهر برأس بقرة ظهرت وعلى رأسها قرنان 





كبيران غالباً ما يحتويان قرص القمر البدر بين طرفيهما (الشكل )١7‏ . كذلك الأمر فيما 
يتعلق بعشتار البابلية وعشتار الكنعانية التي تظهر في الرسوم والمنحوتات وعلى رأسها 





الأم القمرية الكبرى ايزيس وفي حضتها الوليد الالمي 


زناة .تومل من العمل هذه الأعمال ؛ ذلك المحفوظ في متحف دمشق والذي يمثل الالحة 
عشتار المجنحة ترضع من ثديها العاربين إهين صغيرين » وعلى رأسها تاج يزينه قرنان . 
وقد يعمد الفنان إلى اظهار الحلال ذاته بدل القرون فيتوج به رأس الأم الكبرى . 
ومن ناحية أخرى فان بعض القاب الأم الكبرى التي عرفت بها في عصور 
الكتابة » تظهر صلتها بذلك التصور القديم . فهي البقرة وهي العجلة . نقراأ في صلاة 
أسومرية إلى إنانا من عصر صارغون الأول : « أيتها البقرة البية الجموح » أنت اعظم من 
كير إلآ.: [ن0© ».وف بعض الواح أوغاريت نجد الالهة عناة تحمل لقب العجلة"© وفيٍ 





.218 ,7.1 ,أمقظ مقع1[ظ! امعاععم عط1 ,لتقطعغصط .8.[ -1 
ميدكو » اللاليء من النصوص الكنعانية » ترجمة مفيد عرنوق ص ”4 . 2 


بدا ال8 د 


نصوص :بعل وعناة الاؤغارتية نجد الاله بعل يضاجع الالمة عناة وهي في هيئة العجلة قبل 
ان يببط الى العالم الأسفل” . هذا وقد بقي لقب البقرة أو العنجلة يطلق على الأم 
الكبرى وصرلًا الى السيدة مريم العذراء ؛ نقرأ في طقوس عيد تقدمة مريم الى هيكل : 
« إن والدة الاله بالجسد لما قدموها للرب عجلة ذات ثلاث سنين » تقبلها زخريا كاهن. 
الله ووضعها في الحكيل”" وايضاً : فليسر يواكيم الجد » ولتبتبج حنه , لانهما قدما لله 
السيدة البريئة من. كل عيب كمثل عجلة ذات ثلاث سنين”" . وفي التراتيل البيزنطية 
التي تتلى يوم الجمعة الحزينة نقرأ : « لما رأت العجلة ابنها معلقاً على الصليب ناحت 
وأعولت »”' وايضاً « انت الآن في باطن الأرض أيها المخلص » والقمر الذي انجبك 
يثلاشى حسرة لغيابك”؟. وتدعم الاعمال التشكيلية هذه النصوص الطقسية 
المتعلقة بالسيدة مريم حين تربطها احياناً بالبدر أو الحلال . من هذه الاعمال لوحه الحبل 


بلا دنس للفنان موريو من عصر النهضة المحفوظة في متحف مدريد » والتي تظهر السيدة 


وعندما ظهر الاله الابن أخذ عن أمه صفاتها القمرية والرموز المتعلقة بها » فصار 
يرمز إليه برأس الثور الوحشي ذى القرنين الكبيرين . وهناك من الادلة ما يشير الى ان 
تقديس الثور كان قائما في المستوطنات الزراعية الاؤلى في سورية وخصوصا تل المرييط 
حيث يتزامن ظهور الثور مع ظهور الالهة الأمْ ولسوف نجد هذا الثناني بعد الفي سنة في 
شتال حيوك » ثم في حضارة تل حلف شمال سورية . ففخاريات تل حلف حافلة 
بالاشكال التزبينية لقرون الثور الوحشي » أما في شتال حيوك فلا يكاد يخلو معبد من 





5 2 ,ادعلا ,00:00 .0.11 -1 
الاب متري هاجي ائناسيو . الموسوعة المرمية » ص 85م . 2 
نفس المرجع ص 24 . 3 

.67 2 ,قاع نمآ لقنننظ عط .نامترعلة4 أمعمدع :د1١‏ -4 


5- 1510, 2 66. 


34 2 روعع113ذلا ومعغنتصوءءظ و5عنآ رمتلاياق. [ 6 
راجع أيضا ترجمة الاستاذ قاسم طوير ١5415‏ . 


7 


معابدها الكثيرة من رأس الثور الوحشي''" . ونخارج منطقة الشرق الأدنى القديم نعثر على 
هذا الثناني المقدس في كريت حيث يزين رأس الثور الوحشي جدران القصور والمعابد . 
كا نعثر عليه في مطلع عهود مدن يونانية كثيرة كطيبة ودلفي . وف مكدينيا , وتراقيا”" . 
هذا وربما تلقي اسطورة الميناتور الاغريقية اضواء على عبادة الثور في كريت . فالميناتور كا 
تروي الأسطورة”" كان مخلوقاً عجائبياً نصفه ثور ونصفه الآخر رجل . صنع له ملك 
كريت مينوس قصراً خخاصاً على شكل متاهةلا يستطيع الداخخل اليها أن يعثر على طريق 
خروجه منها . وكان الميناتور لا يتغذى إلا بلحوم البشر » ونخصوصاً لحوم أسرى الحروب . 
كا كانت له وجبة دورية من أهالي أنينا » التي فرض مينوس على أهلها جزية قوامها سبع 
فنيان :وسبعة فتيات تقذم.طعاماً للميناتور .. وقد اسعمرت هذه الجزية قائمة حتى تمكن 
البطل ثيسيوس من دخول قصر التيه وقتل الميناتور » بعد أن تطوع للخروج مع فريق 
الفدية إلى كريت . إن هذه الأسطورة ليست في الواقع إلا ذكرى لعبادة الثور في 
كريت . والميناتور الذي تصوره . ليس كائناً حياً بل تمثالاً في المعبد تقدم له الأضاحي 








الشكل رقم (18) 


الاله الثور. ‏ شتال حيوك الألف السادس ق.م 





94,123-4 22 أموظ موعل8 عط 1ه مومه عنل51© أكعنتامو8 رأمققلاء4 65درول 1 
.0 2 رمتوناعظ عاعع01 ,مموسمطاط عوول در 
.198 ,150 22 ,لإعه1هطاتز14 عه 0 ,لنوئنن ,7 -3 


ل 9/[ للد 


البشرية التي كانت معروفة في كريت . وربما كان بين تلك الاضاحي شبان إغريق يجري 
اصطيادهم لهذه الغاية أو يرسلون بالفعل كجزية . 

وقد بقيت قرون الثور النيوليتي تزين رؤوس الالح الأبناء حتى العصور المتأخرة . 
فهذا هو الاله بعل الكنعاني يظهر في رسومه ومنحوتاته بقرون بارزة نحو الأمام . وكذلك 
أوزوريس المصري الذي تصوره بعض الاعمال الفنية برأس الثور » وهو نفسه الاله 
سارابيس الذي انتقل فيما بعد الى العالم الكلاسيكي والذي يعني اسمه « الاله 
الثور »”' . وكان الفرس القدماء يعتقدون أن روح العالم مقيمة في ثور بدني يسكن 
السماء'؟ . وفي الثقافة الحندية كان الثور تجسيدا لكل من الاله « إندارا » والاله 
« شيفا »”" . 


أنئة القمر وقمري المأ : 


إن الاعتقاد بأنوثة القمر وتمثيله للأم الكبرى ٠‏ قد ساد الحضارات القديمة وبقيت 
آثاره في ثقافات الاقوام البدائية في عالمنا الحديث . فبعيداً عن مسرح الحضارات الكبرى 
في الحلال الخصيب ومصر «العالم اليونائي» التي تخللت عناصر الأسطورة القمرية الأولى 
أساطيرها ودياناها ‏ فإن معظم الثقافات البدائية تنظر للقمر باعتباره ف وتعتقد 
بتجسيده لالهة أنثى . يسود هذا الاعتقاد في ثقافة الحنود الحمر في أمريكا الشمالية 
والجنوبية . ونجده لدى معظم الثقافات الافريقية » ولدى أكثر الشعوب البدائية في استراليا 
وبولونيزيا وغرينلاند . ويحمل الفلاحون الاوربيون معتقدا مشابها يتجلى في الفلكلور 
والحكايا الشعبية"؟ . تحدثنا اسطورة عن غينيا الجديدة عن القمر الأنثى » الذي يببط إلى 
باطن الارض ثلاثة ايام تم يبعث ساطعا من جديد عتمول : « إنه في الازمال السحيمه » 
كان القمر فتاة جميلة اسمها « رابية » تعيش على الأرض بين أهلها وقومها . ثم إن رجل 





173 2 نإو اص ط 11 01 بممم0 1211 ى ,م :أمهقط5 :1130 -1 
380 2 رومعط 8101 عط ,أده لظ معطم8 -2 
830 نط1 -3 


20 2 روعاعع )و1492 و'مقصده الآ رعسمتلعداط تعطاوظ. 11 -4 


الشمس « نويل » وقع في حها ولكنبا صدت عنه ء فقرر الانتقام . قام رجل الشمس 
باغراق رابية في الأرض عند جذور الشجرة » وباءت كل جهود اهلها في إنقاذها , فلبثوا 
ينظرون اليها وهي تغيب ببطء في جوف الأَنْض . عندما تأكدت الفتاة من مصيرها امحتوم 
وبلغ منها التراب العنق . طلبت من أهلها أن ينبحوا خنزيرا ويقيموا مأدبة على روحها . 
ولكنها طمأنتهم إلى أنها لن تغيب في باطن الأض طويلاً . ففي مشاء اليوم الثالث عليهم 
أن يراقبوا السماء . لامها ستكون قد انتقلت إلى هناك على شكل جرم سماوي منير”" . 
تحتوي هذه الاسطورة على الكثير من العناصر الرئيسية لأسطورة "هبوط إنانا ولعلها ليست 
سوى صدى بعيداً من اصداء الأسطورة النيوليتية الأولى » حيث اختلطت الاسطورة 
القمرية بالأسطورة الزراعية . فالفتاة في هذه الأسطورة تغوص عند جذور الشجرة » دلالة 
على الصلة بين الأنثى الكونية وخصب الأرض » وهي تغيب ثلاثة أيام في العالم الأسفل 
وتظهر: في الأفق هلالاً منيياً . تمامأ كنموذجها الأول عشتار . 


ومن ناحية أخرى فإن حياة المرأة الفيزيولوجية والسيكولوجية ذات طبيعة قمرية 
وإيقاع قمري . فهي مرتبطة بدورة شهرية معادلة لدورة القمر الذي يبدأ هلالا في أول 
الشهر ليتلاشى في آخره » بعد ان يمر في فترة تقع في منتصف الشهر عندما يبلغ البدر 
تمامه . وقد كان سكان بلاد الرافدين'" يعتبرون تمام البدر يوماً تحيض فيه عشتار وتستريج 
من كل أعمالها . لذا فقد ارتبطت بهذا اليوم مجموعة من المحرمات » كالشروع في 
السفر » وأكل الطعام المطبوخ ؛ وإشعال النار » وهي نفس الامور التي تستريم منها المرأة 
الحائض . وقد دعي هذا اليوم بيوم « السباتو » أي يوم الراحة » وكانوا يحتفلون به في كل 
شهر ء, ثم مرة في كل ربع من أرباع الشهر القمري » وعنهم أخذ اليبود هذه العادة ايام 
السبي » فجعلوا يوم السبت يوم راحة للرب فيه استراح من عناء الخلق , ودعو ذلك اليوم 
بيوم ال « سباث » » وفرضوا على أنفسهم فيه محرمات مشابهة ما زالت تسيطر على 
سلوكهم حتى اليوم . 

وفي اللغات البديئة » نجد أثراً للاعتقاد القديم بعلاقة طمث المرأة بدورة القمر 


.176 2 ,هه له طاتزقة أوالاتسلوط ملأعطمصيقك طمعوو3 -1 


.62 2 رو 143:52 5 موده الا ,عطتلعد1] يعطاوظ. 84 -2 


ففي اللغة الانكيزية نجد ان كلمة «هنئدتعمم6 الدالة على الطمث إذا ما رجعت إلى 
أصوها تعني « التغير القمري » . وفي الفرنسية من الشائع أن يشار الى الحيض على أنه 
«وقت القمر».. وفي المانيا » يطلق الفلاحون في بعض المناطق على فترة الطمث بشكل 
مباشر اسم القمر . وفي الكونغو » يستعمل الأهاللي كلمة واحدة للدلالة على الطمث 
والقمر » وكذلك في بعضن مناطق الند . وكثير من اللغات البدائية تستعمل تعبير 
« المرض القمري » للدلالة على الحيض”” . 


ولعل اقتران المرأة بالقمر له ما يبرره في نظر الانسان القديم » فكلاهما ينسميان إلى 
المبدأ السالب في الطبيعة والكون» ذلك المبدأ الذي أطلق عليه الفكر الصيني القديم اسم ال 
«ين»» ويقابله ال«يانغ» المبدأ الموجب الذي ينتمي اليه كل من الشمس و«الذكر . 
من تفاعل هاتين القوتين المتكافتتين تستمر حركة العالم ومكوناته » التي تتداخل فيبا 
القرتان فتتعادلان أحياناً » وتغلب أحداهما أحياناً أخرى , دون أن تلغي الواحدة نظبتها . 
ففي قبة السماء يسود اليانغ » وفي الارض الين . في الماء يسود الين وفي النار يسود 
اليانغ . في المرأة يسود الين وني الرجل يسود اليانخ ... الح . فالين هو العتم ‏ الظل » 
الرطوبة » الغموض . واليانغ هو النور الساطع » الحرارة » الجفاف , القوة » الانجاز ‏ 
الوضوح'" . أما الفكر اليوناني فقد أطلق على المبدأ السالب اسم ال « الإبروس » » 
والميدأ الموجب اسم « اللوغوس » . فالإيروس , هو عالم الطبيعة والرغبات والغرائز وخفايا 
النفس أما اللوغوس فهو التسلط على الطبيعة ٠‏ والمنطق . والتفكير المنظم البارد . إلى 
الثفروس تنتمي الرأة وإلى اللوغوس ينتمي الرجل . وفي علم النفس الحديث . أطلقت 
المدرسة اليونغية على الطاقة الموجبة في النفس البشرية اسم « الانيموس » » والطاقة 
السالبة اسم « الأنيما » . فالأنيما هى الأنثى الكامنة في كل رجل » والانيموس هو 
الرجل الكامن في كل امرأة . 


م يحكم إيقاع القمر حياة .المرأة » فان الرجل يحكم حياته إيقاع الشمس . 





.55 8 نط1 -1 


.3255 ') 05 عله80 روصتن .1 -2 


73 اسه 


فالشمس هي مصدر منتظم للنور والحرارة » تخضع في شروقها وغروبها لنظام وقاتون 
دقيق . تشع في النبار وتختفي في الليل لتظهر ثانية في الصباح . لا أحد يشك في شروقها 
التالي . أما القمر فنوره متبدل متغير » يشرق في الليل » ولكن شروقه لا يتؤاقت مع ابتداء 
الليل ا يتواقت شروق الشمس مع ابتداء النبار » بل يبدو أن شروقه تابع لمزاجه 
الخاص . فقد نراه مع المغيب ثم يغوص نحو الغرب » وقد يطلع من الشرق في أوائل الليل 
أو في أوسطه أو نحو نبايته » أو لا يطلع ابداً تاركاً سماءنا في ظلام أو يظهر وباللغرابة في 
وسط النهار مركداً وجوده سابحاً في أرجاء السماء المملوءة بنور الشمس . إنه الأنثى 
المتقلبة المزاج » الغامضة الأطوار . التي تستلهم في سلوكها خصائصها الطبيعية لا قوانين 
التنظيمات الاجتاعية المحكمة . أما الشمس فهي الذكر » واضع القوانين وعبدها » 
يصوغ الغايات والأهداف المتعالية على نظام الطبيعة » ولا يخلص من ربقتها طوال حياته . 
الرجل نظام المجتمع » ينظر دوماً نحو الأعلى » راغبا, في مزيد من الانجاز وتحقيق' عظائم 
الأمُور » أما المرأة فهي عكية الطيدة + نظ “دنا مر الأزطن نيشت التعادة التي 
تحققها حركة الجسد في إيقاعه الطبيعي ؛ لا حركة الذهن في إيقاعه امجرد المتعالي . 

يتبع الرجل في حياته منحى ثابتاً لا يكاد يتغير , تمامأ كمنحنى الشمس : أما 
المرأة فحياتها مليكة بالتغيرات الجذرية التي تبدل كياتها وتهزه ؛٠‏ وبالمنعطفات الحاسمة التي 
تحمل لها تحولات أساسية لا تستطيع لها تبديلا أو عنها رجوعاً . إن التغيرات التي تطراً 
على جسد المرأة وروحها عند البلوغ لا تقارن » كما ونوعاً » ٠‏ بالتغيرات التي تطرأ على 
الدكر . وفعل الحب الاول ني حياة المرأة » ليس كفعل الحب الاول في حياة الرجل » فهو 
يجعل من الرأة مخلوقاً جديداً من الناحية الجسدية والنفسية » بينا لا يكاد يترك في نفس 
الرجل أو جسده أثراً أو علامة » يتجاوزه بثبات دون أن بنظر نحو الوراء . والمرأة قبل 
الحيض هي غيرها اثناءه وغيرها بعده . وهي قبل الحمل غيرها بعد الرلادة . ما أن تلد 
المرأة حتى تغدو أما .. لا يهم إن مات ابنها أو عاش بعد ذلك » لقد صارت أما مرة 
واحدة وإلى الأبْد » وبذرة الحياة دوماً هناك » تنبض تحت القلب 5 نبضت طوال تسعة 
أشهر . يقبل الرجل على فعل الجنس كا يقبل على أي نشاط آخخر من نشاطات الحياة » 
أما المرأة فهي دوماً عذراء قبل الجنس » أمّ بعده » تهب نفسهاني كل مرة وكأنها المرة 
الأول . 


حم الال سس 


أسبقية عبادة القمر : 


لقد كان مشهد الليل الجليل وقبة السماء الحالكة بنجومها وشهبها المارقة ومذنباتها 
السابحة » من أكثر المشاهد تأثيراً في نفس الانسان القديم . فكان الليل بالنسبة إليه هو 
الأصل والنبار هو الفرع . الليل هو الأزلي ع والثبار هو الحادث . عن عتمة الليل 
القديمة » اذ الكون باتفايز . وعن العماء الأول ظهرت الموجودات وترقبت ا تظهر نجوم 
السماء في كل يوم من جوف الليل لا يأتي » وعن الظلمة الخافية ظهرت المرئيات 
الواضحة . الخلق فعل سري يسمو على الأفهام » ولذا فانه يصدر عن الليل والظلمة » لا 
عن النهار والنور . والعتم هو الرحم البدثي الذي حبل بالكون وانجبه . 

بتأثير هذه النظرة القديمة » تؤكد معظم أساطير الخلق والتكوين على ظهور النشأة 
الأولى من لجة الظلمة الأزلية . ففي اسطورة التكوين البابلية » كانت تعامة هي الرحم 
الماثي المظلم الذي نشأ عنه الكون والالمة . وفي الأسطورة المصرية نجد« نون » العماء 
البدني المظلم والرحم الماثي الذي انجب أول الالهه « رع » . وعند الكنعانيين نجد أنه في 
البدء لم يكن هناك سوى ريح عاصفة وخواء مظلم”" . وفي التكوين التوراتي نجد أنه في 
البدء خخلق الرب السماوات والارض » وكانت الارض خربة وخالية » وعلى وجه الغمر 
ظلمة » وروح الرب يرف فوق الماء"© . وفي الأسطورة السومرية » تنبئق الأجرام السماوية 
من ظلمة العالم الأسفل عندما يبيط الاله إنليل سيد مجمع الة سومر إلى العالم الأسفل » 
ويضاجع الإلمة نتليل التي تتبعه إلى هناك » عند كل بوابة من بواباته السبع؛ كان القمر 
أول مولود لها من إنليل ثم إن القمر نفسه يحيل بالشمس وينجيها . 

ومن امثير للتأمل حقاً . أن كثياً من أساطير التكوين لم يربط بين الشمس 
والنور » ولم يجعل صلة بينها وبين تتابع الأيام . ففي أسطورة التكوين البابلية تظهر دورة 
الام واختلاف الليل والنبار » قبل ظهور الشمس إلى الوجود . وفي التكوين التورائي » 


عن تكوين سانخونياتن » راجع مؤلفي مغامرة العقل الألى ص ٠٠١‏ . -1 
العهد القديم » سفر التكوين » الاصحاح 731١ : 1١‏ . -2 


راجع اسطورة إنليل ونتليل » في مؤئفي مغامرة العقل الأولى التكوين السومري ٠.‏ -3 


:بت 


يقوم بوه بخدن النور وتمييز الليل عن النهار قبل أن يخلق الشمس . فخلق النور قد ثم في 
اليوم الأول من أيام التكوين : « وقال الرب ليكن نور فكان نور ورأى الزب النور أنه 
حسن وفضل الرب بين النور والظلمة . ودعا الرب النور نباراً والظلمة دعاها ليلا" . أما 
خلق الشمس ء فلم يتم إلا في اليوم الرابع من أيام التكوين : « وقال الرب لتكن أنوار في 
جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لايات وأوقات وسنين وتكون أنوار في جلد 
السماء لتنير على الأض وكان كذلك . فعمل الرب النورين العظيمين » النور الأكبر 
لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل ... وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً © . 


إن أولوية الليل على النهار » تستدعي أولوية القمر » سيد الليل على الشمس 
وأسبقية الديانات القمرية على الديانات الشمسية . ففي جميع الثقافات » كانت 
الميثولوجيا القمرية.سابقة على الميثولؤجيا الشمسية 2. ويكاد يجمع دارسو الأسطورة » في 
يومنا » على هذه الحقيقة » وكذلك علماء الانتروبولوجيا ممن درسوا الثقافات البدائية 
المعاصرة التي تسود فيها الديانات القمرية أو أشكال أخرى متطورة عنها0؟» . ففي ميلانيزيا 
بشتى مناطقها » ميخ الأساطير على أن الأم القمرية الكبرى هي خالقة الكون وسيدته » 

وإلى جانبها يعبد الأهالي ابنيها القمر المتزايد والقمر المتناقص وليس للشمس في دياناتهم 
إلا مكانة ثانوية . وفي غينيا الجديدة » يسود ,اعتقاد مشابه بسيدة القمر وابنيها . وعندما 
نزل الاسبان في اندونيسيا وجدوا القمر هو المعبود الرئيسي لكثير من قبائلها » وما 0 
عبادته قائمة اليوم لدى بعض قبائلها البدائية . وفي بولونيزيا لا تكاد الشمس تلعب دورا 
مهما في الدين والاسطورة اللذين يتركزان حول القمر . ولدى قبائل الاسكيمو تقوم 
الشمس مقام الأحت بالنسية للقمر الذي تدور حوله دياناتهم » ويعتقدون أن نور 
الشمس وحرابتها قد استمدت منذ القديم من القمر . ويؤمن الحنود الحمر في أمريكا 
الشمالية بالأم القمرية الكبرى ويدعوتنها بالمرأة القديمة . والمرأة المتغيية » والمرأة الأبدية . 
وني امريكا الوسطى والجنوبية » التي يظنها البعض الموطن التقليدي للديانات الشمسية 2 

العهد القديم . سفر التكوين 1١‏ 45 . -1 

العهد القديم » سفر التكوين ١981١4 : ١‏ . 2 

256 1/00 0161 ع1 رسف طناء ل[ طعتمرظ -و 

2 ,وترعط ه14 ع5 اناه أكترظ أمرعطمج. 4 


خه :لاعت 


لم تكن تلك الديانات . في حضارات الازتك والانكا ؛ إلا من خلق الطيقة الحاكمة 
الأرستقراطية التي كانت تمبر الناس على بناء هياكل الشمس . أما الطبقات الشعبية فقد 
بقيت على معتقداتها القمرية السابقة . وفي إفريقيا بقي كثير من القبائل البدائية حتى 
وقت قريب أمينا للديانات القمرية وسيدتها الكبرى 27 , 


مع اتجيار الثقافات الأمومية وصعود الثقافات الذكرية » غلبت الشمس القمر ء 
وتوطدت الديانات الشمسية السماوية » وراح الهة الشمس والة السماء السامية يبنون 
أبجادهم بعد معارك حاسمة مع سيدة العتم وابنها الثور . فقتل مردوخ الأم تعامة في صورة 
تنين رهيب » ومثله اندارا في الهند الذي ارتفع على اشلاء تنينه ايضاً » وزيوس في الغرب 
الذي قتل التنين طيفون ابن الأض ٠‏ وميترا الفاربي الذي شاعت عبادته في العالم اليوناني 
الروماني بعد الميلاد والذي قتل الثور السماوي فأحل نور الشمس محل ضوء القمر . وإلى 
جانب الة الشمس واغة السماء السامية . قام الأبُطال الشمسيون أنصاف الآخة بافعال 
مشاببة ترمز إلى قيام الطبقات العسكرية الحاكمةالأوليجاركية باحلال عبادة الشمس محل 
عبادة القمر عند أعتاب الحضارة . إن أساطير هؤلاء الأبطال بشكلها المزخرف الأخير 
وببائها الأدبي لا تخفي أصلها القديم وشكلها الأول الذي صاغه آباء الانقلاب الديني 
قبل مطلع عصور الكتابة » وكل أفعالهم تتركز على قهر الرموز القمرية . فهذا جلجامش 
البابللي حبيب « شمش » إله الشمس يسير برعاية إلهه وتوجيبه فيقتل مع صديقه انكيدو 
تنين غابة عشتار . وتجعل الأسطورة الذكرية من عشتار امرأة لعوب .تقع في حب 
جلجامش الذي يعرض عنها ويقوم بتحقيرها وتعداد مثالبهاء فترسل ضده ثور السماء 
الذي يقتله جلجامش دون عناء . إن هذه الأسطورة التين دونت مع أسطورة تعامة 
ومردوخ في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد » وهو عصر صعود الملك حموراني وإرساء 
دعام الامبراطورية البابلية » ليست إلا تردادا لأسطورة شفهية قديمة تظهر الصراع بين 
البطل الشمسي من جهة والأم الكبرى وابنها الثور من جهة اخرى . ولعلها في الأصل 
ليست إلا صراعاً بين شمش نفسه وعشتار . 


ومثل. جلجامش , هرقل . البطل الاغريقي ابن زيوس من امرأة بشرية » الذي 





1 1010, 22 2859-9 





يوجه معظم أعماله الخارقة ضد الرموز القمرية . يقتل هرقل « هيدرا » التنين ذى 
الرؤوس السبعة ويمرغ أنف الإنحة أرميس في التراب عندما يقبض على أيلها البري المقدس 
الذي لم يقدر عليه أحد من قبل » ويقبض على الخنزير البربي الشرس ٠‏ وهو من الرموز 
التقليدية للأم الكبرى ويصرع الثور الافي المتوحش » ويتغلب على قبيلة النساء 
الأمازونيات “ولع يق « يسيوس » ابن الله بوسيدون من امرأة بشرية » الذي يقتل 
الميناتور » الثور الكريتي ساكن قصر التيه . إن أسطورة قتل الميناتور ليست في الحقيقة 
سوى صياغة أسطورية لواقعة تاريخية تتعلق بهجوم القبائل البطريركية اليونانية على كريت 
وتقويض ثقافتها الأمومية وهدم هياكلها القمرية وتحطيم تمائيل الاله الثور الإبن وإحلال 
عبادة الآلة الآباء . ومن الشواهد الباقية في الأساطير اليونانية على الصراع القديم بين 
الآلحة الشمسية والآلهة القمرية » تلك القصص التي تروى عن صراع الة الاوامب مع 
عمالقة الأْض . فكل إله أوبمبي تقريباً كان له معركة مع عملاق أو أكثرء تنتبي بانتصاره 
المؤزر الذي يعزز مكانته في مجمع الآلمه العلوية . إن المعنى الكامن وراء هذا الصراع ضد 
العمالقة لا يتضح الا إذا رجعنا إلى الأصول اللغوية لكلمة العملاق . فالكلمة الدالة على 
العملاق في اللغة اليونانية واللغات الاوروبية الحديثة هي (:8ف6  )‏ جيانت ‏ المستمدة 
من « جيا » الأُم ‏ الأْض . فالعملاق والحالة هذه هو ابن الأرض جيا » التي كانت 
تصور في بعض المشاهد وقد انبئقت من الأعماق لتحمي ابنها من عدوان الاله 


الاوبمبي”" . 


لقن اخدت: التولوجيا الكتسسية: يناءقننها عل الأسن النتابقة السفولوييا 
القمرية » وأخذ الآلهة الشمسيون يتبنون خصائص وصلاحيات الأ القمرية وابنها . ”ا 
استطاعت الميثولوجيا الشمسية تحويل بعض الألهة القمرية إلى الهة شمسية . فمردوخ 
بل ء سيد آلة بابل ليس إلا بعل الكنعاني » الاله القمري الأصل الذي انت به 
سلالة حموراني السوربة . كا أن بعل قد تحول إلى إله شمسبي في كثير من مناطق عبادته 
الاصلية » وذلك كبعلبك وتدمر حيث أقيمت له هياكل الشمس على أنقاض هياكل 
القمر . وزيوس الاغريقي أعتى اطة الذكور وسيد البانثيون الاغريقي » ليس الا زيوس 





2 2 ,51012 1لءع1 عاء01) ,213:215011 326ل -1 


جت ١ل‏ حدم 


الثور ؛ ابن الأم الكريتية الكبرى الذي حمله معهم الآخيون إلى أرض اليونان عقب دمار 
الحضارة المينوية . ولعل التعمق في دراسة شخصية ومنحى تطور بعض الالحة التي اعتبرت 
شمسية منذ ظهورها » يوصلنا إلى أصلها القمري القديم . وهذه نقطة لا نستطيع التوسع 
في بحثها هنا . 


القمر والخصوبة : 


وجد الإنسان القديم علاقة بين القمر وخصب الأيِض ونمو الزرع ء قبل أن 
يكتشف العلاقة الفعلية بين الشمس والحياة النباتية . فضوء القمر الأصفر اللين » وطرواة 
الليل الذي تترك أردانه » قبل أن ينجلي » ندى يمد أوراق النبات بالحياة » ورطوبة تنعش 
الأْض » كانت في تصور الإنسان أكثر ملاءمة لحياة الزرع من أشعة الشمس الحارقة 
ونور النبار الساطع . ومن ناحية أخرى » فقد لاحظ الإنسان أن تتابع الفصول هو الذي 
ببسىء الشروط لتستكمل الدورة الزراعية غايتها » وأن تتابع الفصول بدوره نتاج دورة القمر 
الشهرية التي تضع علامات للزمن . فكان القمر بالنسبة للإنسان خالق الزمن وسيده » 
ورب الفصول التي تتوج حركتها بفصل الربيع الذي يحبي الأرض بعد سباتها . 

وقد عبرت الأعمال التشكيلية للحضارات الأولى في فقافات الشرق القديم عن 
علاقة القمر بخصب الأرض ونمو الزرع والشجر ء مدفوعه إلى ذلك بالأفكار التي وريتها 
عن الثقافات النيوليتية . فنجد في كثير من الرسوم أن القمر والشجرة يندمجان في وحدة 





( الشكل )2 
شجرة القمر ‏ بابل الالف الثاني ق.م 


جح 1 حت 


تشكيلية جمالية . ففي الشكل ١5‏ » يبدو القمر وكأنه جزء عضوي من أجزاء الشجرة 
التي مها الفنان البابلي بأسلوب زخرفي تبسيطي جميل . وفي الشكل ٠١‏ يكرر الفنان 
الاشوري نفس العناصر » متبعا نفس الطريقة الزخرفية مع إضافة الحيوانات إلى الوحدة 
التشكيلية » لأ القمر مسؤول أيضاً عن تكثير الحيوانات وعن توالد الإنسان . 





لمحل 


شجرة القعرح اشوزت الالف الأول قم 


ان مسؤولية القمر عن نفخ الحياة في البذور الجامدة » وارسال مياه المطر » وتوزيع 
الندى , وتفجير الينابيع, هي فكرة ميئولوجية شائعة نستطيع تتبعها في كل الثقافات . 
ولعل دراسة معتقدات الشعوب البدائية الحديثة تعطينا صورة عن بقايا معتقد الانسان 
القديم . ففي كولومبيا الببيطانية يرسم الأعاللي صورة القمر وقد علقت على أطرافه أباريق 
الماء التي يسكب منها على الأيْض . ويعتقد الهنود الحمر في أمريكا الشمالية بآن القمر 
مسؤول عن هطول الأمطار والانبات ويدعونه بأم الذرة: المحصول الرئيسي لديهم . وفي 
البرازيل تدعو القبائل القديمة القمر بأم المحاصيل . وفي الهند هو حامل البذور » وأيضا 
حامل النباتات . وني الاسكيمو يعتقد الاهالي بأن القمر هو الذي يرسل الثلج”" . 

وإضافة الى خصوبة الأرض » فإن القمر مسؤول عن خصوبة النساء . ففي 
غرينلاد يسود الاعتقاد بأن القمرهو الذي ينفخ الحياة في أرحام النساءء لذلك فإن المرآة 
غير الراغبة في الحمل لاتنام على ظهرها ليلا دون ان تغطي منطقتها باحكام » خوفا من 
تسلل شعاع القمر . وني نيجيريا يقتصر دور الفعل الجنسبي الذي يمارسه الرجل على 





.302-303 ط2 ومعطاه]8 عظ1 ,أده 8 أمءطم8 1 


لم ده 


تسهيل مهمة القمر الذي يعتبر المسؤول الحقيقي عن الحمل . ولدى قبائل الماوري في 
امريكا الشمالية يسود الاعتقاد بأن القمر هو زوج النساء جميعا . وتعتقد بعض القبائل 
في منغوليا ومناطق أخرى من العالم بأن القمر قادر وحده أحياناً ودون تدخل الرجل على 
اخصاب النساء'”"' . وتقوم المرأة المتزوجة حديثاً. لدى بعض هنود تكساس» بالوقوف 
عارية في وعاء مملوء بماء تم تعريضه لضوءٍ القمر . وفي بعض روايات ولادة البوذا أنه قد ولد 
من عذراء لقحها ضوء القمر . ويصف الفرس القمر بأنه حافظ بذور الثور » لان 
أسطورة قديمة تقول بأن الاله الثور قد أودع بذوره الخصبة في القمر . وني انحاء كثيرة من 
العالم ما زالت النساء ترفع المولود الجديد عاليا نحو القمر ليبارك نموه . وف أوروبا الوسطى 
اليوم تحذر الفتيات بعضهن البعض مازحات من الشرب من ماء بركة ينعكس عليه خيال 
القمر لكي لاتحملن . وفي مقاطعة بريتاني بفرنسا يتندر الناس بالقول أن على المرأة أن 
لاتكشف جزءها الأسفل تحت ضوء القمر والا حملت منه”". ريما لاشك فيهء ان هذه 
المعتقدات المتشابهة» انما ترجع في أصوها إلى الايمان القديم بالقوة الخالقة للأم القمرية 
الكبرى» التي تنفخ الحياة في أرحام النساء وتهب الجنسين خصوبتهماء 6 تفعل في 
الطبيعة النباتية . ' 

إلى جانب مسؤوليتها عن حمل التساء . فإن الام القمرية ترعى حياة النساء الحوامل 
ونكون حاضرة فوق سرير الولادة لتسهيل عملية الوضع . وكانت نساء بابل يدعين عشتار 
وهن على فراش الوضع . ولايقتصر الأمر على ذلكء لأنَ الأم الكبرى أيضاًء ولدى كل 
الثقافات » راعية النساء في شتى مراحل حياتهن» وكانت الهتهن الاولى . نقرأ في ترتيلة بابلية 
إلى عشتار: 

تعين النساءء فتاة أو إمرأة أو أمة. 

نافذة شرائعها سامية محكمة © 

لهذا السبب كان أهل حران في سورية يقولون إن الشعوب التي تعتقد بأنوثة القمر 
وتعبده في هذه الصفة » تسلم قيادها لنسائها . أما الشعوب التي تعتقد بذكورة القمر 





22-3 28 ر,وعلرع 10251 5امقله لآ ,رعصنلره11. 31.1 1 
.292-93 طط ورعط ]ه84 عط1 ,السو انظ معطمع -2 
3 أقه8 جوعل8 العاعممى م15 ,لمقطعالط وعررو[ -3 


85م د 


وتعبده في هذه الصفةء فإن لرجاطا الغلبة على نسائها. ومثل هذه الفكرة كانت شائعة 
لدى قدماء الأنكلوساكسون الذين اعتقدوا بأن النظر إلى القمر باعتباره أنثىء يردي 
إلى غلبة النساء في المجتمع”". 


كل هذه البركات التي يمنحها القمر » قد جعلت من ظهوره في أول الشهر بشرى 
طيبة يترقبها الناس في كل مكان . ومازال التفاوؤل برؤية القمر الجديد قائما إلى يومنا هذا 
لدى كل الشعوب دون أن يدركوا تفسيراً لذلك . وفي بلادنا يفضل الناس رؤية القمر 
الجديد مع شخص يحبونه لتحمل م أيام الشهر المقبلة حظاً طيباً» فيقول أحدهم لقد 
رأيت القمر على وجه فلان أو فلانة. فاذا رأوه في صحبة غير محببة تطيروا وتوقعوا حظاً 
عائرا . 


الأطوار الثلائة للقمر : 


إذا كانت الشمس تبدد الظلام وتمحوه. فان القمر يتالف معه ويتعايش جنباً الى 
جنب . انظر إلى السماء في ليلة مقمرة» تجد ضوء القمر يلج في العم ويتشابك معهء 
والعتم يعشعش في ضوء القمر ويسكن بين أجزائه . فالنور و الظلام لايتنافران عند سيدة 
القمر بل يتجاذبان وعندها يلتقيان. نحو النور تدير وجهاء ونحو الظلام تدير وجهها 
الآخر . وني دورة حياتها الشهرية تظهر الضدين وتوحد بينهما من خلال تعاقب أطوارها 
الثلاثة : الطور المتزايد والطور الكامل والطور المتناقص . 

يمر القمر في ثلاثة أطوار منذ ظهوره في أول الشهر وحتى اختفائه تماماً في آخره . 
الطور الأول هو الفترة التي يقضيها الهلال في التزايد التدريجي والتحول من خيط رفيع إلى 
قرص مكتمل . والطور الثاني هو فترة القمر البدر الذي يتوسط كبد السماء بكامل 
استدارته وتألقه . والطور الثالث هو الفترة التي يقضيها القمر في التناقص والميلان عن كبد 
السماء حتى التلاشي والغوص في أعماق الظلام. وقد اعتقد الأقدمون أن بركة القمر 
وخنصائص» الايجابية إثما تكمن في طوره المتزايد» طور اكتال النورء لذلك كانوا يباشرون 





.25 وعرعطننك1 ع1 ,اانه كلظ امعطم 1 


تحضير حقوهم للموسم الزراعي ويقومون بفلاحتها وبذرها خلال أيام القمر المتزايد. 
ويشرعون في كل عمل يريدون له نجاحاً خلال هذه الفترة . فإذا ابتدأ القمر بالتناقص كان 
ذلك نذيراً بكل سوء محتمل . فكانوا يقدعون عن مباشرة الأعمال الزراعية والشروع في أي 
نشاط يأملون له فلاحا. ذلك أن الأ القمرية الواحدة» مسؤولة عن القوى السالبة في 
الكون مسؤوليتها عن القوى الموجبة ء وعن الخير مسؤوليتها عن الشرء وعن الحياة مسؤوليتها 
عن الموت . وهي في طورها المتناقص قد تأخذ ما أعطته في طورها المتزايد . وعندما تختفي 
تامأ في الأعماق ترسل عفاريت العالم الأسفل لقيض أرواح من وهبتهم الحياة . إن ديانة 
تؤمن بإله واحد ولا تؤمن معه بوجود إبليس يحمل عنه مسؤولية الشرور في العالمء 
ستتوصل ولاشك إلى إيمان بوحدة النقيضين في تركيب واحد . 


لقد عبرت الأعمال التشكيلية القديمة عن هذه الوجوه الثلائة لعشتار سيدة القمر 
بأساليب رمزية مختلفة . ففي سورية رمز الفينيقيون إلى أطوار عشتار الثلاثة» بثلائة أعمدة 
متفاوتة الطول يعلوها الهلال» أو بثلاثة أعمدة. يتخذ كل واحد منها هيئة صليب يعلوه 
هلال ( الشكلان 1١‏ و 7١‏ ). وقد يرسم القمر على شكل دائرة تحتوي على ثلاثة أهلة 





إلى ٠‏ 
(الشكل ١؟)‏ (الشكل )2 
أطوار القمر الثلائة نصب فينيقي أطوار القمر الثلاثة نقش فينيقي 


يرمز كل منها لطور من أطواره» كا هو الأمر في بعض النقوش البابلية ( الشكل 58 ). 
وعندما تحول القمر إلى إله مذكر في بلاد الرافدين تحت اسم «سن»». بقيت الأعمال 


1م - 


التشكيلية تعبر عن وجوهه الثلاثة. ففي الشكل رقم ( 74 ) نجد إله القمر جالساً في 
الوسط حاملاً قرص البدر يحيط به الهلال» وأمامه حيوان مقبل يشير الى القمر المتزايد 
ووراءه آخر مدبر يشير إلى: القمر المتناقص . إضافة الى هذه الرموز التشكيلية» فإن الأَم 
القمرية قد صورت أحياناً في هيئة مثلثة » كا هو الحال في الشكل ( 78 ) الذي يمثل 
الالحه الاغريقية أُقيس ‏ هيقات بثلاثة رؤوس يلتفت أُوها الى ابمين دلالة القمر المتزايد» 
والثاني نحو الأمام دلالة القمر التام» والثالث إلى اليسار دلالة القمر' المتناقص» ويتعلق 
بيدها اليسرى كلب الجحم الضاري واثباً على قائمتيه الخلفيتين. هذا وسوف ندرس 
مزيداً من الاعمال التشكيلية المعببة عن ثلاثية الأ القمرية في فصل عشتار السوداء 





اللاحق . 
الشكل 5١‏ الشكل 54 
الأطوار الثلاثة للقمر الأطوار الثلائة للاله سن 
نقش بابل خم بابلل 


وقد يؤدي تثليث سيدة القمر إلى عبادتها في ثلاثة أشكال, م هو الحال في الأم 
الكبرى لحضارة السلت « بريجيت » . كانت يريجيت أم الآلحة وسيدة الطبيعة. من 
ألقابها « الأم الطيية » . وكانت أيضاً أمأ قمرية تدعى ب « المتألقة » وب « مونا » وهو 
الأسم الذي بقى قائماً في اللغات الأوروبية للدلالة على القمر. وقد عبدت هذه الالمة في 
ثلاث إلحات اسم كل منهن بريجيت . فكانت ديانة السلت والحالة هذه توحيدية وتثليثية 


في آن معا. وفي الفترات المسيحية الأولى اختلطت هذه الالهة بالسيدة مريم » 


حل لالماسه 


فدعاها البعض بريم الغوليين نسبة الى الغول من سكان فرنسا القدماء» 5 دعيت بأم 


المسيح”" . 


ورما كان تثليث الأم الكبرى لجزيرة العرب هو الذي أدى إلى انقسامها إلى ثلاثة هن 
اللات والعزى ومناة : اللواقي كن أعلى الة العرب شأناً وكان اسمهن يذكر أثناء الطواف 
حول الكعبة في تبليلة معروفة يقول مطلعها : « اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى» فامهن 
الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترجى » . وقد ذكر القران الكريم في تعريضه بالمعتقد الجاهلي 
الشطر الأول من هذه التهليلة . ورغم استقلال كل قبيلة عربية بعبادة واحدة من هذه 
الالهات» إن كل إطة عل يحذة كانت تظهر” خصائس لين واضيحة . ففي كتاب 
الأصنام لابن الكلبي نقرأ عن تثليث الأم العربية الكبرى إن : « العزى قد عبدت بجسمة 
في ثلاث شجرات من شجر السمار بواد اسمه حراض . وتقول الروايات ان الرسول قد أمر 
خالد بن الوليد بهدم بيت العزى وقطع سمراتها الثلاث . فأتاها فقطع الشجرة الأول ثم 
الثانية » وعندما هم بالثالثة» خرجت عليه امرأة حبشية عريانة» نافشة شعرهاء واضعة 
يدها على عنقهاء تصر بأنيابهاء وخلفها سادنها ينشد : أعزاء شدى شدة لاتكذبي» على 
خالد القي الخمار وشمري . فقال خالد: يا عز كفرانك لاسبحانك» إني رأيت الله قد 
أهانك . ثم ضربها ففلق رأسها وقتل السادن وقطع الشجرةء ثم أقى رسول الله فأخيه 
فقال : تلك العزى ولاعزى بغدها للعرب» أما إنها لن تعبد بعد ا 0 


وقد حاول الفن المسيحي اتباع أسلوب التثليث في رسم المسيح إلا أن 
الكنيسة كانت ضد هذا الاتجاه في أحيان كثيرة: لأنها رأت فيه نوعاً من الوثنية المقنعة . 
وقد قام البابا أوريان الثامن عام ١574‏ بإزاحة هذا النوع من اعاثيل أو التصاوير م 
كنائس ايطاليا وأمر باحراقها علنا” إلا أن بعضها قد بقي قائماً حتى فترات قريبة جداً 
كالايقونة الموضحة في الشكل (15) 





5 8 ورعطاه84 عط ,الدده أ لظ رعممج -1 


ابن الكلبي ؛ كتاب الأصنام » تحقيق أحمد زكي ص ٠8‏ . 2 
.908 م 5 11 ,النده تلظ اأرعطمج 1 


-- 8م ده 





) 7١ ( الشكل‎ ) ١٠١ ( الشكل‎ 


أرقيس المثلعة رسم إغريقي . المسيح المثلث أيقونة من بوليفيا 


هذا وقد عبدت الأ القمرية من خلال رمز الكتلة الحجرية . فالصخر الذي هو 
رمز الأرض هو في الوقت نفسه رمز للقمر . وكان لون الحجر الذي تعبد فيه عشتار يعكس 
طورها المنير أو طورها المظلم. فالأم الكبرى لجزيرة العرب كان لها أكثر من حجر 
والخزرج وِلم تزل على ذلك حتى خرج الرسول من المدينة عام الفتح وبعث عليا فهدم 
الحجر”" . وكان للات حجر هربع أبيض في الطائف هدمه المغيرة بن شعبة 29 وكان للأم 
الكبرى لآسيا الصغري « سيبيل » , حجر مقدس أسود في مقر عبادتها الرئيسي في 
فرجيا نقله الرومان إلى عاصمتهم في احتفال تاريخي مشهود » آرخ لانتقال عبادة سيبيل 
إلى روما. ( وسوف يأتي حديث هذا الحجر بتفضيل أكثر في موضع لاحق ). 





محمود سايم الحوت . الميثولوجيا عند العرب ص 75 1 
ابن الكلبي » كتاب الأصنام » تحقيق أحمد زكي ص ١5‏ 2 


6م - 


وعشتار الكنعانية كان لها حجر أبيض في بيبلوس ومثله في قبيص”. وقد يتحول شكل 
الكتلة الحجرية إلى عمود متطاول أو مخروطي » يظهر في النصب أو المنحوتات البارزة وقد 
علاه هلال . 


القمر والصليب 


يظهر رمز الصليب أكثر ارتباطاً بالأم الكبرى في تجليها القمري. فخطا الصليب 
المتقاطعان ربما يرمزان إلى الامتداد اللانهاني للحضور الالمي ‏ وإلى شمولية الأ الكبرى . 
وإذا كان الصليب قد وجد مرسوماً على جدران المعابد النيوليتية ومنقوشاً على خزفيات تلى 
حلف وسائرًاى فإن الأم الكبرى نفسها قد نحنت وصورت في هيئة الصايب» 6 هو الأمر 
في مستوطنة شتال حيوك التي صورت فيباالأم الكبرى بالطريقة الكلاسيكية المعروفةلذلك 
العصرء وبطريقة تبسيطية رمزية . ففي النوع الثاني يشكل جسم الالحة خط الصليب 
العمودي : بينا ترسم الذراعان خطه الآفقي.أما الساقان فمبسوطتان على مدا 
ومتقاطعتان مع الجسم الذي لايظهر من تكوينه الواقعي سوى السرة ( الشكل 77 ) 





الشكل 7؟ 


عشتار في هيئة الصليب . نحت على جدار معبد في شتال حيوك 


4 2 كم نمع 1451 25ه ممه ,رعممنلعد .34.5 -1 


م 
. 





ومع مطلع عضور الكتابة يتابع الصليب اقترانه بالقمر . ففي أهرامات الجيزة عثر 
على أشكال زخرفية تمثل الأم الكبرى في هيئة الصليب الذي يعلوه الهلال حيث استبدل 
الرأس باللا ( الشكل 78 ) . وهذه الأشكال استمرار للصلبان الزخرفية التي وجدت 
على جدران معابد شتال حيوك ( الشكل 74 ). وني بلاد الرافدين كانت شارة عشتار 
البابلية عبارة عن دائرة مكتملة يعلوها صليب . وهذه الشارة بالذات هي التي استعملها 
الفن الديني المصري للدلالة على الحياة الأبْدية» والتي لايخلو منها رسم أو تمثال. وفي 
جميع حضارات الشرق الأدنى والبحر المتوسط يقترن الصليب بالهلال أو يستعمل كرمز 
تبادلي له. فقد يرتكز الحلال على قمة الصليب في النصب المقدسة والنقوش ( الشكل 
.)٠‏ وقد ند الصليب إلى جانب الملال أو في وسطه ( الشكل 7١‏ ). هذا وقد 
استمدت الرموز المسيحية هذا التكوين حيث نعثر على الهلال الذي يرتكز في وسطه 
عمود أو صليب في بعض الكنائس اليونانية الأولى ( الشكل ”١‏ ). 


( الشكل 58 ) ز الشكل )١١9‏ 


و 
6 


1 





) 5١ الشكل‎ ( 


ساكاة - 


1 


(الشكل 787) 


م يقتصر رمز الصليب على الحضارات القديمة» وبعض الديانات العالمية» بل نراه 
رمز قائماً لدى كثير من الغيانات البدائية الحديثة » فالهنود الحمر في كاليقورنيا يمثلون الأم 
الكبرى وقد امتدت أطرافها الأربعة على هيئة صليب . وتتخذ قبائل هندية أخترى الصليب 
كرمز للأتجاهات الأربعة وللرياح الاربعة . ويضع أفراد قبائل الماورى الصليب في أعناقهنم 
كرمز للأم القمرية . وفي جزيرة استير المهجورة في المحيط اهادي والتي لاتحتوي سوى على 
مائيل ضخمة لم يعرف صانعوهاء نجد الصليب محفوراً في مواضع مختلفة من تلك 
الفاثيل. وتسود لدى قبائل بدائية كثية عادة رسم الصليب على الأشجار لتحميهم من 
ا 1 الشريرة» ما يرفعون الصلبان في مكان تقديم ذبائحهم للقمر"؟. 

لقد رافق صليب الم السورية الكبرى الانسان منذ بدايات مغامرته الروحية 
الكبيى» وما زال قائما بيننا يؤكد وحدة التجربة الروحية للبشرية عبر العصور . 


سيدة الوقت. سيدة الأقدار والمصائر : 


كانت ا القمر الشهرية بالنسبة للانسان 0 هي الؤشر 1 


41 رذكعط 1101 ع1 ,غلأبده لظ أمعطمجع 1 





و اكت 


وانقضاء العام يحسب بانقضاء أثني عشر قمراً متتالياً. ولم تكن حركة القمر هذه مجرد 
ساعة كونية ترصد الوقت» بل كانت بالفعل هي التي تصنع حركة الزمن» فالأم القمرية 
الكبرى هي التي ابتدأت زمن الكون المنظم بعد أن خرجت به من أزمان الميولي الأولى » 
وهي سيدته القيمة على استمراره وتدفقه . ورغم غلبة الآلحة الشمسية على سيدة القمر 
القديمة فانهم :لم يستطيعوا السيظرة عل الزمن وم يضعرا تفوههم وستهم الشمسية [ل في 
وقت متاخر جدا من تاريخ الحضارة» حيث بقي التقييم القمرى الاداة الوحيدة التي 
استخدمها الانسان لحساب الوقت وترقب حركة الفصول . فها هو مردوخ بعد قطه الأم 
الكبرى في أسطورة التكوهن البابلية يؤكد سيطرته على القمر ويأمره أن يمقى مقياساً 
للوقت : 

ثم أخرج القمر فسطع بنوره» وأوكله بظليل 

وجعله حلية له وزينة » وليعين الايام : 

أن اطلع كل شهر دون انقطاع مزينا بتاج 

وفي أول الشهر عندما تشرق على كل البقاع 

ستظهر يقرنين يعيّدان ستة أيام 

وني اليوم السابع يكتمل نصف تاجك 

وفي المنتصف من كل شهر ستغدو بدا في كيد السماء”© 

لقد كان اليابليون يمثلون شهور السنة القمرية بأبراج السماء الاثتى عشر التي 
أسموها منازل القمرء كا اطلقوا اسم زنار السيدة عشتار على دائرة الابراج التي يقطعها 
القمر أثناء عبوره في السماء . ومثلهم في ذلك كل شعوب الحضارات القديمة التي بقيت 
على تقوبها القمري إلى أن تم اكتشاف التقويم الشمسبي»: فتحول البعض اليه وحافظ 
البعض الآخر على التقويم القمري حتى العصر الحديث» كالشعوب الاسلامية التي 
ارتبطت الشهور القمرية عندها بالعبادات والمناسبات الدينية . نقرأ في القران الكرم : 
« يسألونك عن الأهلة, قل هي مواقيت للناس والحج » ( البقرة 188 ) . 6 نقراً أيضاً 
عن وظيفة القمر كمؤشر للوقت « والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم » » 





.كأقعضء 0 شقتهه 1 زطه8 عط ,اعلء1؟ ععلممهاخ -1 


470 سا 


( سورة ياسين : 79 ) عن هذه الاية يقول تفسير ابن كثير : أي جعلناه يسير سير 
يستدل به على مضي الشهور . 

وفي اللغات الحديثة نجد آثاراً باقية من توقيت القمرء وحساب الأيّام بالليالي . 
ففي اللغة الانكليزية ما زالت كلمة ( هنم" ) تستعمل للدلالة على أسبوعين . 
والكلمة اختصار ودمج لكلمتين هما ( #8 هاه؟ ) التي تعني أربعة عشر2 و (اطولا ) 
التي تعني ليلة . وني كثير من التعابير ما زالت كلمة ( 24000 ) أي قمرء تستعمل 
للدلالة على الشهر من ذلك مثلاً كلمة ( «ده:14000 ) التي تعني ترجمتها الحرفية قمر 
العسل» ولكن المعني بها شهر العسل . وفى العربية ما زلنا نقول: سأقضي ليلتين في هذا 
المكان» بمعنى سأمكث يومين . فاذا عدنا إلى القواميس نستطلع أصل كلمة « الشهر » 
لوجدناه في ظهور القمر. فشهر الشيء إظهاره وإخراجه: وذلك كقولنا شهر سيفه, أي 
أخرجه من غمده؛ والشهرة هي وضوح الأمر. وفي القرآن الكريم نقرأ : « فمن شهد 
منكم الشهر فليصمه ». إن الشهر. كعدد من الأيام لاتمكن مشاهدته» وإنما يشاهد 
القمر عند ظهوره . وقد استعملت هذه الكلمة هنا بمعنى مزدوج للدلالة على القمر وعلى 
أيام الشهر القمري . 

يستتبع سيطرة عشتار على الزمن» سيطرتها على الأقدار والمصائر والنبايات . في 
لحظة الميلاد يكتب للانسان مسار حياته وتحدد ساعة فنائه» وفي نسيج الحياة تغرس 
الخالقة خيط الموث . في بداية الأزمان ظهرت المادة من غياهب الميولي» ومن المادة 
البدئية الخام انبقت مظاهر الكون المرتب. من الأدنى الى الأعلى» ومن البسيط إ!. 
المركب نسجت الأم الكبرى مادة الكون في رخمها بإحكام واطلقتها إلى الخارج. ثم 
تابعت ف رجمها الأْضي المظلم وني رحم وكيلاتها النساءء حبك نسيج التعضي الحي 
واظهاره مكتملا . ولكن خيط الحياة مجدول بخيط الموث » وبداية الأشياء تقود إلى نهايتهاء 
وناسجة الحياة هي ناسجة المصائر والنبايات . إن تيار الحياة الدائم الجريان » أشبه 6 
متدفق محكوم بحركته الداخلية التي تحمل مياهه من نبعه إلى مصبه؛ حيث يتلاثى في 
خضم المحيط الواسع عائداً إلى رحم المياه البدئية الأول . 

هذا كانت عشتار» في ميثواوجيا كل الحضارات », تحمل ألواح الأقدارء وهي 
الألواح المحفوظة التي نقشت عليها مصائر الأشياء والأحياء, والتي اغتصبها الاله الذكر 


لدا غ36 - 


بعد جره الم الكبرى عن عرشها السماوي . نقرأ في ملحمة التكوين البابلية» في مشهد 
استعداد الام تعامة للقاء مردوخ في ساح المعركة : 

ومن الجيل الأول للالهة في مجلسها 

اختارت كينغو» وجعلته علياً وعظيماً 

وضعته أمام جيشها قائداً 

فيشهر السلاح للمعركة ويبدأ الصراع 

ثم أسلمت إليه ألواح الأقدار وزينت بها صدره قائلة : 

سيكون أمرك نافذا وكلمتك ماضية . 

ولكن النصر يكون أخيرا لمردوخ الذكرء الذي يصرع تعامة في مجابية ثنائية» ثم 
5 على جيشها فيشتت شثمله ويقبض على قائده فيسليه ألواح الأقدار التي أودعتها الآم 
بين يديه . 

أما كينغو الذي وضع رئيساً عليهم » 

فقد كبله وأسلمه إلى إله الموت . 

جرده من ألواح الأقدار التي حازها دون حقء 

فمهرها جخاتمه وزين بها صدرهء 

ثم عاد إلى تعامة المقهورة . 

وقف على جزئها الخلفي » 

وبهراواته العتية فصل رأسهاء 

وقطع شرايين دمائهاء 

التى بعثرتها ريج الشمال إلى الأماكن الجهولة" . 

وهاهي « إنانا » تشد إلى وسطها ألواح الأقدار قبل أن تبط إلى العالم الأسفل : 

شدت إلى وسطها لوحات الأقدار السبع 

وبقية الأقدار المقدسة جعلتها إلى يدها 

وعندما تبداً بجبوط درجات العالم الأسفل» وتخلع عند كل درجة جزءاً من ثيابها 





1- كأقعهع0) مقتده10زط88 116 ,اعلع1] ععلممعع1م‎ ٠. 


| 946 


وزينتباء لايورد النص ذكراً لألواح الأقدارء ولايشير إلى قيام عشتار بخلعها والتخلي عنها . 
وفي هذا دلالة على أن ألواح الأقدار ليست ألواحاً مادية يمكن حملها باليد أو شدها الى 
الوسط فعلاً: بل هي رمز إلى خصيصة من خصائص الأ الكبرى؛ كسيدة للمصائر. 
وتشير بعض أسماء الأم الكبرى الى علاقتها بالقدر والمصيرء فلقد رأينا أن الأم 
الكبرى لجزيرة العرب قد عرفت بأسماء ثلاثة هي اللات والعزى ومناة . عن هذه الأسماء 
ومعانيها نقرأ في القواميس العربية» أن اسم اللات هو موّنث لفظ الجلالة الله» والعزى من 
العزيز" أما مناة فالأسم في اعتقادنا مشتق من المنية. وقد استعمل العرب كلمة المنية 
بمعنى الموت» ولكنها في الحقيقة لاتعني الموت بحد ذاته بل صفة له باعتباره أمراً مقدراً 
لامهرب منه”“. هذه السيطرة على المصائر والأقدار » قد أعطت الأ الكبرى في جميع 
الحضارات أسم « السّاجة » نضا « الغزّالة » . فهي التي تحجيك نسيج الحياة » وتغزل 
خيط القدر. وهي إذ تحضر إلى سرير الميلاد كربة للولادة. فإنها في نفس الوقت تحضر 
كسيدة للمصير وتكتب لكل مولود اقداره . ولايقتصر دورها على قيادة مصائر البشرء بل 
هي التي تغزل أيضاً خيط أقدار الكون برمته . وقد مثل الفكر الأسطوري هذا الجانب من 
جوانب الأم القمرية بربات ثلاث هن ربات القدرء يظهرن في فن بلاد الرافدين واقفات 
على تيس ذي قرنين كبيرين وفوقهن يتوسط الحلال المشهد . وفي الثقافة الأغريقية يظهرن 
حت اسم « الموريا » ربات القدر الثلاث المولودات من الليل البدنيء اللواتي يحلمن فوق 
آهة الأتبمب . وتبدو أفروديت نفسها في بعض أشكاها ككبرى الموريا الثلاث2. 
والسيدة مريم العذراءء تصور في كثير من الايقونات البيزنطية التي تعالج قصة 
« البشارة »؛ وقد أمسكت بيدها خيطاً يمر من وسط جسدها ملفوفاً على مغزل. 
وموضوع البشارة من أحب الموضوعات الدينية إلى قلب صانعي الايقونات البيزنطية 
وأكثرها انتشاراً» نظراً لأهمية سر التجسد في المعتقد المسيحي ونتائجه الخلاصية. ويورد 
لنا دليل التصوير الاثوسي التقنية التي يترتب على الرسام اتباعها في رسم هذه الأبقونة : 





راجع معجم مختار الصحاح 1 
راجع معجم مختار الصحاح 2 
2262 22 ععتل 1410 أوءع02 عط1 ,لمممصسيعلك طعارظ -3 


981 ست 


« تمثل العذراء جالسة على عرش مواجهة الملاك » أو مديرة ظهرها قليلاً ناظرة إليه أو 
خافضة عينيها تتأمل . تمسمك بيدها اليسرى الموضوعة على ركبتها يط حرير أحمر ملفوفا 

على مغزل» يمر بين سبابة وإبهام يدها المنى .الموضوعة على صدرها. وفي أعل الأيقونة 
دائرة قاتمة تحوم وسطها حمامة بيضاء رمز الروح القدس» وتنحدر منها ثلاثة أشعة نور 
على البتول القديسة »0"©. وفي بعض لوحات عصر النبضة» تظهر بوضوح علاقة الخيط 
الذي تغزله العذراء بخيط القدر. ففي احدى هذه اللوحات وهي من ألمانية القرن الرابع 
عشرء تظهر السيدة جالسة إلى مغزل وقد أمسككت بيديها خيطه الذي يتقاطع عند سرتها 
مع دائرة تحتوي الجنين الاي . 


تستمر الأسطورة دائماً حية في الخيال الشعبي بعد زوال تأثييها الديني والروحي ع 
من خلال الحكايا الفولكلورية وحكايات الأطفال. فبعد تفكك الأسطورة العشتارية» ل 
يبق من الأ الكبيى سوى جانبها السالب المعتم الذي ما فتئت الأسطورة الذكرية تكرسه 
زتفرره عن بعية الوجوه العشتارية ع تخت ل ببق مين عشتار سو حجنية الظلام + والغولة 
والنبالة » والساحرة العجوز . وقد استمر مغزل عشتار متداولا إلى يومنا هذا في حكايات 
الساحرات الشريرات اللواتي يغزلن به دوماً المصائر السوداء. وفي إحدى قصص الأطفال 
المنداولة حالياً في بلادناء يرزق أحد الملوك بابنة جميلة بعد عقم طويل فيقيم احتفالاً كبيراً 
يدعو اليه نبلاء الدولة وأعيانها. وكان في البلاد اثنتا عشرة ساحرة؛ كلهن طيبات إلا 
واحدة كان همها الأذى وتدبير الشر . دعا الملك الساحرات الطيبات الى الحفل وأخحذت 
كل واحدة منبن تبب الفتاة نعمة من النعم . فأعطتها إحداهن الجمال والأخرى الصحة» 
والثالئة الخلق الحسن ... وهكذا حتى انتهين . عند ذلك هبت على المكان عاصفة قوية» 
ودخلت الساحرة الشريرة العجوز» فوقفت عند سرير الطفلة مقدمة بدورها هديتهاء 
فقدرت على الفتاة أن تموت بوخزة من أبرة المغزل . أمر الملك باحراق كل المغازل في الدولة 
لكيلا تتحقق النبوءة . ولكن الساحرة أستطاعت بمكرها وبعد سنوات من الدأب» أن 
تضع في طريق الصبية مغزلاً فأمسكت به وماتت . 

إن حضور الساحرات الأثنتي عشرة إلى سرير الميلاد في هذه الحكاية» هو تكرار 





الاب متري هاجي أثداسيو » الموسوعة المريمية ص ١١7”‏ 1 


حت لاثة اعد 


للحضور العشتاري القديم في لحظة الميلاد كربة للولادة وسيدة للمصير. وما نطقت به 
الساحرة الشريرة» ليس في الواقع إلا تكملة طبيعية لما نطقت به الساحرات الطيبات . 
هن سمن مسار حياتها الأبيض» وعيّن لها الصفات والخصائص الطبيعية المولودة معهاء 
وهي غرزت خيط مغزل القدر في نسيج الحياة» وسمت مصيرها الأسودء مصير كل 
كائن حي . أما حصر عدد الساحرات باثنتي عشةء فلأن هذا الرقم بالتحديد يمثل 
الزمن الذي يحمل في طياته وجريانه المصير . انه عدد شهور السنة . وهو المثلث القمري 
مضروياً في أربعة » وعدد شهور الفصل الواحد مضروباً بعدد فصول السنة . 


عشتارء كوكب الزهرة : 


توجت الثقافة الذكرية انتصارها باجلاء عشتار عن القمرء واعطائها كوكب 
الزهرة» ثالث الأجرام المنبية في السماء. وصار القمر تجسيداً لاله مذكر هو الاله 
« سن » في بلاد الرافدين وأشباهه في الثقافات الأخرى . وفي الثقافات التي بقي القمر 
فيها تجسيداً لالهة انثى فان مكانته في العبادات والأساطير قد انزلت إلى المرتبة الثانية . 
وبقيت اته ثانوية يا هو الأنْر في الثقافة الاغريقية التي تركت في القمر وجهاً عشتارياً 
باهتا هو الانة « سيلين ». أطلق البابليون اسم « عشتار » على كوكب الزهرة ولم 
يكن يعرف إلا بهذا الأسم. والكنعانيون اطلقوا عليه اسم « عستارت ». واليونان 
« افروديت ». والرومان « فينوس » . وأفروديت ( أو فينوس ) ليست في الحقيقة سوى 
عشتار الكنعانية التي جاءت إلى قبرص مع الفينيقيين إبان سيادتهم على البحر المتوسط . 
ويجمع دارسو الميثولوجيا الاغريقية”" على أن أسم أفروديت يرجع إلى أصول سورية» وإن 
عبادتها انتقلت من قبيص إلى سائر أنحاء بلاد اليونان والرومان . وإنها كانت في الأصل 
إة لخصب الأرض والطبيعة بكل مظاهرهاء ثم اقتصرت وظيفتها على الحب بشتى أنواعه . 
تحكي أسطورة مولد أفروديت الكثيرة الزخارفء عن أصلها القبرصي. فتقول: أن الاله 
« كرونوس » قد تمرد على أبيه « أورانوس » وقام بمساعدة أمه « جيا » على اخصاء 





63-4 22 إق10مط841 عاعع 012 ,لقة 87.1 -1 


ا8ة لد 


الأب ورمى بأعضائه التناسلية في البحر فأخصبت الماءالمالم مكونة زبدا أبيض إنبثقت منه 
أفروديت» التي خرجت إلى شاطىء قبرص تتمختر في أببى شكل أنثري وقع عليه بصر 
انسان أو إله من قبل . 

وعند العرب ارتبط كوكب الزهرة بالأم العربية الكبرى» وكانوا يعبدونه لدى ظهوره 
ويسمونه « العزى ». "م كانوا يتفاءلون لرؤيته ويعتقدون بقدرته على جلب الحظ وإشاعة 
السرور والسعادة . ونسبوا إليه دواقع العشق والجنس عند البشرء وأسموه كوكب الحسئن0”". 
وتروي أساطير المنطقة في الفترات المتأخرة» بأن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة فاتنة تعيش 
على الأرضء قبل أن تصعد إلى الأجواء العليا وتتحول إلى ذلك الكوكب الأحمر البراق . 
من ذلك مثلاً ما نقرؤه في تفسير الطبرى”" عن الملكين هاروت وماروت . ورغم أن القرآن 
الكربم قد أورد اسم الملكين دون الاشارة إلى أية قصة تتعلق بهماء فإن خيال المفسر قد 
استمد قصصاً كانت شائعة ومتداولة في ذلك العصرء وتعود في أصوها إلى أساطير قديمة . 
فالملائكة» كا أوردٍ الطبرى» قد اخذت تشكو فجور البشر وضلالهم بعد آدم» فأراد الله 
ابتلاء الملائكة فأرسل ملكين من أكثهم نقاوة, هما هاروت وماروت وأنزهما إلى الأرض 
ليأمرا بالمعروف وينبيا عن المنكر . ولككن امرأة فائقة الحسن والجمال عرضت لحما 
فأقبلا عليها وراوداها عن نفسها فأبت واشترطت عليهما الخروج عن دينبما وعبادة الأوثان 
فامتنعا. ثم أتياها ثانية فتمنعت واشترطت عليبما ارتكاب احدى معاص ثلاث . فاما 
عبادة الأبئان» أو قتل النفس » أو شرب الخمرء فاختارا شرب الخمر . فسقتهما حتى لعب 
برأسيهما فواقعاها. هنا مر بهما رجل فخافا افتضاح أمرهما فقتلاه. ثم إنهما أرادا العودة إلى 
السماء فما استطاعاء فطلبت منبما المرأة تعليمها الكلام الذي يصعدان به إلى السماء 
ففعلاء فعرجت ولكنبا بقيت معلقة هناك على هيئة كوكب الزهرة. وك نستطيع أن 
نلاحظ بسهرلة » فان شخصية المأة في الرواية تحتوي على اثار دارسةٍ من بعض جوانب 
شخصية الالحة عشتار كالهة للحب والجنس وككوكب الزهرة. كا أن في قيام الملكين 
بشرب الخمرء إشارة إلى طقوس السكر التي ارتبطت بعبادتها . 
0 | |[ 011 


محمود سليم الحوت . الميثولوجيا عند العرب 85 . 1 
تفسير الطبري » سورة البقرقء الأية 37١5‏ . 2 


194 سس 


والأدعية المرعية حافلة بأوصاف السيدة العذراء باعتبارها النجمة» ونجمة البحرء 
ونجمة الصبح”" نقرأ في صلاة للقديس برنردوس بعنوان يانجمة الصبح: « إن ثارت 
عليكم رياح التجارب : أوصدمتكم المحن» فالتفتوا إلى النجمة وادعوا مريم . وإن احاقت 
بسفينتكم القلقة أمواج الغيظ أو البخل أو الشهرة فارفعوا النظر إلى مريم »0". 


لقد لفت نظر الكنعانيين تحول عشتار من نجمة للمساءء تظهر عند مغيب 
الشمس» إلى نجمة للصبح تسطع بنورها الأحمر قبل طلوع الشمس» فكان ظهورها 
الصباحي بشارة الميلاد وتجدد الحياة. لذلك كانوا يحتفلون ببعث الاله أ دونيس ابن الأم 
الكنعانية وحبييهاء في اليوم الأول الذي تظهر فيه عشتار كنجمة للصبح في الربيع . إذ 
كان ظهورها بشارة بإسراعها لإايقاظها الإله الميت ورفعه من العالم الاسفل!" وقد ظهرت 
هذه النجمة مرة أخرى» وفي نفس الأماكن التي كانت تحتفل بميلاد أدونيس » لتبشر 
بميلاد السيد المسيح . نقرأ في العهد الجديد: « ولا ولد يسوع في بيت لحم اليبودية في 
أيام هيرودوس الملك» إذ حوس من المشرق قد جاؤوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود 
ملك اليبودء فإننا رأينا نجمة في الشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودوس الملك» 
اضطرب وجمع أورشلم معه. فجمع كل روساء الكهنة وكتبة الشعب وسأهم : أين يولد 
المسيح؟ فقالوا في بيت لحم اللبودية» لأنه هكذا مكتوب ... حينئذ دعا هيرودوس المجوس 
سراً وتحقق من زمان النجم الذي ظهر . ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال : اذهبوا وافحصوا 
بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آني وأسجد له أيضاً. فلما سمعوا من 
الملك ذهبواء وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق» حيث 
كان الصبي . فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيماً ونوا الى البييت ورأوا الصبي مع أمه مريم 
فخروا وسجدوا لهع”) 





الأب متري هاجي أثناسيو » الموسوعة المرعية » ص 55٠١‏ + 9/568 1041 . 1 
نفس المرجع ص "الال . -2 

.403 2 طعناه8 معل001 عط ,عوعمدءط دعصول _و 
العهد الجديد , انجيل متى . الاضحاح الثاني . 4 





لقد كانت بلدة بيت لحم من المراكز أهامة لعبادة أدونيس 0 وفوق المغارة التي ولد 
فيبا المسيح قام الامبراطور أدريان بوضع تمثال للاله أدوئيس ألعحو ذكر المسيح '") ولذلك 
لم يكن من قبيل المضادفة أن يظهر في السماء كوكب الم الكبرى ليرعى الميلادين. 


الأم القمرية, أم واحدة: 


لم يتم بالفعل تحطيم صورة الأ الكبرى وتشتيتها إلى صور مختلقة تحت أسماء 
متعددة» إلا على النطاق الديني الرسمي , لأن صورتها الأولى كأم واحدة للكون والبشر قد 
استمرت في الضمير الشعبي » واستمرت معتقداتها وطقوسها وعباداتها قائمة إلى جانب 
العبادات الرسمية . ثم تحولت في الفترات المتأخرة إلى عبادات سرية تمارس في الخفاء | 
سنش رح ذلك مفصلاً في فصل لاحق مستقل . وها هو الكاتب الروماني « أبوليوس » 
الذي دخل في ديانة إيزيس بعد شيوعها في الأميطورية الرومانية؛ وصار أحد كهنتها سنة 
٠‏ بعد الميلادء يعلن في كتابه الكلاسيكي المشهور 0 دكث صكواه© ©ط1 ) 
وحدة التجليات العشتارية جميعاً في الأم القمرية الكبرى » الذات الإلمية الواحدة التي 
تختصر كل الألحة و الآلهات . وفي النص الذي سأنقله فيما يلي » تظهر عشتار بكل أببتها 
وعظمتبها للنبيل « لوكيوس ». تلبية لدعواته وصلواته » وترفع عنه لعنة السحر الذي حوله 
الى حمار ستوات طويلة : 
« لم يمض وقت طويل» حتى هزني خوف مفاجىء. فنحت عيني ورأيت قمر 
بدراً متألقا يطلع من البحر . في هذه الأوقات السحرية تستكمل إفة القمرء السيدة 
الوحيدة للجنس البشري قوتها وجلالها. إنها الإلحة المشعشعة التي تسند بقواها المقدسة 
كل الموجوداتك الحية والجمادات» والتي يحكم مدها وجزرها إيقاع الحياة في كل الأجسام 
سواء في الأض أم في الوا » أم تحث البحار . كنت أعلم ذلك كله ولذا فقد انتويت أن 
لجأ إلى تمر الإلحة المرثي » فلعل الهة الح قدا قروت أخنيرا الي عانيت من الالام ما يكفي 


سس ا م مما 


.402 2 طأعناه8 2ع0010 ع1 ,متعموءط د5عممول 1-١‏ 


الاب متري هاجي أثناسيو » الموسوعة المرمية »ع ص ١9١‏ 2 





وأن فرصتي للخلاص قد لاحت . قفزت من مكاني ونزلت إلى البحر حيث تطهرت سبع 
مرات ؛ ثم توجهت إلى الإلحة بهذه الصلاة وكلي أمل وفرح» ودموعي تغمر وجهي : 

«ايا ملكة السماء المباركة . بأي أسم تحبين أن أدعوك ؟. هل أدعوك 
« سيريس » أم المحاصيل التي لعثورها على ابنتها « ببرسفوني » أعطت الناس قمحاً 
وخبزاً بعد أن كانوا يلتقطون جذور البلوط البسيط طعاماً؟. هل أدعوك « فينوس » 
النورانية» التي منذ بدء “الخليقة جمحت بين الذكر والأنثى برباط الجنس والحب» فقدرت 
بذلك استمرار نسل البشر إلى الأبد؟ . هل أدعوك « أزقيس » أخت أبولو المنير» مخففة 
الام النساء عند اتخحاض؟ هل أدعوك « بيرسفوني » المخيفة التي يصرخ | ليها البوم في 
المساءء ذات الوجه الثلائي الذي يرعب الأشباح ويتركهم تحت الأَرْضِ ؟ أي متي » يا من 
ترتعين في غاباتك المقدسة, ويتعبدك الناس بطقوس مختلفة متنوعة » يا من ترسلين ضوءك 
الأنشوي فينير جدران كل مدينة » وشعاعك الرقيق فيغذي البذور تحت التربة . يا من 
تحكمين مسار الشمس وقوة شعاعهاء أتضرع اليك بأي اسم وبأي وجه أو هيئةء وبأية 
طقوس » رأفة بي وبيأسي. انعشي آمالي المحطمة وهبيني أمناً وسلاماً بعد طول العذاب » 
أو فهبيني نعمة الموت . 

عندما أنبيت صلاتي وأفرغت ما في صدري المثقل» عدت إلى مكاني حيث 
عاودني النعاس وقبل أن أغلق أجفاني , بدأ خيال امرأة يطلع من وسط البحر كان لها وجه 
لو رآه معي جميع الآخة لسجدوا تعبداً لجماله . طلع رأسها أولاًء ثم أذ جسدها اللألام 
يُظهر ترقا نخد انتتصبت أمامي بهامها فوق سطح الماء . إن الكلام البشري ليعجز عن 
وصف ما رأيت. ولكن لعل الآلحة نفسها تسعف غيالي بنفحة شعرية تكفي لاعطاء 
ومضة ثما شهدت عيناي. 

كان شعرها الطويل الغزير ينسدل جدائل مستدقة الألراف على عنقها الجميل» 
فوقه إكليل شبكت اليه كل أنواع الورود» وحول الرأس قرص نوراني يسطع كمراة أو 
كوجه القمر الببي مما أنبأني عن حقيقتها. وكان أفعوانان ينتصبان من يديها الجنى 
واليسرى ليسندا ذلك القرصء إلى جانبهما تنطلق سنابل القمح. أما ثوبها فمن قطن 
متعدد الألوان» بين أبيض.ناصع زعفراني وأحمر متقد مزينة حواشيه بأصناف الزهورء 
والفاكهة تتعلق به وتتأرجح مهتزة مع النسيم . فوق الثوب عباءة ذات سواد لماع . تتقاطع 


0 ل 


مع جسدها من الورك الأيمن الى الكتف الأيُسر » ذات طيات كثية» مطرزة بالنجوم عند 
الأقطراف , وفي الوسط منها يشرق قمر ناري ملتهب . وفي قدميها نعل من ورق النخيل . 
ابتدأت الامهة كلامها إلي » ففاحت كل عطور الجزيرة العربية وملأت الجوء قالت: أنا 
الطبيعة» الأ الكونية وسيدة الموجودات جميعاً ابنة الزمن البدئية وربة كل شيء حي . 
ملكة الأمواتء وملكة أهل الخلود. أنا التجلي الأحد لكل الآلمة والآلهات. حاكمة 
السماوات العليا وحار الارض» و«العالم الاأسفل. يعبدني الجميع في وجوه متعددة وتحت 
أسماء كثيرة ويتقربون إلي بطقوس مختلفة في جميع أرجاء الأض. يطلق علي الفيرجيون 
اسم « بيسنيوتيكا » أم الآلحة. والأثينيون « أريس » . في قبيص أنا « افروديت » وفي 
كربت « ديكتينا » وفي صقلية « برسفوني ». وفي إيلوسيس الأغريق أنا « أم 
القمح ». البعض يدعونني « جونو » والبعض « بيلونا » سيدة المعارك, والبعض 
« هيقات »» والبعض « رهامنوبيا ». أما الأثيوييون الذين تشرق الشمس من أرضهم ء 
والمصريون المتفوقون في الحكمة القديمة. فيدعونني باسمي الحقيقي : الملكة « ايزيس » 
ويعبدونني بالطقوس اللائقة بي'" . 





17 ع أجقطن رذعف مصع0010 عط1' رومأعتنادق -1 


كسار الخرراء 


وقف إنسان الكهف سنيناً طويلة يرقب بوجلء في الليالي العاصفة المدلهمة ؛ 
ألسنة النيران المتصاعدة من الأشجار التي تضريها الصواعق . لقد رأى في النار قوة إهية 
غامضة تنبعث من داخل الشجر » ورأى في لونها لون القمر المشع نفسه . فكانت النار 
بالنسبة إليه قبساً من قوة القمرء أودع في الحياة النباتية » به يعيش العشب والشجر فإذا 
استلب منه زال وناله الفناء متحولاً إلى رماد . ثم تعلم بعد ذلك كيف يستثير تلك القوة 
من مكمنهاء عن طريق دلك غصنين جافين دلكاً دؤوباً يؤدي إلى انطلاق القوة القمرية 
الهاجعة فيهماء لتعطيه دفاً ونوراً بعد أن أعطته ثمراً.. عطية أخرى من عطايا الأَم 
القمرية . وقد استمر أسلوب استثارة النار بالدلك قائماً ألوف السنين» ومنه استمد رمز 
الصليب العشتاري» ررماء أول دلالاته . فالصليب هو ذانك الغصنان الألان اللذان أطلقا 
النار لأول مرة» وهو بذلك رمز للقوة الإخصابية الكونية في تصورها الأولي . 


تعبر الأعمال التشكيلية عن هذا المعتقد بأبلغ ما يمككن لأي كلام أن يفعل: كا 


ده 86:.آإ ا لآ 


هو الحال في الشكل رقم ( 77 ), وهو من كريت.» المكان التقليدي لعبادة الأ الكبرى 
وابنها الثور. حيث كانت تلقب ب « تلك التي تشع على الجميع » و « السيدة 
الندية »» وحيث كانت طقوس الندى الخصب تقام لما في كل المياكل" . 

في هذا الشكل » جد كاهنة تتعبد 
أمام محراب فوقه شجرة زيتون مورقة » 
وتحت الشجرة يشرق القمر الهلال » 
روح الاخصاب التي تمد النبات بقدرة 
الحياة . فالحياة النباتية » وفق المعتقد 
العشتاري » لم تظهر بأمر سماوي 
أعطاها الدفعة الأولى » بل هي قائمة 
بنسمة من روح الأ القمرية الكبرى » 





تسكن فيها وتعطيها استمرارها في كل لحظة ٠‏ 

والشجرة الدانية القطوف ليست سوى يد 

عشتار التي تمدها مليكة بخيرات الأرض » الشكل عام 
مثبتة أمومتها للبشر . وذلك على عكس كريت » أواخر 
المعتقدات الذكرية التي تنظر إلى الحياة النباتية ٠‏ الألف الثاني ق .م 


كظاهرة خاضعة للفعل الإنحي المفارق » شأنها 
شأنها في ذلك شأن بقية ة ظواهر الكون . نقرأ في كتاب التوراة : «وقال الرب لتنبت 
الأرض عشبا وبقلاً ييرز بزراً وشجراً ذا ثمر.. وكان ذلك»22. 

م تعبد عشتار كروح للخصوبة وربة للحياة النباتية» فقط مع اكتشاف الزراعة . 
فمنذ زمن بعيد راقب الانسان التبدلات التي تطرأ على وجه الأرض خلال الفصول» 
وظهور النبات وخضرة الأشجار في الربيع ثم اختفاءها في الخريف . ونا كان يعتمد في جزء 
من حياته على التقاط المار والنقب 'عن الجذور» وني جزئها الاخر على حيوانات الصيد 
التي تأكل من الأعشتاب » فقد كان ينظر بقلق إلى جفاف الأض وغياب مظاهر الخضرة 





190-191 22 ,ننم زلعظ. عاعع01 ,لزه0ك اعمط عمول -1 
العهد القديم » سفر التكوين » .3١١ :1١‏ 2 


في البراري والغابات , ويلبث طيلة فترة الشتاء ينتظر بفارغ صبر عودة روح الانبات إلى 
الظهور » ويقيم الطقوس التي تعينها على ذلك . لم يكن هذا التناوب الدوري مفهوماً لديه» 
فربطه بحركة القدرة الافية . 

إن موت النباتات في الخريف وحياتها في الربيع هو غياب « عشتار » روح 
الخصوبة الكونية» وعودتها حية قوية متجددة . والاحتجاب الشهري للأم القمرية هو الان 
احتجاب سنوي لأم الخصوبة وروح الانيات . في الخريف تهبط عشتار إلى العالم الأسفل 
لترقد هناك طيلة فصل الشتاء؛ ومع الربيع تنتفض من مرقدها ملونة وجه البسيطة بكل 
أضر ببيج . هذا التصور الأسطوري البدثي » قد نضج وأخذ كامل أبعاده مع اكتشاف 
الزراعة واعتّاد الانسان في غذائه بشكل أسامي على القمح والحبوب الأخرى » فاكتملت 
أسطورة هبوط الأ الكبرى إلى العالم الأسفل , وأخذت صيغتها النيوليتية التي نستطيع 
تلمس اثارها ومعالمها الرئيسية في أساطير عصر الكتابة. وإن بعض الاعمال الفنية 
التشكيلية اللاحقة لتعطينا صورة حية نابضة عن هذه الأسطورة الزراعية الأولى في شكلها 
الأصلي. رغم بعد العهد وتكائف الحجب . ففي الشكل ( 4 ) وهو رسم على المخزف 
من فترة نضج الثقافة الاتغريقية» نجد عشتار كروح للخصوبة والانبات تبعث من الأض 
في فصل الربيع داخل أكمة صغيرة أشبه بالقبرء ومعها تصحو الأشجار والأغصان 
المزهرة والأوراق الخضر. وحول الالحة عدد من أنصاف الآلحة ييتبجون لرجوعها . 





تحولت عشتار عصور الصيد و«الالتقاط والحياة الببية» إلى عشتار العصر 
النيوليتي » عصر الزراعة والانتاج المنظم للغذاء» ولكن دون أن تفقد خصائصها القديمة, 
فصارت إة للطبيعة بنوعيها. الطبيعة البكر بغاباتها العذراء وبراريها الوحشية وقطعانها 
الجامحة » والطبيعة المدجنة بحقوها امحروثة ونتاجها المنظم وحيوانها الأليف . روح الغاب 
وروح القمح والحبوب. إلا أن هذه الصورة الواحدة قد فقدت تماسكها تدريجياً 
وانفصمت إلى صورتين : عشتار البراري القديمة ونموذجها أرقي اليونانية وديانا الرومانية ‏ 
وعشتار الزراعية ونموذجها عشتار البابلية وديمتر اليونانية . 


روح الغاب : 


إن ستاراً كثيفاً يحول بيننا وبين عشتار النبع الصافي » حيث كانت تستحم وحيدة في 
بحبرتها وسط الأدغال محاطة بحورياتها العذراوات» أو تجرتي في البراري الوحشية على جناح 
الرخ فيسمع لخطوها فوق الأعشاب الطويلة وسيقان القمح البري وقعا خفيفاً أو تبداً 
في محرابها القائم وسط الأحراش», قبل أن تقام ها المعابد في المدن الكبيوء وقبل أن 
يشاركها السلطان ذكور الآلحة. بيد أننا نستطيع اقتفاء آثارهاء والبحث عن ملاتحها في 
بعض إلهات الثقافة الذكرية اللواقي حافظن على شيء من صفاء الصورة الأولى . تقدم لنا 
الالحة اليونانية « أَرمّيس » تموذجاً حياً عن الأ الكبرى لعصر الصيد والالتقاط» والعصر 
الذي تلاه وتعايش معه ردحاء وأعني به عصر الاستقرار قرب حقول الحبوب البية» 
حيث كان الانسان يحصد ما تجود به الطبيعة دون أن يعرف كيف يعيد إنتاجه . 

كانت أرئيس في الثقافة اليونانية » ربة الغابات والبحيرات والينابيع والنباتات البرية 
والحيوانات الطليقة وربة للصيد . تمثلها الأعمال-الفنية على هيئة امرأة شابة رشيقة القوام 
خفيفة الحركة ‏ قاسية الملامح لاتعرف الابتسام رغم جماها الفائق» ترتدي التنورة القصيرة 
التي تكشف عن ركبتهها وتمسك بيدها القوس وتضع على كتفها جعبة السهام. وفي 
قدميها صندل الصيادين . يرافقها في حلها وترحاها كلابها المتوحشةء ريشب عن يمينها 
ويسارها الأيائل والغزلان. لاتقام لها المعابد في المدن والأماكن المأهولة» بل في الأحراش 
حيث تتلقى قرابين عبادها من بكور مواشيهم وبواكير ثمار شجرهم . ومن بعض الأساطير 


المتأخرة » نستنتج أن القرابين في الماضي كانت تتضمن أيضاً أضاحي بشرية . ففي ألياذة 
هوميروس » تجعل أرئُيس الرياج ساكنة أمام سة سفن اليونان فلا يستطيعون تقدماً حتى يذبح 
أغميمنون ابنته أفيجينيا قرباناً لها . من ألقابها «العذراء» . لم تتزو ج طيلة حياتها ولم تعرف 
رجلاً. ولم تكن تقبل في نخدمتها سوى الفتيات العذراوات اللواقي كن يقمن دوماً على 
حراسة النار المقدسةء وإبقاء شعلتها حية في هياكلها. و كان على هؤلاء الإبقاء على 
بكارتين طيلة الحياة» وإلا تعرضن لانتقام الالحة الرهيب . تروي الأساطير إنها قد وقعت 
في الحب مرة واحدة» ولكنها قتلت من أحبته خطأء عندما طلب منها أخوها « أبوللو » 
أن تصوب سهمها نحو نقطة تتحرك في البعيد؛ لمتحن دقة رمايتهاء وهو عارف بأن تلك 
النقطة المتحركة لم تكن سوى الرجل الذي أحبت » فكان أن قتلته . وكربة للخصوبة الطبيعة 
البكرء: كانت أزفيئن أيضا ربة الفضوبة: النساء. ؤاهة للرلادة والأومةع تتحفيت با 
الحاملات ساعة الوضعء لتكون حاضرة أمام سرير الميلاد". وهذا تصورها بعض 
الأعمال الفنية أحياناً على عكس صورتها الشائعة, ممتلعة الجسم يبرز من صدرها عشرات 
الأثداء» وتزين جيدها وثوبها الطويل برؤوس حيوانات الغاب الختلفة ( الشكل 6١ء‏ فصل 
الأَم الكبرى ) . 

هذا وتقدم لنا « ديانا » بح الغاب عند الرومان مغالاً آخر. . فهي إلهة للغاب 
والبراري الوحشية وحيوان الصيد . أقم هيكلها الرئيسي في غابة « نيمي » تحت أقدام 
جبال ألبان على شاطىء بحية كبية تسمى « مراأة ديانا ». وما زالت الغابة وحيراتها 
قائمة إلى يومنا هذا بكل جمال صورتها السابقة عندما كانت مرتعاً للالهة . وديانا الرومانية 
كزميلتها الاغريقية ؛ كانت عذراء» وكانت النار المقدسة في هيكلها مشتعلة ليلاً تبارأء 
تحرسها عذراوات النار المنذورات» ا كانت ربة الولادة تخفف الام الحاملات عند 
الوضع. وفي وسط غابة نيمي كان هناك شجرة كبيرة وارفة» اعتقد عباد ديانا بأنها 
تجسيد للإلهة نفسها” . 

هذه العذراء المتوحدة الجميلة الصارمة هي التي عبدها النساء الأمازونيات » لأنبا 
تمثل صورة الأم الكبرى للعصر الأمومي القديم ع عندما كانت عشتار ولا أحد معهاء بلا 





47-9 ط2 ,لإعهإمطابر11 عاءعء 0 ,300 آنا 1 -1 
.2521-5 طعنوظ8 وع0010 عط]1 ,عععدء2 3235ل -2 


ا أنه 


روج » أو ولد تحكم وحيدة في مركز الطبيعة الخصبة البكر» وحوطا كاهناتها العذراوات » 
اللواني ما زلن يعشن بين ظهرانينا اليوم في ثياب راهبات السيدة مريم العذراء. 


شجرة الحياة : 


عبد الانسان الأول روح الغاب ممثلة في الشجرة» ولم تكن عبادته موجهة نحو 
الشجرة بذاتها بل نحو الروح الكامنة فيها. ثم بدأت عشتار تخرج من الشجرة في شكلها 
الانساني الجميل: فحفرت على الجذع وصارت تعبد شجرة وشكلاً انسانياً مصوراً. ثم 
غادرت الشجرة تاركة محراب الغابة الصغيرء وحلت في الماثيل الرخامية التي تتصدر 
معابد المدن الضخمة. ولكن الشجرة لم تفارقها تماماء بل بقيت رفيقتها في كثير من 
الأعمال الفنية التشكيلية . ففي بلاد الرافدين» تظهر الشجرة مراراً خلف عشتار بشكل 
يوحي للناظر بالوحدة بين الشكلين وإشارتهما تبادلياً للقدرة الإنمية الواحدة . وفي الشكل 
رقمره +)مثال على ذلك . نرى في الرسم عشتار جالسة وعلى رأسها تاج على هيئة قرنين» 
من خلفها تتتصب شجرة» وفي حضنها تموز الوليد الذي يبدو منطلقاً من حجرها إلى 
الأمام» وكأنه قد انبئق من جذع الشجرة ومن رحم الأَم الكبرى في أن معاً. وتؤيد 
الأسطورة السورية” هذا المعنى الكامن في الصورة عندما تقول إن الإله أدونيس قد ولد 
من شجرة المر التي حملته في جذعها عشرة أشهرء قبل أن تنشق قشورها وتسمح للإله 
الوليد بالخرو ج. وقد قامت الأسطورة اليونانية بزخحرفة هذه الأسطورة القديمة على طريقتها 
فقالت إن شجرة المر كانت فتاة جميلة وابنة لملك قبيص. حملت من أبيها سفاحا ثم 
تحولت إلى شجرة نمى في داخلها الاله”. هذه الشجرة أم الاله ليست في الحقيقة إلا 

عشتار نفسها التي عبدها الانسان القديم في هيكة الشجرة الممثلة لروح الغاب . 
وني الفن الكريتي , والفن الاغريقي القديم إبان مرحلة تأثره بالميشيولوجيا الكريتية 
الأموميةء نجد الشجرة مزافقة للأم الكبرى في كثير من الرسوم والنقوش. ففي الشكل 
( 5 ) نجد عشتار جالسة كجلستها في الشكل البابلي وراءها شجرة تنوء بهارها الدانية 

391-02 22 تاأ80118 مع0010) ع5 1 ,مععدءط 32065[ -1 

2- 1510, 25 386-391 











عشتار والشجرة وابنهما تموز ختم بابل . 


التي تمتد اليبا يد فتاة بالقطاف » وفي يدها غصن من زهر الخشخاش» وأمامها عدد من 
الكاهنات في أيديهن تقدمات من أغصان مورقة ومزهرة. وني وسط الشكل» الفاس 
المادوج رمز الرعد والبرق والصاعقة, وفي أعلاه حزام المجرة والقمر والشمس . 

وقد عبدت الأم الكبرى في جزيرة العرب محسدة بالشجرة. يحدثنا ابن هشام في 
روايته للسية النبوية» إن عرب نجران كانوا يعيدون نخلة طويلة يأتونها كل سنة في يوم 
معين , فيعلقون عليبا الثياب والحلى النسائية ويعكفون عليها طيلة يومهم . وإن أهل قريش 
كان لهم شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط» يأتونها كل سنةء فيعلقون عليها 
أسلحتهم ويعكفون عليها يوماً. وني رواية عن ابن الحارث بن مالك الليثي : « خرجنا مع 
الرسول إلى حنين ونحن حديثو العهد بالجاهلية » فرأينا ونحن نسير معه سدرة خضراء 
عظيمة » فتنادينا من جنبات الطريق : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كآ لهم ذات 
أنواط . فقال الرسول : الله أكبر قلم كا قال قوم موسى للوبى اجعل لنا إلا م لحم 
الهة”'© . وقد رأينا في الفصل السابق كيف عبد العرب أيضا إلهتهم العزى مجسدة في 
ثلاث شجرات . وهي العزى التي أهداها الرسول َيه شاة عفراء عندما كان على دين 
قومه . 





السيرة » رواية ابن هنشام » غوتنجن ص 4 24 !1 


راجع أيضاً أخبار مكة للأزرق . لا يزغ ض 8م # 8م 


١١١‏ ل 





الأم الكبرى والشجرة» نقش من ميسينا 


وكان جذع الشجرة لدى الكنعانيين ينصب في محراب الأ الكبرى عستارت أو 
« عشتاروت » وتقدم له فروض العبادة باعتباره تجسيدا لالة الطبيعة . 5 كانوا يقيمون 
طقوساً خاصة تحت الأشجار الخضراء في المرتفعات العالية . وقد ورد ذكر هذا الجذع في 
كتاب التوراة في معرض الحديث عن الصراع بين الديانة العشتارية الكنعانية والديانة 
اليبودية » وأطلق مولفو التوراة عليه اسم السارية» وجمعها سوارى . وقد سار اليبود على 
خخطى الكنعانيين في عبادة عشتار وشجرتهاء وكان كثير من ملوكهم على دين السوريين : 
« كان احاز ابن عشرين سنة عندما ملك. وملك ست عشر سنة في أورشليم» ولم 
يفعل المستقيم في عيني الرب كداود أبيه . بل سار في طريق ملوك إسرائيل» وعمل أيضاً 
تمائيل مسبوكة للبعليم ( الإله بعل ) وذبح وأوقد على المرتفعات وتحت كل شجرة 
خضراء ' » . « وكان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك . وملك خمس وخمسين سنة 
في أورشليم» وعمل الشر في عيني الرب . وعاد فبنى المرتفعات التي هدمها حزقيا أبوه 





المهد القديم » أخبار الأنّام الثاني 74 : 4-١‏ . 5 


5-1 


وأقام مذابح للبعلم وعمل سوارئ" » . « وعمل خاب سوارى» وزاد أخخاب في العمل 
لاغاظة الرب إله إسرائيل أكثر من جميع الملوك الذين قبله”" » . 

وهكذا نرى» أن أكثر الديانات الذكرية تزمتاً لم تستطع حو عشتار وشجرتها المقدسة من 
قلوب عبادها . 


إن الاعتقاد القدبم بتجسيد الشجرة لروح الخصوبة» قد استمر في أشكال مختلفة 
وحفظت ننا معتقدات القبائل البدائية في العصر الحديث بعض اثاره. ففي بورما جرت 
العادة لدى بعض القبائل» أن يخرج أفرادها عند انحباس المطر إلى الحرش القريب» 
فينتخبون أكبر الشجرات » ويطلقون عليها اسم إلههم الموكل بالخصب و«المطرء ثم يقدمون 
ها القرابين من خبز وثمار وطيور ويتضعون إليها قائلين : أيها الاله ارحم عبادك الفانين 
لاتحبس عنهم المطرء أيها الإله تقبل قرباننا وهبنا مطراً لايكف ليل نبار. وتعتقد بعض 
القبائل الافريقية بأن اهة الانبات تتجسد في بعض الاشجار الطويلة الضخمة, فتخرج 
إليها في مواسم معينة» فتصلي وتضرع طالبة محصولاً وفيراً وغلة » ثم يرقص النساء والرجال 
في أزواج حوفاء حاملين في أيدمهم حزما من القمح . وفي شمال الهند تغتقد بعض القبائل 
بقدسية شجرة جوز المند» إذ يرون فيها تجسيدا لالهة الخصوبة والتوالد» فيخرجون إليها 
ويسكبون فوق جدورها ماء التقدمات المقدس طالبين إليها مباركة تسل الانسان 
ولايد 

وف أوروبا كانت عبادة الشجرة من العبادات الرئيسية عند الفتح الروماني لما . 
وكانت شجرة البلوط من أكثر الأشجار قدسية وتجسيداً للقدرة الإلمية المحصبة”». وإلى 
يومنا هذاء ما زال أهل الريف في أوروبا يقومون بشعائر لا تخفي طابعها العشتاري القديم . 
في أول أيام شهر أيار ( مايو )»: يقام في كثير من المناطق الريفية الأوربية احتفال يبدأه 
الفلاحون بالتوجه إلى الغابة» فيقتطعون شجرة يحملونها إلى وسط القرية» حيث ينصبونها 





العهد القديم , اخبار الام الثاني 57 : 51 . 1 
العهد القديم 5 الملوك الاول 00005 0آظ 


5 2 طعناه80 مع0010© عفط] ,عجوم وعررول -3 
126-14 2طط ,1510 -4 


عد 11 بد 


في الساحة ويحتفلون حوها. أو يأتي كل منهم من الغابة بغصن فيعلقه على باب بيته 
لاستمداد البركة من روح الشجرة . وقد تثبت هذه الأغصان على أبواب الحظائر لتكثر 
من مواليد الماشية وتجري اللبن غزيراً في ضروعهاء وقد توضع في حجرة نوم الأزواج 
الجدد. تبقى شجرة أيار في ساحة القرية» وتبقى أغصانها معلقة على أبواب البيوت 
والحظائر عاماً كاملاً . فاذا أتى ربيع آخر» أن وقت استبدالها بشجرة أخرى» عبقة بعطر 
الربيع الجديد, شجرة تحمل روح الانبات وقد تجددت بعد سبات . وفي عيد العنصرة» 
كان من عادة الفلاحين في روسيا إلى مطلع هذا القرن الذهاب الى الغابات وسط 
الأغاني المرحة والأهازع» فيقطعون شجرة غضة من شجر البتولاء ويضعون عليها ثياباً 
نسائية يزينونها بالشرائط الملونة» ثم يعودون بها إلى القرية فيضعونها في أحد البيوت طيلة 
فترة العيد» حيث يترددون عليها كضيفة شرف . وفي اليوم الأخير يمضون بها إلى النبر 
فيلقونها فيه'" . 


لقد خلد فن الشرق الأدنى القدبم عشتار الشجرة» من خلال معالجته لموضوع 
شجرة الحيأة التي تظهرها الأعمال التشكيلية بشكل زخرني تبسيطي جميل وعن بمينها 
ويسارها مخلوقات خرافية» تحرسها آناء وتتعهدها بالسقاية والرعاية انا آخر (الشكل 
07”“). وشجرة الحياة » هذهء التي 
مثلتها في الميثولوجيا اليونانية الرومانية 
الشجرة الضخمة القائمة وسط غابة 
ديانا ‏ أَرمّيس » هي التي تظهر يجددا 
في مركز الجنة التوراتية التي غرسها 
يبوه : «وغرس الرب الاله جنة في عدن 
شا » ووضع هناك آدم الذي جبله وي ا فين 


وأنبت الاله من الأوض كل شحرة شهية للنظر وجيدة للأكل . وشجرة الحياة في 
وسط الجنة وشجرة معرفة الخيروالش » ولكن ادم أكل من شجرة معرفة الخور والشر بعد 








0 ,143 ,137 ظ2 ,1510 -1 


سفر التكوين ” : لب4ة 2 


أن أغوت الحية حواءء وخاف الاله أن تمتد يده إلى شجرة الحياة : « فأخرجة الرب الإله 
من جنة عدن ليعمل في الأْضِ التي أخذ منهاء فطرد الانسان . وأقام شرقي جنة عدن» 
الكروبيم ؛ وسيف لهب متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة”. إن الكروبم. الذين أقامهم 
يهوه لحراسة شجرة ال حياة» والذين نعرف من نصوص اخرى أنها مخلوقات مجنحة. هي 
المخلوقات التي نراها حول شجرة الحياة في الرسوم البابلية والسورية . 

تظهر العناصر الرئيسية لقصة ادم وحواء والحية: في الختم السومري الموضح في 
الشكل ( 38 ). في وسط الشكل تظهر الشجرة وقد تدلت منها تمرتان يانعتانت. عن 
بمينها ويسارها يجلس رجل وامرأة يمدان يديبما لاقتطاف الثمرء ووراء المرأة تنتصب الحية 
في وضع الحامس الموسوس في أذن المرأة. فهل يحكي هذا العمل قصة سقوط الانسان 
قبل ألفي عام من قيام موّلفي التوراة 
بتدوينها ؟ . 

وشجرة الحياة التي ولد منها ابن الأم 
السورية الكبرى عستارت. هي التي ترعى 
أيضاً ميلاد ابن الأَمم السورية الكبرى مريم : 
« فأجاءها الخاض إلى جذع النخلة قالت يا 





ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً. الشكل (8؟) 
فناداها من تمتها ألا تحزني قد جعل ربك شجرة الحياة ختم سومري 


تحتنك سريا. وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا”"» . إنها شجرة الميلاد 
التي توضع في كل بيت عشية ميلاد المسيح » وتزين بالشموع والأضواء التي ترمز إلى 
الأجرام السماوية المنرة . ذلك أن شجرة الحياة» هي في الوقت نفسه شجرة الكون» 
وسيدة السماوات المعتمة» التي تتعلق الأجرام المنية بصدرها تعلق الشموع بشجرة 
الميلاد . 





العهد القديم ‏ سفر التكوين ؟ :4 . " : #؟4؟ . -1 
قران كرم » سورة مريم :5817 . 2 


1 اا اكد 


رذح القمح : 


عندما اكتشف الانسان القمح البري وبدأ بالاستقرار النسبي قرب حقوله» 
يتغذى ببعضها ويخزن البعض الآخر» صار لدورة الطبيعة أهمية أكبر بالنسبة الحياته . لقد 
دخل الخيز في نظامه الغذائي . وغير من عاداته الاجهاعية ونمط تحركاته السكانية » فاستقر 
في الارض مودعا حياة الصيد والالتقاط , وتمركزت كل حياته ونظمه الاجتاعية والاقتصادية 
والسياسية حول دورة الطبيعة » وتتابع الفصول الذي تعتمد عليه الدورة الزراعية السنوية . 
عند أعتاب هذه المرحلة تجمعت الأفكار الأسطورية المبعثرة والغائمة» عن غياب الأ 
الكبرى سيدة الطبيعة في الخريف , وعودتها مع خضرة الربيع» في أسطورة متاسكة تركزت 
حولما حياة الجماعة الدينية» 5 تركزت حياتها الاجتاعية حول إنتاج الخبز. 

إن نتائج الحفريات الحديثة في المواقع النطوفية والنيوليتية في سورية » لتظهر بشكل 
واضح هذا الارتباط بين تطور البنى الروحية للجماعة» وتطور أسلوبها في تحصيل الغذاء. 
ففي المستوطنات النطوفية التي كانت تتحول إلى مستوطنات نيوليتية مع نباية الألف 
التاسع قبل الميلاد» يتزايد ظهور اتمائيل الطينية الصغية الممثلة لأشكال أنثوية رمزية» 
وذلك عند أعتاب التحولات الكبية التي ستشهدها المنطقة السورية» والتي ستنقل 
البشرية من مرحلة الصيد والالتقاط إل مرحلة إنتاج القمح . هذه اتمائيل الصغيرة هي 
انماذج البدئية للا سوف يغدو في المستقبل» الم السورية الكبرى» والتي ستبزغ بكامل 
أبهتها خلال الألف الثامن قبل الميلادء وتتابع تحولاتها وتناسخاتها حتى الفترات 
التاريضية”" . 

إن الحبيبات الصغيرة الجافة التي يدفها الزراع في باطن الأرض» فتظهر في أول 
الربيع عشيبات خضراء تتحول مع فصل الصيف إلى سنابل ناضجة » لتختزل سر الطبيعة 
كلهاء وسر الحركة الالمية الكامنة وراءها. فروح الغاب والحياة الببية» هي الآن روح 





133-14 طظ رومع ةجالثلا معتصعءط دعا رسأابية0 كعناوعةل -1 
يجعل الأستاذ كوفان في دراسته القيمة هذه » عن القرى الزراعية الأولى في سورية . من البنية الاقتصادية 
وأسلوب تحصيل الغذاء نتيجة وتبعا لتطور البنية الروحية والفكرية للجماعة . 


عب 1 “عه 


القمح التي تشكل دورة حياتها السنوية خلفية ما ورائية لما يجري على مسرح الحقل. 
وعشتار سيدة الطبيعة التي لاتأمرها من عل بل تشكل منها اللباب والروح والحركة 
الداخلية» إنما تمثل بنفسها كل ها يبدو على مسنوى الطبيعة» ولأول وهلة» عصياً على 
الفهم والتفسير. إن دورة حياة القمح؛ ليست سوى دورة حياة الالهة التي تقضي جزءاً 
من السنة في العالم الأسفل وجزءاً في العالم الأعلى . وجملة الأعمال الزراعية التي يقوم بها 
الانسان من حصاد وحرث وبذر وما إليباء ليست أعمالاً دنيوية» بل طقوس دينية 
مقدسة بمارسها عق هامتن الدرام الإلنمي الكوني » مساعدة لرو ح الطبيعة على إتمام دورتها 
السنوية » والعودة ممدداً في الربيع لتهبه غذاء عام آخر . فإذا كانت روح الطبيعة والإنبات 
في الماضي تغيب في باطن الأض ثم تعود دون تدخخل من أحدء فإن روح القمح والحبوب 
تتطلب مساممة من الانسان ؛ وتدخلا من خلال عمله المقدس وطقوسه وصلواته . عند 
الحصاد, يندب الخصادون روح القمح الميتة» ثم يدفنونها في التراب إذ يدفنون حبوب 
القمح اليابسة» ويقضون فصل الشتاء في الطقوس والصلوات لمساعدتها على صعود 
درجات العالم الأسفل. فإذا لاحت تباشير الربيع وظهرت رؤوس السنابل الصغييق؛ عم 
الجميع فرح طاغ» لقد عادت عشتار من جديد» بين طقوس العمل وطقوس الابتهاج . 
إن الشكل رقم (75) ليختصر هذا الدرام دون الحاجة إلى كلمة منطوقة أو مكتوبة 


واحدة . 





الشكل و٠‏ 


عودة عشتار من العالم الأمفل رسم اغريقى على الخزف 


تعا١‎ 11 


0 بالنسبة لانسان المستوطنات الزراعية الأولى» لم يكن هبوط عشتار إلى العالم 
الأسفل موتاً ولم يكن صعودها منه بعثاًء لأنها سيدة العالمين معاً. تمكث في العام الأعلى 
جزءاً من السنة لتهبه اخير والبركة واحياة: ثم تببط إلى العالم الأسفل في جزء السنة الااخر 
لتحكم مملكة الأموات تاركة عالم الأحياء في جفاف . إننا لاتعرف الشكل الصافي الأول 
هذه الأسطورة ؛ أن ألورف السنين تفصل ها بينهأ وبين أول لوح مكتوب خطته يد 
الانسان, ولكننا نستطيع رسم خطوطها العريضة اعتادا على الاساطير اللاحقة والتي 
بقيت » رغم التطوير والتحوير» تحمل في صميمها نواة الاسطورة الاولى . ولككي نصل إلى 
هذه النواة» يجب أن لا يقتنصنا شكل الأسطورة في حلته الأخيرة الزاهية الألوان» بل 
علينا أن نغادره إلى مستوياته السرية, التي تقودنا عبر سراديب ضيقة شاقة المسالك إلى 
الأصل والمتبع . 

بين الأساطير العشتارية الختلفة» وتنوعاتها في شتى الثقافات» تبدو أسطورة ديمتر 
وببرسفوني اليونانية أقرب الأساطير كلها إلى الأسطورة الأم» وذلك لمحافظتها على طابع 
أمومي أصيل » وبقائها في منجاة» الى حد ماء من المداخلة الذكرية . 

كانت دعتر عند الاغريق . إطة الحبوب بصورة عامة والقمح بصورة خاصة . 
وكانت تدعى بالإلحة الشقراء كناية عن سنابل القمح الصفراء الناضجة. تصورها 
الأعمال الفنية عل هيئة امرأة ذات قوام جيل متيل بعض المّيءء» ووسجه جميل ولكنة 
قاس وصارم في نفس الوقت» تضع على رأسها إكليلا مضفورا من ستابل القمح أو 
تحمل بيدها باقة منهء وقد تحمل مشعلاً مضيئاً. تعزو إليها الأساطير إكتشاف القمح 
وتعلم البشر زراعته والاستفادة منه في جميع بقاع الارض المعمورة . م تعزو اليها تعلم ملوك 
البشر الاوائل شتى أنواع العلوم التي يسرت لهم أسباب الحضارة . كانت عازفة عن الزواج 
وعن الرجال» ولكن إله البحار بوسيدون استطاع النيل منها بعد أن فرت من وجهه 
طويلاً ‏ وكذلك نال منها كبير الالحة زيوس . وعندما أحبت « اياسون » أرسل عليه زيوس 
صاعقة قتلته”2. هذه البقية الباقية» في التصورات الأمنطورية الذكرية» ما زالت تحمل 
خمطوطا واضحة من صورة عشتار القديمة كروح للقمح والحبوب والانبات . فروح القمح 





7--04] صم بع مامد ابزاير ماعن ,911304 -1 


م١١‏ لد 


في هذه التصورات هي إهة القمح وقد خرجت من الطبيعة تمارس سيادتها عليها ما يفعل 
الآلحة الذكور. وليس إكتشاف ديتر لزراعة القمح ونقلها للبشرء إلا إشارة إلى كونها هي 
نفسها روح القمح القديمة . وشقرة شعر الإلحة هي شقرة السنبلة الاولى التي حلت بها 
روح القمح وتطابقت معها. أما قيام ديمتر بنقل أسباب العلوم والحضارة إلى الملوك 
الأائل» فإنه إقرار تاريخي من جانب الأسطورة بأن زراعة القمح كانت الخطوة الحاسمة 
نحو الاستقرار والحضارة. ومن ناحية أخرى فإن عزوف ديمتر عن الرجال وبقائها على 
الدوام دون زوجء شأنها في ذلك شأن أريسء إنما يعكس الصورة القديمة للأم الكبرى 
المتوحدة . فالشاب الوحيد الذي أحبته قتل في وقتٍ مبكر وقبل أن يتحول إلى زوج» 
وذلك إصراراً من: الأسطورة الأمومية على بقاء عشتار إلهة متوحدة. ورغم أن المداخلات 
الذكرية في الاسطورة» قد حاولت الانتقاص من قدر ديمتر بأن جعلت الة الأوبهب 
ينالونها واحداً بعد آخرء إلا أن الأسطورة الأمومية الصافية تعود إلى الظهور في رواية ديمتر 
وابنتها ببرسفوني» حيث نرى الأ الكبرى: مجدداً» كسيدة عظمى ذات سطوة 
وجبروت » يخشاها كل الآلحة عا قوم كبوهم: توس 

كانت بيسفوني تجمع الأزهار في البرية» عندما انشقت الأرض وظهرت عربة الإله 
هاديس إله العالم الاسفل . الذي اختطفها ومضى بها الى غياهب الظلمات . معت ديمتر 
صرخات الاستغاثة التي ملأت أرجاء الأرض » وهرعت لنجدة ابنتها ولكن الأرض كانت قد 
التأمت وضاع كل أثر يدل على الحادث . اتشحت الإلحة بالسواد وراحت تجوب أصقاع 
الأْض بحثاً عن ابنتها وقد أضاءت الكون مشاعلها الملتببة» ولكن من غير طائل . وعندما 
نال منها اليأسء أشارت عليها الالحة هيقات أن تستخير نبوءة الاله هليوس» الذي 
كشف الها سر اختفاء الإلحة. وأخبرها بأن هاديس قد حملها إلى العالم الأسفل لتكون 
زوجته وملكة على الأموات . عند ذلك قررت ديمتر الانتقام من الآهة جميعاً لسماحهم بما 
حدث » فمنعت قواها الاخصابية عن الارض التي تحولت إلى حقول مالحة لا تنبت ولا 
تزهر» وهددت المجاعة كل الأحياء على وجه البسيطة . اضطرب الآلحة لا حصل» وجاؤوا 
الى ديمتر واحداً إثر آخر بما فههم كببييهم زيوس» يرجونها أن ترفع لعنتها عن الأض» 
ولكنها اشترطت أن تعود اليها ابنتها ألاً . ولما يعسوا من إقناعهاء أمر زيوس الاله هرمز أن 
يحضي إلى هاديس فيبلغه رغبة كبير الالحة في رجوع بيسفوني إلى أمها نزل هاديس عند 


بلب ١١8‏ ا 


رغبة زيوس وأطلق ببرسفوني» ولكنه أعطاها قبل ذهايها طعاماً يعيدها الى العالم الأسفل 
بعد خروجها. فرحت ديمتر بلقاء برسفوني», ولكن فرحتها لم تدمء لامها عرفت بأمر 
الطعام ؛ وامتنعت عن تنفيذ اتفاقها مع الآلهة. ثم وافق الجميع على أن تقضي بيرسفوني 
ثلث السنة مع زوجها في العالم الأسفلء وثلئيها مع أمها في العالم الأعلى. عند ذلك 
أعطت ديمتر أوامرها للطبيعة» فأورقت الاشجار وازدهرت وملأت الخنضرة سطح الأرض . 
إلا أن ذلك لن يدوم طويلاً ‏ فما أن نين موعد عودة بيرسفوني لك عالم هاديس )2 حتى 
تيبس الأشجار مرة أخرى وتصفر النباتات ويكفهر وجه الأرض», مشاركة للأم في حزنها 
الجحديد , 

تبدو ديعتر وفق المنطوق الشكلي هذه الأسطورة سيدة للحياة الطبيعية » تأمرها 
فتنصاع لأمرهاء تماماً كا يفعل الة الأيمب الذكور الذين تحرروا من إسار الطبيعة وارتقوا 
إلى أعالي السماء. ويجري تفسير دورة الحياة النباتية بحزن الالحة السنوي على ابنتها الغائبة 
وفرحهاء من م2 بلقائها من جديد. إلا أن المستوى الثاني لفهم هذه الأسطورة » يقودنا 
إلى الاعتقاد بأن بوسفوني هي روح النبات التي تهبط إلى العالم الأسفل جزءامن السنةء 
وتعود إلى العالم الاعلى في جزء السنة الاخر » فتغيب معها الحياة النباتية عن وجه الأرض 
ثم تنتعش بعودتها. يجد هذا التفسير دعماً له في طقوس ديمتر المشهورة التي كانت تقام 
في معبدها الرئيسي في ايلوسيس2» حيث كانت تتلى وتمثل قصة اختطاف بيرسفوني 
وعودتها إلى أمها. ففي تلك الطقوس كان المحتفلون يرفعون باقات القمح رمزاً للولادة 
الجديدة للالهة الغائبة . وهنا نجد أنفسنا أمام لغز محير. فاذا كانت بيرسفوني هي روح 
الانبات وأم الطبيعة » التي تعكس دورة حياتها السنوية دورة الحياة الزراعية» فمن هي إذن 
الأم؟ وما علاقتها بالابنة ؟ 

إذا "لها إلى المتشوق "الثالك: الأعدق لقي هذه الأسطورة» لوتجدا أنفتننا وجي 
لوجه أمام الأسطورة الأصلية الصافية» حيث لاوجود لأ وابنتهاء بل لعشتار المتوحدة التي 
تلعب ديمتر وبيرسفوني دوريها المتناقضين المتكاملين في أن معاً .فعشتار في دورها الأعلى 
كروح للنبات هي ديمتر» وفي دورها الاسفل كسيدة لعالم الظلمات هي بيرسفوني زوجة 





خنطا ) 





الموت هاديس. تنحل ديمتر إلى بيرسفوني عندما تمبط إلى العالم الأسفل» وتتحول 
بيرسفوني إلى ديمتر عندما تصعد إلى العالم الأعلى» في جدلية دائمة ما دامت دورة الطبيعة 
قائمة. وليس أكل بيرسفوني من النبات السحري الذي يعيدها إلى الموت كلما ارتدت 
إلى الحياة» سوى إشارة من المستوى الأول للتفسيرء إلى الحقيقة الكامنة في المستوى 
الثالث. فالالهتان أقنومان في واحد وتجليان لنفس الجوهر. كلما تحولت ديمتر إلى 
يرسفوني تتحول بيرسفوني إلى ديمتر» تماماً كا يتحول قمح السنة الماضية الذي هبط إلى 
باطن الأرض إلى قمح السنة الجديدة الذي يخرج من الأرض . إن ديمتر هي قمح السنة 
الماضية وبيسفوني هي قمح السنة الجديدة. الذي سيغدو بدوره قمح السنة الماضية في 


العام المقبل . 


إن العمل الفني التشكيلي الذي اعتبرناه دوماً أصدق من الكلمة المنطوقة أو 
المكتوبة في شرح المستوى الباطني للأسطورة» يلعب دوراً حاسماً في دعم تفسيرنا 
الثالث . قفي كل الرسوم والمنحوتات البارزة التي تظهر ديمتر وبيرسفوني . لايستطيع الناظر 
أن يميز بين الام والابنة المتقابلتين على الدوام» لتطابقهما في كل شيء فيما عدا الشارات 
المميزة لكل منهما. فديمتر في معظم الأعمال التي تجمعها مع بيرسفوني تحمل في يدها 
الفاكهة الناضجة, أما بيرسفوني فتحمل في يدها الأزهار. الموسم القديم والموسم الجديد 
قاتقابل: بعضهما البعطن حول الرهرة إل غرة» والعمزة موت لححول. إلى زعزة:. ومن 
الشارات المميزة لكلا الالهتين أيضا باقة القمح والمشعل. حيث تحمل ديمتر باقة القمح 
وتحمل بيرسفوني المشعل. لكنهما في الاعمال التي تمثلها كلاً على حدة» قد تتبادلان 
الشارات» فنرى ديمتر ومعها الشعلة وبيرسفوني ومعها باقة القمح. في الشكل رقم 
5١ (‏ ) تظهر الإلتان وبينبما الشاب تريبتويهوس الذي عهدت إليه ديمتر بمهمة نشر 
القمح في جميع أرجاء العالم . تقوم ديمتر بتسليم الشاب باقة القمح الأول؛ ومن خلفه 
تقف بيرسفوني مقابل أمها وقد أمسكت بيديها مشعلين رمز النار المخصبة . 

يظهر موضوع الأم والابنة » قمح السنة الماضية وقمح السنة الجديدة , في عمل 
فني بابلي من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد » أي قبل قرابة ألفي سنة من تدوين نص 
اسطورة ديمتر وبيرسفوني في أشعار هوميروس . ففي الشكل رقم )41١(‏ نجد عشتار 


ل كل 





ديمتر وبيرسفوني رسم إغريقي على الخزف 


كروح للقمح جالسة على مقعد ملتحم بِالْأض ممتزج معها . من كتفيها تنبعث سنابل 
القمح وعلى رأسها تنتصب حية ذات رأسين على هيكة قرئين: ومن خلفها إلهة أخرى 
أصغر حجماً ولكنها تتطابق معها في كل شيء» تطلع من هوة فوق مرتفع صغير يبدو 
وكأنه يرتفع بها تدريبياً وقد انبعنت السنابل من كل أجزاء جسدها. لم يوجد في بلاد 
الرافدين أي نص مكتوب يحكي قصة هذا العمل التشكيلي المحمل بالرموز. ولكنه يبدو 
واضحاً كل الوضوح على ضرء تفسينا لأسطورة ديمتر و برسفوني. فهو بلا شك 
يحكي أسطورة مشابهة لم تسجل نصوصها بسبب اقتحام الذكر مسرح الأسطورة. 


الشكل 1١‏ 
عشتار » روخ القمح 
خم بابلي » الألف الثالث 





ق.ام 


كت 51 ديت 


والأسطورتان في تفسيينا » ترجعان إلى أصل مشترك واحد » إلى الأسطورة النيوليتية الأم . 
إن تفسيينا لأسطورة ديمثر وبيرسفوني ء وللأسطورة المفترضة في العمل الت* 
البايل الموضح أعلاه , ليلقني ويا على أسطورة سومرية أقدم متبما وهي انطو 
اختطاف أريشكيجال من قبل إله العالم الأسفل السومري « كور ». وجعلها زوجة له 
وملكة على عالم الموق. ورغم أن الألواح السومرية المكتشفة لم تورد من هذه الأسطورة 
سوى مقدمتهاء فإننا نستطيع فهم مسارها العام ونهايتباء من معرفتنا لمجمل الميثولوجيا 
السومرية . تجري أحداث الأسطورة بعد استقرار الكون وترسيخ أركانه وتقسيمه بين الآلحة 

الذكور: 

بعد أن أبعدت السماء عن الأرض 

وفصلت الأيْض عن السماء 

وتم خخلق الانسان 

وأحذ « آن » السماء 

وانفرد إثليل بالأيض 

أخذ الله « كور » أريشكيجال غنيمة له 

ولكن الاله « إنكي » أبحر 

أبمر الأب إنكي إلى كور 

قصد إلى كور مبحرا 

رماه بالحجارة الصغيرة 

كا رماه بالحجارة الكبيية!"» 

لا يوصانا النص الذي وردت فيه هذه المقدمة إلى نتيجة القصة. ولكن النصوص 
السومرية والبابلية اللاحقة» تحدثنا عن الالحة أيشكيجال باعتبارها المة للعالم الأسفل» 
وختفي ذكر « كور » كشخصية إفية, ليبقى اسمه دلالة على العالم الاسفل» ثما يدل 
على أن كن يدري مهمة انقاذ الالمة» التي بقيت هناك وارة مملكة الأموات» تماماً 

ولكن من هي هذه الالحة امخطوفة؟. إن اسم أريشكيجال يعني باللغة السومرية 


141010 130 تناك علق 5.10.1 -1 


559502 دحت 


« سيدة العالم الأسفل ». فهو والحالة هذه لقب لا اسم. فماذا كان اسمها في العالم 
الأعلى؟ وهل كانت سوى عشتار نفسهاء روح القمح وم الطبيعة في العصور النيوليتية 
التي كان اسمها في العالم العلوي عشتار . واسمها في العالم السفلي أريشكيجال ؟ . 
أليبست الففاة الصاعدة من هوة عالم الأموات في الشكل )141١١‏ هي 
أريشكيجال ‏ بيسفوني؛ سنابل السنة الجديدة التي سوف تتحول إلى عشتار 
ديمترء السنابل الناضجة التي تموت هابطة إلى الأسفل من جديد؟. إن الأساطير 
السومرية والبابلية المكتوبة لاتتحدث عن صعود أرشكيجال السنوي من العالم الأسفل» 
كا هو الحال في الأسطورة الإغريقية» بسبب اقتحام الذكر مسرح الأحداث وحلول الإله 
تموزء ابن عشتار وحبييهاء محلها في درام الهبوط والصعودء 6 سنرى ذلك مفصلاً فيما 
بعد. ولكن فرضيتنا هذه إنما تحاول إعادة بناء الأسطورة النيوليتية الأم» عندما كانت 
عشتار تجر وراءهاء وحيدة؛ دورة الفصول تحت اسم واحدء ثم اتخذت اسمين» اسم 
لوجهها الأحضر المنير» واسم لوجهها الأسود المعتمء ثم تحول الاسمان إلى ذاتين» ثم 
جاءت المرحلة الأخية عندما حل ابنها حلها كروح للقمح. 


لم يبدل اقتحام الذكر اسطورة الأ الكبرى سيدة الطبيعة» شيئاً من خصائص 
عشتار الاخصابية» فقد بقيت سيدة للحياة النباتية وربة الخصب الأرض . وكان الدور 
الذي يلعبه ابنها وحبيهها تموز وأشباهه ( أدونيس» أوزوريس» اتيس » ديونيسيوس ...الم) 
دوراً مكملاً لدورها الأساسي . فالأم عشتار هي التي كانت تدفع بتموز إلى العالم 
الأسفل» حيث يبقى جزءا من السنة هناك؛ وهي التي تهبط إلى العالم الأسفل لاستعادته إليهاء 
حيث يقضي جزء السنة الآخر معها ( وسنبحث هذه العلاقة بين الأَم الكبرى وابنهاء 
والأساطهر المتعلقة هما في فصل تموز الأحضر ) . لهذا فقد بقيت في كل الثقافات, الالهة 
الخضراءء سيدة الطبيعة النباتية . دعاها البابليون بعشتار الخضراءء ودعاها المصريون 
بايزيس الخضراءء وسيدة الخبزء وسيدة الجعة. وأم الفمح. ودعاها اليونان بسيدة 
السنابل. وقد خخلدت الأعمال الفنية عبر التاريخ هذا الوجه الأضر للأم الكبرى» حيث 
نراها في معظم الرسوم والمدحوتات وقد أمسكت بيدها ستابل القمح أو الأغصان المورقة 
أو الغار الناضجة. من هذه الأعمال الفنية الجميلة» ذلك النحت البارز المحفوظ في 
المنتحف الوطني بدمشق, الذي يمثل عشتار عارية الصدر, ترفع بيديها الاثنتين حزمتين 


د 


من النبات وعن يمينها وشمالها يشب زوجان من الماعز . وقد ينوب الاناء الفخاري » وهو 
الرمز القديم للأم الكبرى . منابها في الأعمال 
التشكيلية » حيث نجد الجرة الفخارية والسنابل 
تنبعث من كتفيها كا هو الأمر في النقش الفنيقي 
الموضح في الشكل (57) . 







الشكل ( 17 ) 
عشتار الاناء الفخاري 
سيدة السنابل فنيقيا 


العشتارية القديمة» إذ تمثل العذراء كسيدة للسنابل وقد زيدنت 
الأأض تحت قدميها . من هذه الأعمال ٠.‏ .ددست «سع 
قطعة جميلة من الحفر على الخشب من ألمانيا 
القرن الخامس عشر (الشكل رقم 437) . 
يقول القديس أمبروزي عن السيدة مريم : 
«في رحم مريم المقدس زرعت حبة واحدة 
من الحنطة ولذا نحن ندعوها ببستان القمحج»7» 
إذا كانت الأم الكبرى هي المسؤولة عن 
خصت؟ الأفل "ودورةة اليلد الرراعية نز اهن 
وكيلاتها الأرضيات هي امتداد لخصائصها 
الإخصابية » وعنصر لا يستغنى عنه لتجلي 
القدرة الإغية على مستوى الواقع. إن 
اكتشاف ديمتر للقمح ونشر زراعته في أنحاء 
لاض بوطالها في الات النزدسس التي:. رمرم لقره تيده السارل عق هل ادنع 
عهدت إلى اوزوريس تعلم البشر زراعة لمانيا الفرن الخامس عشر . 


8 2 رؤومعط )140 عط1 ,النله 11ر8 أرعط0] -1 


2 : 4 8 _- ْ 4« 
اي سويد بابوسناه وواادايم فجزق ينزه زا نع ونيد قعل نو كنا د 91019 4 رمدي ومردفو 


امه 


القمح. ليس إلا إقراراء على مستوى الأسطورة.بفضل الرأة في اكتشاف 
الزراعة . لقد كانت مهمة التقاط الهار والبحثعن الجذور الصالحة للأكل من 
نشاطات المرأة الأساسية» وهذا ما قادها إلى اكتشاف القمح البري كغذاء, وابتكار 
أساليب إعداده من طحن وعجن وخبز. ثم أتاحت الها الأوقات الطويلة التي كانت 
تقضيها في حقل القمح البري» فرصة الملاحظة المتأنية لآلية نشاط الطبيعة؛ فعرفت أن 
السنبلة التي تنمو في الربيع؛» إن هي إلا الحبة الميتة التي تسقط في الخريف » فحاولت 
تقليد الية الطبيعة وتكرارهاء وطمرت أول حفنة قمح مبتدئة بذلك تاريخ الحضارة. لقد 
رأى الانسان في هذا النشاط الجديد استمراراً لخصوبة المرأة» وفيضاً آخخر لقواها المبدعة 
الخلاقة » وعطية من عطايا جسدها المرتبط بالقوى الالهية العشتارية . فالجسد الذي يبب 
من ظلماته الحياة ويغذيها ويرعاهاء هو الذي يمد سلطانه أيضاً إلى التربة فيضرم فيها جذوة 
الخصوية . ومنذ استنبات حفنة القمح الأولى صارت الزراعة من مهام المرأة الرئيسية» 
وصارت طقوس إحياء الأض قفا على النساء من دون الرجال . فاذا كان على الرجل 
المساهمة في العمل الزراعي » فإن مسامته تقتصر على المجهود العضلي المتمثل في شق 
الأأض وتحضيرهاء أما وضع البذرة في الأرض فيجب أن تقوم به يد المرأة» التي تنقل 
للبذرة وللتربة شحنة من خحصب جسدها المتوحد مع ايقاع الطبيعة . 

إن العادات القائمة في العصر الحديث لدى القبائل البدائية» والتي حفظت في 
شكلها النيوليتي الصافي تدعم هذا الاستنتاج. فمن الشائع لدى كثير من القبائل أن 
يقوم الرجل بكل الأعمال الفهيدية السابقة للبذارء ثم تأتي المرأة فتضع البذور في الشقوق 
التي يسبقها الرجل إلى تحضيها(». ما تسود لدى كثير من القبائل البدائية في أنحاء 
مختلفة من العالمء أسطورة اكتشاف الزراعة لأول مرة من قبل المأة وتقوم النساء في هذه 
امجتمعات بطقوس استجلاب المطر واستثازة خصوبة الأض”©. وفي فترة نضح الحضارة 
الاغريقية كانت المرأة مسؤولة عن استثارة خصوبة التربة وإحياء الأرض» وكانت تقام هذه 
الغاية احتفالات خاصة بمارس طقوس الخصب فيبها نساء مهيئات هذه المهمة" . 





.2 2 روطع طأا0ل8 خدع01) عط]' ممسفصسيعلة! طعلط 1 
4 2 رؤقع ]140 عط1 ,اانه أكاءظ أرعط850 -2 
.17 22 ,مهمع ناعظ عاء:01 ,0م250 :ج181 عدمول -3 


:317 نت 


مع نمو وتوسع المستوطنات الزراعية البدائية انتقلت روح القمح إلى المعابد مغادرة 
محرابها الصغير في الحقل. وعندما تحولت المستوطنة إلى مدينةء تركت عشتار سكنها 
القديم في السنبلة وجذع الشجرة وحلت في اتماثيل الرخامية الجميلة المتقنة الصنع » داخل 
المعابد الضخمة التي تناطح أبراجها المدرجة السحاب . وتشبهت بالهة الذكور فانسلت 
من الحياة النباتية التي كانت روحاً لهاء لتغدو سيدتها الآمرة. ولكن زارع الحقل الأول 
الذي امن بروح القمح وعبدها وتغذى على جسدهاء قد بقي على ولائه القديم» وبقيت 
روح القمح تسكن في كوخه وتعايشه في حقله . لم يعرف أن عشتار قد انتقلت إلى بابل 
والأقصر وأثينا ورومه, ولم يسمع أساطيرها في حلتها الجديدة بعد أن انطلقت من حقله 
وصيغت في حلل أدبية منمقة. وعندما امنء في الفترات المتأخرة بالاله الفادي اتخلصء 
الذي بموت ليبب العالم الحياة» لم يدر بخلده أن هذا الاله الجديد ليس إلا إلهه هوء وقد 
عاد اليه في حلة فلسفية قشيبة» ليس إلا روح القمح القديمة التي كانت تموت في كل 
عام لتبب له الحياة . 

ومن الملفت للنظر أن تمد روح القمح ما زالت تعيش في مواطنها الأؤلى» حيث 
حقول القمح. الى العصر الحديث . إلا أننا لانستطيع تتبع آثارها اليوم في المعتقد الديني 
والطقس » بل في الفلكلور الشعبي » الذي حفظ لناء على طريقته» الهيكل العام لأسطورة 
زارع القمح الأول وطقوسه . 

فإلى وقت متأخر من القرن التاسع عشزء كان الفلاحون في كثير من المناطق 
الأوربية» يتحدثون عن « الأ القمح » التي تجوس حقول القمح الناضج في الربيع 
والصيف ء كلما تمايلت الستابل مع هبات الريج . فاذا وصل الحصاد إلى نبايته » ولم يبق 
في الحقل سوى مجموعة من السنابل قائمة في نبايته» قالوا إن الأم القمح قد حلت في 
هذه المجموعة . فاذا أجهز الحصادون على السنابل الأخيرةء جرت العادة في بعض المناطق 
أن تضم في حزمة واحدة» فتلبس زياً نسائياً» ويطلق عليها اسم الأم القمح . ثم يؤْخذ من 
هذه الحزمة أفضل باقاتهاء فيصنع منها إكليلًا تلبسه أجمل فتاة في القرية. أما الحزمة 
فتعلق على عمود يحمله شابان» ويسير الجميع وراءه في موكب هازج تتقدمهم الفتاة ذات 
الاكليل إلى بيت عمدة القربة» الذي يتسلم الاكليل من الفتاة فيعلقه في بيته إلى يوم 
الأحد. حيث يقوم بتسليمه إلى الكنيسة» فيبقى هناك إلى مساء عيد الفصح من العام 


ا كه 


المقبل. في ذلك الوقت يتم تسليمه إلى فتاة صغيرة» فتجوس به في الحقل وتفرط حبات 
السنابل ناثرة إياها فوق القمح الغض الجديد . يا جرت العادة في مناطق أخرى» على أن 
يربط الشاب الذي حصد الباقة الأخيرة من القمح إلى الحزمة » فيضب تمثيلياً ويدار به في 
شوارع القرية» ويشار اليه على أنه ابن الأ القمح. وفي بعض المناطق لاتجري هذه 
الممارسات في الحقل» بل في مكان درس القمح. فروح القمح تبرب أمام الحصادين 
لتأوي إلى مكان تجمع القمح المحصود, وهناك تقتل تحت ضربات الدراسين أو تبرب 
إلى الحقل امجاور. وقد يقنبض على أُول إمرأة غريبة تظهر في حقل القمح» فتربط إلى 
الحزمة الأخبية وتؤخذ إلى مكان الدرس» خيث يمثل الحصادون عملية درسها وتذريتها. 
وقد تحمل الرأة التي قامت بجمع آخر باقات القمح. فتوضع في مكان قريب. ويقوم 
الحصادون بتمثيل عملية توليدها باعتبارها حاملة بروح القمح التي ستلد منها0؟ . 


سيدة الشعلة : 


كا كشفت عشتار سر الزراعة للمرأة فكانت أول من بذر حبة القمح في 
التراب» كذلك كشفت لا سر النارء تلك القوة القمرية المخصبة: فكانت أول من 
استخرجها من مكمنها في أغصان الشجرة وحافظ على اتقادها. يدلنا على ذلك كثير من 
أساطير الشعوب”", التي تحكي عن شعلة النار الأول وكيف جاءت بها إلى الأرض امرأة 
سرقتها من القمر. وكذلك قيام المرأة عبر التاريخ ولدى جميع الشعوب بحراسة النار والابقاء 
على اشتعاا في البيوت والمعابدء وذلك كاستمرار لفعلها الخلاق الأول. وفي بعض 
الأساطير البدائية تنبعث شعلة النار الأولى من قيام إهة القمر بامرار يدها بين ساقيها 7”. 
وهذا يذكرنا بعمل تشكيل من الحند يمثل الأ الكبرى وقد باعدت ما بين ساقيها المرفوعتين 
نحو الأعلى ومن رحمها تنبت الشجرة”. فالأنثى الكونية امخصبة التي وهبت الشجر هي 





463-11 22 طاأودامظ ج5ع0010 ع1 ,وعمهقء1 وعدمول -1 
.129 2 ,زع 21ع)5ز784 5لمقدرهالا ,رعس 1ل:ج11. 11.8 2 
.20 ,1010 -3 

.166 2 ولاه أمطالزلة لداصء 02 رالعطمصهك طمعوول -4 


ا 


التتي مب النار الكامنة فيه » قدرة تماء وطاقة ليبدية كونية تشد الأحياء إلى بعضهم بعضا 
لاستمرار الفصائل والأجناس. وعشتار الخضراء روح الغاب وروح القمرء هي الآن 
سيدة الشعلة الدائمة رمز القدرة الأبيدية والنفس الحية المتوقدة للكون . 


خشي إنسان العصر الحجري انطفاء النار لصعوبة الحصول عليها وإعادة إشعاها . 
كا خشي انطفاءها لأنها قبس من الأ الكبرى وبركة . فكان انطفازها انقطاعاً لما بينه 
وبينباء وانفصالاً للعهد الذي قطعته له بالحفاظ على حياته ورعاية معاشه. لهذا كان 
للقبيل البدائي شعلته الدائمة التي ترعاها النساء؛ حوها يجتمع أفراد الجماعة مساءٌ قنخفف من 
وحشتهم وتجمع شملهم . فالنار كالانثى الم مركز جذب وعامل تأليف . وعندما توسع 
القبيل» صار لكل بيت شعلته الدائمة التي لاتنطفىءء رمز لوحدة العائلة واجتّاعها حول 
الأ وحول موقد البيت . فإذا أراد أحد أفراد العائلة الاستقلال وتكوين بيت مستقلء حمل 
من موقد أهله شعلة رضعها في سكنه الجديدء توكيداً على صلته التي لن تنقطع رغم 
بعده. ومع اكتشاف الزراعة» صارت الشعلة المشكاية عنصراً أمناسياً في طقوس 
الخصب . حيث كان المزارعون يطوفون الحقول ليلا بمشاعلهم المتقدة» لبث روح سيدة 
الشهلة "فق الأضر+ يقر الحناة ق اليدور السماء: 

وقد استمرت هذه الطقوس قائمة في العصر الحديث لدى القبائل البدائية» يا هو 
الحال لدى قبائل انود الحمر في أفريكا الشمالية قبائل البازوتو والزوني وغيرهه”؟ نما 
يدل على أصوها المغرقة في القدم . 


عندما انتقلت عشتار من بيت المزارع القديم وحقله إلى معابد المدن» انتقلت 
معها شعلتها المقدسة الذائمة الاتقاد . وصار للنار العشتارية كاهنات عذراوات متفرغات 
لحراستها والابقاء على جذوتها وإقامة الطقوس الخاصة بها. وأخذت الأعمال التشكيلية 
تصور الأ الكبرق وبيدها مشعلىء كأ هو الحال في تماثيل ورسوم ديهمعر ( شكل رقم ' 





55 2 ,ومع غ110 عط1 ,النسهتعتر8 أموطمج 1 


١58‏ د 


5 ) وريس ( شكل رقم 44 ) وبدسفوني ( شكل رقم 4١‏ ) وهيقات وديانا. 
يبدو رمز الشعلة: أكثر التصاقاً بالالحة الرومانية « ديانا » من غيرهاء من تجليات 
الأم الكبرى. فلا تظهر في رسم / 
أو نحت إلا وني يدها مشعلها ! 
المضيء. واسمها نفسه إذا أعيد 
إلى جذره القديم يعني 
« المضيئة »”''وذلك إشارة إلى 
خصائصها النارية وطبيعتها 
القمرية . وفي هيكلها الذي كان 
قائماً وسط غابة نيمي عند أقدام 
جبال الآألبء كانت كاهناتبا 
العذراوات يوقدن نارها المقدسة 
ويحفظنها مشتعلة ليلاً نهاراً على ريس سيدة الشعلة رسم اغريقي 


مدار السنة. وكانت النساء يأتين إلى الميكل ومعهن المصابيح الزيتية التي توضع عند 
ا محراب ٠‏ تقرباً للإلهة ووسيلة لاستجابة الدعوات . أما في عيد ديانا الكبير يوم الثالك 
عشر من أب ( اغسطس ) فقد كانت غابتها المقدسة تضاء بالمشاعل التي تنعكس 
أنوارها على صفحة بحيرة نيمي الحادئةء كا كانت طقوس النار في ذلك اليوم» ثقام في 
جميع أنحاء ايطاليا حول مواقد البيوت” . 

من ألقاب ديانا القديمة « فيستا »”" الذي يعني أبضاً إذا أعيد إلى جذره القديم » 
« المضيئة » أو « المشعة » . ثم تحول اللقب إلى إههة مستقلة موكلة بالنار عمرياء وبالنار 
المنزلية ونار الطقوس الدينية خخصوصاً . كانت فيستا أجمل إهات الرومان إطلاقاً» وعذراء 
كصنوها دياناء طاهرة كشعلة الناوء التي ترمز اليها. وكانت كاهنات النار العذراوات 








19 2 طعنامظ مء6010 عط1 تعمووط وعصيول .1 
3-4 22 ,1510 -2 
20 ,1010 -3 





يحرسن شعلتها ويبقينها متقدة على مدار السنة ويقمن طقوسها. وكن ينتقين من أنبل 
العائلات الرومانية » ويخضعن لتدريب طويل مدته عشر سنوات يبدأ في سن السادسة 
فقط » ثم ينخرطن في خدمة الإلة مدة عشر سنوات أخرى» يتفرغن بعدها لتدريب 
جيل جديد من الكاهنات مدة عشر سنوات أخيق . فإذا أتممن ثلاثين سنة في خدمة 
المعبد , سمح لمن بالعودة إلى أهلهن والزواج إذا أردن ذلك . غير أن معظمهن كان يعزف 
عن الزواج للإبقاء على مركزهن المقدس في المجتمع الروماني الذي كان يكن لمن أعظم 
تقدير وإجلال". وما جردت ديانا من نفسها الالهة فيستاء كذلك جردت أرئيس 
اليونانية من نفسها الالحة « هستيا ». كانت هستيا إطة النار المنزلية ونار المعابد . وكانت 
شعلتها الأساسية في معبد دلفي » تعتبر الشعلة الكونية؛ لأن معبد دلفي نفسه كان لدى 
اليونان بمثابة مركز للكون. ك٠‏ كانت هستيا تجسيداً للنار الباطنية التي تتقد في مركز 
الأْض. وكرمز قديم للنار المنزلية ونار القرية» كانت هستيا حامية للعائلة وحارسة 
للمدينة . حاول الزواج منها أبوللو وبوسيدون, ولكنها لجأت إلى زيوس الذي وهبها حمايته 
فحافظت على عذربتها إلى الأبدا'' . هذا وقد اتحدث الإلمتان الرومانية واليونانية في إلهة 
واحدة تحت إسم هستيا ‏ فيستا . 


وقد ارتبطت النار بعبادة إيزيس المصرية, خخصوصاً في شكلها القمري الناري 
تحت إسم « باست »» التي كانت تصور على هيئة سيدة برأس هرة”". ولرما كانت 
هذه التسمية هي أصل اسم « البس » أو « البسينة » الذي يطلق على القطة في كثير 
من اللهجات العربية المحكية اليوم .,وكانت طقوس النار تقام في معابد إيزيس لابقاظ الاله 
الميت أوزوريسء حيث يحمل الكهنة مشاعل الأ الكبرى ويطوفون بها حول تابوت الاله 
لتشتعل روحه من جديد بالحياة» مستمدة قبسها من شعلة الإلة القمرية واهبة الحياة29. 


يا ارتبطت النار بعبادة الأم الكبرى لحضارة السلت « بريجيت »» التي حافظت 
255502225225222 
04 2 ولزاعه [مطاز1] نقدسه؟ ,لموعت©. 2 -1 


50 2 ,لزعو 1م و14 لم0 ,0مه 8,0 2 
2 ,جع 714012 أهع ع0 1126 ,لمم طناءك2 لأعزر8 -3 
--8130ط ,دعايع و84 ونصقدده/؟ ,ووزلعج11 .14.5 4 


الحا ل 


على وجودها في ايرلندا تحت اسم « القديسة بريجيت » بعد انتشار المسيحية» ؟ رأينا 
سابقاء وإلى يومنا هذا تقوم كاهنات الأ القمرية التي دعاها السلتيون بأم الآلهة بحراسة 
نارها المقدسة وهن في لباس «اهبات السيدة مريم في دير كيلدر بايرلندة”". وفي يوم ١‏ 
شباط ( فبراير ) يحتفل الايرلدديون بيوم قداس الشموع. حيث يتم إشعال نار الشموع 
الجديدة في الكنائس الكائوليكية وتطفأ نار الشموع القديمة . وهذا اليوم يتوافق في تاريخه 
مع عيد الإلة بريجيت القديمة» تماما كا يتوافق يوم المشاعل امخصص للإطة ديانا مع يوم 
صعود السيدة مريم في ايطاليا ومناطق كاثوليكية أخرى”". وبشكل عام يمكن القول بأن 
طقوس إشعال الشموع في معابد الديانات الكبرى اللاحقة ‏ هو الأمر في الكنائس 
المسيحية والمعابد البوذية والهندوسية وحول أضرحة الأولياء المسلمين» إن هي إلا استمرار 
للطقوس النارية للأم الكبرى القديمة . 


وقد بلغ تقديس النار أوجه في الديانة الزرداشتية » التي كان أتباعها يعبدون النار 
باعتبارها التجلى الحقيقي للاله أهورامزدا » نور الكون والقدرة الكامنة وراءه. وفي الديانات 
التي تبدو بعيدة كل البعد عن تقديس النار بصورة مباشرة» غالبا ما نجد هذه التار قائمة 
خلف رموز القداسة والألوهية. فعند الييود تجلى الرب لموسبى أول مرة على هيئة شعلة 
نارية : « فساق الغنم إلى الببية وجاء على جبل حوريب . وظهر له ملاك الرب بلهيب نار 
وسط عليقة» فنظر واذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق . فقال موسى أميل 
الآن لأنظر هذا المنظر العظيمء اذا لاتحترق العليقة . فلما رأى الرب أنه مال لينظرء 
ناداه الرب من وسط العليقة وقال: موسبى., موسبى فقال هاأنذا. فقال لاتقترب إلى ههنا . 
إخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» ”. وهذا 
المكان من سيناء الذي تملى عنده الرب لموسى في هيئة نارية » لانبعد كثيراً عن معبد سيدة 
التوركواز الذي أقامه السوريون في قفر سيناء للأم الكبرى سيدة الشعلة”. وفيما بعد 
كان حضور يبوه مرتبطاً بالثار وكانت النار تشتعل ليلاً فوق الخيمة التي كانت مسكن 





,لزع ه1مطالال! عالاتسلعط ملاع طم صة© طمعوه[ 1 

0 ا ١2‏ ,25162165 5'ممرره كلا ,ع منل:112 .81.8 2 

العهد القديم . سفر الخروج » 5 : ١ه‏ 3 
عن معبد سيدة التركواز . راجع فريزر : 4 2 رطعدسهظ8 مع0010 عط]آ' -4 


و 


الرب ومقر تابوت العهد: « وني يوم إقامة المسكن», غطت السحابة المسكن خيمة 
الشهادة . وفي المساء كان على المسكن كمنظر تار إلى الصاح . هكذا دائماً» السحابة 
تغطيه ومنظر النار ليلا .. « وكان جبل سيناء كله يدحن من أجل أن الرب نزل 
عليه بالتار وعم ديات كدغتاق الأتوة وارضك' كل الخبل جدا .»فككان سبوت البو 
يزداد اشتدادا وموسى يتكلم والرب يجيبه »””. وكان بنو اسرائيل كلما ارتحلوا سار الرب 
أمامهم وسط عمود من نار ودخان يرشدهم الى الطريق . ظ 

وقد انتقل رمز الشجرة الملتهبة كتجل للذات الالهية» من التوراة إلى التقاليد 
المسيحية» التي وجدت في الشجرة رمزاً للسيدة العذراء؛ وفي النار المتوقدة رمزاً للسيد 
المسيح : « رأى مومى العليقة في جبل حوريب تتوقد بالنار وهي لاتحترق , فتحتفظ بين 
ألسنة اللهيب بنضارة اخخضرارها ورطوبة ماديتها . ومريم حبلت وولدت كلمة الله المتأنس: 
النار الملتهبة» ومع ذلك لم تثلم البتولية ولم تفض البكارة» فحافظت في أمومتها على ماهية 
بتوليتها وجمعت في ذاتها بين ضدين: شرف الأمومة وسناء البتولية . لقد أدرك موسى في 
العليقة سرٌ ولادتك العظمء أيتها العذراء القديسة المنزهة عن الفساد » ©. 


هذا وقد بقيت طقوس النار القديمة مستمرة حتى الأزمنة الحديئة» رغم أن الناس 
قد نسوا منشأها وضاعوا عن أصلها. ففي أوروبا الحديثة نزولاً إلى يقت معأخر من القرن 
التاسع عشر» كان الفلاحونٍ يقومون بطقوس وشعائر لاتخفي طابعها العشتاري القديم . 
من ذلك مثلاً طقوس نار الصوم الكبير" . ففي فرنسا وأجزاء من أوروباء كانت تشعل 
الحرائق في أول احاد الصوم الكبير. وكان البادي بإشعال الحريقة الأولى رجل وامرأة تزوجا 
حديثاً ( لأ الجذوة العشتارية تكون مشتعلة بينهما ولي أوج اتقادهاء فيبادلان النار 
خصباً بخصب» ويمدانها بشحتهما الخاصة ). وعندما ترتفع ألسنة الله يقوم الناس 
بالرقص حول النار ويأتون بقطعان الماشية يسوقونها بين الحرائق والدخان» لتحصينها ضد 
العهد القديم . سفر العدد . 9 : ١5165‏ 3 
ا- ه' القديم » سفر الخروج ١91١8 1:195 ٠‏ 2 
الأب متري هاجي أثناسيو » الموسوعة المرمية ؛ ص 78 3 
.هتنا 01 لماوع عقلط عط1 ,لطعناهد8 معل001 غ15 ,عموظ وعصول 4 


ا ا 


المرض وضمان تكائرها . ثم يأتون بالمشاعل فيضرمون نارها من الحرائق ويطوفون بها الحقول 
وبين الأشجار قائلين : أعطنا ثمراً أكثر من الورق . 

وف ألمانيا وانمسا وسويسرا كان الناس في نفس المناسبة يجمعون القش والحطب 
فيبيلونه كتلة ضخمة حول شجرة زان كبيرة» ثم يثبتون عارضة خشبية طويلة على 
الشجرة بحيث تشكل معها هيئة صليب . بعد ذلك يضرمون في هذه المجموعة النار . فإذا 
هب دخان الحريقة نحو حقول القمح تفاءلوا خيرا بموسم جيد . وني بعض أجزاء من تلك 
البلدان» كانوا يصنعون عجلة كبيرة من أغصان وأوراق الشجر اليابس ( وف ذلك رمز 
للقمر ) ثم يسحبوفها إلى أعلى تل قريب » فيضرمون فيها النار ويتركونها تتدحرج مشتعلة 
نحو القرار. وكلما كان توهج العجلة كبيراء كلما تطلعوا إلى مواسم وفيرة. 

ومن المناسبات للأخرى التي تشعل فيها النار المقدسة في أورباء عيد الفصح . ففي 
السبت» تشعل الكنائس الكائوليكية كل شموعها المطفأة من شمعة كبيرة وسط 
الكنيسة, هي شمعة الفصح. رمز الأم الكبرى هريم. وقد تشعل النار في فناء الكنيسة 
الخارجي ويأتي الناس بأغصان من الزان أو البلوط يشعلونها من نار الفصح ويأخذونها إلى 
بيوتهم فيشعلون بها نارا جديدة. اما العصي المنطفعة فقد توضع في الحقول لضمان 
المواسم الجيدة. وفي أنحاء كثيرة من المانياء تشعل الحرائق عشية الفصح على أعالي 
التلال» وتتبارى القرى المجاورة في إيقاد أكبر الحرائق وأكثرها توهجاً وإنارةء لأن المسافة 
التي يمكن أن يرى منها نور حرائق الفصح . ستكون محصنة ضد الجفاف في العام 
المقبل. وفي بعض المناطق لا تشعل نار الفصح بالوسائل العادية» بل لا بد من اشعاها 
بحك قطعتين من الخشب . وقد تدفن بقايا الحرائق في الحقول لزيادة خصبها. 

ومن المناسبات الأخرى التي تقام فيها طقوس النار المقدسة, يوم الأول من أيارء 
وهو احتفال كبير يقام في طول أوربا وعرضها. ولعل أوضح مثال عن الطابع العشتاري 
هذا الاحتفال ما كان يقوم به المزارعون في منطقة ويلز ببريطانيا. ففي عشية أول أيارء 
يقوم بضعة رجال بالتوجه إلى الغابة القريبة» فيحتطبون كمية من أغصان الأشجار يأتون 
بها إلى القريةء فيشكلون منها صلباناً صغيرة توضع حول دائرة في الوسط ( نفس الدائرة 
والصليب اللذين رمز بهما انسان الثقافة النيوليتية في سورية» إلى الأم الكبرى منذ الألف 
السابع قبل الميلاد ) ثم يقوم أحد الرجال بحك قطعتين من خشب البلوط ببعضهماء فإذا 


ا د ا اكد 


اشتعلت فيهما النارء أوقد منها بقية الاغصان, وقام الناس بالرقص حول النار والقفز من 
فوقها وجلبوا قطعانهم إليها . 

هذا وتتعدد المناسبات التي تقام فيبا الاحتفالات المشابهة» فنجد طقوس النار في 
يوم القديس يوحنا المعمدان في الرابع والعشرين من حزيران» وهو اليوم الذي تصل فيه 
الشمس أقصى مدى لما في الارتفاع . كا نجدها في عيد جميع القديسين» وفي يوم منتصف 
الشعاء» وكلها متاسبات لا تخفي طابعها الوثني القدم . 

وقد مارس العرب في جاهليتهم طقوسا مشابهة تستهدف حث القوى الاخصابية 
'بواسطة النارء فكانوا إذا احتبس المطر خخرجوا لصلاة الاستسقاء, فأشعلوا نار في أذناب 
البقر وتركوها تنحدر من قمة جبل وعر » اعتقادا منهم بأن تلك النار سوف تستنزل عليهم 
الغيث . وبيها كانت الأبقار تندفع نحو السفح في خوار وضجيجء كانوا يرفعون أصواتهم 
بالصلوات والأدعية”''. وني سورية» مهد المسيحية الأول» مازالت طقوس النار تقام في . 
بعض المناسبات. الدينية وخصوصا يوم عيد القديس مارجورجيوس ( الذي يشكل مع 
ولي الله الأحضرء سيدنا الخضرء استمراراً للإله بعل إين الأَم السورية الكبرى ) وعيد 
الصليب. حيث تندلع الحرائق الصغية في كل مكان احتفالا بهاتين المناسبتين . 


وأخيراً» لا أدري أي رمز استلهم الفنان الفرنبي صانع تمثال الحرية العملاق 
المتتصب أمام مدينة نيويورك في عرض البحر , ولكن إذا أمعنا النظر إليه » ألا نرى عشتار 
سيدة الشعلة المقدسة مؤكدة وجودها في قلب اعتى ثقافة ذكرية بطريركية عبر التاريخ؟ . 


عشتار الأفعى 8 


اعتقد الانسان القديم بأن الحية خالدة لا تموت , وأن تبديلها لجلدها القديم بجلد 
آخرء هو تجديد لحياتها كلما نال منها الحرم» وربط بينها وبين القمر الذي يجدد حياته 
أبديا في دورة شهرية دائمة» فيسلخ جلده القدبم في طوره المتناقص ويلبس جلدا جديدا 





محمود سلم الحوت » الميثولوجيا عند الغرب.» ص ١١7‏ -1 


2 355-86 عن 


. 4 .و - . .9 1 5 - 4 0 لهة 
اسم الأفعى في اللغة العربية على أنه اليا ماما من الحياة. وفي وصف بابل 0 
عشتار أن جسدها مغطى بحراشف الأفعى”" وفي ذلك تعبير رمزني على صلتها بالحية» 
وتجديدها الدوري لجلدها القمري . وقد اعتقد اليونان أن عدد أضلاع الحية يعادل عدد 
أيام الشهر القمري”" م عبرت الأعمال 
التشكيلية للحضارات القديمة عن هذه 
الوحدة الخفية بين القمر والأفعى بشكل 
ففي الشكل رقم (45) وهو رسم عل 
منتتصبة وعلى رأسها الحلال وأمامها 
الصليب . ثلاثة رموز عشتارية في تاليف فني واحد . 





هذه التصورات الميثولوجية التي تعود 1 - الأفعى 
في أصلها إلى العصر النيوليتي » مازالت ئ 


مستمرة في التصورات الوثولوجية للشعوب البدائية الحديئة. فلدى كثير من قبائل 
ميلانيزها وأستراليا وأندونيسيا وأفريقياء وهنود أمريكاء تشير الحية إلى القمر ويشير القمر 
إلى الحية . ومازال رمز الحهة التي تحمل الحلال على رأسها قائماً لدى بعض هذه لقبائل » 
للدلالة على الحياة الأبدية. وتتم الاحتفالات والطقوس الخاصة بالالمة الأفعى في اليوم الأول 
لظهور القمر الجديد . ومن علاقة القمر بالأفعى , انتقلت التصورات الميثولوجية إلى الربط 
بين الأفعى وامرأة » فامرأة في أصلها كانت أفعى والأفعى كانت امرأة . غفي أسطورة من 
الكونفو عن الطوفان الكبيرء أن الذعر الذي حل بالبشر إبان تلك الكارثة قد أعاد 
امخلوقات إلى أصوهاء فتحول الرجال إلى قرود وتحولت النساء إلى أفاع . وهذه الأسطورة 
تنسج على منوال خرافات العصور الوسطى في أوربا التي تكد أن النساء خلقت من 





.09 2 روطع 78101 ع1 ,النو 881 عمعطمعج -1 
2 ,10104 -2 


1١53-‏ سم 


أرجل الأفعى ل فقدتها لدى تسللها إلى الفردوس””» 

تبدو عشتار في كل الثقافات مصحوبة بالأفعى في كثير من الأعمال التشكيلية 
التي تصورها. فعشتار البابلية تلبس على رأسها تاجاً على هيئة أفعى ذات رأسين 
( شكل 4١‏ ). وديمتر تعطي تريبتوبموس سنبلة القمح الأول وراءها تتتصب الأفعمى 
١‏ شكل 45 ). والأم الكريتية الكبرى تمسك بيدها الأفاعي أو تلتف حول جسدها 









1 


لمالا 220 
ل -- 





اس سس هي 


(الشكل 0+ ) (الشكل 48 ) 
إيزيس والأفعى الاناء الفخاري والأفعى اسبرطه 





3122-3 ظ2 ,رلنط] -1 


--ل 1١99‏ سد 





( الشكل 48 ) وايزيس ينتصب عن بمينها ويسارها أفعوانان عملاقان وفي أفق السماء 

يظهر الهلال في يومه الأول ( الشكل 47 ). وقد ينوب عن الأ الكبرى الاناء الفخاري » 
رمزها القديم؛ فتلتف عليه الأفعى كا تلتف على جسد الأَم الكريتية ( الشكل 4# )», 
والنساء الجورجونات في الميثولوجية الاغريقية تنطلق الأفاعي من رؤوسهن بدل الشعرء 
وكذلك الميدوزا التي تحول نظرتها الرجال إلى حجارة . وفي هذا لمجال نتذكر نص أبوليوس 
السالف الذكر عن الأ القمرية الواحدة التي قدم لها صورة أدبية رائعة وهي تطلع من 
البحر: « كان شعرها الطويل الغزير ينسدل جدائل مستدقة الأطرافٌ على عنقها 
الجميل . فوقه إكليل شبكت إليه كل أنواع الورود . وحول الرأس قرص نوراني يسطع 
كمراة» أو كوجه القمر الببي» هما أنبأني عن حقيقتها. وكان أفعوانان ينتصبان من يديها 
ابمنى واليسرى» ليسندا ذلك القرص . وإلى جانهما تنطلق سنابل القمح. » . 


إن حية الم الكبرى , هي رمز معقد ومتشابك . ولكنه في جانبه الأساسبي يشير 


إلى خصائص عشتار القمرية وخصائصها الاخصابية أيضاً . ففي الشكل (47) نجد 
الأفعى تنتصب خلف ديمتر في اللحظة الي تسلم فيها سنبلة القمح الأول إلى الشاب 


حب 154 اضه 


الذي سيوزعها في جميع أنحاء العالم . وفي 
وصف أبوليوس تنطلق سنابل القميح إلى 
جاتب الأفحوانيق: “اللذين. . يسندات. قر 
القمر . كا اعتبرت الحية بمثابة روح للشجرة. 
وحارسة لياه الينابيع » نجدها في كثير من 
الأعمال التشكيلية وقد التفت حول الشجرة 
ومن تحتها تنبثق مياه الينبوع . كم هو الخال 
في الشكل رقم (00) الذي يمدنا أيضأ بمثال 
عن الحية ذات القرون . وهذه العناصر 
الثلائة : الشجرة والأفعى «النبع تتكرر في 
كثير من الرسوم . وني بعضها يغلب على 
المشهد جو دمحما افنه كل أنواع 
النباتات . مما يشير إلى أن الأفعى همي رمز 
لخصب الطبيعة بشكل عام ؛ إلى جانب 
كونها روحاً للشجر والغاب . وفي كثير من 


» 


جه : 
دوه مقع ادف 3 
1 : 





عشتار الأفعى , روح الشجرة 
وحارسة المياه . رصم اغريقي 


النقوش والرسوم . سواء في العالم اليوناني الروماني أو في الشرق الأدنى القديم , تبدو الحية 
محاطة بكل رموز المخصب وخصوصا سنابل القمح . مما يدل عل أنها كانتكت موضوع 
عبادة وتقديس باعتبارها تجلياً لقوى الخصوية" . 


ففي بلاد اليونان كان معبد دلفي 


مكرسا للأم ‏ الأرض « جيا » وكانت 


تحرسهء م تروعي الأساطير المتأخرة, الأفعى العملاقة بيثون» إلى أن جاء الاله أبوللو فقتل 
الأفعى واغتصب المعبد الذي صار منذ ذلك الوقت مكرسا لأنُوللو” . إلا أن كاهنة 
دلفي التي كانت تصدر النبووات وتكشف الغيب منذ القديم في معبد جياء قد بيت 





-429 ,377-378 28 روهنوناعظ عاعع:0) ,لرموولممج1آ1 عمول 1 


' .393-394 ظط ,لزط1 د 


0غ اضل 


موكلة بالنبوءة في معبد أبوللو وحافظت على اسم الحية بيئون0". ما بقيت حيات الأم 
الكبرى ترتع في بعض معابد أبوللو على أنها من نسل أفعى جياء وكان لها كاهنات 
مخصصات يخرجنها من مخبئها في مناسبات خاصة» ويقدمن ها اللعام وهن عاريات . 
فإذا تقدمت الحيات بهدوء وسكينة فالتقطت طعاهها دون أن تخيف الكاهنة؛ كان ذلك 
بشياً بمواسم طيبة وسنة خالية من الكوارث والأُمراض . أما إذا حدث العكس, كان 
ذلك نذيراً بشر مستطير قادم'"©. وهذه الطقوس بقية باقية من طقوس أفعى الأم الكبرى . 
وفي الديانة الديونيسية ‏ الأورفية» كانت الأفعى تعبد باعتبارها الاله» ديونيسيوس 
نفسهء وهناك بعض الأعمال التشكيلية الأورفية تظهر الأفعى المجنحة, ديونيسيوس» ملتفة 
حول تقسيها بوعرقا عدا من الرجالع واتساء غراة و ولمع التي والتفياا "ررقت 
انتتقلت عبادة الأفعى من ديانات الخصب إلى ديانات الخلاص السرية التي انبشقت عنها . 
ففي الطقوس الخاصة يبعض هذه الديانات». كان المحتفلون يحتفظون بحية في سلة ثم 
يخرجونها في لحظة معينة من الطقس تمثيل اتحاد العابدين بالاله اتخلص . وقد تنوب عن 
الأفعى الحقيقية » أفعى مصنوعة من الذهب©. 

هذه الأفعى الذهبية تذكرنا بالحية التى صنعها موسبى لقومه في قفر سيناء: 
« فأرسل الرب على الشعب حيات محرقة فلدغت الشعب ومات قوم كثيرون من 
إسرائيل . فأتى الشعب إلى موسى وقالوا أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك» فصل إلى 
الرب لبرفع عنا الحيات . فصلى مومى لأجل الشعب . فقال الرب لموسى أصنع حية محرقة 
وضعها على راية » فكل من لدغ ونظر إليها يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها 
على الراية . فكان متى لدغت حية إنسان ونظر إلى حية النحاس يحيا » '. ومن الغريب 
فعلا أن يقوم موسى بصنع تمثال نحامبي للحية بعد أن تلقى أمراً من الرب القائل « لا 
تصنع فك تمثالا منحوتاً ولا صورة ماء مما في السماء من فوق وما في الْأَض من تحت وما 
في الماء من تحت الأَرْض »”". والتفسير الوحيد لقيام مؤلفي التوراة بإيراد هذه الرواية » هو 


9 7ط بلإعهامطاا34 اع 016 ,1011320 + -1 

0 2 .برهو او طعزكة لمغصهلزع06 ,لأءطصصة0) طلمهة05ل -2 

,233 8 أمومرهو عط أن /ره أو ز4! عط؟ رعسهاءكك.] مقاط -3 

العهد القديم , سفر العدد . 1١‏ : 45 | -5 31 2 ,1010 -4 
العهد القديم . سفر الخروج » 3١‏ : 8 6 





تبرير عبادة الأفعى التي كانت قائمة لدى المبود» والتي استمرت حتى زمن طويل بعد 
مومبى» بتأثير الديانات السورية المحيطة بهم . فبعد ما ينوف عن الأربيعمائة سنة من بقاة 
موسى , نجد نصوص التوراة مازالت تتحدث عن عبادة الأفعى . فهذا هو الملك حزقيا: 
« قد عمل المستقم في عيني الرب حسب كل ما عمل داود أبوه وهو أزال المرتفعات» 
وكسر الماثيل » وقطع السواري, وسحق حية النحاس التي عملها موسبى. لأ بني اسرائيل 
كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان »”2. ولعل عبادة الأفعى لدى العبرانيين 
ترجع في أصوها إلى تاريخ أبعد من مومى. يدلنا ذلك اسم القبيلة التي كانت تمسك 
بزمام الكهانة في الديانة المبودية وهي قبيلة اللاويين» أو بني لاوي » إذ أن لازي يشترك في 
جذره في اللغة العبرانية مع اسم لواياتان أي الحية . 

وا كان لكل فردوس حيته التي تعبر عن روح الشجر والغاب» كذلك كان 
فردوس يبوه الذي غرسه شرق عدن . فبعد أن أينعت الجنة التوراتية» وصنعت حواء من 
ضلع ادم» تسلل رمز الحية لاكال المشهد .٠إن‏ شجرة المعرفة التي زرعها الرب في وسط 
الجنة .والتي تظهرها الأعمال الفنية منذ القرون الوسطى وقد التفت حولها توسوس في أذن 
لمرأة» لتبدو نسخة تامة الشبه بشجرة الأم الكبرى وحيتها الموضحة في الشكل (5.0)» 
وغيو من الأعمال القديمة التي تعالج الموضوع نفسه. ونحن هنا أمام تبديات للأم 
الكبرى في مركز الفردوس التوراتي . فحواء هي نموذج إنساني مصغر لعشتار سيدة الحياة» 
واسمها نفسه يعني الحية أو سيدة الحياة لأن كل الحيوات المقبلة إلى. مهاية الكون مودعة في 
صلبها . والشجرة هي أيضا عشتار مركز الفردوس النباتي . والحية هي روح الطبيعة التي 
تطلب من المرأة أن تبقى لصيقة بها ولا تنصاع لشرائع الذكر الذي بدأ بالانفصال عن 
الطبيعة . وليس: الأمر الذي أعطاه الرب لآدم بألا يأكل من الشجرة» إلا.تعييرً عن شرقع 
الذكر نفسه, التي سنها وعمل على الالتزام بها لتنظم ارتقائه عن القانون الطبيعي » بلجوثه 
إلى قانون من صنعه. ولكن شرائع الذكر تسقط أمام اصرار المرأة على الوفاء للطبيعة» 
فتصغي لنداء عشتار الذي همس به الحية وتأكل من الثمرة المحرمة متحدية شرائغ الذكرء 
ثم ينسى الذكر شرائعه ويتحد بالأنثى تحت شجرة عشتار» إلى أن يصحو على صوت 
الرب الغاضب2. صوت ضمير الرجل الذي وضع نصب عينيه الخروج من مملكة 





العهد القديم الملوك الثاني ١8 ٠‏ : لع 1 


]غ1 


الطبيعة . يأخذ الرجل بيد أثثاه ويطرد نفسه من جنة عدن» براءة الانسان الأولى » ويدخل 
عالما من صنعه هوء عالم البناء والتشييد؛ عالم التصعيد عالم حضارة لا تحاكي الطبيعة 
بل تقف نذا لا.,. 

وقد استمرت عبادة الحية التي عبدها العبرانيون تحت اسم نحشتان قائمة في 
المذاهب الغنوصية» التي تشكلت نتيجة لقاء عدة روافد من ثقافات الشرق القديم 
والفلسفة اليونانية والمسيحية الجديدة . يخبر القديس هيبوليتوس عن معتقدات إحدى 
هذه الفرق في عام 7١١‏ م فيقول : « كانوا يعبدون فقط الحية« نعاس » أو « نحاش » 
ويؤنون بأن كل معابد الأرض يجب أن تكون مكرسة لهاء وكل الطقوس يجب أن تقوم من 
أجلها وحضورها داخل المعبد »”©2. ومن الملاحظ أن اسم نحاش مازال يطلق في اللغة 
السورية الحكية على الأفعى, مع بعض التعديل في ترتيب الحروفء إذ يسميها النبس 
« حنش » . وفي خيك آخر عن معتقدات بعض هذه الفرق أتهم :» كانوا يحتفظون بحية 
في صندوق إلى يوم الطقوس » ثم يخرجونها ويدعونها تزحف فوق أرغفة من الخبز موضوعة 
أمامها. بعد ذلك يكسرون الخبز وبوزعونه بينهم وهقوم كل ولحد منهم بتقبيل اللحية في 
فميا ذلك أن الحية قد تم تدجينها بتميمة سحرية. ثم يفضعون أمامها ويصلون » 
ويرسلون من خلاها ترتيلة للإله الأب الذي في السموات"' » . 

هذا وقد دخل رمز الأفعى في التفسيرات الماورائية لفرق غنوصيه أخرى. عن 
هذا يخبر القديس هيبوليتوس أيضا : « يتألف الكون بالنسبة لهم من الاب والابن والمادة . 
يتوسط الابن » وهو اللوغوس » بين الاب والمادة » وهو الافعى التي تنوس أبداً بينهما , 
فتأخذ قوى الآب وتطبعها على المادة التي كانت أصلا بلا شكل أو هيئة . ولا يمكن لأحد 
أن ينجز خلاصه وينبض من عالم الأموات إلى عالم الأبدية بدون الابن. الذي هو الافعى» 
لأنه هو الذي زود هذا العالم بالصورة والشكل » من الماهية العلوية الكائنة عند الاب ؛ وهو 
الذي سيفع معه المستيقظين »0". هذه المعتقدات الغنوصية عن الاين الافعى» 
الخلص» لم تتأثر فقط بالديانات العشتارية وديانات الخلاص المتفرقة عنهاء بل إنها لتجد 





.0 2 امعمععة عط]1 1و لإرعاوولة عغط1 ,عمدوطاعواعا وصدظ -1 
,1510 -2 
.0 2 ,نط1 -3 


١495-‏ سه 


ددا خا فق العهد الجدية. نفتنيه ٠‏ نقرأ في في إنجيل يوحنا : « وك رفع مومبى الحية في البرية » 
هكذا ينبغي أن يرفع ابن الانسان» لكي لا يبلك كل من يمن به بل تكون له الحياة 
الأبدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يبلك كل من يوم به 
بل تكون له الحياة الأبدية »”2. لقد فتحت هذه الفقرات من إنجيل يوحنا الباب على 
مصراعيه لدخول رمز الأفعى إلى الفنون التشكيلية المسيحية . قفي الشكل رقم (01) نجد 
الأفعى والصليب وحمامة الروح القدسء في تكوين رمزي واحد . اما في الشكل (01) 
فنجد الأقعى مرفوعة على الصليب رمزاً للمسيح نفسه. 





(الشكل ١ه)‏ الشكل ؟1ه) 
الصليب والافعى والخمامة المسيح الأفعى على الصليب 
نقش من الفترة المسيحية الاولى ألمانيا القرن السادس عشر 


وما هو شأن الميثولوجيا الذكرية » فقد وجهت . هنا أيضاء هجوما ضد هذا الرمر 
العشتاري المرتبط بعبادة الم الكبرى . ونكاد لا نعثر على إله شم صي أو سماوي لم يدخل في 
صراع بميت مع أفعى الأُم الكبرى . ولعل هذا الصراع يعكس صداماً موغلا في القدم تم 
عند مشارف التاريخ المكتوب .بين الديانات الاموفية القديمة والديانات الذكرية الصاعدة » 
وانتهى بتدمير معابد الأم الكبرى وقتل كاهنتها التي ترتدي جلد الأفعى وقناعهاء وتحطم 
تمائيل الحية المعدنية داخل الحرم. فالإله أبوللو. كا تروي الأسطورة الاغريقية ”قد تصدى 








العهد الجديد , انجيل يوحنا . « : ١61١14‏ 1 
.7 8 ,رممنوناعظ عاعمرن 2550 336ل 2 


١53--‏ سد 


بعد ولادته بأربعة أيام فقط للأفعى « بيثون » أفعى الأ جيا وبنت الأَيض . وفي المكان 
الذي قتلها فيه. بني معبده الجديد في دلفي . ولكننا نعرف من مصادر إغريقية أخرى أن 
معبد دلفي قديم العهد جداء ركان مكرسا للأم ‏ الأض « جيا »» قبل أن يصبح 
معبداً لأبوللو . الأمر الذي يلقي ضوءاً على هذه الأسطورة؛ ويضعها في سياقها التاريخي 
الصحيح . فالاله أبوللو لم يبن معبداً جديداً» بل اقعحم وراء كهنته معبد الأ جياء وقتل 
حيتها وجعله معبداً له . 

وفي الميثولوجيا الاغريقية أيضاء يصرع زيوس أفعى الأم الكبرى ممثلة بالأفعوان 
الهائل « طيفون »» أصغر أبناء الأض جيا الذي تصوره الرسوم على هيكة أفعى جندحة 
ذات رأس بشري وذراعين. أما الأساطيرء فتخبر في وصفه أن رأسه يناطح النجوم 
وذراعيه تمتدان من مشق الشمس إلى مغربهاء ومن كتفيه تنبعث مئات من رؤوس 
الأفاعي » ٠‏ التي تمد ألسنة طويلة يبخرج منها اللهب الحارق . فإذا زيجر رددت الجبال صدى 
صوته الرهيب واهتزت مساكن الآلة في أعالي الأوهب » وإذا تحرك ارنجت الأض وأضاء 
لحب أنفاسه الساخنة سطح بحر الظلمات ؛ وغلت مياه الحيطات فتفرقت أمواجها تلطم 
الشواطىء . وقد كاد هذا الأفعوان أن يغدو سيد الخليقة » لولا أن تغلب زيوس على خوفه 
وتقدم لصراعه» فشطره بالصواعق ودفع به إلى العالم الأسفل. ومن هناك بقيت تصدر 
منه العواصف التي تحرك المحيطات وتغرق السفن وتحطم ما يبنيه البشر على السواحل”" . 

وفي بلاد الرافدين تكثر الأعمال التشكيلية التي تظهر صراع الاله مع تنانين 
افعوانيه . ؟ نجد في أسطورة عردو والأفعوان «لابو» » جوا شبوباً يجو أسطورة ننوس 
وطيفون . فكما كان طيفون ابناً للأم الأولى جيا » كذلك الأفعوا ن لابو الذي كان ابناً 
للأم الأزلى تعامة » خرج من أعماق البحر البدثي القديم نهدا عع الالحة بابل ١‏ وكاد 
أن يقضي عليهم جميعاً لول أن تصدى له مردوخ فصرعه بالزوابع والأعاصير وترك أشلاءه 
في السماء باقية حتى الآن مشكلة درب امجرة المضيء . ورفع نفسه بعد ذلك سيدا لآلحة 


بابل 9 





.22-3 28 ,لإه هام طالاكا أدغمعلع0 ,العم مصيدن معدو[ 1 


راجع مؤلفي : مغامرة العقل الأولى . سفر التبين 2 


١58 -‏ سه 


وفي الميشولوجيا العبرانية » يقوم يبوه أيضاً بالصراع ضد الأفعى «لوياتان» ويقضي 
عليها : «في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القامبي العظم لوياتان ال حية الهاربة » لوياتان 
الحية الملتوية » ويقتل التنين الذي في البحر» . ”© وأيضاً «أنت شققت البحر بقوتك » 
كسرت رؤوس التنانين على المياه » أنت رضضت رؤوس لوياتان جعلته طعاماً للشعب»”"© 
كا نجد وصفاً للوياتان يذكرنا بوصف لابو : «من يفتح مصراعي فمه؟ دائرة أسنانه 
مرعبة » عطاسه يبعث نوراً وعيناه كهدب الصبح . من فمه يخرج مصابيح » شرار نار 
تتطاير منه . من منخريه يخرج دخان . عند نهوضه تفزع الاقوياء يحسب الحديد 
كالتبن , والنحاس كالعود النخر . يضيء السبيل وراءه»”” . 


سيدة الحيوان : 


إن سيدة الغاب والبراري الوحشية والطبيعة البكر » هي سيدة عالم الحيوان . 
تظهرها رسوم ومنحوتات العصر النيوليتي في صحبة حيواناتها » أو ممتطية فوقها . أو 
حاملة أشبالها على كتفيها . ففي الشكل رقم (07) وهو منحوتة من شتال حيوك » نجد 
الأم الكببى في شكلها اتمطي . جالسة على الأرض وعلى كتفيها زوج من الفهود» التي 
كانت في ميثولوجيا «شتال حيوك» رمزاً للحياة الطبيعية الوحشية » ورمزاً لقوة الأُم الكبرى 
وبأسها . وإضافة إلى ظهور هذه ال حيوانات الى جانب الإلغة في تمائيلها ورسومها . فإن 
أشكاطا تزين جدران المعابد » لا باعتبارها موضعاً للتقديس والعبادة بذاتها » بل باعتبارها 
رمز لسلطة الأ الكبرى على الحياة البرية . وكانت الإلهة نفسها تبدو في بعض الأعمال 
التشكيلية لشتال حيوك وقد ارتدت جلود الفهد , أو تجلس على عرش تحمله الحيوانات 
امختلفة 0 

وفي عصور الكتابة اللاحقة » تتابع عشتار ظهورها كسيدةللحيوانات في جميع 





العهد القديم : سفر اشعيا. لا" : ١‏ 1 
العهد القديم : سفر المزامير » 5“ 2 
العهد القديم : سفر أيوب » ١5١4 : 4١‏ 3 


139-181 © ,انتلوفط لهغهن) .أمقهلاء14ة وعسهة1 4 


15460 


الثقافات . رغم الاتجاهات الدينية الجديدة التي تجعل الألوهه المذكرة في صراع مع 
الحيوانات لافي وئام معهاء شأن عشتار . ففي مقارعة الحيوانات الكاسرة رمز لانفصال 
الرجل عن عالم الطبيعة وترويضه لكل ماهو فطري وغريزي » سواء في داخله أو على 
المستوى الطبيعي . وفي رعاية عشتار للحيوان رمز لوفاء المرأة لتكوينها الأصيل كجزء من 
الطبيعة متحد معها لامنفصل ولامتسام عليها . لقد صرع الاله الشمس تنانينه ووحوشه 
الخرافية » وبنى فوق أشلائها عالماً من صنعه » تحكمه شرائعه وقوانينه الموضوعة ٠‏ بينا 
بقيت الإة القمرية مع حيواناتها جزءاً من حكمة الطبيعة المتدفقة أزلاً وأبداً . 


في بلاد الرافدين نجد كثياً من الأحتام 
الأسطوانية تعالج موضوع سيدة الحيوان » إذ نجد 
إنانا السومرية أو عشتار البابلية في وضع عارٍ أو 
نصف عار وسطا حشد من مختلف أنواع 
الحيوانات . وفي بعض الاختام السومرية» نجد سيدة 
الحيوان واقفة فوق تيس » وفي نحت من أوغاريت نجد 
عناة عارية الصدر تمسك بيدها حزمتين من أوراق 
ألنبات » وعن يمينها وشماها يشب تيسان على أقدامها 
الخلفية . وفي نحت أوغاريتي اخرنراها عارية فوق 





أسد وبيديها الإثنتين ترفع حزمتين من النبات 
5 : سيدة الحيوان 

( شكل رقم 4ه ). وفي كريت تقف على تال خيرك زم اق 
مرتفع وعن بمينها ويسارها أسدان (الشكل رقم ١١‏ فصل الأُم الكبرى). وفي اليونان 
لاتكاد فيس تظهر في رسم أو نحت دون حيواناتها من ايائل وغزلان وما إليها . والرسم 
الخزني الموضح في الشكل رقم (05) » يظهر سيدة الحيوان واقفة وسط مجموعة متنوعة 
من الحيوانات , باسطة ذراعيها في وضع من يبب الحماية والرعاية » وقد زخرت أرضية 
الشكل برمز الصليب المعكوف . وجو العمل الفني هنا يذكرنا بنص هوميري تبدو فيه 
الالحة افروديت كسيدة للحيوان : «من ورائها مشت ذثاب غبراء تتمسح بها » وأسود 
ذات عيون متوحشة ودببة وفهود ضامرة . وكانت الالهة فرحة بها جميعا فاهاجت الرغبة في 


ت١‎ 86 


صدرها فانفردت أزواجاً أزواجاً تتضاجع في الوديان الظليلة”» . ومثل أفروديت تتجلى 
بيتها ترتع الذئاب وأسود الجبال . حيوانات لاتهاجم الرجال بل تشب أمامهم وتتمسح 
بهم محركة أذيالها ككلب ينتظر خروج سيده من البيت27» 


وقد ارتبط بالأم الكبرى عدد من الرموز الحيوانية ذات الدلالات العميقة » التي 
تشير الى بعض خصائص الالحة وسلطتها على مجالات معينة من مجالات النفس الانسانية 
والكون الأحب . ولعل من أهم هذه الرموز » رمز الأفعى الذي أفردنا له جزءاً خاصاً من 
هذا الفصل » ورمز السمكة » ورمز الحمامة . 





١ 7”‏ 
(الشكل رقم غ20 (الشكل رقم )2 
سيدة الحيزان ‏ أوغاريت سيدة الحيوان ‏ اليونان 


إن السمكة السابحة في أعماق البحار المظلمة » كالقمر السابح في السماء 
المعتمة » هي الرمز الاكثر تعبيرا عن الدوافع والغزائز الطبيعية الخافية للنفس . ومن ناحية 
أخرى » فان في رمز السمكة إشارة إلى المياه التي تشكل ثالث العوالم الكبرى التي تقع 
نحت سيطرة الأم الكبرى» بعد عالم السماء والأرض ٠‏ فالأم الكبرى هي المياه البدئية 
الأولى التي تحرك المطلق في أعماقها من حالة السكون إلى دينامية الخلق . وعلى المستوى 





274 2 ,عط ه84 غدعنن عغط1 ,ممفصيعل] طعترظ در 
.223 ,1210 -2 


1١297 -‏ لآ 


الطبيعي » هي مصدر الياه التي تتفجر ينابيعها وتجري أنهراً تملا البحيرات العذبة 
والبحار والمحيطات المالحة . لذا فقد بقي رمز السمكة مرتبطاً بالأم الكبرى رغم إعطاء 
عالم المياه للالهة الذكور في ميثولوجيا عصور الكتابة . فنرى السمكة مرسومة على رداء 
السيدة » ما هو الحال في تمثال عشتار مدينة ماري السورية المعرؤف باسم ربة الينبوع , 
حيث نراها في وضعية الوقوف ممسكة بجرة تميل فوهتها نحو الأمام وقد اصطفت الأسماك 
على طول ثوبها الذي يلامس الأض . وكا هو الحال في الرسم الاغريقي الموضح سابقاً في 
الشكل رقم (55) . ففي هذا الشكل يتخذ جسد الأم الكبرى كله هيئة جرة. فخارية 
ينثال الماء من وسطها تياراً نحو الأرضء وفي داخلها سمكة ترمز للمياه الباطنية التي تولدها 
الجرة ‏ الأوض جسد الأم الكبرى » وتطلقها إلى الخارج . وف سورية كانت عشتار 
أحياناً تظهر في الأعمال التشكيلية في هيئة امرأة نصفها الأسفل سمكة » وتدعى 
بعشتار ‏ ديركيتو"2. وهذا التجلي العشتاري السمكي » هو الذي أمد الأساطير 
والخرافات الشعبية بعنصر حوريات البحر . وإلى جانب الأعمال التشكيلية » نجد في 
بعض ألقاب الأ الكبرى توكيداً على خصائصها المائية البحرية . فعشتاروت الكنعانيين 
كانت تدعى بسيدة البحار » وكذلك إيزيس . وفيما بعد. رفع البحارة السيدة مريم 
العذراء راعية للمحيطات وحافظة للملاحين تحت اسم «نجمة البحر»” . 

يقوم الطائر كرمز لرحلة عشتار عبر السماوات من مشارق الأيض الى مغاريها . 
وعشتار المجنحة » هي القمر السابح في الأعالي في رحلته اليومية . يمثلها الفن الكنعاني 
في نحت بارز محفوظ في متحف دمشق ء وقد نشرت جناحيها اللذين يملان الصورة » وعن 
ينبا ويسارها إلهان أقصر منها قامة » يتطاولان ويشرئب عنقاهما ليضعا من ثديها 
العاريين » ومثلها في ذلك الالهة ايزيس التي غالباً مايعييها الفن الفرعوني جناحين 
كبيرين » والتي تتحدث عنها النصوص الطقسية والأسطورية ببذه الصفة : 


ايزيس صاحبة السلطان وروح العدل . حمت أنحاها 
بحثت عنه بلا كلل ولا أقعدها عناء . 





2 2 ,5]62165لا14 5 لقدره/آ ,عسمتلمة. 104.15 1 


الاب متري هاجي أثناسيو » الموسوعة المريمية » ص 45٠0‏ 2 


1 مت 


ظللت جسده بريشها ورفت فوقه بجناحيها" . 

وعتدما لا تبدو الأم الكبرى في هيئة الطائر » فإن الطيور تظهر إلى جانبها في 
الأعمال التشكيلية . وقد تدخل هذه الطيور في صلب طقوسها وعباداتها م) كان الأمر 
في ثقافة شتال حيوك النيوليتية . فطائر النسر كان رمزاً للأم الكبرى لشتال حيوك ٠‏ نجده 
في جميع معابدها وقد ملا جناحاه جدار المعبد المقابل لتمثال الالة”2 . وهناك من الأدلة ما 
يشير إلى أن كاهناتها كن يلبسن أردية من ريش النسور » ويضعن أقنعة على هيئة رؤوس 
النسر خلال الطقوس وتقديم القرايين”" هذا وقد بقي النسر رمزاً للأم الكبرى في بعض 
ثقافات عصور الكتابة . كا هو الحال في مصر . حيث أظهرت الأعمال التشكيلية 
أحياناً الأم الكبرى برأس الدسر . م اعتقد المصريون قديماً بأن النسور كلها من جنس 
الإناث وانها تحبل بواسطة الريح”") 

وفي الأعمال التشكيلية الاغريقية تظهر الطيور مرافقة لأققيس كا هو الحال في 
الشكل (44) الموضح آنفأً . إلا أنها تظهر على وجه الخصوص مرافقة للإلهة أفروديت 
المشهورة بحماماتها التي تنتشر حوها أو مهدأ بين يديها . ومع أفروديت يتخذ رمز الطائر 
دلالة اضافية » فهي إغةِ الحب الذي يجعل أفئدة البشر تخفق كخفق أجنحة الحمام 
عندما تضطرم الجتبات بالعواطف . وابنها الاله كيوبيد هو الله الحمامة » الذي يطير 
دوماً جناحين بيضاويين فيرمي بسهامه قلوب البشر ليزرع فيها الحب والعشق . 

وفي الأيُقونات المسيحية منذ العصر البيزنطي » تبدو الحمامة كرمز للألوهة » 
وللروح القدس الذي يهبط على السيدة مريم ليبيها غلاماً . وني هذا النوع من الأيقونات 
التي تدعى بايقونات البشارة » نجد العذراء والملاك الذي يأتمها بالبشارة » ثم حمامة الروح 
القدس البيضاء ترف داخل دائرة في الاعلى » تنحدر منها ثلاث حزم من نور على 
البعول” . وهذه الأُقونات تعتمد حادثة البشارة الواردة في العهد الجديد موضوعاً لها , 





.122 2 ,051115 01 وعنرع)5ز14 عط1 ,اععدلة عع ,مع06 -1 
62 2 ,عانالاناط [2غ02 ,غ133اء51 وعصيول -2 


151 ظ رامو عوعلط عط1 01 كمه تاه ه010 أوء تأممط رأمقداكء54 دعمررول -3 
294 ,220 22 ,عط 7140 وعد غ115 ,لممقصسسعل8 لطعلرظ -4 


الاب متري هاجي اثناسيو . الموسوع المريمية ص ١57‏ 5 


١58‏ د 


عندما هبط الملاك يبشر مريم بمولودها : « فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا 
لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلي 
تظلك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله2. إن حمل مريم بابنها بعد 
هبوط الروح القدس عليها في هيئة حمامة » هو استمرار (على المستوى السراني للحدث 
الاسطوري) لفكرة الأم الكبرى الخصبة ذاتياً » والتي تلد ابنها دون معونة من ذكر » بل 
بواسطة قواها الإخصابية المعكوسة نحو الخارج» والمستردة إليها من ثم . وأم الاله هنا » 
نما تلتقي يرمزها الخارجي الذي يستقطب قواها الاخصابية ذاتها » ولسوف نعمل على 
توضيح هذه النقطة الدقيقة في فصا . «تموز الخضر» من هذا الكتاب . 

وقد اعتمد رسامو الايقونات البيزنطية على نصوص العهد الجديد ذاتها » في إظهار 
الروح القدس » ثالث الأقانم الثلاثة » في هيئة الحمامة . نقرأ في إنجيل متى : « فلما 
اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء » واذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا 
مثل حمامة واتياً عليه » وصوت هن السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به 
سررت»”"» وفي إنجيل يوحنا : «وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً عليه مثل 
حمامة من السماء فاستقر عليه”"». وفي إتجيل لوقا : «وإذا كان يصلي انفتحت السماء 
ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة » وكان صوت من السماء قائلا أنت 
ابني الحبيب الذي به سررت»”. وني انجيل مرقس . «وني تلك الايام جاء يسوع من 
ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردنء وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماوات 
وقد انشقت والرو ح مثل حمامة نازلاً عليه»©. 

والروح القدس » الحمامة » هو أيضا رمز للحب في اللاهوت المسيحي . 
لا للحب بمعناه الأْضي والأفروديتي » وإنما للحب البدثي الإممي الكامن من خلف 
تبديات الكون : «فقبل الخلق والتكوين كان الاله ‏ الثالوث موّلفا من الاله الاب ء 





العهد الجديد » انجيل لوقا لك يكن 1 
العهد الجديد ؛ انجيل متى ”* : ١/15‏ 2 
العهد الجديد . انيل يوحنا ١‏ : 1" . 3 
العهد الجديد.. انيل لوقا « * 581١‏ . 5 
العهد الحديد , انجيل مرقس ١٠١9 : 1١‏ 5 





والاله الابن الذي هو الكلمة أو اللوغوس قبل أن يتجسد فيما بعد على الأيض» والروح 
القدس . ومنذ الازل كان الابن موضع حب الاب ومسرته » وكان الروح القدس هو 
الحب الساري بينهما»”" . 

وفي كتاب التوراة تظهر الحمامة كرمز للبشارة الكبرى بالحياة الجديدة فوق 
كوكب الأْض . فبعد أن هدأ الطوفان الكبير الذي غمر الأرض وقضى على مظاهر الحياة 
فيها إلا ما حمل نوح معه في السفيئة الكبية » أطلق نوح حمامته لاستطلاع الأوض . 
فعادت وفي منقارها غصن زيتون أخضرء دلالة على انخفاض مستوى المياه وظهور روس 
الجبال المخضراء'"". وماتزال حمامة عشتار هذه ء التي بشرت بنجاة الحياة فوق الأْض» 
رمزاً للبشارة بنجاة العالم من الحروب وابتداء عصر سلام بين الشعوب يعيد أدوار العهود 
الأمُومية القديمة . 

وفي الفلكلور والمعتقد الشعبي الاسلامي » مازالت حمامة عشتار » مقدسة في 
شكل الحمامة المعروفة باسم «الستيتية» أي حمامة الست . وهذة الحمامة تعامل بكثير 
من الاحترام والاكرام ويحرم صيدها وأكلها . فهي التي عزا إليها كتاب السية النبوية 
حماية رسول الله وصاحبه أبو بكر » عندما تواريا عن أنظار المشركين الذين طاردوهما في 
هجرتهما إلى المدينة » فاختبا في «غار ثور» وجاءت الستيتية فاستقرت عند ياب الغار 
مطمئنة فوق بيضها » ما أبعد عن أذهان المشركين » لما وصلوا المكان » فكرة وجود أحد 
داخله . كا ساعد على إنقاذ المتوارين في الغار » نسيج القدر الذي تعزو نفس المصادر 
الى العنكب بناءه فوق مدخل غار ثور . 

رأخيراً ألا تزال حمامات عشتار جزءاً من مملكة السماء في التقاليد الدينية التي 
تصور الملائكة في هيئة مخلوقات نورانية » تخفق بأجنحة الحمام . 


سيدة الشفاء : 


خلال تجوالها الطويل في البية بحا عن الجذور والأعشاب الصالحة للأكل » 





30-31 88 ملإأنسهتام نمطت صذ لممغنظ لصة طتزكة8 ,كئعة1آ مدللى و 
العهد القديم . سفر التكوين » الاصحاح الثامن 2 


ان لك 


اكتسبت الرأة معرفة بفصائل الأعشاب ب,أنواعها وطرق الافادة منباء ثم قادهًا 
الخبرات في هذا المجال . إلى اكتشاف الخواص الشافية لبعض الأعشاب . والخواص 
السامة المميتة لبعضها الآخر . فاستحلبتها وصنعت منها الأكاسير » مضيفة بذلك 
نحانا تحديدا آل لاا النسورانة الخلاقة . وممشكية يمير الخو عن أمران الطريفة م 
به تشفي وبه تميت . سر أودعته عشتار الخضراء في نباتاتها ولم تكشف عنه الا لوكيلاتها 
على الأرض . إن سيدة الحياة هي من يستعيد المريض إلى الحياة . وسيدة النبات التي 
أخخرجت الحب والمرعى فجعلته طعاماً للبشر والحيوان ؛ هي من لقعت قيفاشرا اع من 
أسرار الحفاظ على الحياة . 


تظهر عشتار البابلية كسيدة للشفاء في التراتيل والصلوات التي تركتها لنا ثقافة 
بلاد الرافدين . كا نستطيع متابعة هذه الخصيصة لدى معظم تجليات الم الكبرى في 
شتى الثقافات . إلا أن ايزيس المصرية تقدم لنا أوضح معال عن الأ الكبرى الشافية . 
فإيزيس اك هي التي اكتشفت ا الأدوية الشافية الأولى ؛ وكانت حاذقة في فتون الطب » 
تمد يد العون لكل جسد عليل يطلب رحتها . وغالباً ماكانت تظهر في أحلام المرضى 
لتعطرهم الراحة وتدلهم على سبل الشفاء . ويقال أن الأعمى كان يبصر والكسيح يمثي 
بتاثير لمستها الشافية . وقد وصلت قدراتها الشافية حد إقامة الموقل من مضجعهم . ومن 
بعدها برع ابنها حورس في هذا لمجال , فاكتسب منها أسرار الشفاء » وقدم للبشر 
خدمات جلى . 

أما السيدة مريم العذراء فقد حافظت على لقب «سيدة الصحة»'" ه وتدعوها 
الصلوات المرعية بشافية أسقام النفس وأوجاع الجسد . ويؤمن الناس الى اليوم بالقدرة 
الشافية لبعض تمائيل العذراء » كا يروون عن معجزات ظهورها في الحلم لبعض المرضى 
الميؤسين » وشفائها هم عن طريق اللمس . لمسة الشفاء هذه » يعزوها المعتقد الشعبي 
الاسلامي الى السيد «الخضر» فيقولون عن الدواء الشافي الفعال بأنه يشبه لمسة.الخضر . 
واسم الخضرء بفتح الخاء وكسر الضاد. يعني الأخضر » وهي صفة قديمة للإله تموز 





12-14 22 ,ونم زو0 رععلناظ ولللة 8 -1 
.140 2 ,نوع هأمطاركقة عااتسصلوط ,العطمصمن) طوعوه3 -2 


ا 


البابلي ابن الأم الكبرى عشتار . الذي كان من بعدها تجسيداً لروح النبات . وليس 
الخضر في الواقع , إلا استمراراً في الخيال الشعبي لذلك الاله الزراعي » الذي يجدد حياته 
في كل عام بالموت والبعث » وهو مثله السيد الحي في كل زمان ومكان . 

كا قامت الحية رمزاً لعشتار الخضراء روح الانبات والخصوبة » فقد قامت أيضاً 
رمزاً لعشتار الشافية . ففي سومر يظهر رمز الافعوانان المتقابلان الملتفان على عصا 
(الشكل 55) كرمز لاله الشفاء ننجزيدا (وهو أحد أشكال الاله تموز) » وذلك منذ 
أواسط الألف الثالث قبل الميلاد . وقد انتشر هذا الرمز نحو الهند شرقاً منذ زمن مبكر 
جداً » وقبل اجتياح القبائل الهندو أوروبية » ومازال قائماً إلى اليوم في التقاليد الفلكلورية 
لوسط جنوب الحند وبشكله السومري القديم . اذ يعتقد الحنود بقدرة هذا الرمز على إعطاء 
افير اللناة العافراة > ست عل عبر يقد مزه حينة شه عاء اده 
لاكسابه قوة الحياة » ثم يخرج فينصب تحت احدى الأشجار. كا انتشر الرمز غرباً نحو 
اليونان وصار رمزاً لاله الطب «اسكليبيوس”'» . وعند الرومان ارتبط بسنابل القمح 
كرمز للخصب”"» (الشكل 07). وقد دعي هذا الرمز لدى اليونان والرومان 
بالكاديكيوس . ونستطيع ملاحظة وجود واستمرار هذا الرمز حياً في الشرق القديم» من 





الشكل 1ه الشكل (/اه) ٠‏ 
الكاديكيوس السومري الكاديكيرس اليناني الروماي 





2830-1 رانك 190135 هذ 5أه0طصزتزك لصف ,طاكزا/ط1 تعسصزج طعصمق1] -1 
4041 22 ,ومنوااء 1 عاعء:0) ,وموععوط عمول -2 


عه 1677نت 


حكاية حية النحاس التي رفعها مومبى في القفر لشفاء العبرانيين » فتلك ا حية لم تكن 
سوى افعواناً ملتفاً على عصا . 

عن اسكليبيوس إله الطب » تقول الأسطورة الاغريقية أنه كان ابناً لأبُوللو . علمه 
السنتور (وهو مخلوق نصفه حصان ونصفه انسان) الطب فنشأ بارعا فيه لدرجة أنه كان 
قادراً على احياء الموى . 15 كان مديئاً ببراعته للأفعى التي علمته أسرار النبات 
وخصائصه . ولكن كبير الآلهة زيوس قضى على إله الصحة والشفاء بصواعقه المميتة » 
لأنه كان يبدد سلطان العالم الأسفل بانقاصه عدد الموقى . إلا أن اسكليبيوس قد تابع 
مهمته في شفاء الناس بعد موته » فكان يظهر في أحلامهم ويدهم على سيل الشفاء. 
تمثله الأعمال التشكيلية على هيئة رجل حكم في أوأسط العمر » يتوكا على عصا تلتف 
عليها أفعى . وقد تظهر الأفعى رحدها باعتبارها إله الشفاء نفسه . ترك اسكليبيوس وراعه 
ابنته «هيجيا» التى صارت من بعده إلهة للصحة”" . 

إلى جانب الأفعى التي علمت إله الطب أسرار النباتات والأعشاب الشافية » نجد 
في الميثولوجيا الاغريقية 5 أفعى أخرى أعطته بعد موتها دمها الذي يشفي والذي يميت . 
وهي المرأة الأفعى ميدوزا ٠‏ التي قتلها البطل نصف الاله بوسيوس في جملة أعماله 
البطولية الخارقة . وقد أعطى دمها لأسكليبيوس الذي جمع دماء أوردتها اهنى في إناء 
ودماء أوردتها اليسرى في إناء اجر . فكان يدم الجهة المنى يشفي وبدم الجهة اليسرى 
يعطي السم القائل©. ومن الملفت للنظر حقاً أن نجد العناصر الرئيسية لهذه الأسطورة 
تتكرر في حكايات ألف ليلة وليلة . فالأسطورة عندما تتدهور وتفقد سيطرتها وتأثيرهاء 
تتشظى الى خرافات مبعارق في الفلكلور والحكايات الشعبية » إلا أن رموزفا مع ذلك » 
تبقى حية متوهجة رغم الرماد امترآم فوقها . ففي حكاية حاسب الدين نجد الميدوزاء 
الأفعى العشتارية » في شخصية ملكة الحيات التي ُقتل ويؤخذ من جسدها مستحضرا 
يشفي مخضا يميت وثالياً يبب الحكمة : 

يجد حاسب الدين نفسه في بكر مهجورة مظلمة بعد أن خانه زملاؤه وتركوه يموت 
هناك . ويكنه يفلح في ثقب جدار البثر بمثاً عن عخرج ؛ فينفتح أمامه بمر طويل يسلكه 





.122-123 22 ,لاعهةامطار84 علعء:0 ,لسوئأن0 ..1 1١‏ 
.5 2 ,لإك 345010 لدخمع 00010 ,لاء ا منسة© طموعون1 2٠‏ 


- 1١68 


ليصل الى باب ذي مقبض ذهبي . يفتح حاسب الدين الباب فيجد نفسه أمام حديقة 
عظيمة يضيوها نور باهر » وتتوسطها بحيرة ماء في مركزها تل من الزبرجد الأحضرء عليه 
سرير منصوب من الذهب حوله اثنا عشر كرسياً . يتنجول حاسب الدين ممتعاً أنظاره 
بمشهد الحديقة » ثم يصعد إلى السرير حيث يغفو زمناً ليفيق على صوت فحيح 
وصفير » ويرى على الكراسي حيات عظيمة طول كل منها مائة ذراع» والماء من حوله قد 
امتلاً بحيات صغية لايعلم عددها إلا الله . ثم تقبل على المكان حية عظيمة على ظهرها 
طبق من ذهب في وسطه حية تضيء مثل البلور ووجهها كوجه إنسان تتكلم بلسان 
فصيح» فيعلم أنها ملكة الحيات . تطمئنه وتعطيه الأمان » ولكهاتخيه بأن في خروجه إلى 
سطح الأرِض خطراً على حياتها » لأنه مكتوب منذ القدم أن نهايتها ستكون على يد رجل 
يعرف مكانها ويدل عليها » ولذا فان عليه أن يبقى ضيفاً عليها وينسى الى الأبد حياته 
السابقة . يمر عامان كاملان وحاسب الدين في أسر وضيافة ملكة الحيات © لاينقصه 
شيء سوى الحرية في العودة إلى بيته وبلده . وكان لايكف عن الشكوى اليهاوالتوسل من 
أجل إطلاق سراحه واعداً اياها بحفظ سرها كا حفظت حياته . تلين الملكة أخيراً وتقرر 
الافراج عن حاسب الدين تحت شرط واحد » هو ألا يدخل أحد حمامات المدينة طيلة 
حياته » فيتعهد بحفظ الوصية ء ويجد نفسه عند فوهة البكر الذي تركه فيه رفاقه . بعد 
مدة من الزمن يضطر حامبب الدين تحت ظروف قاهرة الى دخول الحمام العام : وما أن 
يسكب الماء على جسمه , حتى تظهر على بطنه بقعة زرقاء كبوة » تلفت نظر 
جواسيس الونهر » الذين بهم في كل حمامات المدينة منذ زمن طويل » بمثاً عن رجل 
تظهر على بطنه مثل هذه البقعة ا ا ا 
مكان ملكة الحيات التي لاشفاء للملك من دائه العضال إلا بأكل لحمها . يأ 

العسكر بعد قليل فيقّتادون حاسب الدين الى 'ديوان الوزير » هناك وتحت ل 
والازهاب. يفشي حاسب الدين بمكان ملكة الحيات ويمضي مع الوزير إلى البئر التي نزل 
فيها » حيث يتم استخراج الملكة عن طريق امام السحرية . في الطريق الى المدينة يعتذر 
حاسب الدين للأفعى عن خيانته للعهد » ويشرح لما الظروف التي أكرهته على ذلك 
ولكن الأفعى تطمعنه بأنها لاتكن له أي حقد أو ضغينة » وانها تسلم أمرها للقدر 
المكتوب الذي لم يكن حاسب الدين إلا أداة له ومطية . ثم تكشف له عن سر خطير 


١686‏ سهد 


وهو أن جزءا من جسدها نشفي ويحبي وخا منت دافا عجن اللكتنة + بطل مه 
أن يشرف بنفسه على عملية ذبحها وتوزيع للخمها » فيعطي الملك الجزء الذي يشفي والوزير 
الجزء الذي يميت انتقاماً منه على اقتيادها الى حتفها , ويأخذ لنفسه الجزء الذي يبب 
الحكمة . يفعل حاسب الدين حسب مشيئة الحية . فيشفى الملك ويموت الوزير . أما هو 
فقد انفتحت له أيواب السماء ورأى السماوات السبع وما فيهن إلى سدرة المنتبى » وصار 
أكثر أهل عصره حكمة ومعرفة" . 


إن الأفعى في هذه الحكايا مازالت محافظة على ثلاث خصائص للأم الكبرى كإهة 
للحياة والشفاءء وإلهة للموت » وإطة للحكمة . وقد درسنا إهة الحياة في هذا الفصل ١‏ 
وسنأتي على دراسة إهة الموت وإلة الحكمة في فصول قادمة . 


أخيراً » إن أفعى عشتار الشافية » مازالت قائمة بيننا اليوم . ورمز الكاديكيوس 
السومري » شارة الطب والشفاءء مازال الى الآن رمزاً للطب في جميع أنحاء العالم » نجده 
مطبوعاً على الوصفات الطبية وعبوات الأدوية » دون أن نتساءل عن معنى ذلك الشكل 
المؤلف من أفعوانين ملتفين بشكل متقابل على عمود . 5 أننا لانتساءل عن معنى رمز 
طبي آخر , نراه مرسوماً على أبواب الصيدليات ولافتاتها » وهو الكأس التي تلتف حوفها 
أفعى واضعة رأسها عند الفوهة . إن الكأس هنا هو 
الاناء الفخاري » جسد الأم الكبرى ؛ والحية حيتها 
وقوتها الاحيائية وقدراتها الشافية . وهذا الرمز الطبي 
الثاني » قديم قدم الرمز الأول » وعالجته الأعمال 
التشكيلية في الشرق القديم وكريت واليونان . 
(شكل رقم 58 ) 





الشكل مه 


الأفعى واناء عشتار ‏ كريت 





ألف ليلة وليلة » من 479 الى 050 . 1 


١65‏ سد 


ظ عرنرار العدراء 


يوم أحيل إلى فناء كل ماقد خلقت ء 
ستعود الأْض محيطاً بلا نهاية كا في البدء . 
وحديء أنا ؛ أبقى 


فأستحيل الى أفعى ؟ا كنت 
خفية عن الأفهام .© 

هذا ماتحدثت به عن نفسها , الأ المصرية الكبرى » مختصرة هبدأ الأشياء وحالها 
ونبايتها . فقبل البدء كان العماء » الظلمة الأزلية » الأوقيانوس الماني بلا سطح أو قرار » 
اتمائل الساكن قبل أن تخرج منه الأشكال » الواحد قبل أن يتولد منه الكثير » التركيب 
المطلق قبل نشوء المتناقضات ., النقطة التي تملا كل فزاغ » الرحم المظلم الخصيب بكل 





7 2 ,ععطاهك1 1126 قسن[ 10ر8 -1 


ل لا6١ا‏ ده 


الممكنات ء الأم:الأزلية عشتار العذراء , الأفعى الكونية التي تستدير على نفسها فتعض 
على ذيلها واصلة مبتدأها بمنتهاها . 
هذه الحالة الأولى التي تتداخخل فيها الظلمة والمياه والسكون, هي الميولى البدئية 
والمدار الأعظم الذي رمزت اليه ميثولوجيا الشعوب بشكل الحية التي تعض على ذيلها 
(الشكل 05) دلالة الامكتيال الأزلي للمطلق قبل أن ينحل إلى مظاهر الكون امختلفة . 
فعشتار كانت ولاشيء معها ‏ قيومة بذاتها . مكتملة بنفسها , غنية عن العالمين . وكانت 
عذراء لأنها ابتدأت الكون . فيما بعد » من خصبها الذاتي دون معونة من مبدأ ذكري 
مشارك لها في أزها » فتولدت عنها الموجودات كا يتولد النور من مصدر الاحتراق » وإليها 
تعود الموجودات في نباية الأزمان لتفنى فيها » وتبقى وحدها 
لتاتف على نفسها . كا كانت » دائرة مكتملة » بعد أن 
يبدأ صخب الوجود وتسكن حركة السالب والموهجب 
وتتصالح المتناقضات . 
خخرجت الدارة الأولى عن سكونها واكتالها الأزلي لكي 
تظهر الكون إلى الوجود . فتحركت على محورها ونتج عن 
حركتها السالب والموجب . اللذان نجم عن تناوبهما 
وتناقضهما كل الموجودات تباعاًء بدءاً من أُول نقيضين هما السماء والأرض» السماء 
الموجبة والأرض السالبة . ففي الأسطورة السومرية كانت الأمْ الأولى «مو» حيطا بلا بداية 
أو نهاية أو قرار» ثم ان هذه الإلهة أنجبت في أعماقها المظلمة كتلة هي جيل السماء 
والأرض . من لقاح السماء للأرض ولد الهواء الذي تمدد فباعد بين أبويه » وهكذا ظهرت 
معالم الكون الأول20. هذه الحركة الأمُومية التلقائية التي خرج بها المطلق ألؤنث عن 
سكونه وانحل الى الكون المادي , تكررها أسطورة التكوين البابلية إبان نضح الثقافة 
الذكرية » بشكل مختلف يتفق مع معطيات الثقافة الجديدة . فخروج الام الاولى من حالة 
العماء والفيولى لايتم إلا كرهاً .» حيث يشن عليها أولادها الذكور ‏ الذين ولدتهم في 
أعماق رحمها الماثي . حرباً شعواء بقيادة كبيرهم مردوخ الذي يقتلها ويشطر جسدها 


(الشكل نط4 


الاوروبورس - الأفعى الكونية 





لاع 34375010 510112611311 رتعتقة ك1 5.1 1 


م65١‏ سد 


الى قسمين » واحد يرفعه فيجعله سماء وثان يبسطه فيصير أرضاً ويحاراً. ولكن الحبكة 
الذكرية للأسطورة لاتخفي أصلها الأمُومي القديم الذي أعطتنا الأسطورة السومرية صورة 
قريية منه » حيث يتم الخروج من حالة الأورويوروس المغلق الى حالة الكون المتحرك طوعاً 
ورغبة من الأ الأولى في انجاب العالم . 

تشير اسطورة التكوين البابلية الى الأم الأول تعامة باسم الم «هابور» خالقة 
الأشياء جميعاً . ونفهم من سياق النص إنها كانت على هيثة تنين أو أفعى » وفي نفس 
الوقت يقدمها مطلع الأسطورة على أنها المياه البدئية : 

عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء . 

وفي الأسفل لم يكن هناك أرض 

لم يكن سوى ابسو أبوهم 

ويمو وتعامة التي حملت بهم جميعاً 

يمزجون أمواههم معا 7 

يقدم لنا هذا المقطع المكثنف صورة كاملة عن حالة الأقيانوس المايي البدثي 
المتكفىء على نفسه في صمت وسكون أزلي . فالأم الأولى تعامة قد أنجبت في داخخلها 
«ابسو» وتزوجته » وعنهما نتج «ممو» :إلا أن هذين الاثنين لم يكونا إلا من ذات 


طبيعتهاء ووجودهما كان مكملاً لحالتهالميولية. ول تبدأ الحركة ويخرج الأوروبوروس عن 
سكونه إلا مع الحيل الثاني والنالث من الآلهة الذين بدأوا يهزون بحوف تعامة ويملاون بطنها 


وتجمع الصحب المولهون 
أزعجوا بحركتهم جوف تعامة 
يروحون جيئة وذهاباً في مسكاهم المقدس 


0 الك ة ات > الدارة وا ثرو - 
هنا تحدث المواجهة بين السكون الازلي 2 الحركة التي تريد كسر الدارة والخروج 
.062515 ققتد 22510 12 ,اأعل111 وعل ممع 1ق -1 


د هه 


الى حالة جديدة . 

فتح أبسو فمه قائلاً لتحامة بصوت مرتفع: 

لقد غدا سلوكهم مؤلاً لي 

في النبار لاأستطيع راحة وني الليل لايحلو لي رقاد 

لأدمرنهم وأضع حداً لفعاهم 

فيخم الصمت ونخلد بعدها للنوم 

ولكن ابسو يخسر المعركة فيقتله الإله «إنكي» ويأسر ابنه مو . وتجد تعامة نفسها 
أمام المعركة الفاصلة التي يتوجب عليها دخولها كارهة ضد أبنائها الالة بقيادة الإله 
الشمسي مردوخ : 

مثل نوره كنور عشة الحة معأ . جبار عتي 
ولكنها تخسر المعركة ويجهز عليها مردوخ بعد معركة مهولة: 

نشر الرب شبكته واحتواها في داخلها 

وفي وجهها أفلت الرياح الشيطانية التي تهب وراءه 

وعتدما فتحت فمها لايتلاعه 

دفع في فمها الرياح الشيطانية فلم تقدر له اطباقاً 

وامتلاً جوفها بالرياح الصاخبة 

ثم أطلق الرب من سهامه واحداً مزق أعماقها 

تغلغل في الحشا وشطر منها القلب 

فلما تباوت أمامه أجهز على حياتها 

طرح جنتها أرضاً واعتلى عليها . 


وقف على جزئها الخلفي 





وبهراوته العتية فصل رأسها 


وقطع شرايين دمائها 

التي بعثرتها ري الشمال الى الأماكن المجهولة 

بعد ذلك يشطر جسدها فيصنع منهما السماء والأرض ويتابع » من ثم » بقية 
أعمال الخلق . 


إن هذه الملحمة المليئة بالزخرف والتبويل لاتعدو أن تكون بناء مصطنعاً فوق 
الأساس البسيط الذي رأيناه في اسطورة الأم السومرية «ثمو» . فاذا نحينا جانباً المداخلة 
الذكرية التي أقحمت الذكر الاسعى مردوخ على سياق الاسطورة الاصلية موكلة اليه مهمة 
الخلق واخراج الكون من العماء بالعنف والقتل » لوجدنا أنفسنا أمام نفس العناصر :الم 
العذراء المككتملة » حركة في داخلها تنتج السالب والموجب » انحلانها الى السماء والارض 
وبقية الموجودات . إن فكرة القتل الواردة في هذه الملحمة ليست الا تحويراً بلغة العقلية 
الذكرية » لفكرة تجاوز المطلق حالته اهيولية وتحرك الأقطاب في داخله » وانتقاله الى حالة 
دينامية جديدة تنطلق منها المادة غير المتشكلة التي ماتلبث أن تتشكل وتتكون . إن 
الكون بعد الخلق ليس الا العماء البدثي وقد رج من حالة الى حالة دون أن يفقد جوهره 
الأصلي , الذي يبقى قائماً كنقطة ثابتة يدور حوها الوجود » كا تدور العجلة على انحور 
الساكن . 

في شرحه لنظرية التكوين الفينيقية المنسوبة لكاهن كنعاني غامض عاش في القرن 
الرابع عشر ق . م اسمه «سانخو نياتن» حاول الفيلسوف السوري «فيلو» في القرن الأول 
الميلادي تقديم ملخص عن أفكار الفينيقيين في التكوين فقال : «في البدء لم يكن هناك 
سوى رح وعماء وظلمة . ثم أن هذه الريح وقعت في حب مبادثها. الخاصة وتمانجت . 
ذلك اتمازج كان «الرغبة» . هكذا كان مبدأ خلق الأشياء جميعاً ؛ ولم يكن للريح معرفة 
بما فعلت . نتج عن تمازج الريمح «موت» الذي كان عبارة عن كتلة من الطين أو مجموعة 
من العناصر المائية المتخمرة » وكان بذرة الخلق» ”". في هذه النظرية المصاغة بطريقة 
فلسفية » نعثر على نفس العناصر التي وجدناها في الأسطورة السومرية والبابلية . فهناك 
العماء البدثي المظلم الذي ولدت في أعماقه «الرغبة» . بالرغبة تحركت الأقطاب الساكنة 


1- ملإق 84152010 سقك تمعمطط ,أرممداء..آ‎ ١” 


الا اا 


فتانجت الريح وواقغت نفسها بعد أن انفصلت إلى سالب وموجب , فأنجبت الكتلة 
الأولى البيضة الكونية الشبيهة بجبل السماء والأْض التي أتجبتها الأم السومرية الأولى «نمو» . 
عن هذه البيضة الكونية صدرت كل الأشياء . 

فاذا عدنا الى الميوثولوجيا المصرية » وجدنا التقاليد الذكرية تطلق على العماء البدني 
اسم «نون» وهو الأوقيانوس الذي كان قبل السماء والأرض . في أعماق هذا الأوقيانوس 
كانت تحوم روح بلا شكل أو هوية . ثم تركزت في داخلها تدريجياً.. كل أشكال 
الوجود . وصار اسمها «اتوم» الذي يعني العدم وأيضاً «الاكتال» وهو الاله الذي تجل 
ذات يوم تحت اسم اتوم رع واستل من نفسه الالهة والبشر وكل شيء حي . وفي نص 
آخر نجد أن إله الشمس «رع» كان كامناً في حضن الياه الأولى «نون» تحت اسم 
«اتوم» ولخوفه على بريقه من الانطفاء انطوى داخل برعم اللوتس الذي ظل هائماً على 
غير هدى في الأعماق المائية » إلى أن جاء يوم سكم فيه من حالته الشبيبة بالعدم , فانبئق 
بإرادته وتجلى تحت اسم «رع» . ثم أنجب الهواء «شو» وتوأمه الالحة «تفنوت» اللذين 
أنجيا يدورهما الأأض «جيب» والسماء «نوت»”" . إن برعم اللوقس في هذه الأسطورة هو 
جبل السماء والأض ؛ البييضة الكونية التي تنضوي في داخلها على ممكنات الوجود » 
والكتلة الأولى المولودة من الأوروبوروس الكوني التي انقسمت إلى السماء والأرض وبقية 
مظاهر الكون . ونحن مازلنا حتى الآن ضمن العناصر الاسطورية الأولى التي وضعها 
النص السومري ومن بعده البابلي . ولسوف نتابع هذه العناصر في ميثولوجيا شعوب 
00 : 

تقتفي أسطورة التكوين التوراتية » اثر أسطورة التكوين البابلية » فتعزو شق المياه 

الأولى 7 السماء والأض من مادتها . الى الاله يبوه الذي قام من قبله مردوخ بالمهمة 
ذاتها . نقرأ : «في البدء تحلق الرب السماوات «الْأْض . وكانت الأض خربة وخالية وعلى 
وجه ير ظلمة» وروح الرب يرف على وجه المياه . وقال الرب ليكن نور فكان نور . 
ورأى الرب أنه حسن » وفصل الرب بين النور والظلمة . ودعا الرب النور خباراً والظلمة 
دعاها ليلاً. وكان مساء وكان صباح يوما واحداً . وقال الرب ليكن جلد في وسط الياه » 
وليكن فاصلاً بين مياه ومياه . فعمل الرب الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه 


0 


1 5 ,رع هامط 84 ممتاموع8 ,لنتدتلا. ل -1 








0-7 لكت 





التي فوق الجلد , وكان كذلك . ودعا الرب الجلد سماء وكان مساء وكان صباح يوماً ثانياً 
وقال الرب لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك » 
ودعا الرب اليابسة أرضاً ومجتمع المياه دعاه بحارا». اذا تغاضينا عن التناقض الواضح في 
هذا النص » والذي يرجع في أصله الى ادماج روايتين بعضهما ببعض ٠‏ وجدنا حالة 
السكون الأول والعماء البدثي ممثلة بالمياه والظلمة وروح الرب الذي يرف فوق. سطح الماء 
في تموج أبدي دونما هدف أو غاية . ومطلع الاسطورة يتشابه في جوه العام وايحاءاته مع 
مطلع التكوين البابلٍ عندما كان ابسو وتعامة وثمو يمزجون أمواههم معاً في سكون مطلق 
وتناغم أزلي . 5 أن. روح الرب الذي يرف فوق سطح الماء يشبه تلك الروح التي 
كانت تحوم دون شكل أو قصد داخل الأرقيانوس البدثي في الأسطورة المصرية » م يشبه 
برعم اللوقس الذي يرحل في أعماق المياه في حالة أشبه بالعدم. وم جاء وقت سكم فيه 
الاله رع من كمينه فأظهر نفسه بارادته الخاصة ء كذلك يفعل يبوه الذي أظهر 
الضدين الأولين وهما النور في مقابل الظلام » وأتبعهما بالمذكر والمونث فشق المياه الأولى 
مكوناً من شقيها السماء والأْض » ]ا شق مردوخ جسد تعامة . 

وفي بلاد اليونان » تقول اسطورة التكوين الاغريقية » وفقاً لهزيود : «إنه في البدء 
كان العماء ؛ ظلمة وامتداد بلا نهاية » ومن العماء ظهرت الأض «جيا» ثم الحب 
«ايروس» .أنجيت جيا » دونما زوج ؛ بكرها السماء «أورانوس» » الذي غطاها من كل 
جهاتها ثم خلقت الجبال والمحيط بأمواجه المتناغمة . وكانت الأرض خالية من كل حياة » 
فتزوجت جيا ابنها أورانوس وأنجبت منه الجيل الأول من الآلحة ثم الجيل الثاني » وهم الآلهة 
«التيتان6”". ويبدو أن الاحة جيا كانت المعبود الأول للاغريق القدماء قبل فترة نضج 
الحضارة الاغريقية وظهور المة الاومب . فهي الأ الكبرى التي عبب الخصب للأرض 
والانسان والحيوان ء وهي خخالقة الكون والالهة والبشر . وكان الهة الاونمب يقسمون 
باسمها”؟ . 

تقدم لنا نظرية التكوين الأورفية تقليداً اغريقياً آخر . ففي البدء كان الزمن الذي 
أنجب البيضة الكونية الفضية . “من هذه البيضة خرج الإله فانيس ‏ ديونيسيوس » أي 





1- 1. ,لإع10وطالترالة عاعءدن ,20هعتنان‎ 22 1٠. 
2- 1010, 2 12, 


بت 0517 به 








ديونيسيوس المضيء . وكان إلا مؤئثاً ومذكراً في أن معأ » له رأس ثور وجناحان . في 
داخله انضوى على بذور الوجود جميعاً . خلق السماوات والْأْض والشمس والنجوم وأنجب 
الآلهة . كانت «نيكس» ‏ الليل ابنته الأولى » وبعدها أنجيت «جيا» و « أورانوس» ثم 
«كرونوس»”". أطلق الأورفيون على فانيس أسماء متعددة منها «ايروس» ومنها «زاغروس» 
ومنها «زيوس» . وزيوس الأورفي لاعلاقة له بزيوس كبير آلحة الأويهب كا تصوره ميثولوجيا 
هزيود وهوميروس .. نقرأ في ترتيلة أورفية مرفوعة لفانيس ديونيسيوس تحت اسم زيوس : 

زبوس هو الأول والآخر » المشع بنور البرق 

زيوس هو الرأس » هو الوسط . هو اكتالات الأشياء 

زيوس هو عماد الأرض والسماء ذات النجوم 

زيوس كان ذكرا » وكان عذراء إلهية 

زيوس روح الكون » وشعلة لاتنطفىء 

زيوس بداءة البحر وهو الشمس وهو القمر 

زيوس هو الملك » القاهر فوق الجميع 

في داخله أوجد الأشياء كلها وأطلقها نحو النور المبارك 

من صمم قلبه المقدس أظهر فعالاً باهرة ”© 

من الواضح أن كل ما يعزوه الفكر الأسطوري الأورف إلى فانيس ديونيسيوس كان 
في أصله للأم الكبرى . خصوصاً وأن الأورفية قد تفرعت عن ديانة الخصب الديونيسية» 
شأنها في ذلك شأن ديانات الخلاص السرية التي نشأت في صمم ديانة الأُم الكبرى ثم 
استقلت عنها . فالبيضة الكونية الفضية هي كتلة السماء والأرض . والاله الذي تقول 
الأسطورة إنه انبغق من البيضة بطبيعة مّنثة ومذكرة , هو الأ الأولى؛ الأفعى الكونية وقد 
أنجبت السالب والموجب », المذكر والموؤنث» فالليل والنهار »فالسماء والأرض . ان فائيس 
المذكر والمؤنث » هو رمز لتحرك المتناقضات في أعماق الأ الأولى العذراء المكتملة . 
والمضاجعة النرجسية بين شقيه هي , إذابة لحالة التكامل الأولى وتجاوزها الى وضع دينامي 





73 2 ,اأتعتمة عاعه02 عط مضه 1437562325 عنطم 02 عط]1' ,للا ععغله/1آ -1 
.215 2 أهعم2ء5 عط 01 184356623 ع1 ,وممععداعآ كمول8 -2 


تج 


جديد . هذه المضاجعة التي تذيب الوحدة الأصيلة لتذكرنا بالمضاجعة التي تمت بين آدم 
وحواء . فادم في الأسطورة الذكرية هو الخلوق الأول في جنة التكامل والسكينة الأبدية . 
ورغم أنه كان ذكراً إلا أنه كان يحتوي في داخله على بذور الأنوثة الكامنة التي تحققت 
عندما استلت منه حواء » فحصل انقسام الخلوق الأول وولدت المتناقضات وحدثت 
المضاجعة التي أفقدت الذكر والأنئى وحدتهما الأولى وتكاملهما » وقذفت بهما الى عالم 
الخير والشر » عالم المتعارضات . هذا ورغم أن الأسطورة الأورفية الآنفة الذكر » لاتشير 
الى ولادة البيضة الفضية من الأفعى الكونية» فان الأعمال التشكيلية الأورفية تظهر البيضة 
التي انطلق منها فائيس فيما بعد » وقد التفت عليها الأفعى في حركة لولبية . وهذه الحركة 
اللولبية تعادل في مدلول الرمز » حركة الأفعى المنغلقة التي تعض على ذيلها . 

في المعتقد المسيحي نجد فكرة الأوروبورس البدثي والدارة المغلقة في الحالة التتي كان 
عليها المطلق قبل خلق العالم . فكما رأينا في الفصل السابق : «كان المطلق قبل الأزمان 
ثلاثة . الاله الأب والاله الابن والروح القدس . وكان الابن موضوع حب الأب » أما 
الروح القدس فكان الحب الساري بينهما » وهو الذي كان وراء خلق العالم وهو الذي 
بميز علاقة الله بالكون”©. فالحب هناء هو الذي يغلق المدار الأعظم البدثي » منتقلاً من 
الأب الى الابن ومن الابن الى الأب في حركة أبدية تكرس السكون التام للمطلق المكتفي 
بذاته » اكتفاء الأقانم الثلاثة تعامة و أبسو ويمو في الأسطورة البابلية . ولكن الحب الذي 
يغلق هذه الدارة هو الذي يكسمها فتنفتح لتشمل الكون الذي يتم خلقه بواسطة الاله 
الإبن . وهنا يلعب الحب نفس الدور الذي لعبه في تكوين سانخونياتن عندما «وقعت 
الريح في حب مبادثها الخاصة وتمانجت » هذا اتفازج كان الرغبة» » ونفس الدور الذي 
لعبه في التكوين الإغريقي عندما خرج ايروس من العماء الأول عقب جيا » وكذلك في 
التكوين الأورني عندما كان ايروس أول من خرج من بيضة الأوروبورس . ' 

بدافع الحب خرج الإله الابن من الدارة المطمئنة والعلاقة النرجسية الازلية . 
فرسم على سطح المياه التي كان روح الثالوث يرف فوقها قبل التكوين. دائرة الكون , 
البيضة اكثولى . وهذا هو معنى الترتيلة التي مازلنا نسمعها يوم الجمعة الحزينة : «اليوم 
عُلّقَ على خشبة » الذي علق الكون على امياه» . وإلى هذا العمل الأول من أعمال 


1- تتقللة‎ ١7١ ,لاأنقة ناك نعطت صذ لقنخن8ه لسة 1495 ,كاج‎ 2230-٠ 


١16‏ د 


الخلق , تشير بعض اللوحات الفنية التي تصور الاله الاين وقد أمسك بيده فرجاراً يرسم 
به كرة فوق سطح المياه الأولى » تحتوي بداخلها مادة الكون في شكلها الهيولي . ولكن 
ماطبيعة هذه المياه الأولى التي أنجبت كرة الكون بمعونة الإله الإبِن » هذه المادة الهيولية 
الني كان الثالوث المقدس يرف فوقها في انسجام مطلق ؛ المشاركة له في أزليته .؟ 

إن كل هذه الرموز الاسطورية الخاصة بالسيدة مريم العذراء على غناها 
وتعقدها » لتشير بشكل سراني إلى أنها المادة الأولى العذراء » التي شقها الخالق لاستخراج 
مظاهر الكون من رمها البدثي . فهي «النبع اتختوم» و «الرحم المقدس» وهي مياه الغمر 
الاولى ٠‏ وهي البيضة البدئية التي كورها اللوغوس فوق المحيط ء وهي زهرة العالم التي 
يفيض الوجود من مركزها . تصورها بعض الأعمال التشكيلية وقد خرجت من زهرة كونية 
تتفتح كا يتفتتح الرحم عند الولادة (الشكل رقم 27١‏ » وليس تجليها في الزمن تحت اسم 
مريم أبنة حنة ويواكم » إلا مقدمة لدخول المطلق في التاريخ » من أجل تحقيق لاص 
البشر . وفي القدّاسات الخاصة بالسيدة مريم ء» وخصوصاً يرم صعودها الى السماء تنلل 
الصلوات والتراتيل المأوذة من العهد القديم ‏ مع إسباغ معان جديدة عليها تنطبق على 
السيدة عريم باعتبارها الأم التي كانت قبل العالم والتي ستستمر بعد فنائه”"2 ونشير في هذا 
انجال عصرصاً الى ذلك المقطع من سفر الأمثال الذي يتحدث عن ححكمة الرب : 
«اثرب قناني أول طريقه ء من قبل أعماله هنذ القدم . منذ' الأزل مسحث » منذ البدم. 
مناء أوائل الأيض » إذ لم يكن غمر ابدئتء إذ لم تككن ينابيع كثية المياه.. من قبل أن 
تقررت بال » قبل التلال أبدثت اذ لم يكن قد صنع الأيض ولا الواري ولا أول أعفار 
المسكوفة . لما ثبت السماوات كنت هناك أناء لها وم دائرة على وجه الخمر» .27. 

بظهر رمز الدائرة العذراء والأوروبررس في بعض الأحمال الدشكيلية المسيحية . قفي 
الشكل (11) تمد البيضة الكونية تحيط بها الأفعى وعنها ينبت الصليب . ربما أراد الفدان 
في هذه اللوحة أن يقول إن العالم قبل هبوط الإله الابن كلن مسرحاً للموت بللشيطان 
الذي تمثظه الأهمى , وأن موت المسيم على الصطيب قد خمنص البشر عن ربقة الموث ومن 
سطوة الشيطان . ولكن الرمز لايستأذن عالم الشعور الفردي قبل أن ينبئق » لأنه يسير 

3 عع امغط©6 , وانصو نمطت هذ لقنن نقمة طاازا/ة ,رنكنه77؟ مقللف 1١‏ 
العهد القديم . سقر الأثثال هم : ؟اسسء؟ 7 





الا ل 


عبر السيكولوجية الانسانية من جيل الى جيل متتبعاً مسالك اللاشعور الجمعي . 


0 


8 
: 
الا 
1 
2 
5 
4 
مد 
7 


ع ب 
أن 





الشكل (60) الشكز ده 
السيدة العذراء زهرة الكون ‏ حفر على الخشب الأوروبورس وشجرة (١‏ ليد حقر على المذد : 
المانيا القرن ١+‏ ريا عدا 


لعل أجمل تعبير عن المدار الأعظم الذي تجاوز نفسه فأنتج الكون بعد أن تمركت 
في صميمه المتناقضات , قد أنتجحه الحكمة التاوية في الصين » تلك الحكمة الني تخللت 
الثقافة الصينية منذ القرن الخامس قبل ايلاد » وصيطرت على المياة الروحية في الشرق 
الأقصى بكامله وماتزال . نقرأ للحكم لاؤنسو واضع أسسى التاوبة في كنابه تلو في 
تشينغ الذي يعتبر إنجيل المذهب التاوي , النص التاللي : 

شيء ما لاشكل له 

موجود قبل السماوات والأرض 

صامت وخار 

قائم وحده لاينتابه تغيير 

يدور على نفسه ولاييل 


 ا١6الاس‎ 


انه بحق أم هذا الكون 

لاأعرف اسمه , أدعوه ال <تاو» 

لاأستطيع وصفه . فأقول العظيم 

عظمته امتداد في المكان 

الامتداد في المكان » يعني امتداداً بلا عباية 


الامتداد بلا نباية يعني العودة إلى نقطة البدء”© 


هذا المطلق القديم الساكن الصامت » الذي يمتد في المكان امتداداً لا نبائياً فيعود 
إلى مبتدئه » كأنه في حركة ولكنه ثابت مستقر » قد عبر عنه التصوف الاسلامي بلسان 
ابن عربي عندما قال : «وهذا يرجع فخذ البركار في فتح الدائرة عند الوصول إلى غاية 
وجودها إلى نقطة البداية . فارتبط آخر الأمر بأوله وانعطف أبده على أزله » فليس إلا 
وجود مستمر » وشهود ثابت مستقر”# ولكن هذه الدارة الفارغة التي رمز إليها الفكر 
التاوي بدائرة كاملة » قد أنتجت في داخلها القوتين الكونيتين العظيمتين قوة « يانج » 
الموجبة وقوة ال «ين» السالبة . وراحت أعماقها تضطرب بحركة هاتين القوتين » وتناوبهما 
الذي نشأت عنه كل الموجودات . وتحولت دائرة التاو الفارغة إلى دائرة اليانج ‏ ين 


المؤلفة من مساحتين متداخلتين 
في حالة دورانية ( الشكل 1١‏ ) وكأنهما 
سمكتين ملتفتين على بعضهما . واحدة بيضاء ترمز 
لليائج الموجب المذكر , والأخرى سوداء ترمز للين 
السالب المؤؤنث . وفي كل مساحة توجد دائرة 
صغيرة بلون المساحة المقابلة تأخذ شكل العين من 
السمكة للدلالة على تداخل القوتين » ووجود بذرة 
كل منهما في الأخرى . ففي كل مظهر من مظاهر 





(الشكل 57) 


دائرة اليا نج كن 


الكون المادي والحيوي , هناك مقدار من اليائ ومقدار من الين يتفاعلان دون أن يلغي 


أحدهها الأحرثا ' 





.82 2 رقصاطء ع1 120 رنج1 مآ 
.48) ط عم 120 زه دروكا ع1 رعسماسطا متل -1 


حي الدين بن عربي » الفتوحات المكية » اا 1 


رم 


58-61 228 ,000 01 ول ضواط ومنل ع1 روا هآلا ولاه -3 


كك 


تعود بنا دائرة اليائج ين الى شكل الصليب الذي يأخذ الآن معنى جديداًء وهو 
تقاطع القوتين العظميين في الوجود عند نقطة انحور الأعظم » والى شكل السواستيكا 
(الصليب المعكوف) الذي يمثل هاتين القوتين في حركنهما الدورانية . ان ذراعي صليب 
عشتار المعكوف في وضع الحركة ضمن الدائرة لمما دلالة مشابهة لدلالة اليانج ‏ ين في 
مدار التاو . فهما النقيضان المولودان عن الدائرة العذراء . وهما ماحدث عنه التصوف 
الاسلامي بلسان الشيخ عبد الكريم الجيلي إذ قال : «واعلم أن الوجود والعدم متقابلان 
وفلك الالوهية محيط بهما . لأن الالوهية تجمع الضدين من القديم والحديث . والحق 
والخلق والوجود والعدم. فيظهر فيبا الواجب مستحيلاً بعد ظهوره واجبا ٠‏ ويظهر 
المستحيل واجباً بعد ظهوره فيبا مستحيلاً »'')ولذا فقد كان الصليب المعكوف رمز لرحلة 
البوذا الروحية في الفكرٍ الشرقي , لأن السعي الروحي نجو المطلق هو خروج من 
المتناقضات ودخول في الابدية الكاملة » خخروج من دورة السالب والموجب ورحيل نحو 
المداز المغلق الساكن » أو نحو مركزه الثابت الذي يدور حوله الوجود المتحرك . وحركة 
السواستيكا التي أظهرت المكان والزمان والعوالم المادية هي التي تحمل العارف بحركتها 
العكسية الى ماوراء المكان والزمان والمادة . 








(الشكل 3 (الشكل 2034 

سواستيكا وماندالا صليب وماندالا 

من الفن البوذي من الفن المسيحي 
الشيخ عبد الكريم الجيلي » الانسان الكامل » ج١‏ ص 58 . -1 


- 1١58 


يظهر الشكل (57) وهو عمل تشكيل من الفن البوذي , «ماندالا» وفي مركزها 
سواسيتكا . أما الشكل (14) » وهو عمل تشكيلي من الفن المسيحي فيظهر «ماندالا» 
وفي وسطها دائرة فارغة وصليب . ويكاد العملان يتشاببان في كل عنصر من عناصر 
التكوين الفي فيهما . إن مايريد هذان العملان أن يفضيا به » قد أفضى به إنسان الثقافة 
النيوليتية في سورية منذ الألف الخامس قبل الميلاد» عندما ابتكر لأول مرة الشكل الزخرفي 
الذي عرف فيما بعد باسم الماندالا » وهو دائرة تنقسم إلى أجزاء متناظرة تنشد كلها نحو 
المركز » أو تشع عنه في نكوين جمالي متّاسك . وقد استعملت الماندالا على الدوام » 
ولدى جميع الثقافات فيما بعد , في الرسوم الدينية . ومازال حكماء الشرق الأقصى الى 
أليؤم يستغرقون في تأملائهم أمامها . ففي الشكل (10) الذي يظهر ماندالا من تل 
حلف» نهد صليباً زخرفياً يتوسط الدائرة » يتلوه صليب أكبر منه يقسم الدائرة إلى أربعة 
أقسام متناظرة ومتساوية » بينا يتألف محيط الدائرة الخارجي من خط يرسم تموجات 
صغيرة كأنها أمواج البحر . أما في الشكل (17) وهو ماندالا من سمارة على غهر الدجلة 
فنجد الصليب الساكن والصليب الدائر «السواستيكا» وقد تطابقا في تكوين واحد 
ضمن دائرة الأوروبورس الكلي . 





الشكل (55) الشككل (35) 
ماتدالا وصليب ساكن ‏ اريدو ‏ بلاد النبرين ماندالا وصواصتيكا سامرا 


لم يترك لنا إنسان العصر النيوليتي نصوصاً تأملية تشرح لنا رموز الماندالا الأولى 
ودلالتهاء ولكنها في رأينا أول محاولة تأملية للانسان في المطلق الساكن القديم : الذي أنهب 





القوتين العظميين اللتين تناوبتا لاظهار الكون المادي وإن سواستيكا سامراء ودائرة 
اليانج ‏ ين الصينية » ليستا إلا تبديين لرمز واحد . يدعم وجهة نظرنا هذه . ان 
الصليب والسواستيكا مازالا مرتبطين الى اليوم بأفكار الخلق والتكوين عند بعض 
الثقافات » التي كانت الى عهد قريب تعيش في المرحلة الشبيبة بالنيوليتية”"2 ففي الشكل 
80 نجد تكريناً يرمز به الهنود الحمر في أوكلاهرما إلى خلق العالم . في مركز الشكل 
سواستيكا صغير ضمن دائرة وحوله سواستيكا أكبر تأخذ أذرعه شكل رؤوس الطير . وفي 
الشكل:(18) الذي يعثبر من الرموز المقدسة لدى هنرد أوكلاهوما أيضاً » تمد في وسط 
التكوين صليباً ضمن دائرة صغيةٍ يحدد خطّاه المتقاطعان مركز المدار » وحول الدائرة 
الصغيية تلتف أربع أفاع في حركة دورانية سواستيكية . 













اليد هخ 
1-1 


الوه 
ا 
كي 


ا سح بوم 
0 





59 





2# 
زوشله 


د 


0000 


وشكريم 
الأفسى السمراستيكا عمد الحنود الحمر 





هذا وقد ارثبطته فككرة المطلق لدى متصيفة المسلمين برمز المدار المغلق الأعظم . 
نقرأ للشيخ عبد الكريم اليل عن القرن السابع الحجرعي : «واعلم أن أبده عين أزله وأزله 
عين أبده. وهما وضعان لله أظهرتهما الاضافة الزمانية لتعقل وجوب وجرده , وإلا فلا أزل 
ولا أبد . كان الله ولاشيء معه . فلا وقت له سوى الأزل الذي هو الأبْد » الذي هو 
حكم وجوده باعتبار مرور الزمن عليه » وانقطاع حكم الزمن دون التطاول الى مسايرة 





,232-34 2282 ,روهوبواهطاتز!»! عانازصساء2 ,اأعطاممةك© طمعوهل ١‏ 


١#‏ لس 


بقائه . فبقاه الذي ينقطع الزمان دون مسايرته هو الأبد » فافهم ..0"» . إن أزل المطلق 
الذي يمتد بلا نهاية » وفق هذا النص » ليتحول إلى أبد» راجعا الى نقطة مبتدثة . ودارته 
هذه هي دارة التاو التي حدثنا عنها لاونسو عندما قال : «الامتداد بلا نهاية يعني العودة 
الى نقطة البدء» . فهي دارة تنقل الأبد إلى الأزل والأزل إلى الأبد » وهي في الوقت نفسه 
مجرد نقطة لأن هذه الحركة اللاخبائية بين الأزل والأبد تجعلهما متطابقين » ويصير مركز 
الدائرة منها المحيط والمحيط منها المركز . لهذا يعبر العقل العرني عن مفهوم الصفر بنقطة 


ويعبر عنه العقل الغربي بدائرة فارغة . 1 01 
وعن النقطة المطلقة التي صدر , فيما بعد . عنها الوجود » نقرا للجيلي أيضا : 


«واعلم. أن النون عبارة عن انتقاش صور الخلوقات بأحواها وأوصافها ا هي عليه جملة 
واحدة .وذلك الانتقاش عبارة عن كلمة الله تعالى لها : كن فهي تكون حسب 
ماجرى به القلم في اللوح الذي هو مظهر لكلمة الحضرة . لأن كل مايصدر من لفظة 
كن فهو تحت حيطة اللوح المحفوظ . فلهذا قلنا إن النون مظهر كلام الله تعالى . واعلم 
أن النقطة التي فوق النون هي إشارة إلى ذات الله تعاللى الظاهرة بصورة الخلوقات . فأول 
مايظهر من المخلوقات ذاته » ثم يظهر المخلوق ء لأ نون ذاته أعلى وأظهر من نون 
الخلوق ... فاذا علمت أن النقطة إشارة إلى ذات الله تعالى » فاعلم أن دائرة النون إشارة 
الى امخلوقات» وأيضاً : فاستدارة رأس الهاء إشارة إلى دوران رحى الوجود الحقي والخاقي 
على الانسان . فهو في عالم المثل كالدائرة التي أشار اليها الحاء . فقل ماشكت . إن شعت 
قلت الدائرة حق وجوفها خلق» وإن شعت قلت الدائرة خلق وجوفها حق فهو حق وهو 
خلق”" ونحي الدين بن عربي عن دائرة الحق والخلق نقرأ : « دائرة الوجود أوها حب 
وافتراق » واخرها حب وتلاق . محورها الحق وتحيطها مالايحصى من مالي الوجود . الكل 
يخرج. من المركز والكل يعود اليه» 2©9. فالحب ؛ أول ماخرج من دائرة العماء المغلقة » 
وبه تم خخلق العالم وافتراقه عن المدار الاعظم . وبالحب تعود الموجودات لتلتحم بمصدرها 
وتذوب فيه : « كل من عَليِها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والاكرام » قران كريم؟ . 





الشيخ عبد الكريم الجيلي , الانسان الكامل جاص ٠١7‏ 1 
تقس الرجيع السيابق ان 1 عن 71 2 
محي الدين ابن عربي ‏ الفتوحات المكية » ج١‏ ص 5١١‏ 3 
قران كريم ( سورة الرحمن' 3951 ) . 4 


 ١090--‏ ده 


لقد لخص الرقص الديني لدى بعض فرق المتصوفة المسلمين » هذا 'السعي 
الروحي للوصول الى المطلق بادراك سر الدائرة وسر الحركة الدورانية للسواتيكا . ففي 
طقوس فرقة «المولوية» التي أسسها جلال الدين الرومي في القرن السابع الهجري » 
ومازالت حية الى اليوم في تركيا وسورية» يقوم الراقص على ايقاع الدفوف , بالدوران على 
قدم واحدة باسطا ذراعيه اللذين يرسمان حوله دائرة يضع نفسه على محورها . وبتسارع 
الحركة يرحل من محيط الدائرة الى مركزها » من الظاهر نحو الباطن » من محيط الخلق الى 
مركز الحق . إن ما يقوم به الصوني بالدوران حول مركز الحق الذي يتلمسه في داخله, انما 
يقوم به كل مسلم يؤدي فريضة الحج عندما يذور حول الكعبة » مركز الحق الذي 
يتلمسه أهل الظاهر في الخارج . 


ليس طقس المولوية بالجديد في تاريخ الطقوس الدينية فالرقص الدائري كان شائعاً 
في ديانات الأسرار الشرقية » وازدهر لدى بعض الفرق الغتوصية . وقد قام السيد المسيح 
برقصة دائرية مع أصحابه قبل أن يقاد الى الصليب وفقاً لكتاب «أعمال يوحنا» وهو 
جزء من أعمال الرسل رفضته الكنيسة واعتبرته من الأعمال المنحولة . يعود المؤلف قي 
تاريخه الى مطلع. القرن الثالث الميلادي. وهي الفترة التي اتخذت فيها الأناجيل شكلها 
الأخير . فيه يتحدث يوحنا الانجيلي عن سية المسيح بطريقة أقرب الى الفكر الغنوصي 
منها الى انمط الانجيلي المعروف . في الاصحاح 54 وما يليه نقرأ أن السيد المسيح قبل أن 
يسلم نفسه » قد جمع حواريه الأثني عشر لرفع صلاة للإله لآب وتأدية رقصة دورانية 
كان هو قائدها. من كلماته في تلك الصلاة : «دأب الألوهة الدوران .. سأنفخ في 
المزمار لترقصوا كلكم دورانا .. من تقاعس عن الرقص فاته سر هذا الاجتاع» وبعد 
الانتباء يمضي السيد الى امحاكمة والصلب ويتفرق الحواريون . أما يوحنا فيأوي الى كهف 
في جبل الزيتون يبكي . وفي الساعة السادسة للصلب يخيم الظلام على الأرْض كلها ولكن 
المسيح يتجلى ليوحنا فيضيء الكهف . ويتوجه اليه بالكلام قائلاً : بالنسية للحشود 
اجتمعة هناك » أنا مصلوب وأوخز بالرماح وأتجرع الخل والمرار .... ولكن الصليب الذي 
ستراه وأنت هابط ليس هو الصليب .. ولست أنا من تراه معلقاً على الخشبة”" . 
,178181 88 بعممو لصنافظ كنادعل بمعلباط قالخ ل , 


233/7 2 


النبع امختوم : 


بعد دوران رحى الوجود , تحول المدار الأعظم الى مركز يسند دارة الخلق التي 
ليست في جوهرها سوى المدار الأعظم في حالة تجاوز . ففي نقطة المركز حافظ المطلق 
على طبيعته الأزلية » وفي أطراف الدائرة أظهر طبيعته الزمانية المكانية المقتة التي ستنقلب 
إلى أصلها في نباية الأزمان . ولذلك تتجدى الأم الكبرى باعتبارها الطبيعة الكلية بعد أن 
تجلت باعتبارها العماء البدثي . وا أتنجت من دارتها العذراء المكتملة الكون » كذلك 
ينتج اكتالها غلى المستوى الطبيعي كل مايحفظ الكون ويديم استمراره » فتعطي دون أن 
تنقص وتهب دون أن تنفذء كنبع مختوم أو كإناء فخاري معُلق . تخرج مياهه دون أن 
يكشف غطاؤه . فهي خصب الأرْض وكل فايخرج منها » وهي مياه الأمطار العلوية ومياه 
الأعماق الباطنية التي تتفجر أنهاراً وعيوناً » وهي نبعة الحياة والطاقة الكامنة خلف كل 
متحرك . وكل مايصدر عنها هو فيض ذالي متولد عنها دون علة خارجة عنبا فاعلة فييا . 
وهذا هو مدلول عذرية الأ الكبرى على المستوى الطبيعي . 


وعندما أحذت الثقافة الذكرية توطد أركانها وبدأ الرجل بالصعود ليشارك المرأة 
سلطانها في حياة الجماعة . ولدت العذراء ابناً دوتما نكاح» بقواها الذاتية وخخصبها الذي 
يحتوي في صميمه بذور الانوثة والذكورة معا . وكا كانت عشتار عذراء قبل الولادة كذلك 
هي عند الولادة . لأن عذريتها رمز اكتاها وغناها عمن سواها . ورمز لأسبقية المبدأ 
الأنشوي على المبدأ الذكري . وأختام عشتار لم تفض لزرع بذرة الاله الإين» وم تفض 
لخروجه » ولن تفض بعد ذلك بالممارسة الجنسية . لأ أختامها رمز اكتالما وغناها 
واغتنائهاء ورمز لسيطرتها على جسدها الذي لاينقص منه الجماع , «لايترك فيه ذكر 
علامة . لذا فقد حملت إلحات الطبيعة لقب العذراء . فهذه إنانا السومرية في أكثر من 
نص تخاطب بالعذراء » أو تتحدث عن نفسها كعذراء. ففي حوارية بينها وبين أوتو إله 
الشمس حول زواج الإلمة المرتقب نقرأ : (أي اختاه عليك بالراعي الكثير الأنعام » إنانا 
أيتها العذراء لماذا تعرضين بمن الراعي..؟.. أنا العذراء سأتزوج المزارع » الفلاح الذي 


جد 87 يتيه 


يزرع النباتات ويعطي الغلال الوفيرة”"» . وفي نصوص بعل وعناة الأتغاريتية نقرأ عن لقاء 
الالحين الحبيبين : «في توق شديد أمسك بفرجها . في توق شديد أمسكت بقضيبه » 
عليان بعل قام بفعل الحب الاف المرات مع العذراء عناة"». إن الاف المرات من 
المضاجعة بين بعل وعناة لاتذهب ببكارة الالهة المتجددة » لأن بكارتها رمز للداقع الجنسبي 
الكوني الذي يدفع الكائنات الحية بعضها إلى بعض ويساهم في استمرارها وبقائها . ومن 
أسماء الأ الكريتية الكبرى «بريتوماريتس» أي العذراء العذبة”" وهي التي تبدو في معظم 
رسومها وعلى حضتها أو ذراعها ابنها الصغير الذي لم يبلغ مبلغ الرجولة والاستقلال عن 
الأمُ طيلة فترة الحضارة المينوية . وني معابد الخصب الكنعانية كان ميلاد الاله الابن يعلن 
بصرخة ابتهاج عالية عند منتصف الليل : «هاهي العذراء تلد ابنا والنور ينتشر» » وذلك 
عند منتصف ليلة الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر)”'' وهي الليلة التي ولد 
فيها يسوع الناصري فيما بعد» تحقيقاً لبشارة الملاك ليوسف النجار : «لاتخف أن تأخذ 
امرأنك مريم لأن الذي حبل به فيبا هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوعء 
لأنه يخلص شعبه من خطاياهم . وهذا كله لكي يتم ماقيل من الرب بالنبي القائل : 
«هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً وبدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيه الله معنا , 


وعندما ولدت عشتار ابنبا » شقها الذكري الكامن فيها منذ الأزل» تزوجته 
لتخصب نفسها به فتستعيد إلى نفسها قوتها الاخخصابية الذاتية التي أطلقتها نحو 
الخارج . ولذلك كان الاله الإبن» ابناً للأم الكبرى وزوجاً أو حبيباً في نفس الوقت . 
هذا هو شأن تموز ابن عشتار البابلية» وأدونئيس ابن عستارت الكنعانية » واوزوريس في 
شكل حورس ابن ايزيس المصرية » واتيس ابن سبيل وزيوس ابن رحيّاالكريتية . وبعيداً عن 
الشرق القديم والعالم المميليني نجد الأم العذراء وابنها قد وصلا إلى شواطىء العالم الجديد مع 





راجع مؤلفي مغامرة العقل الأولى » فصل قابيل وهابيل . 1 
راجع مؤلفي مغامرة العقل الأولى فصل الاله اميت . 2 
2 ملزمه[مطا84 علعع رن ,لمهجني 1.6 -3 

.416 2 رطقناه80 مع0010 عط ,رعمعةع2 5عميو 1‏ -4 

العهد الجديد . انجيل متى , الاصحاح ٠١ : ١‏ ه5١‏ 5 


ه7١‏ لد 


وصول الزراعة اليها . ففي. ثقافة الأرتيك"© تجد الأ العذراء » إهة الطبيعة والخصب وقد 
حملت بابنها دون نكاح » ثم أسلمته للموت من أجل استمرار دورة الزراعة » فكان يموت 
مع بذار الذرة وينتعش مع ظهور عيدانها الجديدة . وفي الطقوس الخاصة بهذا الاله » كان 
عباده يصنعون تماثيل صغيرةٍ له من عجين ممزوج بدماء الضحايا فيأكلونها على أنها جسد 
الاله ودمه . وفي اسطورة صينية”" كانت الإالحة الأم تجلس وحيدة على عرش الكون وهي 
التي وطدت النظام ويسرت أسباب الحضارة بعد الطوفان الكبير الذي اجتاح الأَرض» 
مبتدئة بذلك تاريخ الثقافة الصينية . ثم أن هذه الأ العذراء أنمبت ابنأ وتزوجته » ولكن 
أبناءها استطاعوا فيما بعد اقصاءها ومشاركتها في سلطاتها . 

إن تفسيرنا لمفهوم الميلاد العذري » وعلاقة الابن ‏ الحبيب » بين عشتار وابنها 
ليجد دعماً له في المكتشفات الأثرية الجديدة التي قدمت لنا أعمالاً فنية من العصر 
النيوليتي تظهر الاله الابن تارة بين ذراعي أمه كطفل » وتارة أخرى في وضع جنسي شبقي 
معها راجع الشكل (85) والشكل (487) فصل تمؤز الخضر . 

عند هذا الحد نستطيع مراجعة المعاني اختلفة والمستويات المتعددة لعذرية عشتار. 
فهي عذراء على المستوى البدثي لأنها الأوروبورس المغلق الذي انحل إلى عالم المادة المتنوع » 
وهي عذراء على المستوى الطبيعي يفيض خصبها على العالم دون مؤثر خارجي . وهي 
العذراء التي أنجبت لأول مرة دون إخصاب من ذكر » وهي العذراء السيدة التي تبقى 
بكارتها رمزا لسلطانها على نفسها وجسدها ولايقوم إلى جانبها زوج يساويها أو يعلو عليباء 
أو ينقص من اكتالها . وعند جميع هذه المستويات » لاعلاقة للعذرية العشتاربة بمفهوم 
التبل الجنسبي » هذا المفهوم الذي أدخلته على الأسطورة العقلية الذكرية . 





199 2 ,35101561 أهوع02 عط ,ممقصسيهك! طعلرة 1 
2 بإعللو/ا عط 1ه غعتوة عط ,عموعع016© عتكانا5 -2 


١971-‏ اسه 


عرراراليفي) 
5 المللدررسة 


يربط الفكر الأسطوري دوماً » حركة الحياة والمادة بحركة الآلحة التي تشكل أرضية 
ماورائية لكل مايجري على مسرح الككون. وسواء كان العالم المتبدي تجلياً للوجود الإلمي 
الأزلي في عالم الشهادة المؤقت والزائل» أم كان موضوعاً منفعلاً بالقرة الالمية الخالقة » 
منفصلاً عنها مفارقاً لها » فان كل مايجري فيه هر انعكاس ل يجري على المستوى الإلمي » 
وتعبير عن طاقة الآلمة وفاعليتها . فحركة القمر والشمس وبقية الكواكب ليست إلا ظلا 
لنشاطات إطية خافية » وكذلك تتابع الفصول ودورة الزراعة وجريان الأنبار وتقلبات 
العوامل الطبيعية وهزات الأرْض وتفجر البراكين . ولايشذ عن هذه القاعدة حياة الانسان 
وكل مايتعلق به من غرائز وعواطف ودوافع تجد أصلها ومنشأها أيضاً في فعالية إهية 
كونية » وعلى رأسها الدافع الجنسي . 

قدّس الانسان الدافع الجنسي واعتبه قبساً [هياً يربطه بالمستوى النوراني الأسمى . 
ففي الفعل الجنسبي » يتجاوز الانسان شرطه الزماني والمكاني ليدخل في حال هو أقرب 
مايكون إلى الآن الأبدي» فينطلق من ذاته المعزولة ليتحد بقوة كونية تسري في الوجود 


١979 


لحي . يفتح مخزون الطاقة الحبيسة لترجع إلى مصدرها الذي منه شعت وفي أجساد 
الأحياء أودعت . لم يكن الفعل الجدسي منعة افزدية سايلا تيا معلا ٠‏ بل طقساً 
يربط الانسان المتناهي بالملكوت اللامتناهي » عبادة يكرر فيها الفرد على المستوى 
الأصغر » ماقامت به القدرة الخالقة على المستوى الأكبر . ففي البدء تحرك السالب 
والموجب في رحم الأوروبورس الأعظم وتناكحا فأنجبا , وفي البدء ولد من رحم المياه الأولى 
جبل السماء والأرْض وسرث بين قطبيه الرغبة فاتحدا وتباعدا ونشاً عنهما الكون . وفي البدء 
وقعت الريح في حب مبادئها فكانت كتلة المادة الأولى . وفي البدء كان روح الله المذكر 
يرف فوق المياه المؤنثة . وفي الأزمان الأولى خلقت عشتار من نفسها زوجها واتحدت به » 
وبقي نشاطها الجنسبي الداتم يولد الطاقة التي لاغنى عنها لاستمرار شتى أشكال الحياة 
وتكاثرها . 

نظهر الأعمال الفنية التشكيلية منذ العصور الحجرية قدسية الدافع الجنسي 
والقيمة الدينية للممارسة الجنسية . فمن العصر النطوفي الذي يعتبر مقدمة للعصر 
الحجري الحديث في سورية الجنوبية » وصلتنا تمائيل صغيرة تعود للألف التاسع قبل 
الميلاد تمثل أزواجاً متعانقة في أوضاع جنسية . وهذه اتمائيل تعبر عن قيم جنسية دينية 
مرتبطة بمعتقدات ذلك العصر”'". (راجع الشكل 19) 





(الشكل 14) تماثيل جنسية من العصر النطوفي ٠‏ 


115 2 5ع1128الا «عتموعءظ ذعنآ ,لألاناةن) 5عنا130 1 
راجع أيضاً ترجمة الأستاذ قاسم طوير لهذا الكتاب 1884 . 


الل 0 


كا تظهر المعابد المكرسة للأم السورية الكبرى . نظرة الانسان القديم للجنس 
باعتباره فعلاً دينياً مقدساً . فبعض هذه المعابد قد صمم بطريقة توحي بالعضو الجنسي 
للمرأة (الشكل 00٠١‏ : يا هو الحال في معابد تل العبيد وخحفاجة وأوقير . 





(الشكل 07٠١‏ 
معابد الجنس في بلاد الرافدين 


وهذه المعابد الثلاثة » كغيرها من معابد بلاد الرافدين الأخرى التي بنيت عند 
أعتاب عصر الكتابة » كانت مكرسة للإلهة إنانا أو للإلهة ننخرساج» وهما من الأشكال 
الأولى للأم الكبرى للعصور التاريخية . وقد انتقل هذا التصمم الجنسي إلى الهند مع انتقال 
الزراعة إليها في وقت متأخر جداً عن اكتشافها في سورية . حيث نجد الحرم الداخلي 
هيكل الأَم الكبرى على هيئة عضو التأنيث”" وإلى اليوم لانزال نستمع إلى تراتيل 
ننخرساج تتلى في معابد الأم الهندية الكبرى : «أنت الوجود الأول » أنت أم العالم 
ومبدؤه . أنت أم الخلوقات كلها , أنت خالقة الالحة . الخالق براهما والحافظ فيشنو 
والمدمر شيفا كلهم من صنعك . أنت مسة العالمين» . والى اليوم ماتزال طائفة هندية 
مجهولة الأصل تعبد الأم الكبرى تحت اسم «تورغوش» ولكنها تكرر في صلواتها كلمة 
غامضة دون أن تعرف معناها هي كلمة «ننكورشاج»'" المحورة عن اسم الأم الكبرى 
لحضارة الرافدين «ننخرساخ» . هذا ويلخص التصميم التشكيلي المعروف باسم 





.37-39 2282 ,نزم 10س طاتا1/4 اأدغصء021 ,لاء طم ص0 طوعوهل -1 
.37-9 22 ,1010 -2 


ع 0174 


«اللينغوم ‏ يوني» القيمة الدينية للفعل الجنسبي في العبادات الهندوسية اليوم . وهو عبارة 
عن عضو الأنوثة منظوراً اليه من الداخل وقد اخترقه عضو الذكورة (الشكل )7١‏ . إن 
هذا اأرمز ليلقي ضوواً جديداً على الصليب العشتاري الذي يحمل إشارة إلى الفعل 





م ير الانسان القديم في الدافع الجنسي نتاجاً لحركة التعضي الحي ٠‏ بل رأى فيه 
نشاطاً صادراً عن قوة جنسية شاملة متمثلة في عشتار» تودعها في الأجساد ثم تستتبيها 
فتطلقها . ولم ير في الفعل الجنسي استجابة لغرض <نيوي وتحقيقاً لمتعة فردية » بل 
استجابة لنداء مبداً كوني شامل . لذلك ارتبط الجنس بالطقس والعبادة . وكان الاحتفال 
الديني في بعض جوانبه » مناسبة يظهر فيها البشر انسجامهم مع ذلك المبدأ وتحقيقهم 
لأهدافه وأغراضه ٠‏ وذلك بالممارسات الجنسية التي تشكل جزءاً من الطقوس المقدسة» 
حيث يتلقون الطاقة من مصدرها ويعيدون شحن ذلك المصدر بطاقة معاكسة في حركة 
تناوبية . فالفعل الجنسبي على المستوى الانساني هو مدد من القوة الجدسية الكونية ودعم 
لا في ان واحد . تماما 5م هو الامر في الطقوس الدينية الأخخرى التي تهدف الى عون 
القونى الإغمية ومساعدتها على إتمام دورها . فكهنة المصريين القدماء كانوا يصلون طوال 
الليل لمعونة الشمس على الخروج من رحلتها في باطن الأرض والشروق من جديد . وكان 
البابليون يعتقدون بالقوة السحرية لاحتفالات رأس السنة الجديدة التي تعين الاله مردوخ 


لدااءم#١1ا‏ ده 





على مقاومة قوى العماء . وتجديد الكون الذي يبلى في نباية العام . وكان الكنعانيون 
يؤُمنون بأن البكاء على أدونيس وتمثيل عذاباته وموته » سوف يعينه على فك قيوده والصعود 
من عالم الموق . ذلك أن العلاقة بين الانسان القدجم واهته لم تكن علاقة اعتهاد من طرف 
'واحد » بل كانت علاقة اعتاد متبادل . 

على ضوء ذلك نستطيع فهم معنى البغاء المقدس الذي كان شائعاً في حضارات 
الشرق القديم . فالبغاء المقدس هو ممارسة الجنس بين أطراف لايجمعهم رابط شخصي » 
ولاتحركهم دوافع محددة تتعلق بالتوق الفردي لشخص بعينه » أو تتعلق بالإنجاب وتكوين 
الاسرة » هو ممارسة جنسية مكرسة لمنبع الطاقة الكونية مستسلمة له . منفعلة به » ذائبة 
فيه » كالأنهار التي تصدر من الحيط وإلى حيط تعود . وكانت عشتار هي البغي المقدسة 
الأولى لأنها مركز الطاقة الجنسية الشاملة التي لاترتبط بموضوع محدد . وليس انغماسها 
في الفعل الجنسي الدائم الا تعبيراً » على مستوى الاسطورة » عن نشاط تلك الطاقة الذي 
لا يبدأ لأ في سكونه همود لعالم الحياة . تقول عشتار البابلية عن نفسها «أنا العاهرة 
الحنون»”” و «أنا من يدفع الرجل الى المرأة ويدفع المرأة الى الرجل»” . وفي نص هبوط 
عشتار الى العالم الأسفل نقرأ : 

بعد أن هبطت السيدة عشتار إلى أرض اللاعؤدة 

اضطجع الرجل وحيدا في غرفته 

ونامت المرأة على جنبها وحيدة "© 

وفي ترتيلة بابلية إلى عشتار من القرن السادس ق . م نقرأ عن سيدة الحب والدافع 
الجنسي 8 

لك الحمد يأأرهب الانهات جميعاً 

لك الإجلال ياسيدة البشر وأعظم الآهة 





102 2 رقع مة 1425 واصموره لاا ,عمتلعة]ط معطأو354.8 -1 
.9 2 10:0 -2 


.125 2 عنوظ طم تمدع 011 16 ,علك11 علسموام -3 


١8‏ عت 


تفيض طاقة وسحراً وشهوة . 

شفاهها عذبة وفي فمها الحياة 

ظهورها ينشر الفرح والابتباج 

بيدها مصائر الأشياء جميعاً 

نظراتها فيها الفرح 

وفيها القوة والعظمة 

إهة حامية وروح حارسة”") 

يظهر هذا النص كل خصائص جمال عشتار وجلاها . فهي الممرأة العذبة الفاتنة 
التي يضطرم جسدها بالحب والشهوة » وهي كذلك السيدة القوية المسيطرة » ربة نفسها 
ورية جسدها . إنها صورة المرأة في الثقافة الأمومية » عذبة ورقيقة ولكنها قوية متّاسكة » 
يأني جماها مكملا لخصائصها الأحرى لاحاجباً لما ما هو الحال في الثقافة الذكرية عندما 
صارت المرأة حبيسة جسدها وجماها . 


أما الأسطورة الذكرية فتحدثنا عن جنسانية عشتار بطريقة مختلفة تتسجم وروح 
الثقافة البطريركية . ففي ملحمة جلجامش تقع الإلمة في حب البطل نصف الاله العائد 
من معركته المظفرة مع وحش غابة الأرز وتعرض عليه وصاها : 

تعال ياجلجامش وكن حبيبي 

هبني مارك هدية 

كن زوجاً لي وأنا زوجاً للك 
ولكن جلجامش يدير ظهراً لحب الالحة ويأخذ في تعداد مثالبها وتبتكها 

أعنسيين اغلضت له لحك[ الألد * 

وأي راع لك أفلح يرضيك على مر الأزمان ؟ 

تعالي أفضح لك حكايا عشاقك : 

على تموز زوجك الشاب 





231-32 25 ,1.ل رأقد8 عوءا! امعاعسة عط رلمقطء )2 وعصطتول  1-‏ 


185 سه 


قضيت بالبكاء عاماً إثر عام"© 

أحببت طائر الشقراق الملون 

ولكنك ضربته فكسرت له الجناح 

يعر ور الغيضات هادي :0 ساحن 
أحيبت الاسد » الكامل القوة 

ولكنك حفرت له مصائد سبعا 

أحبيت الحصان السباق في المعارك 

ولكنك قدرت عليه السوط والمهماز والأحزمة 


ولكنك ضربته فمسخته ذئباً 
يلاحقه أبناء جلدته 

وتعض كلابه ساقيه 

أحببت ايشولاتو بستاني نخيل أبيك 
فضربته فمسخته خلدا 


فان أحببتني » ألا يكون نصيبي منك كهؤلاء؟”” 

هذا الا:بماك الدائم في الجنس» الذي تأخذه الأسطورة الذكزية على عشتار هو 
عين فضيلتها . ذلك أن الألوهة في المفهرم العشتاري ليست تحريكاً للكون عن بعد » بل 
هي عين حركته . وعشتار ليست آمراً للدافع الجنسبي ء بل هي الدافع الجنسي ذاته في 
ديناميكيته الكونية الدائبة . ورغم الأخلاقية الجنسية البطريركية التي توجتها في الشرق 
القديم الشرائع المبودية » بقيت الأخلاقية الجنسية العشتارية حية في الثقافة الأمومية 
الصغرى التي تركزت حول الديانات العشتارية في قلب الديانات البطريركية السائدة . 
وبقيت طقوس الجنس المقدسة قائمة في معابد الخصب وفي أعياد الربيع السنوية في كل 





الثقافات . 
إشارة إلى ارسالها موز إلى العالم الأسفل وندب العباد له في كل سنة 1 
راجع مؤلفي ملحمة جلجامش ص لا9 ل :37١١‏ -2 


1# سد 


تبدو الأ الكبرى كسيدة للدافع الجنسبي في الأعمال التشكيلية منذ مطلع العصر 
الحجري الحديث . فإلى جانب الدمى والماثيل الصغيرة التي تؤكد على خصائص 
الأمومة » وذلك بالتأكيد على النديين والبطن والوركين, هناك تماثيل تؤكد بصورة رئيسية 
على مثلث الأنوثة الذي يبدو مركزاً للعمل الفني والبؤرة الوحيدة التي تشد النظر . من 
هذه اتماثيل » ماتمدنا به مواقع المستوطنات الزراعية الأولى »كتل المريبط » وتل أسود . وتل 
الزماد (الشكل رقم 1/8). وقد استمر هذا التقليد النيوليتي قائماً إلى عصور حضارة 
الكتابة في سورية وبلاد الرافدين» حيث تبدو عشتار عارية أو نصف عارية مع التأكيد 
على مثلث الأنوثة . وفي بعض الأحتام الاسطوانية والمنحوتات البارزة تبدو نصف مكتسية 
وقد أزاحت عباءتها باحدى يديبا عن منطقتها الجنسية » وفي أحد الأنحتام الاسطوانية من 
أور بِأَض الرافدين » نجد عشتار وقد باعدت بين فخذيها لتظهر منطقتها الجنسية 
بشكل واضح » وفتحت ذراعيها في وضع من يتأهب للاحتضان (الشكل ؟7) . 


(الشكل رقم 175) 
سيدة الجنس تل المرييط 


.م ق.م 





وفي عمل مشابه » تبدو إيزيس وقد جلست في وضع ممائل فوق خنزير بري » 
وأمسكت بيدها سلما ترتكز قاعدته السفلى عل, الخاصرة (الشكل رقم 74) . وربما كان 
في رمز السلّم إشارة إلى الصعود عن طريق الجنس إلى الملكوت العشتاري الأسمى » وإشارة 
إلى ذلك الإحساس الخاطف الذي يخبه الانسان لحظة انطلاق الطاقة العشتارية من 
جسده لتذوب في تيار الطاقة الكونية فتشحنه وتنشحن به . 


1858 سه 





(الشكل 7) 
سيدة الجنس خم اسطواني من أور 


بعيداً عن منطقة الشرق القديم , نجد التقاليد الفنية في كل الثقافات وقد نحت 
منحى الفنون الشرقية في تمثيل الأم الكبرى كسيدة للدافع الجنسبي » وذلك بالتأكيد على 
عربها ومنطقتها الجنسية . ويبلغ جمال العري الأنثوي قمته العليا في تمائيل أفروديت 
اليونانية » إلهة الحب الجنسي في ثقافة الاغريق » التي كانت تثير ضرام الشبق في أجساد 
البشر والآلحة على السواءء عن طريق ابنها ورسوها إبروس (الشبق أو الرغبة) الذي 
لاتخطىء سهامه أهدافها أبدا . 

وفي الفن الاسلامي الفارسي .» حيث لامجال لتصوير العري » تظهر الرسوم كوكب 
الزهرة على هيئة حسناء فاتنة تعزف على العود. وكوكب الزهرة هذا » قد ارتبط منذ: 
الجاهلية العربية بالإلهة العزى . وكان العرب يعتقدون بإثارته للحب وإضرامه لنار العشق 
الجنسبي بين الرجل والمرأة'© وهو الكوكب الذي لعنه رسول الله (ميكّه) في أحد أحاديثة 
وأسماه بالحميراء . وفي ذلك إشارة واضحة إلى العزى . فيروى عن الصحالي عبد الله بن 
عمرء أنه كان يقول كلما رأى شروق كوكب الزهرة : طلعت الحمياء فلا مرحباً ولا 
أهلاً .فعقب أحدهم بقوله : سبحان الله . نهم مسخر سميع مطيع . فأجابه ابن عمر : 





محمود سل الحوت "الميثولوجيا عند العرب ص 84 . 5 


1868 سه 


ماقلت إلا ماسمعت رسول الله" 


(الشكل 074 
أيزيس سيدة الدافع الجنسي 
مفهمر العصر الحيليني 





كان الانسان القديم يلبي نداء الطاقة العشتارية ويرفدها بفعله الجنسبي الخاص » 
من خلال ثلاثة أشكال من الممارسات الجنسية . الشكل الأول » هو الممارسة الجنسية 
الفردية بين شريكين يربطهما رباط موقت أو داهم . والشكل الثاني طقوس الجنس 
الجماعي في المناسبات والاحتفالات الدينية . والشكل الثالث هو البغاء المقدس الذي 
كان بمارس بصورة شبه دائمة في معابد الأ الكبرى . وسنبحث فيما يلي كل شكل من 
هذه الأشكال على حدة . 


الممارسة الجنسية الفردية : احتوت الثقافة الذكرية هذا النوع من الممارسة 
الجنسية ضمن إطار الزواج الأحادي ومؤسسته التي يسود فيها الرجل » وفرضت على 
الشريكين رباطاً دائماً ييدف إلى تكوين الأسرة وإنجاب الألاد . وتحول الفعل الجنسي إلى 
ممارسة دنيوية بعد أن كان طقساً مقدساً وعبادة وتواصلاً مع القوى الالمية . أما في 
الثقافة الأمومية واستطالاتها في ديانات الخصب فقد كانت الممارسة الجنسية مع الشريك 
الختار ارضاءٌ للنوازع الجنسية من جهة , ورفداً لقوى الخصوبة الكونية المنبئة في الحياة 
الانسانية والحيوانية والنباتية » من جهة أخرى . وهنا لايكون الفعل الجنسي مجرد إسكات 
لدافع متمرد ٠‏ بل تمتعاً بمنة إلهية » وتفتيحاً للجسد المبارك الذي وهبته السماءءء لالجماً 
للجسد الخاطىء الذي لعنته السماء . إن الأفعال الجتسية التي يمارسها الناس أزواجاء 





تفسير الطبري ج١1‏ ص 5145 1 


- 181 سه 


لتعجمع في رافد واحد يصب في بحر الطاقة الجنسية الكونية . 

تقدم لنا الممارسات الشائعة لدى الشعوب البدائية اليوم صورة عن معتقد 
الانسان القديم في قدرة الفعل الجنسي البشري على شحن الطاقة الاخصابية الكونية . 
ففي بعض مناطق جزيرة جاوا يمضي الرجل وزوجته إلى حقل الأرز عند ابتداء نضج 
الشتلات » فيمارسان الجنس هناك في العراء للاسراع في نمو النبات وزيادة الحصول”© 
ولدى قبائل البيبيليز في أمريكا الوسطىء جرت العادة أن يمتنع الأزواج عن مقاربة 
أزواجهم فترة لابأس بها من الزمن قبل موسم البذار » ثم يأتوهن قبل البذار فيباشروهن 
بتوق ورغبة ٠»‏ ويشع عن القائهم طاقة تشحن الحقل المستعد لاستقبال البذار . وهذا 
اللقاء واجب ديني لاتصح مباشرة البذار بدونه . ا أن أزواجا معينين كانوا يخصصون 
لممارسة الجنس في الحقل لحظة وضع البذار في الأرض”" . ولدى قبائل البانجادا في افريقيا 
الوسطى يقوم الزوجان اللذان أنجبا توأمين بممارسة الجنس في حقلهم وحقل الأقارب 
والأصدقاء لشحهها بطاقاتهم الاخصابية الفياضة”". مثل هذه الممارسات كانت قائمة 
إلى عهد قريب في أوروبا القرن التاسع عشر. ففي يوم القديس سان جورج كان أهل 
أوكرانيا يأتون بالأزواج الجدد » ويخرجون بهم إلى الحقول امحروثة فيتدحرجون عليها لشحنها 
بطاقاعهم الجنسية الاخصابية التي مازالت في أوجها”. 

هذا ورغم التركيب المدني والاقتصادي لرابط الزوجية في الثقافة البطريركية » فإن 
هذا الرابط قد حافظ على قدسيته الدينية عبر التارعخ ولدى جميع الشعوب ٠‏ وبقي الزواج 
أمرا دينيا يعقد لارضاء الالحة وتحت رعاية رجال الدين . ولم تستطع حتى الآن سوى 
ثقافات قليلة التخلص تماماً من الزواج الديني والتحول الى الزواج المدفي البحت . ولعل 
الدين الاسلامي من أكثر الديانات العالمية الكبرى القائمة اليوم اهتاماً بتنظم الأمور 
الجنسية للانسان تحت مظلة الزواج وإضفاء الطابع الديني عليها . وفي حديث صحيح 
عن النبي (مَيْيّه) نقرأ : «عن أب ذر رضي الله عنه » أن أناساً قالوا يارسول الله ذهب 

.57 2 رطعناه8 م00106 156 ,ععمةء2 و5عنرول 1 
.57 ,110 -2 


.8 ,1510 -3 
.159 2 رلتط1 -4 


لامآ د 


أهل الدثور» بالأجور. يصلون ؟! نصلي ويصومون ؟! نصوم » ويتصدقون بفضول أموالهم 
قال : أوليس قد جعل الله لكم ماتتصدقون به ؟ إن بكل تسبيحة صدقة ؛ وكل تكبيرة 
صدقة وكل تحميدة صدفة » وكل تبليلة صدقة » وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المذكر 
صدقة . وفي بضعل”“أحدم صدقة . قالوا : يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها 
أجراً ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال 
كان له أجر»” . 


طقوس الجنس الجماعي : كانت هذه الطقوس تتم بصورة خاصة في أعياد الربيع 
عندما كان الناس يحتفلون بصبعود روح الخصوبة الغائبة في عالم الاموات » وعودة عشتار » 
أو ابنها » إلى الحياة حاملة معها كل مار الأْض من باطن التربة . فكانت الممارسات 
الجنسية في هذه الأعياد مدداً للقوة الاخصابية النائمة التي بدأت تستعيد نشاطها » ودفعا 
لها لتعود سيرتها الأولى . وقد ارتبط هذا النوع من الممارسات الجنسية بعبادةٍ الأم الكبرى 
وابنها في جميع أنحاء أسيا الغربية وقبيص وكريت » وانتقل إلى العالم اليوناني الروماني حيث 
ارتبطت طقوس سيبيل ودمتر وديونيسيوس بالبغاء الجماعي » سواء في الأعياد العشتارية 
السنوية أو في الاحتفالات الطقوسية السرية . ولعل الديانة الديونيسية كانت أكثر ديانات 
العالم القديم تركيزاً على الطقس الجنسبي باعتباره وسيلة اتصال بالقوى الالهية . فبالخمرة 
والممارسة الجنسية يتوصل التصوف الديونيسي إلى الاتحاد بد يونيسيوس » روح الخصوبة 
الكونية المثبتة في العالم ومخلوقاته .إن انطلاق الديونيسية من المادي والحسبي الى المستويات 
الروحانية العليا » قد لاءم الطبيعة الأنثوية » فكانت النساء في العالم اليوناني الروماني عماد 
هذه الديانة وسنداً لحا حتى النهاية » وكان ديونيسيوس بحق سيد النساء » لحن يدين 
بانتصار ديانته المؤزر على الديانة الأبولونية الأومبية »7 

مثل هذه الطقوس الجنسية مازال قائماً لدى كثبر من الثقافات البدائية الحديثة 





4 الدثور : الثروات ٠.‏ 
رب البضع الجماع الخلالة. 


النووي رياض الصالحين ص 7٠‏ . 
100-01 22 اطوعنظ جعط :8540 لله لقنخانظ رطاوة8 ,دع 1مطعدظ8 .ل 3 


ث8 سه 


ففي بعض الجزر الواقعة غربي غينيا الجديدة وأجزاء من شمال استراليا يعتقد الأهالي بأن 
إله الشمس المذكر .هبط من عليائه مرة في كل سنة ليحضن إفة الأض المؤنئة » وذلك 
قبل ندع موس الأنطار فيتجمعون “رجالا ونساء تحت' شحرة البق .حيتك يعتقدون أن 
الجماع الالحي يتم هناك » ويمارسون الجنس الجماعي الذي من شأنه حث الطبيعة على 
إطلاق خيراتها الكامنة فوبطل المطر وتنبت الأْض وتتكائر الماشية وتخصب أرحام النساء . 
وجري الطقس في جو ديني رصين لايوحي برغبة المشاركين في إرضاء نوازعهم الجنسية 
الفردية”) 

استمرت طقوس الجنس الجماعي قائمة بعد انتشار المسيحية في الشرق الأدنى 
والعالم الهيليني تحت أشكال مختلفة ومضامين متنوعة . وقد وصلتنا تفاصيل عن هذه 
الطقوس لايمكن الركون اليها تماماً لأن ناقليها قدموها دفاعاً عن العقيدة المسيحية وتسفماً 
للمذاهب المنافسة التي نازعتها السيادة فترة طويلة قبل أن تندحر أمامها . يروي القديس 
ابيفانيوس ماشاهده بام عينه من طقوس احدى فرق المسيحية الغنوصية السورية » عندما 
دخل فيا شاباً خلال تقلبه بين العقائد السائدة في. زمانه مثا عن الحقيقة» قبل تحوله 
للعقيدة القوة . فقد زين له تلك الفرقة عدد من النساء الفائقات الفتنة والجمال » اللواتي 
اكتشف فيما بعد أنبن لسن إلا أداة في يد الشيطان . يجتمع أفراد هذه الفرقة رجالا 
ونساء في مكان معين فيصافحون بعضهم بعضاً بطريقة خاصة يتعارفون بها لاكتشاف 
أي غريب أو فضولي لاعلاقة له بالمذهب . فاذا اطمأنوا بسطوا مائدة عامرة باللحوم 
والخمور فأكلوا وشربوا ثم قاموا فافترق الأزواج عن زوجاتهم وقال كل رجل لامرأته : هيا إلى 
مأدبة الحب مع أحد اخوانك . ثم يختلط الحابل بالنابل ويتضاجع الرجال والدساءء فاذا 
انتهوا أخذوا مايسكبه الرجال خارج أرحام النساء في أيديهم وتظاهروا برميه من أكفهم 
وراء ظهورهم في حركة ابتهالية توحي بنكران المتعة الشخصية . ثم لايتورعون في رفع أيديهم 
النجسة بالصلاة إلى الاله الآب مبدأ الأشياء» مقدمين له مافي أكفهم قائلين : للك 
نقدم هذا القربان الذي هو عين جسد المسيح . ثم يضعونه في أفواههم , ويفعلون الشيء 
نفسه بدم النساء الحائضات قائلين إنه دم المسيح » وذلك تفسيراً خاصاً منهم لما ورد في 





157-158 22 ,طعنا80 001062 ع1 ,عمق وعصول -1 


4لها سه 


سفر ريا يوحنا الاصحاح ١١‏ :7 «وأراني هرا صافياً من ماء حياة» لامعا كبلور خارجاً 
من عرش الله . وعلى النهر هنا وهناك شجرة حياة تضع اثنتي عشرة عمرة وتغطي كل شهر 
ثمرها وورق الشجر لشفاء الأم» . وهم إذ يمنعون بذورهم عن الأْحام إنما يتفادون إنجاب 
الأقطفال مكرسين فسقهم لإرضاء شبقهم”" 

وفي العالم الاسلامي » استمرت طقوس الجنس لدى كثير من الفرق السرية » 
وذلك كالنحلة «الحشيشية» المعروفة بجماعة الحشاشين » التي نشات في ايران وامتدت 
دعوتها إلى أنحاء متفرقة من الشرق الأدنى القديم . أباحت هذه الجماعة كل أنواع الحرمات 
الجنسية » وكانت تقم طقوس الجنس الجماعي » وتقدم لافرادها نوعا من الخدرات القوية 
التي تعطيهم الإاحساس بالصعود الى السماء والتجوال في أرجاء الفردوس . وقد استمرت 
الدعوى الحشيشية قائمة إلى أن هدم المغول عاق الأسامي في قلعة ألموت خلال 
زحفهم نحو المنطقة . 

وفي أورويا المسيحية استمرت طقوس الجنس الجماعي إلى مطلع العغصور الحديثة 
من خلال ديانة سرية لانعرف عنها شيئا حتى الآن » كانت تعرف في العصور الوسطى 
بعبادة الشيطان ». التي انتشرت محافلها السرية في طول أوروبا وعرضها . وكان عباد 
الشيطان يجتمعون في ليالي القمر الكامل ومارسون الجنس الجماعي'"©. ولكن محم 
التفتيش المسيحية كانت هم بالمرصاد وكانت تلاحق وتحرق كاهنات هذه الديانات بتهمة 
ممارسة السحر . فهل كان اتباع هذه الديانة المجهولة يعبدون الشيطان فعلاً » أم أن 
ديانتهم كانت استمراراً لمعتقدات الخصب القديمة ؟ إن الشيطان في الكتابات والأعمال 
الفنية المسيحية يبدو على هيئة إنسان مكسو بشعر الماعز ‏ له ساقا تيس وقرنان صغيران 
وأذنان مدبدبتان . هذه الملاح العامة للشيطان المسيحي هي ذاتها ملاح الإله «بان» 
وفصيلة الآلحة الثانوية المعروفة باسم الساتيرز . كان الساتيرز في المثيولوجيا الاغريقية أشبه 
من الغابات يمثلون الروح البدائية للأحراش والجبال وكانوا يحبون الطرب والرقص 
والموسيقى وحياة العبث واللهو » يقضون أرقاتهم في مطاردة وإغواء الحوريات . ] كانوا 





159-161 22 ملإع 010 طنل14 علالنوعن) ,اأعطم ميدن طمءو0ل -1 
1 2 ,وعلع اذ ز!/! و'تتقدره آلا ,رعستلئد11 تعطار11.8 -2 





من أتباع الإله ديونيسيوس ٠‏ يرافقونه ويلعبون دوراً في طقوس الجنس الجماعي أثناء 
الاحتفالات الديونيسية . وتروي الأساطير أن أكببرهم وحكيمهم «سيلينيوس» كان 
مرشداً لديونيسيوس ممعلماً له”©. أما الاله «بان» فكان ابناً لحرمس من إحدى 
الحوريات , وكان إطاً للطبيعة البرية والأحراش والرعاة . كا كان من المة الموسيقى , وهو 
الذي ابتكر مزمار الرعاة المعروف حتى اليوم باسم البْان ‏ فلوت . وقد تغلب في احدى 
المباريات الموسيقية على أبوللو إله الموسيقى الأول . تجعله الأساطير أبا للساتير سيلينيوس 
معلم ديونيسيوس”". وفي تفسيري » إن ديانة السحر والشيطان التي كانت سائدة في 
أوروبا في القرون الوسطى ليست إلا امتداداً » تحت ظروف الضغط والإزهاب » للديانة 
الديونيسية . وليس الشيطان الذي كانت محاكم التفتيش تلاحقه وتحرق كاهناته » سوى 
ذلك الساتير الظريف الذي كان يشارك أتباع تلك الديانات السرية طقوس الجنس 
الجماعي التي تقام لاخصاب الأرض والطبيعة . وربما كان حضور بان والساتير بين 
امحتفلين يمثل بأفراد يلبسون جلد الماعز ويضعون قرون التيس وأذنيه . 


البغاء المقدس : ني مطلع العصور الزراعية التي ظهرت فيها » كا رأينا سابقاء الأمرة 
الشعائية والعلاقة المديدة بين شريكين في ظل حق الأم . كان هذا الاختصاص الجنسي 
الذي قد يدوم العمر كله ء أمراً مخالفاً لمسار الطبيعة التي عاش الانسان في أحضائها 
ألوف السنين . فالمرأة لم تعماٌ كل جمالها وفتنتها لتبلغ أرذل العمر في أحضان رجل واحدء 
والزواج انتهاك لقانون عشتار سيدة الجنس الحر لاسيدة الجنس الزوجي . فكان لابد من 
التسوية بين النظامين واسترضاء الإلهة بإعطاء الحرية الجنسية للفتيات قبل الزواج وفرض 
الإخلاص الزوجي عليبن بعده . وقد تم تقليص هذه الحرية تدريجاً حتى تحولت فعلاً إلى 
نوع من الكفارة الدينية التي تقدمها المرأة لقاء اختصاصها برجل واحد . وصارت هذه 
الكفارة تقدم مرة واحدة في العمر في معابد الم الكبرى كشرط لصحة الزواج . وبعد 
ذلك اعفيت عامة النساء من تقديم هذه الكفارة » وصار البغاء المقدس في المعابد وقفاً 


113-00 22 ,لإج 1410 عاعه:0 ,لسوئننا 5.0‏ -1 
2145 ,روه امطا14 01 1010108 ث ,هتأمقطة عة14 -2 


ا ل 


على البغايا المقدسات اللواتقي كن يمارسن الجنس نيابة عن كل النساء » وأخخذت المرأة 
تقدم في المعبد شعرها بدل جسدها لإلحة الدافع الجنسي"' هذا وقد وصف مؤرخو 
اليونان من أمثال هيرودوتس وسترابو » في فترة نضح المجتمع الذكري الاغريقي » بعض 
عادات الشعوب التي احتكوا بها والني كانت أشكال مختلفة من الكفارة الجنسية مازالت 
شائعة بينهم . فالعروس في ليلة زفافها كانت تضاجع كل من يجلب إليها هدية زواج . أو 
كانت تضاجع أقارب العريس واحدا واحدا مبتدئة بأكثرهم قرابة » فإذا انتبى الأقارب » 
جاء دور الأصدقاء وأخيرا يأتيها عريسها لأول مرة وتصبح صالحة للإخلاص الزوجي ". 
وفي هذه الممارسة توكيد على حق القبيلة في المرأة قبل حق الزوج الذي سوف يحتكر 
جدها اسن من عمرها . 

كانت طقوس البغاء المقدس شائعة في جميع أرجاء الشرق القديم . ففي قبرص التي 
يروي المؤرخ الإغريقي هيرودوتس أن الفينيقيين كانوا أول من أوجد فيها معابد أفروديت » 
كان على كل فتاة أن تخدم في معبد أفروديت كبغي مقدسة تعطي جسدها للغرباءفترة من 
الزمن قبل أن تتزوج » حيث كان الجنس بارس بكل أببة الطقس الديني وجديته بعيدا 
عن أي مظهر من مظاهر الدعارة الرخيصة أو إرضاء الميل الشخصي . ويروى أن 
سيينياس الفينيقي ملك قبرص الأسطوري هو الذي أوجد هذه الطقر ولتت ينانه 
اين نوق يقاب للعين . وفي بابل كان على كل امرأة أن تستسلم في معبد عشتار لاول غريب 
يطليها وتأخذ منه أجراً رمزياً غير محدد تسلمه إلى الميكل هبة منها لإلحة الحب » وتوكيداً 
على انعدام الأهداف الفردية لفعلها الجنسي . ولم تكن المرأة بقادرة على العودة إلى بيتها 
قبل أن يمر بها ذلك الغريب . لذا كان فناء المعبد مليكاً على الدوام بنسوة في الانتظار» 
ولرما قضى بعضهن سنوات قبل أن يقع عليين اختيار أحد . وفي بعلبك وبيبلوس وغيرها 
من مراكز الثقافة السورية » سادت عادات مشابهة في معابد الإلهة عستارت ٠»‏ وبقيت 
قائمة إلى مابعد انتشار المسيحية . وتروي الأخبار أن الامبراطور البيزنطي قسطنطين هو 
الذي ألغى البغاء المقدس في بعلبك وهدم معبد عستارت فبنى فوقه كتيسة .وني أرمينيا » 





.94-95 22 ,أطونظ وعطوو24 لطة لقنائظ رطالاقة رمع أمطءة8.ل 1 
.6 * ,للط1 -2 


0ه 


كانت العائلات النبيلة تقدم بناتها للخدمة كبغايا مقدسات في معبد انايتيس إلهة 
الخحصب » حيث يمكثن هناك فترة لابأس بها قبل الزواج » وعند انتباء خدمتهن كن 
يمضين إلى بيوتهن ويتقدم مخطبتهن أكابر القوم”" . 

يقول المؤرخ الإغريقي هيرودويتس . إن كل الشعوب القديمة ماعدا الإغريق 
والمصريين » كانت تمارس الجنس المقدس في المعابد . وهذا القول مقارب للحقيقة في 
جزئه الأول ومجافياً لها في جرئه الثاني . فالاسبارطيون قد الحقوا بمعبد ديونيسيوس بيتا 
خاصاً للدعارة'” . وافروديت في بعض أشكالها كانت تدعى بافروديت ‏ بورني » أي 
العاهرة » وكانت حامية للبغاء من كل صنف ونوع » وفي مدينة كورنثة » كانت عاهرات 
المدينة يعتبرن بمثابة بغاياها المقدسات” . وفي ليديا المتأثرة بالثقافة الاغريقية بقي البغاء 
المقدس قائماً حتى القرن الثاني الميلادي© . 


الى جانب هذا النوع من البغاء المقدس الذي كانت تقوم به كل النساء لمرة 
واحدة » أو لفترة قد تطول أو تقصر من حياتهن » كان في معابد عشتار كاهناتها 
الدائمات المكرسات على الدوام لابقاء جذوة الجنس متقدة لايخبو لها أوار » تماماً كشعلة 
النار التي كانت دائمة الاتقاد في هياكلها . وكن يحظين باحترام المجتمع وتقديره . فها 
هو الملك الأكادي العظم «صارغون» مؤسس أول امبراطورية سامية امتدث من حدود 
ايران إلى شواطىء المتوسط في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد يفخر بأنه ابن بغي 
مقدسة : «أمي كانت احدى كافنات المعبد » ولم أعرف لي أبأ . وضعتني في سلة 
وأحكمت غطاءها ثم أسلمتني للنبر الذي حملني . التقطني اكي » ناظر ماء القرابين 
وتبناني . رباني حتى شببت فصرت أعني ببستانه . هناك رأتني عشتار » فأحبتني 


وجعلتني ملكام © 


أاتان. لك رطمنا80 001065 عط] ,رعمةء2 ومرمة[ -1 
-382 2 ,وتعط 140 عط ]1 ,األددد أأالءظ أرعطهه -2 

.63 2 ,ملام امطار14 علءع0:6 ,لمقعنن1..0 -ة3 

5 2 رطعناه8 مع0010 عغط1 ,مععوءظ ععجمة[1 -4 
.50 2 ,لاق 842010 01 دنلعمه 1ع زعم ء055ا20 يهب -5 


194190 سمس 


عشتار في العوارة : 


تسللت سيدة الحب الجنسبي إلى كتاب التوراة العبرانية ؛ وشغلت سفراً كاملاً من 
أجمل أسفاره , ألا وهو نشيد الانشاد المنسوب للملك سليمان الذي كان طيلة حياته من 
عبدة الالفة السورية وخصرصاً عشتاروت (عشتار) وبعلم (بعل) . فالسفر بكامله 
انشودة حب وعشق دنيوي متقد » مرفوعة إلى عشتار » مهما حاول اللاهوتيون إقحام 
تفسواتهم الروحية ورموزهم الدينية عليه . إنه واحة عذبة في جدب الشرائع والقوانين 
البطريركية التي يطفح بها الكتاب .وفي تفسيري . يشكل السفر تردادا لانشودة خصب 
عشتارية قديمة تصف لقاء عستارت وأدونيس بعد انقضاء فصل الشتاء وحلول الربيع » 
خصوصاً وان مشاهد العشق فيها تترافق مع مشهد حياة الأرْضِ بعد انقضاء موسم 
الامطار : 


كالسوسنة بين الشوك ؛حبيبتي بين البنات » كالتفاح بين شجر الوعر » كذلك 
حبيبي بين البنين . تحت ظله اشتهيت أن أجلس » وثمرته حلوة في حلقي . أدخلني إلى 
بيت الخمر وعلمة فوقي محبة . اسندوني بأقراص الزبيب . انعشوني بالتفاح فانني مريضة 
حبا . يساره تحت رأسي وبمينه تعانقني . احلفكن يابنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول 
ألا توقظن الحبيب حتى يشاء .. .. صوت حبيبي هو ذا آت » طافراً على الجبال قافزاً 
على التلال . حبيبي شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل. هو ذا واقفاً وراء حائطنا : قومي 
ياحبيبتي ياجميلتي وتعالي , لأن الشتاء قد مضى والمطر مر وزال . الزهور ظهرت في 
لض بلغ أوان القضب . وصوت الجامة سمع في أرضنا » قومي ياجميلتي » وتعالي 
ياحمامتي أربني وجهك , أسمعيني صوتك . لأن صوتك لطيف ووجهك جميل .. .. ها 
أنت جميلة ياحبيبتي ها أنت جميلة » عيناك حمامتان من تحت نقابك . شعرك كقطيع 
معز رابض على جبل جلعاد » أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل . كل واخحد 
متثم وليس فيبن عقم . شفتاك كساسلة من القرمز وفمك حلو . خدك كفلقة رمانة 
تحت نقابك . عنقك كيزج داود الميني للأسلحة » ثدياك كخشفتي ظبية » وتوأمين 
يرعيان بين السوسن .. .. شفتاك ياعروس تقطران شهدا ء نحت لسانك عسل ولين » 


١98 


ورائحة ثيابك كرائحة البان . أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة » نبع مختوم . 
أغراسك فردوس رمان مع أثمار نقيسة . ينبؤع جنات » بكر مياه حية » وسيول من 
لبنان . استيقظي ياريح الشمال » وتعالمي ياريح الجنوب ٠‏ هبي على جنتي فتقطر أطيابها . 
ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس .. .. دوائر فخذيك مثل الح . صنعته يدي 
صناع . سرتك كأس مدورة لاإعوزها شراب ممزوج . بطنك صبرة حنطة مسيجة 
بالسوسن . ثدياك كخشفتين » توأمي غلبية . عنقك كبرج لبنان الناظر نحو دمشق . 
ماأجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات . قامتك هذه شبيبة بالنخلة » ودياك 
بالعناقيد . قلت اني اصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها . ويكون ثدياك كعناقيد 
الكرم .. 

هذا ماجرى به لسان باني هيكل الرب في اورشلم , الذي أعطاه الرب مالم يعطه 
لغيه من ملوك الأرض : «أعطيتك قلباً حكيماً ويميزاً ؛ حتى أنه لم. يكن مثل قلبك 
ولايقوم بعدك نظير » وقد أعطيتك أيضاً مالم تسأله غنى وكرامة » حتى انه لايكون رجل 
مثلك في كل الملوك كل أيامك»  .‏ سفر الملوك الأول *: ١5 ١١‏ . هذه الحكمة 
نفسها هي التي فتحت عين سليمان الداخلية على حكمة الأفعى وسر عشتار : 
«فذهب: سليمان وراء عشتروت إهة الصيدونين» ‏ سفر الملوك الأول ١1:ه‏ 


ب 9986 - 


عر رار ال يوداء 
1 


«تولج الليل في النهار » وتولج النهار في الليل » وتخرج الحي من الميت » وتخرج 
الميت من الحي» - قران كريم ."2 ان ما تقصد إليه هذه الآية الكريمة ‏ ليتعدى 
التفسيرات التقليدية التي تركز على المعاني المباشرة القريبة إذ تقول : إن إيلاج الليل في 
النبار وإيلاج النهار في الليل » هو الأخذ من طول هذا وإضافته إلى قصر هذا فيعتدلاك 
ثم الأحذ من هذا الى هذا فيتفاوتان ثم يعتدلان » وإن إخراج الميت من الحي ا 
الزيع من الحب والحب من الزرع”" . 5 يد الآية أن تقول أن الكون المادي ليش وجوداً 
ساكناً بل كينونة تتحرك بين قطبين إلى ا ؛ وطاقتين متناوبتين تنش كل واحدة 
عن ضدها وتقوم به . الطاقة الأولى سوداء سالبة تحمل الموت » والثانية بيضاء موجبة فيها 
الحياة فلاحياة يلا موت . ولا موت بلا حياة . ولانهار بلا ليل » ولا ليل بلا نجار . 





سورة آل عمران الاية ٠71‏ 5 
راجع تفسير ابن كثير 2 


حالاة1 _ 


ولاخير بلا شر ء ولاشر بلا خير . نقرأ في آيات كريمة أخرى أيضاً «وهو الذي يحبي 
ويميت وله اختلاف الليل والنهار»”". «واية لهم الليل نسلخ منه النبار فاذا هم مظلمون ©) 
«وهو الذي يتوفآم بالليل ويعلم ماجرحم بالنهار»”" «ونفس وما سواها فألهمها فجورها 
وتقواها»”" . 

ويدور تعليم السيد المسيح حول نفس الفكرة : «الحق , الحق أقول لكم . إن لم 
تقع حبة الحنطة في الأض وتمت فإنها تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأني بثمر كثير . 
من يحب نفسه يبلكها»”. لأن في صمم الحياة تكن خمية الموت » وفي غياهب الموت 
تكمن بذرة الحياة. والموت ليس نفياً للحياة بل نقيضاً مكملاً لاقيام لها بدونه »تماماً 
كالقطب الكهر ومغناطيسي السالب الذي بدونه يتلائى القطب الموجب .وهذان 
التقيضان هما خيطان ينسجان مادة الوجود في مقابل العدم » وهما جوادان يجران عجلة 
الكون في دورة أبدية تبدأ كلما أتنت منتهاها » محافظة على نضارة الخلق ك] خرج من يد 
الرحمن أول مرة . في كل لحظة تتحرك دفقات جديدة من الحياة لتسير في طريقها المرسوم 
نحو لنحيط اللانهائي حيث تتلاشى » مفسحة الطريق أمام دفقات جديدة تتبعها . وتحت 
قناع الكون الساكن أمام البصر » حركة لاعهدأ من موت وحياة . 


صورت الأسطورة هذه الحركة الدائبة بين النقيضين المتعاونين بلغتها الخاصة » 
فخلقت صراعاً بين إله الموت وإله الحياة » وبين القوة التي تهدم والقوة التي تبني . ولعل 
اسطورة «بعل وموت» الأوُغارتية » تقدم لنا أكثر أشكال هذا الصراع وضوحاً ودرامية ففي 
هذه الاسطورة » يبدأ الصراع بين إله الحياة والدورة الزراعية «بعل» وإله الموت والعالم 
الأسفل «موت» » عقب انتصار بعل على العماء الأول المتمثل بالاله يم » المياه البدئية » 
وتوطيد أركان مملكته الجديدة , إذ ينبري موت من عالمه السفلي صائحاً : 





سورة المؤمنين الاية ١م‏ . 1 
قرآن كريم » سورة يسن » آية 7". 2 
سورةالانعام الاية ٠٠١‏ . 3 
قران كريم » سورة الشمس » آية ا لم 4 
انجيل يوحنا .» 7514:1311 5 


لالكمة! ا 


أنا وحدي من باهر الناس والآلهة 


ويسيطر على كل من في الأرض”" . 


فيبعث إليه بعل برسله طالباً منه التعايش بسلام » ولكن موت يرفض عروض 
بعل » ويسلط عليه التنين الهائل لوتان ذي الرؤوس السبعة » فيسحقه بعل مسجلاً بذلك 
انتصااً كونياً ثانياً على قوى الفوضى . هنا يثور موت ثورة عارمة ويطلب إلى بعل تسل 
نفسه والشهبوط إلى العام الاسفل » فيقبل بعل وهو في قمة سلطانه وجبروته الاستسلام 
للموت و«النزول إلى عالم الظلمات من فم الله موت الفاغر لابتلاعه : 

فشفة في الأْض وشفة في السماء 

واللسان بين النجوم : 

ليدخل بعل إلى أعماقه هابطاً عبر فمه » 

فتجف أشجار الزيتون ومنتجاث الأوضِ وار الشجر . 

خاف عليان بعل » فزع راكب الغيوم 
وأرسل إلى موت معلنا استسلامه : 

اذهبا وقولا للإله موت 

تحية لك أيها الاله موت 

عبدك أنا سأكون: 

عبد لك إلى الأبد 

| وهكذا يقدم بعل نفسه طوعياً للموت في استسلام يذكرنا باستسلام إنانا في 

الاسطورة السومرية . وبعد موت بعل تقضي حبيبته الإلة عناة فترة حزن وحداد عليه » ثم 
مضي في محاولة يائسة إلى الاله موت طالبة استعادة بعل إلى الحياة ولكن عبثاً . وبعد 
تكرار المحاولة وتكرار الرفض . قررت التصدي بنفسها للإله موت . فدخلت معه في 
صراع حاسم ودحرته : 


.أأعدعنا ,همل:ه1.0آ. 0‏ -1 


2555 


كقلب البقرة على عجلها وكقلب الشاة على حملها » 

كذلك هو قلب عناة على بعل 

لقد أمسكت بالاله موت 

بالسيف تقطعه وبالمذارة تذريه 

وبالناو تشويه » وبالطاحونة تطحنه 

وفي الحقل تدفنه فلا تأكل الحمه الطيور ولاتنبشه الجوارح 

فيعود بعل إلى الحياة» ويلتقي الحبيبان على سطح الْأَيْض حيث يرتقي بعل عرشه 
من جديد فوق قمة جبل الشيخ؛ بيها كانت السماوات تقطر زيتاً والوديان تجري 
بالعسل »ء ابتهاجاً بعؤدة سيد الطبيعة إلى الحياة . ولكن موت لايغيب إلى الأبد » والأمور 
لاتستقم لبعل على الدوام : 

وهكذا , من أيام إلى شهور » 

ومن شهور إلى سنين . 

ولكن في السنة السابعة 

بض موت مععلنا نفسه لعليان بعل 
وتعود القوتان الكونيتان للصراع من جديد 

إلا أن هذا الصراع الذي يطفو على سطح الأسطورة , ليس في حقيقته وغاياته إلا 
تعاوناً بين القوتين من أجل حفظ الوجود ومنعه من العودة إلى هاوية السكون والعدم . 
وهذا ما تعبر عنه المستويات السرانية للأسطورة . ففي النص الانف الذكر ند في مشهد 
قدال عناة وموت ء أن عناة تقوم بقتل موت وتقطيعه بالسيف وتذريته بالمذارة وشيه بالنار 
وطحنه بالطاحون ؛ وطمر أجزائه تحت التراب في الحقول لكي لاتأكلها العصافير . وفي 
ذلك كله إشارة إلى مراحل عملية حصاد القمح بالمنجل ثم تذريته بالمذارة فطحنه فخبزه 
وترفير بعضه لدفنه تحت التراب من أجل الموسم القادم الجديد. وماتريد الأسطورة هنا أن 
تقول . هو أن الإله موت هو حبوب القمح اليابسة التي تهاوت تحت مناجل الحصادين 
فقدمت غذاء للبشر ودفن بعضها من أجل اعطاء الحياة الجديدة في فصل الربيع القادم ) 
وان الاله موت ليس إلا الوجه الأخر للاله بعل الذي يمثل السنابل ١‏ قضراء » فموت هو 
بعل الميت . وبعل هو موت الحي . من هنا رأينا في نظرية تكوين ساتخونياتن التي نسبها 





فيلو للفينيقيين , أن الاله موت هو الخمية الأولى وبذرة الخلق . 
ونجد الشيء نفسه في الأسطورة المصرية . فالاله أوزوريس رب الخصب ودورة 
الطبيعة يدخل في صراع مع أخيه « سيت » الذي يمثل البوار والصحراء والشر . 
وعندما يتحول أوزويس من إله للطبيعة إلى إله للعام الأسقل » يستمر الصاع 
بين ابنه « حورس » و « سيت » فجولة لهحذا. وأخرى لذاك و لاحدههما 
على الاخخر . وقد عبرت الأعمال التشكيلية عن المستوى السرانئي لأسطورة حورس 
وسيت إذ سمتهما في جسد واحد ذي رأسين 
(الشكل رقم ه٠/2)7‏ واجد لحوروس وهو رأس 
الصقر وآخخر لسيت وهو رأس الحمار'". وفي 
الميثولوجيا الاغريقية نهد وحدة ال حياة والموت في الإنفة 
بيسفوني » التي تمثل روح العالم الأسفل وأيضا 
روح القمح الذي ينبعث من باطن الارض في 
الربيع . أما زوجها هاديس فهو الذي يعزى إليه دفع 
المزروعات للخروج إلى وجه الأَرْض + وارتبططت 
عبادته أحياناً بعبادة ديمتر » أم القمح9©. يما له 
دلالة موحية في هذا المجال أن اسمه الآخر «بلوتو» 
يعني «واهب الخيرات»7 
فإذا انتقلنا من أساطير الخصب إلى أساطير 





0 8 5 الك و نقة 
العكوين » وجدنا وحدة الحياة والموت تتجل على 0 0 
المستوى البدني . فالكون المنظم ومبادىء الحياة وحدة الحياة والموت 


الأزلى قد ظهرت من أشلاء إله قتيل أعطى حياته 
القديمة من أجل الحياة الجديدة » 5 هو الامر في اسطورة التكوين البابلية التي حللناها 


121-22 21 ,000 01 5لهةظآ 10 1116 رئ)ة117 مولام -1 
.6 2 ,لإهوامطاترة1 عاعه:0 ,لمة ئأن5.0 2 
99 2 ,7475665165 ألعتعهف ,ااتعطء5 لوط -3 


509١‏ سه 


سابقاً وأساطير أخرى كثوة منها القديم ومنها البدائي الحدديث . ففي اسطورة اسكندنافية 
يقوم الإله الشاب «أودين» بقتل الاله البدني . والعملاق الكوني «يمر» ومن جسده تنشأ 
شجرة الكون" . 

من لحم يمر جبلت الأرض وشكلت 

من عرقه المتصبب تجمعت اليحار 

من عظامة تكونت الصخور 

من شعره نبتت الاشجار 

من نخاعه تصاعدت الغيوم”") 

وفي اسطورة من تراث أمريكا الوسطى . كانت الاهة البدئية «تياتيولتي» جمم 
وحيدة فوق المياه الأولى . ثم ظهر الإنمان «كويتز الكوت» و «تيركا نليكبو» اللذان قررا 
الانقضاض على الالحة وقتلها لخلق العالم من أشلائها . ولم تكن مهمتهما بالمهمة السهلة 
لأن تلك الإنة لم تكن بالفتاة الغضة » بل كانت أشبه بالتنانين » كلها عيون لترى في 
جميع الاتجاهات وكلها أفواه بارزة الأنياب تنش كالكواسر » ولكن الإلمين أقلحا بعد 
معركة مهولة فصعاها وشقا جسدها نصفين وصنعا من أشلائها الأرض والسماء والالهة 
الأحرى . ثم قررت الألحة جميعاً من أجل ترضيتها » أن يصنعوا منها أيضاً كل مظاهر 
الحياة على الأرض . وهكذا صنعوا من شعرها الأشجار والأزهار والأعشاب ٠‏ وصنعوا من 
عيونها الينابيع » ومن أفواهها الأنهار والكهوف الكبوة » ومن أنفها الوديان » ومن كتفيها 
الجبال . إلا أن الالحة كانت تبككي طوال الليل » لأ بها توق لالتهام قلوب البشر » فلم 
تهدأ إلا بها , ولم تكن تحمل الهار إلا إذا سقيت الدماء' 5 

وبعد خلق الكون يآتي خلق الانسان الذي تنشأً حياته أيضا من الموت . ففي 
الأسطورة الاغريقية يخلق زيوس الإنسان من رماد الة التيتان الذين ضربهم بصواعقه . 
في أسطورة التكوين البابلية يأمر الاله مردوخ بعد قتله تعامة » أن يصنع الانسان من 
دماء زونعها كيتفو الأسهر : 





اسم سحي ومس لي 


.اوه امطاجا 1ه بمقدم علط ذ ,0 أمقطاد. 14.5 -1 
,192 8 ,0600© 1ه 05هةص]ط 1860 عط1 ,ئغ3 موللم 2 
.224-25 22 لإوهامطاترا! عاتصلط ,العطمويقت طمعءوو1 -3 


حم 


فلما انتهى مردوخ من سماع حديث الالحة 

حفزه قلبه لخلق مبدع : 

سأخلق دماء وعظاماً 

منها أصنع (لالو) وسيكون اسمه الانسان 

ثم يطلب أن يحضر أمامه كينغو ويطلب الى الاله «إيا» أن يتعهد خلق البشر من 


دمائه : 


ثم قيدوه ووضعوه أمام إيا 

أنزلوا به العقاب فقطعوا شرايين دمائه 

ومن دمائه تم خلق البشر 

وفي اسطورة بابلية أخرى عن خلق الانسان » نجد الألحة وقد كلت من عناء 
العمل اليومي » تأتي إلى الأم الكبرى طالبة منها خلق الانسان ليحمل عبء العمل . 
فتفعل ذلك مستخدمة دم إله القعيل : 

أنت عون الال حة » «مامي» أيتها الحكيمة 

أنت الرحم الأَم . 

اخلقي الانسان فيحمل العبء » 

ويأخذ عن الآلهة عناء العمل . 

فتحت «ننتو» فمها وقالت للاشة الكبار : 

لن يكون لي أن أنجر ذلك وحدي 

ولكن بمعونة «إنكي» سرف يخلق الإنسان 

الذي سوف يخشى الالحة » ويعبدها 

فليعطني إنكي طيناً أعجنه . 

فتح انكي فمه قائلاً للالهة الكبية : 

في الأول والسابع والخامس عشر من الشهر 

سأجهز مكاناً طهورا 


اح 1ه حت 


وبلحمه ودمائه ستقوم ننتو عمجن الطين 

اله وإنسَان عا 

سيتحدان في الطين أبدا”" , 

وفي أسطورة بابلية ثالئة » نجد الالهة وقد اجتمعوا بعد انتباء خخلق العالم للتشاور 
فيما يمكن هم فعله بعد ذلك : 

ماذا نستطيع بعد أن نخلق 

لنذبح بعض الة. «اللامجا» 

ومن دمائهم فلنصنع الانسان 

فنوكله بخدمة الالهة 

على مر الأزمان”» 


وتتجلى وحدة الحياة والموت في الفكر الأسطوري » في زمرة الأساطير التي تحكي 
عن ظهور نباتات الغذاء التي تعلم الإانسان فيما بعد زراعتها . وسوف نسوق أمثلتنا من 
ميثولوجيا الشعوب البدائية الحديثئة . تتحدث أسطورة من هاواي عن ظهور نبتة الخبز 
(وهي نوع من البطاطا) من زراعة جثة رجل قتيل . ففي الأزمنة السحيقة » وقبل أن 
يتعلم الناس الزراعة »اجتاحت الجزيرة مجاعة عامة » وضعت الناس على حافة الموت . 
وكان هناك رجل حكم اسمه «أولو» »يقصد المعبد كل يوم » فيتضرع للالحة من أجل 
انقاذ ابنه الصغير الذي هزل جسمه وصار من الموت قاب قوسين أو أدنى . وقد 
استتجاب لدعائه الآلحة وأطلعوه على الحل » الذي يقتضبي منه تقديم حياته لانقاذ ابنه 
وبقية سكان الجزيرة . فعاد إلى زوجته وطلب منها أن تنفذ فيه تعليمات الألة بحذافييها . 
فعند غياب الشمس سوف تقارقه الروح ٠‏ وعليها عند ذلك أن تدفن أجزاء جسده في 
حفر متفرقة من الأرض . فالرأس عند نبعة الماء والقلب قريب باب المنزل » وذراعاه وساقاه 
في أماكن أخرى قريبة » ثم تضتّجع في سريرسما ولاتفارقه حتى الصباح . فاذا معت من 
مكائها صوت حفيف أوراق وتساقط تار على الأرض » فمعنى ذلك أن الآغهة قد وفت بما 





.كتمع ه06 سقندهانزط82 116 ,[عل 111 عع لسصموع1م -1 
1514 -2 


حك 5ه 


وعدت . حزنت الزوجة لفراق زوجها ولكنها قامت تماما بما طلب منها عندما حل الغروب 
وسقط ميتا على الأوْضِ . وفي الصباح كانت نبتة الخبز قد طلعت من المكان الذي دفنت 
فيه رأس زوجها . وشجرة الموز من المكان الذي دفنت فيه قلبه » وفيما بينهما نمت 
شجيرات الكرمة ونباتات متنوعة أخرى . فقطفت من الشجر وأطعمت ابنها ودعت بقية 
الناس للأكل”" . 

وفي جزيرة كوك بامحيط الهادي» تحكي الأسطورة عن فتاة اسمها «إينا» كانت 
تستحم في احدى البحيرات عندما أتتها أفعى مائية كبيرة » مالبئت أن نضت عنها ثوبها 
ليظهر تحته الفتى الوسمم «تونا» . وقع الإثنان في حب بعضهما وتكررت لقاءاتهما عند 
البحييةٍ » إلى أن جاء يوم قرر الفتى فيه وداع صديقته ومغادرتها دون رجعة . هنا قررت 
إينا الانتقام من تونا و قتلته في لقائهما الأخير» و اججشت رأسه قدفنته في التراب , 
وراحت تزوره في كل يوم . وبعد مدة من الزمن لاحظت الفتاة أن نبتة صغيرة قد بدأت 
تزيح التراب عن رأس الفتى المدفون . ويوماً بعد يوم أخذت تلك النبعة تتطاول حتى 
غدت شجرة كبية هي أول شجرة جوز هند في العالم » وكانت ثمارها العجيبة » وما 
تزال » تحمل عيني الفتى وبعض ملاح وجهه'". وفي كولومبيا بأمريكا الجنوبية تحكي 
أساطير. السكان الأصليين عن فتى عذب الصوت كان الناس يتقاطرون إليه من كل فج 
عميق لسماع أغانيه الشجية . وحدث ذات يوم » لسوء حظ الفتى » أن الناس بعد 
انصرافهم عنه أصابهم داء غريب قضى على كثيرين منهم » فجاؤوا إلى الفتى وقد حملوه 
مسؤولية ماحدث » فقتلوه » وأحرقوه ودفنوا رماده تحت التراب . وبعد قليل نبتت فوق 
قبيه شتلة صغيرة مالبثت أن تحولت إلى أول نخلة في العام" .. هذا ويضيق امجال عن ذكر 
أمثلة أخرى مشاببة » لأ شيوعها يعادل شيوع أساطير الطوفان الكبير وأساطير خلق 
الزوجين البشريين الأولين من الطين . وأساطير خلق العالم من المياه البدئية الأولى . 

لقد ظهر الوجود من لجة العماء بالقتل » وظهرت مظاهر الحياة الأولى بالقتل » 
وبدأت حياة الانسان بالقتل . ثم لاحظ الإنسان أن استمرار بقائه يعتمد على القتل . 





199-201 2 ,لإاع 5432010 ع الاتتصلوط ,لاع طمتهدن طمءو0ل1 -1 
.22198-9 ,15610 -2 
22 ,8614 -3 


فكان اقنطاع الشجرة بالنسبة إليه قتل » وصيد الحيوانات قتل » وحصد القمح قتل , 
وصيد الحيوانات قتل . الحياة تستمر بالقعل » تتغذى على الموثت . والموت فاغر فاه 
يتغذى على الحياة . من الجدث المتنفسخة تنطلق ديدان حية نشطة » وفوق القبور وبقايا 
النباتات تنبت أعشاب وسيقان خضر . لهذا عمل الانسان القدبم على رفد الحياة 
بالموت » ورفد الموت بالحياة » من خلال طقس القرابين البشرية والحيوائية . فما نشأ عن 
الموت لايستمر إلا بالموت » وحياة الجماعة لم تكن لتقوم إلا بتقديم بعض أفرادها لقمة 
للموت . ومزروعاتها لم تكن لتنتعش من باطن الأض إلا بدم الأحياء الذي يراق فوق 
التربة حاملاً أرواح الضحايا إلى العالم الأسفل . لذلك كانت الأضاحي البشرية تذبح في 
الحقول وتؤخذ أجزاؤها فتدفن تحت التراب بن البذور المزروعة وتوؤخذ دماؤها فترش فوق 
الوريقات الصغيرةٍ الخضراء . ورغم أن القربان البشري قد تم استبداله بالقربان الحيواني 
لدى كثير من الثقافات في أزمنة مختلفة من تاريخها . إلا أن هذا الطقس قد استمر قائما 
إلى مطلع الفرن العشرين لدى بعض الثقافات التي هي أبعد ماتكون عن البدائية » كا 
هو حال الثقافة الهددوسية في شبه القارة الهندية . 

وفي الرواية التوراتية عن الفردوس الأول وسقوط الانسان , التي استلهمت روايات 
دينية أقدم » نجد أن الموت يظهر الى الوجود في نفس الوقت الذي يكتشف فيه الانسان 
الفعل الجنسبي الذي بواسطته يبتكر الحياة . ومع اكتّال هذين الضدين المتعاونين » يدخل 
الانسان في الزمن المادي ٠‏ ويببط إلى الأرض ليبتدئ الحضارة . لقد جلب آدم وحواء على 
نفسيهما اموت بعد أكلهما من ثمرة الجنس المحرمة » ولكنهما قد اختارا لذريتهما من الجنس 
البشري نوعاً آخر من الخلود » هو خلود النوع الناجم عن دينامية المتناقضات , لاخلود 
الفردومى الساكن الذي يشبه العدم . وبعد هبوطهما إلى الأْض » كان في مصرع ابنهما 
هابيل على يد أخيه قابيل » أول تجسيد لقوة الموت في الحياة الأرضية التي ابتدأت لتوها . 
وتم استهلال تاريخ البشرية بجريمة قتل : « وحدث اذ كانا في الحقل أن قابيل قام على 
هابيل أخيه وقتله . فقال الرب لقابيل ٠‏ أين هابيل أخوك ؟ فقال لا أعلم » أحارس أنا 
لأخي . فقال . ماذا فعلت ؟ صوت أخحيك صارخ إلىَّ من الْأض فالآن ملعون أنت من 
لض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك" . 





العهد القدبم . سفر التكوين » 5 :8 سس .1١١‏ 1 


لجد عل 1 حب 


هذه الارض التي فتحت فاها لتيلقف جسد هابيل هي التي جبل منها جسد أبيه 
آدم؛ وهي التي سوف تتلقف جثث الموتى إلى نباية الأزمان . إنها الأم الكبرى التي تأخذ 
باليسار ما أعطته بامين . سيدة القوتين الكونيتين . قوة الحياة النشطة وقوة الموت 
الساكنة » قوة النور وقوة الظلام . قوة الخير وقوة الشر » اليائج والين في دوراتهما الأبدي » 
وذراعا الصليب المعكوف في تناوبهما السرمدي . 


الأم الكبرى سيدة الموت : 


إن الاله الكوني الشمولي » عندما لايجرد من نفسه ظلاً له يحمّله مسؤولية الموت 
وشرور الحياة » لابد له من الإامساك بخيوط القوتين الكونيتين بذراعيه الاثنتين » فبالهنى 
يمسك قوة الحياة والخير » وباليسرى قوة الموت والشر . وهنا تغدو مسألة استرضاء وجه 
الإله الأبيض واتقاء غضب وجهه الأسود » الموضوع الأساسبي للعبادة والطقوس . من 
هنا نستطيع أن نفهم الخصيصتين المتناقضتين للأم الكبرى للعصر الحجري » أول إله 
شمولي عبده الإنسان. كا نستطيع أن نفهم استمرار هاتين الخصيصتين في وريثات الأم 
الكبرى . 

تدل الاكتشافات الأركيولوجية الحديئة في منطقة الشرق الأدفى . على أن الم 
الكبرى للعصر النيوليتي قد عبدت كسيدة للموت أ عبدت سيدة للحياة”"') وتدل. 
طقوس الدفن التي مارسها سكان المستوطنات الزراعية النيوليتية » على أن الموت لم يكن 
بالنسبة [ المع سوق فعرا للعودة إلى أحضان سيدة الموت التي كانت في نفس الوقت 
سيدة للحياة . ففي مستوطنة شتال حيوك » » كان النسر ء ذلك الطائر الذي يعيش على 
جنث الموقق » رمزا للأم الكبرى في وجهها الأسود . وكانت معابد المستوطنة ملا ىبالرسوم 
الجدارية التي تمثل نسوراً عملاقة منقضة على جدث الموق ( شكل رقم 75 ) . ويستدل 
علماء الاثار » اعتهادا على هذة الرسوم » وعلى دراسة بقايا المياكل العظمية لسكان تلك 
المستوطنة . على أن الموق كانوا يوضعون على مصاطب عالية في أماكن بعيدة خاصة , 
تأتييا النسور فتلتهم لحم الجنث وتترك الطيكل العظمي سليماً . ركانت المصاطب العالمة 


11 2 ,علس ل[4غد0 ,أمهمولاء84 دعتصدلد -1 


ل ات 


تحمي الجدث من الكلاب والضباع وما إليها من الحيوانات القمامة » وتتركها وقفا على 
طيور الأم الكبرى . فاذا انتبت النسور من عملها» حملت الحياكل العظمية إلى 
مستودعات خاصة تترك فيبا إلى فصل الربيع » حيث تأخذ كل عائلة موتاها فتدفنهم في 
منزها تحت مصاطب النوم والجلوس . ؟! كانت أرضيات المعابد تستخدم لدفن الموق من 
ذوى المكانة الخاصة"" . 





(الشكل رقم 77 ) 


نسر الام الكبرى » رسم على جدار معبد في شتال حيوك 7٠٠١‏ .م . 


ورغم أن فريقاً آخر من علماء الآثار يطرح تفسيراً مغايراً » لمشاهد النسور في 
الرسوم الجدارية » فان كلا الفريقين متفق عللى أن النسر هو رمز للأم الكبرى لشتال 
حيوك باعتبارها سيدة للموت . ذلك أن الفريق الثاني يرى أن تلك المشاهد ليست 
تثيلآلطقس بل تثبل لأأسطورة تتملق بعالم هما يعد الموت ٠‏ نوآن نسور الأم الكبرق هي 
التي تتلقي ا مون بعد عبورهم إلى العالم الحا" هذا وقد وجد المنقبون في شتال حيوك 





.204-207 ,182 22 ,1010 -1 
63-64 22 روعناوتطلغامع11 كدملوتاع8 ,مااييدن. ل -2 


لساخ 5١‏ له 


أن مناقير النسور كانت مدفونة في الأثداء الأنئوية المشكلة من الصلصال » التي كانت 
تزين بعض جدران معابد المدينة . وفي ذلك إشارة بليغة إلى سلطة الأ الكبرى على عالمي 
الموث والحياة في أن معأ" . 

إن عادة دفن المونى تحت أرضيات بيوت الأحياء لم تكن وفقاً على موقع شال 
حيوك » بل يبدو أنها كانت عادة شائعة في معظم أنحاء الشرق القديم خلال العصر 
النيوليتي . ولنا في عادات الدفن في موقع:تل المربيط » وموقع أبو هريرة على نهر الفرات 
وغيرثما أمثلة على ذلك”" . كا كان من عادات الدفن في بعض المواقع ( وتموذجها موقع 
أريحا ) »أن تؤخذ جماجم المونى بعد تحلل الميكل العظمي » فيعاد تشكيل ملاح أصحابها 
بواسطة الجص » وتوضع الأصداف في محاجر العيون » ثم تنصب في أمكنة بارزة في 
البيوت”"وهذة الممارسات إنما تدل على إحساس إنسان العصور الحجرية العميق » بوحدة 
الحياة والموت . فالموت ل يكن أمزأ بغيضاً يتناساه الانسان ما عاش » ثم يلقاه فجأة إذا 
ما بلغت روحه الحلقوم » بل هو حقيقة قائمة وحضور دائم . هنا والان . والخط الفاصل 
بين العالمين وهم وسراب . 

ولعلنا واجدين في المعتقدات القمرية القديمة » منبعاً أساسيا من منابع الاعتقاد 
بين عفار لمتناقضين والمتعاونين . ففي طوره الأول » عندما يرتفع الحلال فوق الأفق 
الشرق اخذاً بالتزليد حتى الاكتمال » تدير عشتار نحو العالم وجهها المضيء» وجه الحياة 
والخصب والحب . وني طوره الآخر » عندما ياخذ البدر بالتناقص منحدرا نحو الافق 
الغربي » تدير عشتار وجهها الأغبر » فترسل الأمراض: والأويئة الفتاكة والعواصف 
المدمرة » وتعتلي مركبتها الحربية لتقود المعارك . فإذا ابتلعت القمر بوابة الغرب » انتصبت 
عشتار السوداء خلفاً لعشتار البيضاء فتقبض إليها باليد اليسرى ما أطلقتة يدها العنى . 
وتتحول العذراء الطروب الأنثى الجميلة الرقيقة » الم الواهبة المعطاء » إلى شيطانة مولعة 
بالقتل » ترسل بأحبابها إلى الموت حيث يحل القبر محل سرير اللذة . في طورها المنير هي 
التي انشدت أعذب أغاني الحب : «في الليلة الفاتنة » أنا الملكة » كنت المع في كبد 





.63-64 2 ,10ط1] -1 
.754 22 أفهقظ موعل8 عط 01 عتطتتامعل5 عط1 ,أتهدولاء54 و5عية1 2 
197-198 228 رافق عقعل8 عط 01 0101122655 أو تلتق ,أتقضااء151 وعررح[ -3 


ل كك 


السماء . كنت أَرِتِع في أرجاء السماء وأغنى عندما التقاني دوموزي . السيد دوموزي 
التقاني فوضع يده في يدي وعانقني»”" وفي طورها المظلم هي التي رمت دوموزي 
بنظرات الموت » مهيبة بعفاريت العالم الأسفل أن تجمله الى العالم الأسفل : «فانقضت 
عليه العفاريت وجرته من ساقيه. فانقطع الراعي عن نفخ نايه ومزماره . ثم ركزت إنانا 
عليه أنظارها » ركزت عليه أنظار الموث ء ونطقت ضده بالكلمة التي تعذب الروج 
وصرحت في وجهه قائلة : أما هذا فخذوه . وبذلك أسلمت إنانا الطاهرة دوموزي الراعي 
الى أيديهم»”" . في نص سومري آخر نقرأ : 

أيها الابن الملكي , يا أخي ذا الوجه الأجمل بين الوجوه 

تبايتك باتت قريبة » وقدر عليك مصير بائس 

إيبا الحبيب » الرجل الذي يسكن القلب ‏ 

لقد قدرت عليك مصياً بائساً يا ذا الوجه الأجمل بين الوجوه © 


وقد عبر إنسان العصر الحجري الحديث عن وجهي عشتار الحظلم والمنير بأن مثلها 
في هيئة مزدوجة . ففي معابد شتال حيوك نجد الأ الكبرى في بعض المنحوتات الجدارية 
وقد ازدوجت في شكلين اثنين متطابقين يولد منبما الله الابن ‏ الثور ( الشكل 
رقم 77 ) . وهذان الشكلان ليسا تعبيراً عن اشتين منفصلتين . بل هما تعبير عن الإلحة 
للواحمدة للعصر النيوليتي ذات الوجهون . وجه تديره نحو الحياة واخير نحو الموت . وهي 
التى سوف تستمر فيما بعد في شخصية أم القمح الإغريقية ذات الوجهين : ديمتر 
و برسفوفي 9 . 

وفي ميثولوجيا الشعوب البدائية » بقي مفهوم عشتار المزدوجة قائما الى العصر 
الحديث ء فالأم القمرية ما زالت حية لدى كثير من القبائل البدائية تحت اسماء شتى . 
فهي «المرأة اللخائدة» و «المرأة المتغيرة» و «المرأة التي تبدل جلدها» و.« الرأة 





.197-198 228 ,1. لا يأمفظ كوع1! أموتعدرةى عط1 رلتقطعغ عط .ل -1 


2 فهققها قاع أت !12.701 لة ,تعسسدن_1 .1( 2-5 
.5 2 رعانظا 75422213286 526:60 186 ,تع تنو 5.17 -3 
192,01 ,81 22 ,عطنالا 11 02121 رأمقةلاعكةا و0:ة[ -4 








«الشكل قم لالا ) 


عشتار المزدوجة ‏ شتاك حيوك 5٠0٠6٠‏ ق.م 


المضيكة» . وهذه الأم القمرية تلد توأمين » الابن الأببيض » والابن الأسود ) الأول سيد 
الحياة والثاني سيد الموت . وهما في صراع دائم لا ينتبي . فنا أن يدر أخذكما صريعاً حى 
يستجمع قواه وينبض من جديد . وفي بعض هذه الأساطير تزدوج الأم القمرية نفسها 
متحولة إلى إهين » اله الخير والحياة » وإله الشر والموت' © وهذا يذكرنا بصراع بعل وموت في 
الاسطورة السورية + وأوزوريس وأخيه سيت في الأسطورة المصرية » وأهورا مازدا ونقيضه 
أهريمان في الأسطورة الفارسية الزرادشتية . ما تلقي هذه الأساطير ضوءاً على ظهور 
فكرة الشيطان لدى كثير من الديانات . فصورة الاله الأسود قد بدأت تزداد قتامة 
وتنفصل عن صورة الاله الأبْيض » حتى زالت عنها صفة الألوهة متحولة إلى نقيضها 

ذلك أن التركيز المتزايد على الوجه المضبيء للقوة الالمية واستبعاد وجهها الأسود » قد أدى 
بالضزورة الى ظهور الشيطان مرافقا للرحمن , وقام كل إله أبيض بابتكار شيطانه 


320-35 25 رورعط]140 عط ,الدد أأااءظ أمعطمظ -1 


5١١‏ سد 


الأسود » فحمله شرور العالم . ففي التقليد المسيحي كان الشيطان من الملائكة المقربين 
الذين يعكسون مجد الله وعظمته » قبل ان تحل عليه اللعنة يبيبط مِن السماء الى عالم 
الظلمات » ومعه الاف اللملائكة الذين وقفوا في صفه وتحولوا الى شياطين . وكان اسم 
الشيطان قبل الهبوط «لوسيفر» الذي يعني «حامل الضياء»'" وفي خرافة هنغارية تعتمد 
تقاليد أسطورة موغولة في القدم , ان الاله كان يتمشى وحيدا ء في احد الأيام عندما رأى 
ظله يتبعه » فالتفت اليه قائلا : قم إلي أيبا الضديق » فنبض الشنيطان من ظل الإله 
وتقدم طالبا إن يقسم العالم فيما بينهما » فيأخذ اليه الْأْضِ ويترك السماء للإله . فكان 
ان وافق الاثنان على تلك القسمة ووقعا اتفاقا بذلك”" . وهذه الفكرة تتكرر في أسطورة 
من أواسط اسيا تقول : ان الآله كان يجلس وحيدا على صخرة عندما حدث نفسه 
قائلا : لو كان عندي اخ لتعاونت معه على خلق العالم . وما ان انبى كلامه حتى بصق 
على وجه البحر » ومن بصاقه ظهر جبل من وسط الماء » فقام اليه وشقه بسيف فخرج 
منه الشيطان الذي تقدم من الإله قائلاً : يجب أن نصبح أخوين . فقال الاله : لا بل 
سنكون رفيقين . وهنا شرعا معاً في خلق العام" . 


رغم تشظي صورة الأم الكبرى للعصر النيوليتي » وتحول أسمائها وصفاتها الى 
ذوات منفصلة ظاهريا متطابقة باطنيا » فان كل اسم من أسمائها » وكل تجل من تجلياتها 
قد حافظ عق خصائص وجهها الاسود . فعشتار البابلية9» كانت تدعو نفسها في بعض 
النصوص «بسيدة الليل» و «سيدة النواح» . تظهرها الأساطير تارة ابنة لسن إله القمر ١‏ 
وتارة ابنة لانو إله السماء . فكابنة لانو » كانت عشتار إلهة للخصب والحب ومتع 
الحياة . وكابنة لسن » القمر .جآك الليل » كانت إهة للدمار وسيدة للحروب والمعارك . 
من القابها «نجمة العويل» التي تختطف الاأصحاب وتفرق بين الاحباب » ومن القابها 
«سيدة المعارك» . تمثلها الاعمال الفنية في عدة الحرب الكاملة » تعتلي مركبة تجرها سبعة 





41-43 28 ,لإأتمهنعمط هذ لقنن لسة طاو! ,ئغغ17 سقللة -1 
.29 2 ,600 01 كلصةة 190 ع1 ,178/245 سدالة -2 

,9 2 ,ةتط1 -3 

58 2 رلاع 14325010 مقنده زط 83 -مرؤذوة ,0ر3 عأنا .17 -4 


ست 


اسود وفي يدها قوسها المشدود . وكانت تعين اختها أريشكيجال إلة العالم الأسفل على 
ملء جهنم من الناس . وني بعض النصوص تبدو ذات سلطة على العالم الأسفل تعادل 
سلطة اختها اريشكيجال نفسها الامر الذي يؤكد تفسيراتنا السابقة حول الوحدة السرانية 
للإلهتين » وتحدرهما معا من اصل مشترك لم تكن الاسطورة قد نسيته في تلك الأيام . ففي 
ملحمة جلجامش . تطلب عشتار من ابيها انو ان يعطيها ثور السماء لتبلك به 
جلجامش الذي أهانبها » وتهدد بأن تفتح بوبات العالم الأسفل فتطلق كل من ماتوا منذ 
بدء الخليقة رليأكلوا ويشربوا مع الأحياء لتعم المجاعة ويشرف الكل على الهلاك : 
أبتاه اخلق لي ثور السماء أهلك به جلجامش 
فان لم تخلق لي ثور السماء 
أحطم بوابات العالم الأسفل » أتزع را 
أترك ابوابه مفتوحة على مصاريعها 
فيصعد الأموات ليأكلوا مثل الاحياء 
وسيربو عدد الأموات على عدد الاحياء2©9 

وفي ترتيلة بابلية الى عشتار » نجد وجهها الأغبر كسيدة للدمار والمعارك مختلط مع 
وجهها الأبيض الذي ينح البركة للبشر : 
لك ارفع صلاتي » ياسيدة السيدات » ياإفة الالغات . 
أي عشتار » يا مليكة كل الشعوب وحاكمة البشر . 
أي «ارنيني» العالية » سيدة أرواح السماء . 
أنت الجليلة القاهرة .واسمك الأعلى بين الأسماء . 
أنت نؤر السماوات والأضل+ أينها' الباسلة 'ياابنة اله القمر.. 
ت ربة كل سلاح ء ولك الأمر الفصل في المعارك . 
مستنة الشرائع » وعلى رأسك تاج السلطان 
أي سيدز » إن قدرك العظيم ليسمو فوق كل الانهة . 


اننت سبب العويل والنواح ٠‏ تزرعين العدواة وتفرقين بين الاخوة 3 


أنت 
أنت 





راجع مؤلفي . ملحمة جلجامش . 1 


5١5-‏ م 


أي «جوتيرا» أنت متمنطقة بالمعارك » متشحة بالرعب والهول 
لذكر اسمك عبتز السماوات والأض 
يرتجف الالحة وتتر نح أرواح ال 00 


وفي صلاة الى «إنانا» من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد , تبدو إهة الخصب 
السومرية في اعتى اشكالها كسيدة للغضب والدمار والهلاك : 


سيدة النواميس الكونية » ايها التور المشع . 

واهبة الحياة » صفية الالة «ان» وحبيبة الشعب . 
لقد ملأت الأض بالسم 6 التنين . 

احتبس الزرع لصوتك الراعد كصوت اشكور ( إله العاصفة ) . 
أسلت مياه الطوفان من علالي الجبال » 

أمطرت الأرِض حمماً من نار . 

أعطاك «ان» النواميس ياممتطية الوحوش الكاسرة » 
فمن يسبر غور طقوسك العظيمة . ش 

أمدمرة البلاد العاصية . لقد وهبت العاصفة جناحا . 
صفية «انيل» لقد سلطت الرياح على الأصقاع , 
وحملت مشيكة ان . 

مليكتي » إن البلاد العاصية لترتعد من صيحتك . 
يرتفع إليك صراخ البشر ‏ 

هلعا من رياخ الجنوب العاتية . 
يعولون امامك وينتحبون في الطرقات . 

وفي غمار الوغى » كل شيء تكوم حطاما عندك . 
مليكتي » ايتها الملتهمة الشرسة » 


لقد تابعت هجومك كعاصفة زاعقة » 





.64 2 .111:56:165 5' 7/1/0122 ,113101135 154.1 5 0110 ,رعسن؟ظ. /ل1..7 -1 


غ١5‏ د 


تهدرين برعد فاق صوت اشكور ء 

تعولين بأعلى من صوت الرياح الشيطانية . 
مليكتي » ان الاهة الكبار , 

فرت امام وجهك الغضوب » 

لم ترفع نظراً الى جبينك المهوب » 

فما من سبيل لتبدئة جنانك الثائر » 

مليكتي » أنت الجذلي الطروب » 

ولكن : ياابنة سن : غضب قلبك بلا حدود . 
مليكتي . سيدة البلاد » من يستطيع إعطاء طاعتك حقها ؟ 
أنت من يمنع الزرع والإنبات عن أراضي العصاة » 
تسحقين بواياتها المنيعة » 

تجرين أغبارها دماء فلا يجدون ما يشربون » 
وقلئين مزابع لهوها نكبات . 

تحجبين عنها كلماتك الطيبة » 

فتبتعد المرأة عن زوجها » 

لاتسمعه في الليل كلام الحب ء» 

ولاتفضي له بسريرة قلبها . 

أيتها البقرة البرية الجموح » 

أنت أعظم من كبير الآمة أن » 

وأعظم من الأ التي ولدتك . 

فيا مليكة البلاد الحكيمة العارفة 

يامكثة الخلوقات والناس » 

هذه أغنيتي أرفعها بحمدك”" 


الى جانب تي القوة الالحية الأنشوية المدمرة في الوجه الأسود لكل من عشتار 





.12618 22 رأفقط موعل1 الرعاعهمة عط1 ,لمقطء مط وعيسخ[ -1 


5١6‏ ل 


البابلية وانانا السومرية » فاننا نعثر في بلاد الرافدين على إطة ثالئة تلعب دورا هاما في عالم 
الشر والظلام والعالم الأسفل هي الانهة «ليليث» عفريتة وشيطانة القفار المظلمة تصورها 
الأعمال الفنية التشكيلية على هيئة امرأة يجنحة عارية » جميلة الجسد مكتنزة الصدر , 
تقف فوق لبوتين » وتنتبي ساقاها بمخالب الطيور الكاسرة عوضا عن القدمين » وعن 
ينبا ويسارها بومتان . وهكذا تقوم رموز الأم الكبرى المضيئة بدور معاكس عندما تدير 
عشتار وجهها المعتم . فالأجنحة التي كانت رمزاً لسماوية الأ » هي الان رمز لعالمها 
المظلم . وحمامات عستارت أفروديت ٠‏ التي مثلت خفق القلوب بالعواطف » هي 
بومات وغربان تمثل فق القلوب بالرعب ٠‏ وتبشر بالفراق والشقاق والموت . ففي بلاد 
لرافدين نعثر على زمرة من الرموز المتعلقة بالأجنحة والطيور » وقد عكس مدلوها لتغدو 
رمزا للطاقة السالبة في الكون بعد أن كانت برمزا للطاقة الموجبة . فمن الآلف الثالث قبل 
الميلاد » وصلتنا مجموعة من الأختام الأسطوانية » التي تمثل بوابة مجنحة يحملها على ظهره 
ثور راكع أمام الأم الكبرى الجالسة على عرشها وفي يدها كوب فرقه الحلال في يومه 
الاول . هذه البوابة امجنحة هي رحم الأ الكبرى الذي يطلق الى العالم شتى مظاهر الحياة 
مع اشراق الهلال الجديد » وهي بوابة الغرب التي يدلف منما الموى الى عالم الظلمات مع 
هبوط القمر درجات الموت السبعة . وفي الاساطير المتعلقة بالعالم الاسفل , نجد عفريت 
الموت قابض الأرواح » على هيئة طائر . م نجد الموى هناك وقد تغيرت اشكالهم واستعاروا 
بعضا من هيئة الطيور وملاتحها . ففي ملحمة جلجامش ؛ على سبيل المثال » نقرأ على 
لسان انكيدو : 

ظهر امامي اله معتم الوجه . 

ملامحه كوجه طائر الزو 

ومخالبه كمخائب العقاب 


فخدت ذراعاي مكسورتين بالريش . 
م قادني إلى بيت الظلام » إلى مسكن إرجالا » 
إلى دار لايرجع منبا داخل اليها . 


- 51١5 


إلى مكات لايرى أهله نورا » 
فالتراب طعام هم والطين معاش . 
لباسهم كالطير » أجنحة من ريش . 
لايرون نورا وفي ظلمة يعمهون'”' 


وفي المثولوجيا والطقوس السورية » لاتبدو الإلهة «عستارت» أقل تعطشاً للدماء » 


من صنوها عشتار البابلية . فحول الحجر المقدس الذي يمثل عستارت في معابد 
الكنعانيين » تم العثور على عشرات المياكل العظمية لأطفال تم تقديمهم قربانا للالهة”» 
وفي قرطاجة الكنعانية » ارتبطت عبادة الاله الثور ابن الأمُ الكبرى بالعضحية البشرية » 
فكان الأطفال يرمون إلى داخل تمثال برونزي محوف هائل الحجم له رأس الثور » تتأجج 
في داخله النيران . وهذا اتمثال يمثل الإله مولوخ 6 صنوا الاله بعل”' . وني اغاريت 
الكنعانية » تكشف إغة الخصب عناة عن وجهها الأسوذ في احد نصوص أسطورة بعل 
وعناة : 


هي ذي عناة تقاتل بضراوة . 

انها تذبح أبناء المدينتين ‏ 

إنها تصارع أبناء شاطىء البحر » 

وتبيد أبناء مشرق الشمس . 

تحتها الرؤوى وتطاير السور؛ 

وفوقها تتناثر الاذرع كالجراد . 

إنها تخوض في دماء الأبطال حتى الركب . 
إنها تغوص في دماء الناس حتى- العنق . 
كبدها يتفجر سرورا » 


وقلبها يمتىء حبورا . 





6 2 .743563165 7801031205 ,م0 113:01 .164.8 2 
7 ولأوناه8 3م0010 ع1 ,وعموظ وعمرول ‏ هد 


ه ا ل١751‏ عه 


تغسل يديها في دماء الجنود , 
وأصابعها في دماء البء (© 


فإذا انتقلنا الى الميثولوجيا المصرية ء التي لقيت فيها صورة الأُم الكبرى من 
التشظي ما لم تلقه في ميثولوجيا الثقاقات الأخرى » لوجدنا الوجه الأسود للأم الكبرى 
الأولى وقد تجلى في كل صورها المبعثرة اللاحقة . وفي الحقيقة فان هذا التشظي في صورة 
الأم المصرية» إن هو إلا ظاهرة سطحية ساعد على توضيحها للعقل الحديث دارسو 
الأسطورة الأكاديميون » من لم يلمحوا الرابطة السرانية بين جميع تجليات الأَم المصرية 
وأسمائها . وهي رابطة قدمت لنا الأسطورة مفاتيحها بطريقة لاعنني على البصيرة » وإن 
خفيت على البصر الكليل. وسوف نجد إن كل تجل من تجليات الام الكببى يفضي إلى 
الاخر . وكلها تصب اخيراً في الالهة الواحدة للعصر النيوليتي » سيدة الحياة والموت .. 

نقرأ في كتاب المونى المصري » فصل البوابات السرية » وهي بوايات العالم الأمفل 
السبعة» عن. الأم الكبرى ذات ذات الوجهين: «سيدة الرعدة؛ عشيقة الدمارء حاكمة 
السماوات » سيدة العوالم . ملتهمة بنارها متسلطة بحد السيف . سيدة الشعلة » سيدة 
النور » لايعرف ها امتداد » وليس كمثلها شيء منذ البداية . نار موقدة لايخمد أوارها » 
ألسنتها تطال الأقاصي . مهلكة لايقف في وجهها شيء . ولايدرك الإنسان برشده وعقله 
مر أذاها . راعدة الصوت مدمرة . سيدة البوابات لها ترفع الابتهالات يوم الظلمة . 
ملتبمة أجساد الموقى . سيدة القتل والمذابح حاصدة الرؤؤس واسمها قاطع كحد 
السكين'" » . من التجليات. القديمة لهذه الالحة الأ . الالحة «نيخبت» وهي إفة الأمر 
الفرعونية الأولى . كان النسر رمزا لها » كا صورتها الأعمال التشكيلية على هيئة امرأة برأس 
نسر . كانت نيخبت إفة الميلاد . وفي نفس الوقت كانت طائر الموت الذي يمزق الجشث 
ويلتهمها . وفي العالم الأسفل كانت راعية الموق"" وبعد أن أفل نجم هذه الإلحة » نجدها 
تنبعث في إهة اخرى تحت اسم (مت) الذي يعني «الأم» . وقد صورتها الأعمال 





فيك 181٠‏ داك 6 005 


2 أهع01 ع1 ,للتتقسنتلا طعمة8‎ 140865, 2 ٠ 
3- 1010, 2 164, ,لام 119010 لقتامزع] ,1300 . 3 ,50ل معد‎ 2 29. 


- 51420 


التشكيلية على هيئة امرأة تضع على رأسها تاجاً مصنوعاً على هيئة رأس النسّر . كا 
صورت على هيئة بقرة سماوية » هي البقرة التي ارتقى ظهرها إله الشمس الأكبر عندما ولد 
من البيضة الكونية وخرج من أعماق الأقيانوس الماني الأول » صاعدا نحو قبة السماء . 
وصورت أيضا على هيئة هرة وهيئة لبوة .© وهذه الهيئات جميعا» سوف تتكرر في 
تجليات الألوهية المؤنئة اللاحقة في الميثولوجيا المصرية . فالإلهة «نيت» والتي تنافس في 
القدم الإلهة نيخبت » كانت البقرة السماوية من قبل ان توجد -الاشياء » وهي ام الالهة 
جميعا التي أنهبت إله الشمس «رع» ثم اتبعته بقية الالهة . والى جانب هذا الدور 
الكوني » تظهرها النصوص والأعمال التشكيلية كإهة للحروب وراعية للأموات في انعالم 
الأسفل تقدم لهم الخبز والماء عند وصوشم . م تظهر في وضع الإلمة النساجة التي تغزل 
خيوط القدر وتحيك مادة الكون . وفي الدرام الأوزوريسبي نجدها أحيانا وقد حلت محل 
الالحة ايزيس كحبيبة للإله اوزوريس القتيل20. وفي ذلك توكيد على أن قدماء المصريين 
كانوا يطابقون بين الالمة القديمة «نيت» والالهة الجديدة «إيزيس» رغم اختلاف الأسماء 
التي فرضته عوامل الصراع الدينية والسياسية عبر حياة الحضارة المصرية المديدة . 
تظهر «إيزيس» غالبا وعلى رأسها قرنا بقرة » وفي أحيان قليلة برأس بقرة » أما 
الإلحة «هاتور» وهي أحد أشكال الإلة «أيزيس» فتحمل غالبا رأس البقرة » وتبدو في 
أحيان قليلة برأس بشري يحمل قرني بقرة . وكانت هاتور تدعى في بعض النصوص «بأم 
حوروس» وهو لقب إيزيس نفسها . ونجدها في النصوص والأعمال التشكيلية على هيئة 
بقرة سماوية انجبت الشمس والكون , وهي مرضعة كل الأحياء من لبنها » وايضا راعية كل 
الأموات . فتحت اسم «سيدة المغارب» تظهرها الرسوم وقد نبضت من أطراف 
الصحارى القاصية عند حدود الغرب حيث تغيب الشمس » لتستقبل الأموات وتقدم 
هم الخبز والماء » ثم تحملهم على ظهرها الى العالم الأسفل . وهي تمسك بسلم الصعود الى 
السماء » الذي يتسلقه كل من مروا بسلام عبر امتحانات العالم الأسفل القاسية". 
وربما كان هذا السلم هو الذي رأينا إيزيس العارية ممسكة به في الشكل رقم (74) من 





2 ,لوه [مطارا1 مقنام ع5 :ل -1 
.27 ,1010 -2 
.5 2 ,1010 -3 


5(59اه 


فصل البغي المقدسة . ومن آلقَاب الالحة هاتور لقب «سيخمت» الدي يعني الجبارة . 

وقد تحول هذا اللقب إلى إهة مستقلة تحمل اسم «سيخمت» وتحت هذا الاسم تبدو الام 

المصرية الكبرى في أقسبى أشكاها كإلهة للحروب «المذابح الجماعية . نراها في أحد 

النصوص وقد باشرت حملة إبادة ضد الجنس البشري انتقاماً للإله رع الذي تنكر له 
الناس ولكن الاله رع يخشى فناء البشرية فيتدخل لدى الإلهة لتوقف حملتها دون أن يلقى 
منها أذنا صاغية » إذ تجيبه وهي سكرى بالدماء أن قلبها ينشرح للذبح وسفك الدم . 
عند ذلك يأتي بسبعة آلاف برميل من شراب مسكر أحمر اللون مصنوع من مزيج الجعة 
وعصير الرمان » فيسكبها في ساح المعمعة » فتشربها سيخمت عن آخرها معتقدة أنها 
تشرب من دماء البشر المسفوحة . وهنا تبدأ قواها بالتخاذل وتعجز عن إكال المجزرة9" . 
هذا وقد اختلطت بهذه الإلحة إهة أخرى اسمها «باست» التي تبّدو على شكل هرة ؛ أو 
على شكل امرأة برأس هرة . وكانت في اصلها كزميلتها سيخمت لبوة أو امرأة برأس 
وو 1 


وفي الجزيرة العربية » نجد في أسماء الأم الكبرى المثلثة » ما يشير إلى وجهها 
الأسود . فاسمها «اللات» هو اشتقاق من اسمها السوري «إيلات» موّنث «إيل» ؛ 
واسمها «العزى» يعني في العربية القوية المرهوبة الحانب » ويعادل اسم سيخمت الخبارة 
عند المصريين . اما اسمها «مناة» فمشتق من المنية أي الموت . وقد رأينا في رواية سابقة 
عن قتل خالد بن الوليد للعزى صورة باهته قدمها الإخباريون المسلمون عن وجه الالحة 
الأسود (راجع فصل عشتار القمر) . وكان العرب يحملون صورة العزى في غزواعهم كالهة 
للحرب . وفي يوم غزوة أحد . كان المشركون يباهون المسلمين بالعزى قائلين : ألا لنا 
العزى ولا عزق لكم . فيجيب المسلمون : الله مولانا ولا مول لككم . وكانوا يقدمون لها 
القرابين البشرية . فقد ذكر مؤرخ سرياني قديم أن الملك المنذر قد ضحى للعزى بابن 
الحارث ملك غسان وقد وقع بيده أسيرا » 5 ضحى لها ببعض الراهبات المتنسكات في 





,6 8 ,10ط1 -1 
6-7 2 ,1610 -2 





بعض أديرة العراق7" . وجاء في أخبار أحد المؤرخين عام +0٠‏ ق . م » عن طقوس 
القرابين البشرية للعزى بين عرب الشمال أنهم كانوا يكرمون كوكب الصبح ويخرون له 
ساجدين » ويضحون له بأجود اسراهم الذين أخذوهم في الغزوات . وهم يفضلون لذلك 
الشباب إذا كانوا في عز الصبا وصبيحي الوجوه . فيعدون لهذه الغاية مذيحا من الحجارة 
والصخور التي يكومونها في انتظار الفجر » حتى إذا لاح كوكب الصبح ضربوا ضحاياهم 
بالسيوف” . 


فإذا انتقلنا من الشرق القديم نحو ثقافات الغرب . وجدنا أول تجل لوجه الأم 
الكبرى الأسود في الالحة رحيا ء الأ الكريتيةالكبرى التي رأيناها كأم للكون وسيدة 
للفصول وخصب الأرْضٍ وجميع مظاهر الطبيعة . فهي «بريتومارتيس» أي العذراء العذبة؛ 
ومغ ذلك كانت سيدة الموت وحاكمة العالم الأسقل'" وقد نسج الإغريق على منواها 
إلهتهم «جيا» الأ ذات الأثداء » والأرض التي ترضع كل الأحياء » أم الآلهة وأم البشر . 
ورغم بقاء هذه الإلمة في المثيولوجيا الاغريقية كصورة باهتة بلا عبادة» عقب انتصار المة 
الاإامب على الديانة الأمومية الأقدم » فان تجلياتها امختلفة قد بقيت تعكس وجهيبا 
الفقغين ‏ :وه الناة الالبطن وولجه: للويته ليود 


لعل الإهة «ديعتر» أكثر إلهات الاغريق في عصور الكتابة قرباً الى الصورة الأولى 
للأم النيوليتية . فهي الأم » الأْض », سيدة المحاصيل وربة خصب الطبيعة . وفي عهودها 
الأولى » وقبل ظهور اسطورة ابتها بوسفوني , كانت سلطتها تمتد إلى العالم الأسفل” من 
ألقابها كأم بيضاء «الأم العظمى» و «الأم الحبل» و «أم الالهة» . ومن ألقابها كام سوداء 
«الغضوبة» و «السوداء»”” . إلا أن وجهها الأسود قد انفصل فيما بعد عن وجهها 


تحمود سليم الحوت » الميثولوجيا عند العرب ص ٠٠١‏ 1 
الاب لويس شيخو اليسوعى » النصرانية وادابها بين عرب الجاهلية » ص ١١‏ -2 
9 2 ملإع 010 ط غ14 عاعع 02 ,20ةئأن 7.06 -3 

4 1510, 2 104. 


.20 2 رق6 1195611 132لأناء81 01 علتصدء14 عط ]1 ,1718:72:00 -د5 


55١ -‏ د 


الأبْيض متمثلا في ابنتها بيرسفوني التي غدت إهة للعالم الأسفل وزوجة للموت هاديس . 
وباختطاف بيرسفوني ونزوها إلى العالم الأسفل يظهر القمح الى الوجود . ذلك أن الموت 
في الأسطورة العشتارية ليس قدراً مظلماً تفرضه قوى عمياء » بل هو بذرة كامنة في جذر 
كل حياة » والحيلة بذرة كامنة في أعماق كل موت . 
أما أمّيس إهة الصيد والغابات والبراري الوحشية » فقد عبدت في بعض المدن 
اليونانية خارج أرض اليونان على أنها الأرض الأ . في مدينة أفسوس الإغريقية بآسيا 
الصغرى نجد أرِيس العذراء الرشيقة القد » وقد سمت في هيئة سيدة ممتلعة يندفع من 
صدرها عشراث الائداء . وكانت تمائيلها تدهن باللون الأبيض آنا وباللون الأسود آنا آخر 
(راجع الشكل رقم ١١‏ فصل الأم الكبرى) . منذ ولادتها أسرعت أيميس إلى أبيها زيوس 
طالبة تزويدها بقوس وجعبة سهام وصندل يساعدها على الجري في الغابات . ثم انطلقت 
تجوس الأحراش وتطوف البراري بصحبة كلابها المتوحشة . من القابها «المدمرة» «سيدة 
. اموت المفاجىء» تطلق سهامها فتصيب وتقتل وترسل الأمراض الفتاكة فتفني المواثي 
والسكان . وكانت تسر بالأضاحي البشرية . ففي إلياذة هوميروس نجد «الاتر» يذبح 
ابنته < افجينيا » قرباناً لأمميس السوداء 0 بتحريك الريح أمام سفن الإغريق في 
طريقهم الى طروادة . وفي رواية اخرى للحادثة نفسها . أن الإلحة قد أنقذت افيجينيا في 
اللحظة الأحية من الذبح وحملتها إلى منطقة تاورس » حيثْ جعلت منها كاهنتها الأولى 
المشفة على الأضاحي البشرية التي تقدم هناك لأرِيس . ومنطقة تاوروس هذه كانت 
معروفة بالأضاحي البشرية التي يتقرب بها العباد لأرْيس السوداء الشرهة للدماء » حيث 
كان الغرباء من قضى حظهم العاثر الاقتراب من تلك الشواطىء يقدمون على مذبح 
الالهة . وفي مناطق اخرى جرت العادة في فترات قديمة من تاريخ الاغريق على تقديم عدد 
من الفتيان قرباناً ميس كل حمس سنوات , ثم استيدل طقس القرايين بطقس الجلد 
بالسياط أمام تمئال الإلمة » فكان الشبان يساقون في مناسبات معينة إلى معبد أرقيس 
حيث يتم جلدهم بقسوة أمام تمثال الالمة الحمول من قبل كاهناتها على محفة خخاصة . 
وكان وزن' التمغال » م تروي الاخبار » يزداد ثقلا إِذا توانى المكلفون بالجلد عن أداء 
مهمتهم على الوجه الأكمل”" . 





.47-49 22 ,لإهوامط)4ة عاء01 ,لصوعن ,7 -1 


6 0 


إن الوجه الأسود لتقيس لايتجى بشكله الكامل الا تحت اسمها الذي استقطب 
كل خصائصها السوداء » وهو ارّميس ‏ هيقات سيدة الموت والظلام وعالم السججر 
والأشباح . تشترك هيقات مع الإة برسفوني باسم الاب «بيسيس» . 5 تظهر في 
النصوص والطقوس السرية الديمترية مرقبطة بالالحة ديمتر”' » مما يشير إلى كونها شكلا من 
اشكال الاهة بيرسفوني نفسها”” . من القابها «القهارة» و «بريتانيا» سيدة الموتى التي 
ترسل عفاربتها إلى الأْض لتعذيب الرجال . وتظهر في الليل بموكب مرعب مصحوبة 
بحشد من شيطاناتها وكلابها المتوحشة . فتجوس الناطق المحيطة بالمقابر » وتظهر عند 
تقاطع دروب السفر» حيث كان الإغريقوالرومان ينصبون صوربتبباالمئلثة» ويقدمون ها 
الأضاحي لاسترضائها وكف غضبها . من شاراتها المفتاح الذي يرمز للتكاثر والتناسل ) 
لأمها إلة للميلاد ولغروب الحياة في أن معاً”” . وما كانت هيقات إِهة قمرية . فان 
الاعمال التشكيلية قد متلتبا في هيئة مثلئة (الشكل رقم 98) . هذا وقد بقي اسم 
هيقات مرتبطا بالسحر وطقوس الظلام في الفلكلور والأدب الأوروبي إلى فترات متأخرة 
من العصور الحديئة . نقرا في مسرحية ماكبث لشيكسبير على سبيل المثال : « ... في 
هذه الساعة » تهدأ الطبيعة في شطر من شطري هذه الكرة هدوء الموت ٠‏ وينخدع النيام 
بأحلام سيئة تخامرهم في مضاجعهم . في هذه الساعة تقدم الساحرات للهرة الصفراء 
الجنية هيقات قربان الظلام .9 » . 

وقد كان للإلهة أفروديت التي احتفظت لنفسها بمعظم الخصائص اللينة للأم 
الكبرى » وجهها الأسود ايضا . فأداتها التي تزرع بواسطتها الحب في قلوب البشر هي 
نفس السهام التي تودي الى التهلكة . وقد عبدت في اسبرطة وقيص كإهة للحرب 
والمعارك وصورت في عدة الحرب الكاملة” ؟ عبدت كإهة للموت تحت اسم «أفروديت 
المقابر»” . ويجب أن نلاحظ فيما يتعلق بأفروديت أيضا » أن كل خصائصها الدنيوية 


19 2 روع غ155 ممتسمتودع81 01 علاتصدء14 ,0110 .11.58 -1 

.9 2 وقعاع149)5010 01 'ز1016002315 ث ,0 عأمقط181.5.5 -2 
.127-128 22 رتعط 810 أدع01) 116 ,لمتقسشتاءلة8 طعلمرظ -3 

شكسبير . ما كبث » تعريب خليل مطران ص 48 . 4 
.63-64 2 ,لاقه[مطاتة عاء02 ,لممعتي1.0 د 

.164 2 مخطعنظ متعطاه11 لصة سمنهناعظ ,طاو34 رصع مطعد8. [. [ -6 





7575077 حت 


كإلطة للحب ومتغ الجسد لم تحجب ذكراها القديمة كأم كونية . وها هي تقول عن 
نفسيها في أسطورة إيروس وسايكي كا رواها «أبوليوس» : أنا الام الكونية ومصدر العناصر 
الخمسة ..0 , 





(الشكل +/0) 


هيقات الثلاثية 


إلى جانب هذه 0 2 لتجليات الأَم الكبرى السوداء » فإن الميثولوجيا 
الاغريقية زاخرة بأشكال إلهية تنتمي الى ذات الطاقة الأنثوية التدميرية . من هذه 
الأشكال » الالمة المرعبة 0 التي تحملها على كتفيها ستة اعناق هائلة الطول » 
ينتبي كل منها برأس مخيف الشكل ذي فم يفتر عن ثلاثة صفوف من الأسنان الحادة » 
كانت تكمن عند الشاطىء بين سلاسل الصخور البحرية » فاذا مرت بها سفينة مدت 
اعناقها والنبمت بكل رأس بحارا . وقد فقد اوديسيوس بعض رجاله عند مروره قرب 
شواطتها ”© . وقد صورتها الأعمال الفنية الرومانية بطريقة مختلفة » فنراها على هيئة امرأة 
جميلة لها ثلاث سيقان على شكل كلاب ضارية . ويتعلق بوركيها أفعونان بحريان 


.8 2 ركعة 001065 126 روناءانامة -1 
173 م ترجه 1ه ط ازا ذه بسقده 10131 4 ,لم قطة5. 11.5 -2 


- 7584- 


خرافيان » وترفع بيدها سلاحاً ماضياً فتاكا(الشكل رقم 79) . ومثل سكيلا ايضا الإلمة 
«كاربيديس» ابنة الأض جيا والبحر بوسيدون . كانت كاربيديس سيدة الدوامات الماثية 
التي تسحب السفن نحو الأعماق , كا كانت سيدة الأمواج » تقبع في أعماق الحيط 
وتبتلع الماء في جرعات خرافية » ثلاث مرات في اليوم , ثم تعيده ثانية من جوفها » مسببة 
الأمواج العاتية التي تضرب شواطىء اليابسة .0© 


( الشكل رقم 7/9 ) 
الإلحة سكيلا نقش روماني 





وإلى ذات الطبيعة الأنثوية الماثية ينتمي « السيبينيات » » وهن جنيات 
متعطشات للدماء كن يسكن جزر أسممها « سيرين » . صورتهن الأساطور والاأعمال 
التشكيلية على هيكة نساء برأس دمي وجسد طائر ‏ أو على هيئة نصفها ادمي ونصفها 
الانعر سمكي . وكن ذوات صوت عذب وأغان ساحرة ينشدنها عل انغام القيثار 
والفلوت » فتجذب إليها السفن العابرة وينقاد الرجال نحوهن دون وعي أو ارادة ليلقو 
مصيرهم الأسود » ويتحولوا إلى عظام خخرة تتجمع اكواماً على شواطىء الجزيرة"" . 
وقصة أوديسيسوس في الاوديسه مع السيينيات معروفة » عندما سد اذان بحارته بالشمع » 
وطلب منهم ربطه إلى سارية السفينية » ليستطيع سماع السيرينيات دون أن يكون قادرا على 
الفكاك والاانقياد لسحرهن . 

كا تبدو القوة الغشتارية المدمرة في هيكة إلهات ثلاث . هن استمرار للأم القمرية 





.22 ,15010 -1 
0 2 ,745010 لم016 ,01131220ا17.0 2 


جحت :37ت 


المثلثة . وقد عرفت الميثولوجيا الاغريقية عدداً من هذه الثواليث . منها الابرينياتالثلاث » 
ربات الانتقام اللواتي ولدن من الأرض جيا بعد أن أخصبتها دماء أورانوس الذي خصاه 
ابنه كرونوس وارتتقى مكانه عرش الأوبمب . من القاببن « كلبات الجحيم » و « بنات 
الليل الأدي » . وكن إذا وقعت جرية تواجدن في مكانها بلمح البصر وقد تحول شعرهن 
إلى افاع وتسلحن بالمشاعل والسياط » فيطاردن جرم حتى يطلته وبرسلته إلى الججم + 
حيث يتابعن مهمة تعذيبه هناك”" . وفي الحقيقة » يبدو أن الإيرينيات لسن إلا تجريدا 
لبعض خصائص الإهة ديمتر . يدلنا على ذلك نشوء أسطورتهن الأولى في أركاديا حيث 
كانت ديمتر تعبد نحت اسم ديمتر إيريني » ومنه اشتقاق اسم الإيرينيات27 . وتظهرهن 
بعض الأساطير كمساعدات لبووسفوني إطة العالم الأسفل » لا يمكن لاله أو بشر قهرهن 
طالما بقيت على الأْض جريمة تستحق العقاب”" . وإلى جانب ذلك كانت الإبرينيات 
بات الظلمة التحتية » والقوة الباطنية التي تولد الحياة من أعماق الأض وتعطي الغذاء . 
فهن كأمهن الأرْض جيا » يتحركن بين القطبين الناظمين لحركة الوجود » قطب الميلاد 
وقطب الفناء©؟ . 

ومن الثواليث المرعبة الجورجونات الثلاث : « ستينو » وإيريالا » و اللميدوزا » ؛ 
الأحوات اللواتي ننبت الأفاعي من رؤوسهن بدل الشعر » ويتدلى لسانهن الطويل خخارج 
فم ذى أنياب حادة » وفن أذرع من معدن البروئز ٠.‏ وأجنحة من الذهب . كانت 
نظرتهن تحول كل حركة إلى سكون . وإذا وقعت أبصارهن على بشر صار حجراً جامداً لا 
حياة فيه . وقد قام البطل الأسطوري «بوسيوس» بقتل الميدوزا كبيرتين » واجعث 
رأسها في صراع دام تفادى خلاله نظراتها بأن جاببها وهو ينظر إلى انعكاس صورتها على 
ترسه اللامع” . وكان للجورجونات أخخوات ثلاث أيضا اسمهن : الخوف والرعب والهلع , 
يعشن على شاطىء الغرب الأقصى عند حدود الليل ومملكة الموت ”2 . إن نظرة الجورجون 





1- 1010, 2 18. 

1 2 ,لذط1 -2 

11 01 لإكقههناء11 لك ,متأمقط5 .14.5 -3 

163-4 28 طقن جع 840 سه صمنع11ن8 رطاةة ,رمع أمطعدهظ .1.7 -4 
لا0108ا14 عاعة02 ,لمقعتن17.0 5 

14 2 رذكع50نا0أككدمء 01 كملم0 عط1 رمسمقسسعك؟ طعلمع -م 


الا كك 


التي تحول الرجال إلى حجارة هي نظرة الموت التي توقف جريان اخياة فتعيده إلى سكون 
الفناء » وتذكرنا بنظرة الموت التي ركزتها إنانا السومرية على تموز فارسلت به إلى درك 
الجحم . أما لسان الجورجون الممتد خارج الفم » فهو رمز لدينامية طاقة الفناء اللقابلة 
لطاقة الحياة عند الأ الكبرى » فهو دائم الحركة لالتهام مظاهر الحياة وإعادتها إلى أعماق 
الصمت والسكون » عبر الأسنان الحادة التي تحيل التعضي الحي إلى مادة متحللة . 
يقدم لنا الفن الإغريقي حشدا من الرسوم والمنحوتات التي تمثل الجورجون في 
أوضاع ومشاهد مستوحاة من الأسطورة . في إحدى المنحوتات البارزة » نراها جالسة 
على الأض تحيط بها أفعى هائلة » وقد فتحت ذراعيها اللتين يتعلق بكل منها أسد يشب 
على قائمتيه الخلفيتين » وباعدت ما بين ساقيها . وهذه الجلسة تذكرنا بجلسة عشتار 
البغي المقدسة التي رأيناها في الشكل رقم (77) والشكل رقم (4) من فصل البغي 
المقدسة . فكل ما في وضعية الجورجون هنا يقابل وضعية عشتار » ولكنه نقيض له في 
الوقت نفسه . فالعينان متسعتان جاحظتان » والفم مفتوح يتدلى منه اللسان الطويل » 
والنبدان متدليان حتى البطن دلالة العقم والجفاف . أما الذراعان اللتان تفتحهما عشتار 
البغي المقدسة للعناق . فإن الجورجون تفتحهما من أجل الخنق والقتل » ويتعلق بهما 
الأسدان إشارة للطاقة الإفتراسية العمياء . والساقان اللذان تباعدهما عشتار مبرزة 
عضوها الجنسي المرسوم بدقة رمزاً لطاقة الحياة ودافع الجنس » فإن الجورجون تباعدهما عن 
مساحة سوداء غير متايزة وهوة لا قرار لها » رمزاً للطاقة المعكوسة التي تسترد إلى الحم 
إن هذا الرمز الجنسي للوجه الإلتهامي للأم الكبرى لتعبر عنه أساطير الأقوام 
البدائية الحديئة بطريقة أكثر مباشرة . ففي بعض المائيل الأنثوية الافريقية تجد فرج المرأة 
وقد افتر عن أسنان قاطعة . وهذا اتمثيل كان معروفاً في حضارة الأزتيك في أمريكا 
الوسطى فيما يتعلق بال الكبرى السوداء . وفي بعض أساطير المنود الحمر لأمريكا 
الشمالية » نجد أن بمكة مقدسة شرسة تسككن فرج الأم السوداء”” . وللدى قبائل الهنود 
الحمر في. نيو مكسيكو » تقول الأسطورة أن أول نساء ظهرن إلى الوجود كن أربع نساء 
كل واحدة منبن على شكل فرج ذي أسنان قاطعة . له رأس وأطراف . وعندما سمع 
ارا الصاو وا ااا اتش سج يجاب تس سي سمج سي تم تت سيج تت تتم سس ,مم جيتع سي متسب بسع تت تسج يخس ا ست 1ك 


.165 2 ,عط غ840 د01 ع1 وسمفصسينا؟ عترم -1 


--509220؟5 ل 


الرجال بوجودهن جذبهم إليبن الدافع الجنسي فتقاطروا إلى بيتهن . غير أن الداخل إلى 
ذلك البيت لم يكن يرجع منه إلى صحبه » لأنبن كن يعانقن الرجال ثم يلتهمنهم في غمرة 
الفعل الجنسبي . الأمر الذي أثار حيرة الرجال وخوفهم دون أن يستطيعوا منع أنفسهم 
عن قصد ذلك البيت . إلى أن ألى يوم تصدى فيه شاب جريء لكشف لغز النسوة » 
فدخل عليهن » واقتلع الأسنان من فروجهن فحوهن إلى نساء عاديات”' . 

وعندما نتحدث عن القوة الأنثوية المدمرة في الميثولوجيا الإغريقية لا نتسى 
« باندورا » امرأة التي لعبت في الأسطورة اليونانية دوراً مشابهاً لدور حواء في الرواية التوراتية 
فعندما عهد الاله زيوس إلى الإلهين بروميئيوس وأخيه ابيميئيوس بخلق الحيوان 
والانسان . قام ابيميثيوس بوهب الحيوان كل ما وهبه برميثيوس للانسان. وهنا أعطى 
بروميثيوس النار للبشر إعلاءٌ لشأنهم » ولكن زيوس سحبها منهم . مما دفع ببروميشيوس إلى 
اقتحام السماء وسرقة شعلة من 'النار لاعطائها للبشر ثانية . وهنا قرر زيوس الانتقام من 
برميثيوس ووضع حد لطموح البشر . فطلب من الاله هفستوس أن يصنع امرأة من 
طين » وطلب من بقية الآلحة أن يبدوها صفات وخصائص متميزة . فخرجت أية في 
الجمال والبراعة . ثم إن زيوس أعطاها صندوقاً لتحتفظ به دون أن تفتحه أبداً » وقدمها 
هدية لبروميثيوس وأخيه . رفض برميئيوس قبول باندورا أما أخوه فرحب بها وتزوجها . 
وعندها تاقت باندورا إلى فتح الصندوق ؛ وما أن رفعت غطاءه حتى انطلقت منه كل 
شرور العالم » من أوبئة وأمراض وكوارث وما إليها مما ابتليت به البشرية إلى يومنا هذا . 
وعندما افلحت باندورا في إغلاق الصندوق . لم يكن قد بقي فيه إلا شيء واحد هو : 
الأمل » وقد تابع زيوس انتقامه من بروميثيوس بأن ربطه إلى قمة جبل وسلط عليه صقرا 
ينبش كبده كل يوم . وبقي على هذه ا حال حتى قام هرقل بفك قيوده وتخليصه من لعنة 
كبير الآلحة 29 

فإذا تابعنا رحلة الأ الكبرى غربا حتى شواطىء الأطلسي في العالم القديم »الى 
مواطن الثقافة السليتة في جنوب بريطانيا وفرنسا واسبانيا » وفي ايرلندا التي تتحدث 





.7475 طط ,نوه امطاز14 عافاتسلءط ,لأعط متعم طمعده[ -1 
.149 ,161 28 ,لزج 14010 01 لإعقم15ء121 ى ,مجأمقط5 .51.5 -2 


اخ758 ا د 





أساطيرها عن قدوم السلت من الشرق الأدنى القديم عبر اسبانيا”© » التقينا بالوجه الأسود 
للأم الكبرى متمثلا في الالحة الثلاثية «بريجيت» » التي عرفنا وجهها الأبيض كأم قمرية 
وأم الالمة وسيدة الخصب والنار . فكانت برنجيت في طورها الأسود تدعى ب « آلو 
السوداء » ملتهمة البشر التي تضرب الرجال بالجنون » وكانت الاضاحي البشرية تقدم 
على منكها باستمرار"© . 


وإذا انتقلنا من الشرق الادنى القديم شرقا إلى القارة الهندية التي ازدهرت فيها ثقافة 
العصر البرؤنزي فيما بين أواسط الألف الثالث وأواسط الألف الثاني قبل الميلاد » وفي 
توقيت متزامن مع ازدهار الثقافة البرونزية في كريت وبحرايجة » بتأثير النبضات الحضارية 
الاولى في سورية وبلاد الرافدين'" . نجد عشتار السوداء في ابهى تجلياتها تحت اسم 
«كالي» الأم الهندية الكبرى ذات الأسماء المتعددة ء التي بقيت لها بمثابة صفات دون ان 
تنفصل عنها لتغدو ذوات مستقلة . فتحت اسم «برافاتي» نجدها امرأة شابة فاتنة تطارح 
زوجها «شيفا» الغرام . وتحت اسم «دورجا» نجدها إهة للحرب على هيئة امرأة ذات 
وجه هادىء وأذرع عشر ء تحمل بكل ذراع منها سلاحاً فتاكاً . وقد تصدت تحت هذا 
الاسم لعملاق خرافي هدد كل الاهة فتغلبت عليه وحدها . وتحت اسم «كالي ‏ ما» 
أي الأم السوداء » تصدت لجيش العفاريت وأبادته عن آخره عدا قائده الذي كانت كل 
قطرة تسيل منه تتحول الى ألف عفريت جديد » فما كان منها الا أن شربت دماءه كلها 
ورمته جثة هامدة » وراحت ترقص بجنون حتى زلزلت الأَض تحت قدميها » وكادت ان 
تميد بالبشر والالحة . وعندما حاول زوجها شيفا التدخل لتهدثتها لم تستطع تمبيزه في نشوتها 
الدموية فألقته بين جثث العفاريت ووطئت جسده بقدميها . من أسمائها ايضا «ساختي» 
ذات الجبروت و «ببارافي» المرعبة و «امبيكا» الخلاقة و «سائي» الزوجة الطيبة » 
و «ساتي» المتألقة و «دورجا» التي لايمكن الاقتراب منها» 





1 2 ,لإهعه01طاز1/4 © لانتسلهم ملأعطموسه0 طمعوه10 1٠١‏ 

5 2 ,840615 ع1 ,القن 8,1 أرعط280 2 

4 2 ,لزاع أمط)ز84 ع الاتتصهم ,لاعطمسيدت طمءوه30 3 

22 ,14520108 120182 ,رصتءه14. .1 لتنه أ56تنا0 .2.2 4 


-ب55901؟ م 


يعتبر معبد كاللي » من اكثر المعابد دموية عبر التاريخ . فمنذ أواسط القرن التاسع 
عشر بدأت طقوس القرابين البشرية للإلهة كالي بالاختفاء تدريجيا حتى زالت اليوم . الا 
ان كمية القرابين الحيوانية التي تقدم لها » تجعل من معبدها مكانا اقرب الى بيت لذبح 
الماشية منه الى معبد . ففي عيدها السنوي في كلكتا » يذبح الحجاج تحت قدميها ما 
يقارب الغانمائة رأس من الماشية » واهبين دماءها للإلهة التي وهبت كل حي دمه ء 
ويكومون الرؤوس في أهرامات عالية امام تمثال الالحة » ثم يعود كل منهم ببقية الذبيحة الى 
بيته ليقي الويمة المقدسة . وقد جرت العادة في الماضبي القريب ان يقام المذبح وسط باحة 
رملية عميقة » حتى اذا أشبعت الرمال بالدماء » رفعت وملقت الباحة برمال جديدة . 
وكانت عملية تبديل الرمال تتم مرتين في كل يوم من ايام عيدها السنوي » وتؤخذ الرمال 
الدامية الى الحقول حيث تمزج بالتربة من أجل إخصاب الأْض ونهادة الحصول”© 

تظهر تماثيل الالحة كالي خخصائصها الدموية ووجهها الأسود بطريقة لايمكن لأي نص 
مكتوب ان يعبر عنها . تبدو في احدى المنحوتات البارزة بوجه مفزع اقرب إلى وجوه 
الجئث » بعيون جاحظة وفم مشدود متقلص ينفتح عن فجوة مظلمة » وتضع في اذنيها 
قرطأ من جثث الموق ء وني عنقها طوقا من الافاعي الملتفة . وفي وسطها حزاما من 
الجماجم . وفي منحوتة أخرى نراها في هيئة مشاببة وقد جلست القرفصاء فوق جثة 
مفتوحة البطن تأكل من أمعائها . وفي الثالثة يتدلى لسانها الطويل خارج فمها ليصل الى 
بطنها في هيكة تذكرنا بالجورجون الاغريقية . وفي أحد الهاثيل » تبدو منتصبة فوق جسد 
شيفا المسجى عل الأَرض » في هيئة امرأة سوداء داكنة البشرة » مكتنزة الجسم ناهدة 
الصدر . تكشر عن قواطع حيوانية تبرز خارج فمها » وتزين عنقها بإكليل من رؤوس 
الرجال المقطوعة » ووسطها بحزام من أذرع بشرية . اما أذرعها الأربعة فبواحدة ترفع 
سيف هائلًا وبأخرى وعاءً تشرب به الدماء » وتضم اليها قبضة الثالئة اظهاراً للقرة » 
وتبسط الرابعة لتلقي صلوات البشر . 

يقدم لنا نص من أواخر القرن التاسع عشر مكتوب بيد كاهن كالي الأكبر » 
صورة حية عن الوجوه المتعددة لهذه الأم الكبرى :« كالي هي الزمن الجليل » كالي هي 
الزمن السرمدي كاي هي الإلهة السوداء . قبل الوجود وقبل الشمس والقمر والنجوم 


151-20 22 ,1ع5 140 غدع02 عغط1 ,مسمتصبعلك8 طعلرظ 1 


55986 لس 





والأزض ؛ عندما كان وراء الظلام ظلام » وحدها كانت كالي . واهبة العطايا واخيرات 
في » ومصدر الخوف والرعب هي . هي الالحة الحامية في ازمان الشدائد والمصائب 
وكوارث الزلازل والطوفان والأوبئة » وهي القوية ذات البأس سيدة الدمار . مسكنها عند 
ارق الموق تحيط بها الأشباح الأنثوية الخيفة . من فمها يفيض ثيار من الدم » ومن 
عنقها يتدلى عقد من الرؤوس » وني وسطها حزام من الايدي البشرية . بعد خراب العالم 
في نباية الدورة الكونية العظمى , تقوم الأم كالي بزرع بذور الحياة من جديد » وتخرج 
الى الوجود عالم المظاهر المتنوعة . هل هي سوداء إلهتي كالي ؟... إنها سوداء . عن بعد » 
ولكنها بيضاء لمن عرفها عن قرب . وبها يجد البشر خلاصهم»”" . وهكذا تربط كالي » 
العشتار الثانية القائمة في عالم اليوع » ديانة العصر النيوليتي » بإحدى أكبر ديانات 
العصر الحديث . 


إذا عبرنا المحيط نحو العالم الجديد وجدنا أنفسنا مرة أخرى على أرض مألوفة» 
حيث الأم الكبرى الكونية ذات الوجهين الأبيض والأسودء تحكم السماء والأزض في 
ميفولوجيا حضارة الازتيك» تحت أسماء وتجليات متعددة كا هو شأنها في ميفولوجيا شعوب 
العالم القديم . ففي المكسيك» نجد الأم الكبرى تحت اسم » أم القمح » و « قلب 
الأرض » و« أم الالحة » . وكاطة كونية نشأت عنها مظاهر الوجود الختلفة نجدها تحت 
اسم « الأ القديمة ». كانت إطة للمتع الجسدية وإهة للخلق المتجدد وخصب الطبيعة . 
وكانت أنضا القمر وكانت الأرض . وفي شكلها كإلة للغرب » كانت سيدة للموت وللعالم 
الأسفل» لباطن الأْض المظلم الذي يصرخ دوما من أجل مزيد من الدماء وقلوب 
الضحاياء ليستطيع الاستمرار في دفع الخيرات نحو ظاهر الأض. لم تكن تكتفي بجدث 
الأحياءء بل كانت تبتلع أيضا الشمس كلما مالت تحو بوابة الغروب » والنجوم عندما 
تأفل . يرافقها ويعينها حشد من أرواح الظلام الأنثوية التي تتوسط بين قوى الغرب البدئية 
والعالم القائم» وتجمع في تركيبها بين جوهر الميلاد وجوهر الفناء. وفي منتصف التهارء 
تصعد هذه الأزواح الى خط السمت قتجذب الشمس إلى مقرها عند بوابة الأفول. وفي 





2165 ,1087م طار84 ع «ناتسلوط ملاعطمتسق طمعون3 -1 


55١‏ ب 


اليوم الأخير عندما تدنو نباية العالم تنتشر لالتهام الجنس البشري'" . 

تمثل الأعمال الفنية التشكيلية إهة الآزتيك في طورها الأسودءو قد ارتدت عباءة 
من جلود الأفاعي » تقبض على خنجر من حجر الصوان المقدس وقد نبتت من أصابعها 
مخالب الفرء وبرزنت أسنان فكيها العلوي والسفلي نحو الخارج من فمها المفتوح . ومثلها 
الأ الكبرى لحضارة المايا في الجنوب « اكشيل » التي كان من أمائها « امرأة القمر » 
و «امرأة البحر » و « سيدة الظلمتين »» ظلمة السماء المعتمة» وظلمة أعماق 
المحيطات . رمزها الجرة الفخارية المقلوبة التي تشير إلى الملاك والدمارء» بعكس الجرة 
الفخارية المستوية التي تشير في يد الأ الكبرى إلى الخلق والعطاء . نراها في طورها الأسود 
( الشكل رقم ٠0‏ ) على هيئة عجوز شمطاء تمسك جرتها المقلوبة وعلى رأسها أفعى هائلة 
فاغرة فاه" . 


الشكل 60 
الام السوداء الحضارة 
المايا 





التي ابتدأت الموت في الوجود, وبغلطتها الأولى جرت كل ذريتها إلى باطن الأرض وظلمة 





181-14 22 ,تعطامل1 د02 126 ,ممقصتةل8 طعظ -1 
7 ,169 2 ,1610 2 


ا 


العالم الأسفل . ولذلك تدعى في اللاهوت المسيحي ب « أم الموق ». ول ترفع اللعنة التي 
.جرتها خطيئتها على البشر إلا بظهور السيدة مريم» حواء الثانية» التي قدمت للبشر 
خلاصاً من الموت . تقراً للقديس ايريناوس : ذا أن البشرية المحكوم عليها بالموت بسبب 
عذراء؛ قد خلصت بعذراء أخرى .. »20 م نقرأ للقديس أوغسطينوس : « كانت حواء 
الأولى أم الأموات فصارت حواء الجديدة أم الأحياء. خاطب ملاك الظلمة حواء الأولى 
ولكن مريم خاطبها ملاك النور . دعا ملاك الظلمة حواء إلى الثورة على الله» ولكن ملاك 
النور دعا مريم إلى طاعته . حواء الأولى قدمت لنا الثمرة المميتة» أما مريم حواء الجديدة 
فمنحتنا ثمرة أحشائها يسوع المسيح رب القيامة والحياة'. وللقديس الشهيد يوستينوس 
نقرأ: « نحن ندرك أن المسيح صار إنسانا عن طريق عذراء حتى ينتبي القرد الذي دفعت 
إليه الحية بالطريقة نفسها التي بدأ بها. والحقيقة أن حواء العذراء إذ حبلت بكلام الحية 
ولدت اتمرد والموت . أما العذراء مريم فقد حملت إيمانا وفرحاء حين بشرها الملاك جبريل 
بأن روح الرب يحل عليها وقوة العلي تظللهاء حتى أن المولود منها يكون ابن. الله »9 . 

ورغم أن السيدة مريم العذراء؛ تبدو في كل النصوص المسيحية أمأ بيضاءء فإن 
الخيال الشعبي الذي رفعها أما كبرى قد أعطاها وجها أسودء شأنها في ذلك شأن كل أم 
كبرى عبدها البشر. ففي أوربا نعثر على كثير من تمائيل العذراء وقد صبعت من مادة 
سوداءء أو طليت باللون الاسود تماماء وتدعى هذه اتخاثيل بماري السوداءء وتلقى من 
التقدير مالا تلقاه تماثيل ماري البيضاءء حيث يسود الاعتقاد بالقوة الغامضة لماري 
السوداء وقدرتها العجيبة على إتيان المعجزات. من أشهر هذه الفاثيل اتمثال الموجود في 
كئيسة نوتردام دي لاكورنس باورليائز» والذي يحمله الناس في أوقات الشدائد والمصائب 
ويطوفون به الشوار ع . واتمثال الموجود في كنيسة نوتردام دي مونسيرات الذي يصور 
العذراء وابنها وقد طليا باللون الأسود . هذا ويربو عدد مزارات ماري السوداء في أوربا عن 





الاب متري هاجي إتناسيو , الموسوعة المريمية » ص ه١١‏ 
المرجع ء ص ١١5١١8‏ . 2 


نفس لأرجع . ص ١44‏ . 3 


ع 71017 7 بح 


المائتي هزار'''. وتنسج تمائيل ماري السوداء على منوال تماثيل إيزيس السوداء وابنها 
حورس» والتي كانت معروفة في مصر وفي رومه بعد اتتقال عبادتها إلى هناك . ولربما 
نشأت هزارات ماري السوداء في الأصل حول هزارات أقدم منها كانت مخصصة 
ليزي ع 
عندما انهارت الديانات العشتارية وارتفع على أنقاضها الحة الشمس الذكورء 

فاحتكروا وجه الألوهة الأببيض ورموا بوجهها الأسود للأبالسة والشياطين» تحللت صورة 
عشتار السوداء الجليلة» وتفتت إلى صور مبعثرة مبتذلة يلوكها الخيال الشعبي » ويعجنها 
على طريقة الحكايا الفولكلورية . ففي الغرب هي الساحرة العجوز الشمطاء التي تركب 
عصا المقشة طائرة في الحواء. وفي بلادنا هي « النهالة » مصاصة الدماء, وهي السماوية 
خاطفة الاظفال» وهي .. « الغولة » آكلة البشر التي احتفظت بلقب « الأم » حيث 
يشير إليها الناس دوما على أنها .. أمنا الغولة !! 


التدمير الذاني : 


لم تكن عشتار السوداء » فقط سيدة الحلاك الذي يعترض سير الحياة فيداهمها من 

الخارج » بل كانت أيضا سيدة النزعة التدميبية التي تداهم سير الحياة من الداخل » من 
أعماق النفس الانسانية التي تحتوي في تركيبها على نزوع نحو الحياة ونزوع نحو الموت في 
ان معا ٠‏ التزوع الأول واع يهدف إلى حفظ التعتئ الحي » واكتساب المتعة واجتناب 
الألم . والنزوع الثاني غير واع يسعى نحو الألم وتعذيب النفس » «الانحدار إلى هاوية 
السكون المطلق . إن جنوح الانسان إلى الحرب منذٍ بداية تشكيل المجموعات البشرية إلى 
يومنا هذا . هو اوضح تجليات النزعة التدميرية الذاتية » فبصرف النظر عن كل التبريرات 
العقلانية وبراقع البطولة الرومانسية» ليست الحرب إلا اندفاعاً لا شعورياً نحو الموت وتلبية 
لنداء داخلي بإيقاف الحياة نداء يصدر عن عشتار السوداء التي رفعها الانسان إلهة 
ييح ب ا ا ا ل ا د 


240/56 ,239 ,000 01 205دط 180 عط ١115,‏ موالةق 1 
12 2 ,1455625 5'شقصره ]7 ,عمل مد .11.15 
.185 2 ,7543:5655 092225 الا ,رعس ذلعة11 .54.5 -2 


- 594 سم 


للحرب وأسقط عليها ميوله التدميرية الكامنة . 

وعندما لا نصل النزعة التدميرية نحدها الأقصى بيلوغ الموت وإهلاك النفس , 
فإنها تقف تقف به عند الأم ونفي اللذةء وهو أقصى ما يمكن للتعضي أن يعارض به جريان 
الحياة الحرء من دون أن يتسبب في ايقافه كلياً. وهنا تتحول نزعة الموت إلى نزوع 
مازوكي , يسعى الانسان من خلاله إلى تعذيب نفسه وإيذائها وإيقاف بعض فعاليات 
الحياة في جسده. وما سار الإنسان وراء نزعة الموت إلى الحرب تحت راية عشتار 
السوداء » فقد مارس أيضاً أقسى أفعاله المازوكية تحت رايتها ومن أجل إرضائها » وذلك 
من خلال الطقوس الدموية التي تتم في أعيادها السنوية » تلك الطقوس التي تبلغ قمة 
عنفها ومعلرضتها لبداً الحياة » بفعل الخصاء الذي يقوم به الرجال على مذبح الإلحة , 
واهبينها ذكورتهم وكل حياة ممكنة نة سوف تدشاً عنهم . إن القربان البشري هو تغذية للموت 
بإنسان حي » أما الخصاء فإنه تغذية للموت بنسل لم يولد بعد , ولن يولد . أنه تعطيل 
لوظيفة الحياة ذاتها بتعطيل وسائلها وأسبابها . هذا ويمكننا متابعة هذه الطقوس المازوكية 
في أعياد الأم الكبرى في أمكنة وثقافات متعددة . 

ففي بلاد الرافدين كانت أعياد عشتار السنوية تقام في الربيع احتفالا بعودة ابن 
الأرض , الاله تموز من العالم الأسفل » وانتعاش الطبيعة الخضراء التي ماتت بموته في 
الخريف . وكان اليوم الأول من الاحتفال مخصصاً لندب الاله تموز الميت الغائب في العالم 
الأسفل » والنواح على روح النبات الهاجعة في أعماق الظلمات . ثم يتحول النحيب 
الهادىء إلى تفجع مأساوي وهستييا جماعية » ويباشر المحتفلون لطم خدودهم وضرب 
أنفسهم وإيذاء أجسامهم بما تصل إليه أيديهم من أدوات جرح وتقطيع ١‏ وتزيق ثيابهم 
وحثو التراب على رؤوسهم . وفي سورية » كانت تقام في المناسبة نفسها أعياد مشابهة 
احتفالا ببعث الإله أدونيس الميت » ابن الإلحة عستارت وحبيبها . تبدأ طقوس الدم عندما 
يأخذ كهان عستارت الخصيان بتجريح أجسامهم بالسكاكين الحادة » على صوت 
الطبول والزمور والصنوج التي تعزف إيقاعاً عنيفاً مجنوناً . ثم تنتقل الحمى إلى بقية 
امحتفلين الذين يصل ببعضهم مرأى الدم وصوت الموسيقى إلى حالة من البحران يغدر 
بده نهنا لمباشرة طقس الخصاء » الذي يشكل جزءاً هاماً من طقوس عستارت 
المشهودة في ذلك اليوم » وهنا يندفع الشباب واحداً إثر آخر الى مكان مخصص فيه 
سيوف مغروسة فيستلونها وبخصون أنفسهم بأيديهم » ثم يركض أحدهم في شوارع المدينة 


- ه5986 د 


لا يلوي على شبيء » يسوقه ألمه امجنون » حاملا أجزاءه المفصولة في قبضته » إلى أن يرميها 
أمام أحد البيوت في نباية جريه الأعمى . وهنا يتوجب على صاحب الدار أن يدخله 
ويعتني به , ويقدم له » من ثم » ثوباً نسائياً يرتديه بقية حياته”' . وعندما يبدأ ضخب 
الاحتفال » وتسكن أصوات الطبول والصنوج » تمضي السكرة ويصحوالشاب ليكتشف 
أن عشتار قد سلبته رجولته إلى الابد » والحقته بجيش الخصيان الذين يعج بهم معبدها 
وأطرافه . فعن معبد عشتار وخصيانه , نقرأ في أسطورة إله الطاعون البابلية وصفا لمدينة 
عشتار « إيريك » بأنها : مدينة البغايا المقدسة والغلمان والخصيان » وفي وسطها معبد 
عشتار الذي يعج بالخنثين من نالت الإلهة من رجولتهم'" . 

وإلى عهد قريب كانت هذه الالهة تنال من رجولة الذكور ولدى بعض القبائل 
البدائية . فقبائل الوينباغو الهندية في أمريكا . كانت تعتقد أن القمر هو إغة أنثى » وأن 
ظهورها في حلم الرجل هو تعبير عن رغبتها في أن يقدم لها ذكورته قرباناً . فاذا استفاق 
النائم من مثل هذا الحلم » كان عليه أن ينفذ أمر الإلحة » فينزع ثياب الرجال ويرتدي 
حلل النساء وينضم إلى زمرة الكينيدي . وهم فريق من الرجال قد سبقوه إلى هذا المصير 
فتتخلوا عن عا الرجال ولزموا بيوت النساء”” . 

في رومه كانت أعياد الأَّم الكبرى « سيبيل » وابنها أو حبييها اتيس تسير على نمط 
مشابه للأعياد العشتارية في سورية وبابل . فالإلهة سيبيل إلهة شرقية انتشرت عبادتها في 
رومه انتشار النار في الهشم ؛ بعد ان أسست عبادتها بسمياً عام 4 ٠١‏ قبل الميلاد » عقب 
نقل حجرها الأسود المقدس من مقره في فرجيا باسيا الصغرى إلى عاصمة الأمبراطورية 
الرومانية . وقد كان لحلول الحجر الأسود في مقره الجديد تأثير مباشر على محصول تلك 
السنة» 5 تروي المصادر الرومانية » إذ لم تشهد البلاد غلالا وفيرة فاضت بها الأرض» 5 
شهدته في تلاك السنة . وبالاضافة إلى ذلك فإن تلك السنة جاءت بحدث هام من أهم 
أخداث التاريخ الروماني » ألا وهو تراجع جيوش هانيبعل الفينيقة عن حصار رومه وعودتها 
نحو قرطاجة . وهو حدث عزاه الرومان إلى نصرة الامحة « سيبيل » . إلا أن هانيبعل وهو 
ل ل 2 

.05 2 رطعناه8 2ع0010 عط] ,تعمقوظ 5عميول 1[ 


راجع نص الأسطورة في مؤلفي , مغامرة العقل الأولى » فصل الطرفان . 2 
2 ,]8435 1325مه180آ ,عم اعد .81.58 5 


550 ده 


يلقي نظرته الأخيوة على السهول الإيطالية في لحظة وداع لحلم كبير . لم يخطر يباله أن 
رومه المنتصرة قد استسلمت في نفس السنة إلى غزو من نوع آخر » غزو سيقيض له 
خلال القرنين القادمين » أن يحقق ما لم تستطيع الجيوش الفينيقية أن تفعله . إنه غزو 
الديانات الشرقية”" . 5 
في اليوم الثاني لأعياد سيبل الربيعية التي تقوم احتفالا ببعث الاله اتيس » وهو 

اليوم المعروف بيوم الدم » تبدأ طقوس الدم . يستبل كبير الكهان الخصيان الطقس بأن 
يحدث جرحاً كبيراً في ذراعه بطريقة خاصة » تجعل الدم ينيثق منها كالنافورة . ثم يتبعه 
بقية الكهان الذين يسقون بما يفيض من دمائهم جذع الشجرة المنصوب الذي يمثل إلهة 
الطبيعة » الأَمم سيبيل . وفيما تعزف الموسيقى ألحانها لمجنونة التي تدفع الكهان والمحتفلين 
إلى رقص وحشي ينسون فيه أنفسهم وإحساسهم باجسادهم . يتقدم الكهنة الجدد ) 
من التحقوا بخدمة الإلمة حديثاً » وهم في بحران النشوة والوجد » فيضحون بذكورتهم أمام 
تمثال الإلمة » ويرمون بأجزائهم المفصولة تحت قدميها . وبعد انتهاء الاحتفال » تؤخذ 
الأجزاء فتدفن في غرفةمقدسة سفلية تقع تحت المعيد”2 . هذه الأجزاء المفصولة » هي 
التي تزين عنق أرميس وديانا في بعض تمائيلهما » حيث تظهران وقد لبستا عقداً مصنوعاً 
من الغلفات أو القضبان المقطوعة" . 


إن طقوس الخصاء لتضعنا مرة أخرى أمام عشتار سيدة التناقضات فكهان عشتار 
خخصيان متبتلون نذروا للاهة طهارة جنسية كاملة» أما كاهناتها فبغايا مقدسات لا 
ينقطعن عن ممارسة الجنس» موهوبات لكل الرجال . داخل حرم الالحة يخصى الرجال» 
وحول معبدها تستمر الدعارة المقدسة في كل الأوقات . تركيب محير لا يمكن فهمه إلا على 
ضوء الصراع والتعاون القائم بين القوتين العظميين المتجسدتين في الأ الكبرى» قوة الموت 
وقوة الحياة. ففي إطلاق جنسانية الأنثى توكيد على مبدأ الحياة» وفي كف جنسانية 
الرجل توكيد على مبدأ الموت . ومن ناحية أخرى فإن الخصاء الذي يقرم به الكهان وبعض 





.04 2 ,رطعناه8 معل0010 عط]1 ,ععجورظ دعدمد1 -1 
405-77 2ط ,1010 -2 
2 2 ,65 1/4351 003235 اا رمم 1ل د11 .11.8 -3 


2 73553317 لس 


خخاصة العبادء هو نوع من التوحد الصوفي بالروح الأنثوية الكونية» وتوكيد على أوالية 
الأنوثة وتبيعة الذكورة ضمن المؤسسة الدينية العشتارية» التي تشكل جزيرة أمومية في بحر 
الثقافة الذكرية . إن الخصيان.إنما يكررون أمام الأم الكبرى دور الاله تموز الذي كان 
جميلا غضا مؤنث الصفات خاضعا لعشتار مسلما لها قياده» ودور اتيس الذي خصى 
نفسه تحت شجرة التين التي ترمز إلى سيبيل» ودور أوزوريس الذي قام أخوه « سيت » 
بقتله وتقطيع جسده أربعة عشر قطعةء وجدتها إيزيس وجمعتها فبعنت فيا الحياة عدا 
عضو الذكورة الذي ضاع إلى الابد. 


وأخيراً؛ فإن نظام كهانة الأم الكبرى القاتم على الخصاءء قد لاييدو كثير الغرابة 
إذا قارناه بنظام الرهبنة والكهانة القاتم على خصاء رمزي في الديانة المسيحية» حيث يحرم 
رجال الدين على أنفسهم كل زواج وممارسة جنسية مدى الحياة» وهو نظام مبني على 
تعاليم السيد المسيح نفسه . نقرأ في انجيل متى : « إن مومبى من أجل قساوة قلوبكم. قد 
أذن لكم أن تطلقوا نساءم, ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم » إن من طلق امرأته 
إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني» والذي يتزوج بمطلقة يزني . قال له تلاميذه» إن 
كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج . فقال لهمء ليس الجميع يقبلون هذا 
الكلام بل الذين أعطي لهم, لأنه يوجد خخصيان ولدوا من بطون أمهاتهم » ويوجد خخصيان 
ختصاهم الناس» ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات . من استطاع 
أن يقبل فليقبل. »20 . 





انجيل متى . الاصحاح 548 .١‏ 1 


لساا35738 مم 


| عثشرار برد الأرررار 
1 


كان الدين عبر تاريخ البشرية مراة لتطور الانسان» ومجالا يستقطب كل 
نشاطه الروحي والفكري. كل تأملات الانسان وفلسفته وقيمه الأخلاقية وتصؤراته 
الماورائية » كانت تصب في الدين وتعبر عن نفسها من خلاله. لذلك لا يمكننا فهم 
الانسان القديم إذا أهملنا دراسة ديانتهء ولا يمكننا استيعاب المنعطفات الكبرى في تاريخ 
حضارة ما استيعابا تاماء إذا تجاهلنا العوامل الدينية» والمؤسسة الدينية» التي كانت في 
القديم عامل تطور لا عامل تخلف . منذ أن صنع الانسان أدواته الحجرية الأول ؛ صنع 
قاثيل لالمته» منذ أن بنى بيوته الأولى » بنى معابد لما. في براريه الواسعة التي تطوح فيها 
يبحث عن الجذور والغارء كانت معه هناك . وفي حقل قمحه الاول وقفت إلى جانبه يدا 
بيد . وفي مدنه المستقرة الأولى استرخت إلى جانبه في معابدها المشيدة» بعد أن نت معه 
طويلا وراء اللقمة النادرة » فوجدت متسعا من الوقت لتعليمه الحكمة وإعطائه الشرائع 
والسئن . لقد خلف الانسان لنا أدواته التي صنع» لنفهم منها تطوره الاقتصادي»؛ وخلف 
لنا ديانته التي خخلق» لنفهم منها تطوره الفكري والروحي . 


-5552 اد 


كل الديانات بدأت عشتارية. وكل سر من أسرار الطبيعة وحكمة من حكمها 
وخبيئة من بايا النفس الانسانية, وعلاقة من علائق القوى الخفية» قد أباتها عشتار في 
كل أو جزءٍ أو إشارة لبني البشر» عن طريق كاهناتها اللواقي كن منذ البداية صلة الوصل 
بين عالم البشر وعالم الآلهة . وبذلك لعبت امرأة دور المعلم الأول في تاريخ الحضارة . فالمرأة 
أكثر حسا بالخفي والماورائي من الرجل» وأكثر منه تديناً وإيماناً بالقوى الإلمية» وأكثر 
شفافية روحية . فبيها يتجه عقل الرجل للتعامل مع ظواهر المادة» تتجه نفس المأة إلى 
تحسس العوالم الروحانية وتلمس القوى الباطنية . ثما جعلها الكاهنة الأولى والعرافة الأولى 
وناطقة الوحي الأولى » في المجتمع الأمومي القديم القائم على حق الأ وسيادة المرأة الاجهاعية 
وسلطان عشتار الكونية. لذلك تأنست المرأة قبل الرجل وقادت بيده من إيقاع المادة 
الرتيب إلى ملكوت الروح الانسانية الرحيب . إن العلاقة بين إنكيدو رجل البراري 
المتوحش في ملحمة جلجامش» والمأة التي روضتهء هي نموذج أسطوري لا تم بالفعل 
عند جذور التاريخ. والممارسة الجنسية التي تمت بينهما والتي كشفت بصية إنكيدو 
فجعلته حكيما عارفا وأبعدت عنه رفاق الأمس من الحيوان» لم تكن باللعبة الجنسية التي 
مارسها الانسان كل يوم» بل كانت رمزا للكدح الذي بذلته المرأة» من أجل تعريض 
الرجل للعوالم التي اكتشفتها قبله » وجذبه من دارة الجوع والشبع المغلقة» التي يشترك فيها 
مع الحيوان» إلى دارة الجمال المفتوحة على الأبدية . 

كانت الديانات النيوليتية» في المستوطنات الزراعية الأولى » من خلق النساء وكانت 
المرأة كاهنة للأم الكبرى وقيمة على طقوسها وشعائرها. وتشير البينات الأركيولوجية الى 
أن وظيفة الكهانة كانت وقفاً على النساءء رغم عدم إمكاننا أن ننفي تماما وجود كلهنة 
نع "اكور" رودت القروع أذ يدض اللكوى كانوا يلحوث ذورا سماعنا لا دور قسيا 
في المؤسسة الدينية النيوليتية . وقد كان لمكانة المرأة الدينية أثر كبير في دعم مكاتتها 
ونفوذها في المجتمع» وتعزيز موقفها أمام الرجل الذي بقي خاضعا لها ما دامت ممسكة 
بمفاتيح قوى الغيب» وجعلها لآجال طويلة في موقف المتفوق على قوة الرجل الجسدية» 
المروض الها'" . ورغم تمكن الرجل بعد صراع طويل» من السيطرة على المؤسسة الدينية » 

02 2 طنط [8غه0) ,أممولاء154 وعتصول -1 
85-6 22 غطع 181 ج1140 سة صمنعذاع 8 رطازلة رمع 1أ0طء82 .ل.ل -2 


ته 





ورفع الهته الذكور الذين أسلموه وظيفة الكهانة؛ فإن هذه الوظيفة قد استمرت وقفا على 
النساء في بعض الديانات العشتارية» ا هو الحال في عبادة ارميسء ودياناء 
وهيستا ‏ فيستا. أما في العبادات العشتارية التي شارك الرجل في مهام كهنوتها فإن 
شرائعها كانت نقضي بأن يلغي الكاهن ذكورنه ويخصي نفسه تشبها بالكاهنات اللواقي 
احتكرن خدمة الإلهة منذ فجر الديانات. كا كان على الكهان أن يلبسوا ملابس النساء 
التي تنقل: لحم قوى وخخصائص الجنس الآخر . هذا ومازالت عادة ارتداء ملابس النساء 
قائمة لدى الكثير من كهان وعرافي القبائل البدائية الحديئة» الذين يعتقدون بقدرة هذه 
لملابس على خلق مناخ ملاتم للاتصال مع القوى الخفية”©. وإلى جانب الملابس» 
احتفظ الكهان الذكور بأسماء نسائية أيضا تشير إلى سيطرة النساء القديمة على الحياة 
الروحية . فلدى بعض القبائل الافريقية يحمل كبير الكهنة اسم « المرأة القديمة » ويشار 
إليه بضمير المؤنث هي”” . وفي ثقافة الأزتيك في أمريكا الوسطى , نجد إلى جانب الملك 
مساعد حمل اسم « المرأة الأفعى ». وهو موكل بالشؤون الدينية ©. 

لقد كانت سيطرة المرأة على الحياة الذينية سيطرة على عالم يموج بالأسرار والكقايا . 
فإلى جانب المستوي الطبيعي للديانة العشتارية» الذي تعطي عشتار عنده ثمار الأرض» 
وخيرات الطبيعة» هناك المستوى السراني الذي تعطي عنده الأم القمرية » راعية الليلء ثمار 
الروح. في المستوى الأول» هي أم القمح تبب أهل الظاهر قوت يومهم» وفي المستوى 
الثاني هي أم الخمر التي تبب أهل البأطن قوت قلوبهم» وتفتح بصائرهم على حكمة 
الليل. فعند الخمر والمستحضرات المخدرة المستخلصة من النباتات» ينقلب الطبيعي 
والمادي إلى روحاني علوي , وتضع عشتار سزها كسيدة لعالم الضوء وعالم العتم في ان معاء 
عالم الطبيعة ٠مالم‏ الروح. وقد كشفت سسها هذا للمرأة في مراحل الحضارة البشرية 
الأولى» عندما كانت المرأة تخزن الهار وتبحث عن الجذور والأعشاب.ء وتم على يديها لأول 
مرة تحويل نتاج الأض إفى وسط ناقل إلى مستويات الروح. ففي نشوة الخمر وتهوم 





276-77 21 ,ومع 210 عط]1 ,الهس تلء8 ععطمج 1 
3 2 ,1610 -2 
.155 8 رقعط غ110 أهع05 عغط1 ,ممقصسيهعل8 طعامرظ و 


ا لك 


مدر نموذج لكل ما ستنتزعه المرأة من أعماق الظلام» من شعر وفن وعرفان وإهام 
ومعراج واستنارة . 

ولكن انطلاق الروحاني من المادي» ليس قطيعة من الطبيعة وذوباناً في نيرفانا إهية 
تنكر كل رابط أرضي . لأ روحانية المرأة» على عكس روحانية الرجل» تنطلق من المادي 
وتبقى مخلصة له. إن كل تصعيد لديها يبدأ من حركة الجسد الدينامي» لا من حركة 
الذهن امجرد» والعقل التأملي البارد . وكل ارتقاء نحو الأعلى يبدأ في نزول نحو عتمة النفس» 
عن طريق الرقص «الموسيقى والمسكر والمخدر والجنس . ولعلنا واجدين في العبادات 
والطقوس الديونيسية» التي شكل النساء سواد أتباعهاء قمة تجسد هذا الاتجاه الذي 
يتوسل إلى الروحي بالمادي » وإلى سكون النفس بصخب الجسد . لذا كان ديونيسيوس» 
بحق ؛ إها للنساءء قدم لهن في فترات الضياع المتأخرة» إطازاً دينياً استوعب تصوف 
الجسد الأنثوي » فأعاد إليه حرارة الأيام القديمة. فهو إذ يحرض طاقة الجسد الحبيسة» 
ويجلو حسية الأعضاء واضعا الكيان العضري في مساره الصحيح كظاهرة طبيعية» إنما 
يدفع في نفس الوقت ء إلى تجاوز حركة الجسد الظاهرة» نحو أسرار الطبيعة الخافية التي لا 
يستطيع العقل سوى أن يمس أطرافها. ففي البدء لم يخرج الكون من لجة العماء بواسطة 
العقل » بل بحركة الجسد . وعشتار لم تخلق مظاهر الطبيعة بكلمتهاء بل بتحول جسدها 
التي نشأت عنه السماوات والأرض . إن حركة الطبيعة» جسد الأم الكبرى» لتستوعبها 
حركة الجسد الانساني لا سكونية العقل . وما يقوم به دراويش المتصوفة المسلمين اليوم من 
رقص دوراني على إيقاع الموسيقى » ليصلنا بالتصوف العشتاري القديم» حيث يستنير 
الجسد بأنوار الرحمن وهو في ذروة أفراحه الأرضية . 


سيدة الحكمة : 
تدعو الشمس إلى التفكير المنطقي الصاحي » أما القمر فهو سيد الامحام الذي 
يبيبط دون تصمم أو تدبير . لذلك يتلمس الرجل طريقه للمعرفة بالتأمل العقلي المنطقي » 


أما المرأة فتتلمس طريق الاحساس الباطني والغريزة والكشف القلبي . طريقان لفعالية 
العقل. أطلق عليهما التصوف الاسلامي اسم المعرفة للأول والعرفان للثاني . تسير المعرفة 


529 سد 


بخطى بطيئة من المقدمات إلى نتائجهاء أما العرفان فيضيء النفس في ومضات تشتعل 
وتنطفىءء كأنماا تصدر عن تماس مع قوة خحفية إهية عبر قناة صافية مباشرة. قوة رآها 
الأقدمون في عشتارء الحكمة الأنثوية الخالدة . 

عشتار هي أصل الكون» مبدأ الأشياءء عماد الحياة . هذا ما يعرفه عنها العموم ؛ 
وعند هذا الحد يتوقف سعيبم» السير وراء هذا التخم دخول في منطقة محرمة موصودة في 
وجه الكثرةء مغلقة أمام الباحثين بالعقل عن الأصول ونظام الأشياء. لأن مثل هذا السير 
رحلة عرفانية يطرح الشارع فيها خلفه. كل المعارف السابقة وأدوات الفهم المبذولة 
الحدة ‏ يخيل مز سكو النبار ويقظة العقل» ليدخل في ملكوت الليل فييبط مدارج 
النفس التي تقود إلى مركز السر الأعظم . فإذا اب امريد من رحلته سالماً غانما» دخل في 
ثلة العارفين» وإلا بقي مع العابدين, امحجوبين . 

في شكلها كإلهة للحكمة الأنثوية» تتخذ عشتار القاباً شتى . فهي « آنتيا » أي 
سيدة الرؤى» وهو لقب عرفت به كل من سيبيل» وارميس ‏ هيقات”" الإلة المرعبة 
السوداء وسيدة الظلام وواهبة الحكمة للبشر" . وهي « معات » أي سيدة الحقيمقة عند 
المصريين”؟ وهي سيدة النبوءة التي تتحدث بلسان عشتار البابلية فتقول: « بكل أكتالي 
أتجى فأعطي النبوءات للبشر »2)96. وعند الاغريق هي « صوفيا » ومنها جاءت كلمة 
( فيلو صوفيا ) أي حب الحكمة التي أطلقت على الفلسفة بمعناها المعروف فيما 
بعد. يصور عمل فني من العصور لاطي « صوفيا » جالسة وعلى رأسها تاج على 
.هيئة ثلاث رؤوس أنثوية واحد يتجه نحو الأمام وآخر نحو اليسار وثالث نحو ابمين» رمز 
التثليث العشتاري القديم» وحوها الفنانون والأدباء والشعراء والفلاسفة يستمدون منها 
وحيهم. وفي عمل اخر نراها في هيئة سيدة جليلة القدر كاملة اللباس. تخرج ثدييها 
فترضع منبما رجلين جائيين حليب الحكمة . وفي عمل ثالث نراها على هيئة امرأة متوجة 
تمسك ببيدها اليسرى صولجانا وبابمين كتابا مفتوحاء ومن قلبها يتفجر تيار من الماء يتلقفه 





.14 2 رو؟75495»21 5 قله ,مم نلعد .51.8 -1 
.7 2 ورلاع 845010 علعع01) ,01153310اة0. 1 -2 
41 2 ,لزع أصط غ143 دم1اأم روط ,لنندا.ل 3 
.225 م6 ,249516165 117010325 ,108ل 26 .14.8 4 


-7290 ده 


تحبا بأفواههم موسيقيون وعلماء وفلاسفة وجنود. وهكذا يتحول حليب الام الكبرى » 
الذي رأيناه فى أشكال سابقة ينبئق من ثدييها ليسقي الأرض ويعطي البشر غذاءهم 
الأْضي » إلى حليب الحكمة الذي تيمم غذاءهم الروحي . 


تظهر علاقة الحكمة بعالم الليل والظلام» في أسطورة تريسياس حكمم الاغريق 
المشهورء الذي لم تخب له نبوءة قطء والذي تنا لأيديب الملك بمصيو الفاجع في 
الأسطورة والتراجيديا المعروفة . كان تريسياس يتجول في الغابة عندما رأى حيتين 
تتجامعان فضربهما بعصاه. عند ذلك تحول تبريسياس بتأثير سحر غامض إلى امرأة» 
وعاش في حالته الأنثوية سبع سنوات . وفي السنة الثامنة كان يتجول في نفس الغابة عندما 
رأى نفس الحيتين تنجامعان فضربهما مرة ثانية لعل السحر يزول عنهء وكان كذلكء إذ 
عاد تبريسياس إلى حالته الذكرية. وكان بعد مدة. أن وقع جدال بين كبير الآلحة زيوس 
وزوجته هوراء حول موضوع المتعة الجنسيةء وأي الجنسين أكثر استمتاعا بالجماع من 
الآخر . فاستدعى زيوس تبيسياس للفضل في هذه المسألة ‏ لأنه أكثر الناس مقدرة على 
الحكم في ذلك؛ لكونه قد عاش الحياة الجنسية بشكليها الذكري والأنثوي. حكم 
تييسياس إلى جانب زيوس وقرر أن المرأة أكثر استمتاعا من الرجل بالعملية الجنسية . 
وهنا ثار غضب هيراء وضربت تبيسياس بالعمى » ولكن زيوس تعويضا له عما فقد من 
بصرء وهبه الحكمة وقدرة على التبوءة ومعرفة الغيب'"©. لقد كف بصر تبريسياس عن 
نور الشمس ولكن بصيرته الداخلية فتحت على حكمة الظلام» إذ لا حكمة دون 
الانكفاء على عام الأَم القمرية المعتم . 

إلا أن زيوس الذي وهب تويسياس الحكمة, لم يكن هو نفسه يملك حكمة 
أصيلة . فحكمته كانت مكتسبة من أحد الأشكال العشتارية السابقة على تاريخ الاغريق 
المكتوب . تحكبي الأسطورة الاغريقية”؟: أن إلة الحكمة القديمة « ميتيس » ابنة الزوجين 
المائيين « أوقيانوس » و « ثيتيس ». كانت أولى زوجات زيوس» وهي التي وصفها 





82-53 22 3 كعاطقلات ,عوطم زه تسق 16 ,0910 -1_ 
23-24 2 ,نإوهامطاجل/! عاعءون لمهقئتن7.6 2 


هزيود صاحب « أصول الآلهة » بأن لها من الحكمة أكثر مما لكل الآلهة مجتمعين . 
وعندما حملت ميتيس من زيوس » جاءته نبوءة مفادها أن زوجته ستضع له أطفالاً يفوقونه 
قوة ويتحدون سلطانه. عند ذلك قام زيوس بابتلاع ميتيس قبل أن تضع له مولودها . 
وعندما جاء ميتيس المخاض وهي في أعماق زيوس » انتابه صداع ألم لم يبدأ حتى عمد 
الاله هيفستوس إلى شج رأسه بفأس» ومن الشق العميق ولدت « أثينا »؛ منبثقة 
بكامل عدتها الحربية . أما أمها ميتيس» فقد بقيت في جوف كبير الالحة تمده بفيض 
حكمتها وإهامها . 

تمدنا هذه الأسطورة بفيض من الدلالات ولمعاني . فكبير الآهة زيوس» رغم 
اعتلائه عرش الأوبمب » وسلطانه المطلق على عالم البشر والآلهة» كانت تنقصه حكمة 
الإلمة الأنثى التي جرها عن عرشهاء ولم يكن أمامه لاكتساب تلك الحكمة سوى أن 
يستوعب الالهة القديمة بابتلاعها وامتصاص قواها. 5 أنه وهو الذكر الأسمى » مازال 
يشعر بالحسد تجاه وظيفة الولادة التي تتمتع بها المرأة؛ وهو حسد ميز موقف الرجل من 
المرأة طيلة تاريخه, لأ في الحمل والولادة صلة بالقوى الكونية الخلاقة» وانهاء إلى عالم 
الألوهية . وإذا كان هذا الحسد قد زال من عقل الرجل الواعي في العصور التاريخية » فلأنه 
قد وضع جل همه في التقليل من قيمة هذه الوظيفة . إن علم النفس الفرويدي الحديث 
ليعزو إلى المرأة إحساسا بالنقص والحسد تجاه الرجل لامتلاكه القضيبء وهو لا يعلم أو 
يتجاهل, أن دهورا طويلة قد مرت على الرجل هو يشعر بالنقص تجاه وظائف المرأة 
الخلاقة . لقد أرادت أسطورة ميتيس أن تعزو لكبير الآلهة القدرة على الولادة» شأنها في 
ذلك شأن الرواية التوراتية التي عزت الشيء نفسه الى ادم الذي أخرج حواء من جسده . 
فعانى زيوس آلام امخاض في رأسه» لأنه لا يستطيع معاناتها في مكان اخرء فهو الرجل 
المفكر لا المرأة المنحدة مع إيقاع الطبيعة» التي تشعر الام الخحاض. في بطنها وتلد بالعناء 
وفيض الدماء طفلها المتعلق بها بحبل السرة. وعندما انفتح رحم زيوس العلوي ؛ انطلقت 
منه أثينا كإطة للذكاء؛ وحكمة الشمس»ء في مقابل حكمة الظلام التي بقيت في داخل 
زيوس تمده بفيضها الأنثري » لا كأفكار تنبئق من الرأس ك انبثقت أثيناء بل كعرفان ينير 
النفس . 

ومثل ميتيسء حكمة الآلهة» كذلك « ديوتيما » حكمة الفلاسفة التي نصبها 


تك ©غ58 ده 


سقراط أبو الفلسفة اليونانية , معلمة له في محاورة المأدبة» وعزا إليها تعليمه فلسفة 
الحب» وكيفي ينتقل الانسان من معاينة الجمال المادي الطبيعي » إلى معاينة الجمال 
الأعلى السرمدي . فديوتيما هذه, لم تكن كائناً بشرياً موجوداً في زمن سقراط» 5 يفهم 
من ظاهر النصء بل قناعا لحكمة الأم الكبرى ؛ حكمة الأنثى» التي بقيت تمد قلوب 
الرجال حتى في عصر الفلسفة وتراجع سطوة الأسطورة . 

وحكمة الأنثى التي أدبت سقراط» هي التي نقلت من قبل إنكيدو من مستوى 
الحيوان إلى مستوى الانسان», كا أمحنا منذ قليل . فالبغي المقدسة التي أرسلها جلجامش 
لتلين من عريكته وتقوده إلى المدينة» ليست إلا رسولة عشتار ووكيلة حكمتها. 

ستة أيام وسبع ليال قضاها إنكيدو مع فتاة اللذة. 

روى نفسه من مفاتنها» 

ثم غادرها نحو رفاقه من الحيوان » 

فولّت لرؤيته الغزلان هاربة . 

حيوانات الفلاة فرت أمامهع 

جعلته في حية من أمره. ثقيلا كان جسده» 

خائرة كانت ركبتاه» ورفاقه ولوا بعيداًء 

تعثر إنكيدو في جريه» صار غير ما كان. 

لكنه غدا عارفاً» واسع الفهم عميقه . 

قفل عائدا إلى المرأة» جلس عند قدميها 

رافعا بصره إليها 

كله اذان لما تنطق به0© 
هذه الجلسة التي جلسها إنكيدو يستمع إلى حكمة المرأة» هي ما يجب أن تتعلمه أخيرا 
حضاة اليوم , فلقد أمضينا آلاف السنين نعلم المرأة» وآن الأوان اليوم كي نستمع إليها 
قليلاء فلديها الكثير لتقوله لناء ولعل في بعضه خلاصنا من الطريق المسدود الذي وصل 
إليه سعي حضارة الرجل . 





راجع مؤلفي » ملحمة جلجامش . -1 


-555 سد 


وا فتحت رسولة عشتار عين إنكيدو على عالم المعرفة» كذلك فتحت رسولة 
عشتار »في هيئة الأفعى عين آدم وحواء على المعرفة» فأعطتهما مار شجرة المعرفة القائمة في 
وسط الجنة ونقلتهما من عالم يعيشان فيه شبحين بلا ظل» إلى عالم الطبيعة الحافل بأفراح 
الجسدء وجيشان الروح التي لا تدرك ماهيتها إلا بولادتها في الجسد . تماما كعين كانت 
مفتوحة على الفراغ اللانهائي» ثم وضع أمامها فجأة قوس قرح. 

وشجرة المعرفة هذهء هي شجرة الأ الكبرى التي جلس تمتها البوذا وأقسم ألا 
يبرح مكانه حتى تأتيه الاستنارة وتنفتح بصيرته على الحقيقة : « هناء وفي هذا المكان» 
سأجلس حتى يبلى جسدي ويجف جلدي أو أصل إلى المعرفة . هذا ما قاله البوذاء وهو 
يأخذ مكانه تحت شجرة الاستنارةء والأرض اهتزت ست مرات. هنا أحس رئيس 
الأبالسة بأن سلطانه في هذا العالم سوف يتقوض إن استنارت نفس البوذا وسطعت 
جنباته بالحقيقة . فجاء بكل مغريات الدنيا وعرضها أما البوذا ليثئنيه عما انتوى . ولكن 
قلب البوذا بقي ساكناً كسكون هيئته» كبرعم لوتس فوق مياه بحيرة صافية» راسخاً 
كجبل راس غميق الجذور . ثم أطلق رئيس الأبالسة عليه أصنافاً مرعبة من العفاريت ذات 
الأشكال الغريبة» وتنانين هائلة ملتبمة» فأحاطت بشجرة المعرفة وراحت تضيق الخناق 
على البوذا. ولكنها ازتتدت أخبيراً خائية» وتحولت اسلحتها إلى زهور تعد , في المواء فوق 
رأسه. وما أن حل المساء حتى بدا قلب البوذا يضبيء بالاستنارة الكاملة كزهرة كونية 
تتفتح »20 . 

وفي حكاية ألف ليلة وليلة : حاسب الدين وملكة الحيات؛ التي تعرضت لمافي 
فضل عشتار الخضراءء تجد الافعى » رمز عشتار كواهبة للحياة والموت» وكواهبة للحكمة 
في الوقت نفسه . فبعد أن أعطى حاسب الدين جزءٍ الأفعى الذي يقتل للوزير» وجزءها 
الذي يحمي للملك , “أخذ لنفسه جزيها الثالث الذي يبب الحكمة « ففجر الله في قلبه 
ينابيع الحكمة ورأى السماوات السبع وما فيهن إلى سدرة المنتبى 94 . 


هذا وترتبط حكمة الأم الكبرى بالعرافة وكشف حجب المستقبل. فكانت 





2 2 ,ملرع 3143:5010 مسدتله1] ,اعدوعن0 .2.34 -1 


الف ليلة وليلة » الليلة لاهده وما بعدها . 53 


587 سس 


كاهنات عشتار أول العرافات وأول من رجم بالغيب . وبقيت هذه المهمة حصورة ببن إلى 
وقت متأخحر من تاريخ العالم القديم» ولنا في معبد دلفي الاغريقي وعرافته المشهورة» التي 
بقيت تتنباً لليونانيين وغييهم من الأقوام حتى الفترات المتأخرة من الثار يخ الكلاسيكيء 
أوضح مثال على ذلك . ورغم أن معبد دلفي قد صار فيما بعد مكرسا للاله أبولو بعد أن 
اغتضبه من إة الأْض « جيا » وقتل حيتها العملاقة هناك فإن عرافتها وناطقة وحيها قد 
استمرت عرافة لأبُوللوء ولكنها بقيت مخلصة لتقاليد الأرْض القديمة . فكانت تنطق 
بالنبوءات وهي جالسة على صخرة فوق الأرض تمضغ ورق الغار وتتدشق من كفيها حفنة 
فخ تزانة الا 


ولا كان التنبؤٌ مرتبطاً بتدفق الزمن وبأقدار الناس ومصائرهمء فإن عرافات الأم 
الكبرى كن يستمدن قدرتهن على كشف الغيب من عشتار القمريةء بادئة الوقت 
وسيدة الزمن وحاكمة الأقدار التي تقرر لكل مصووء أو كن يستمدن هذه القدرة من 
تجلياما المثلثة التي تعكس أطوارها القمرية » وذلك « كالموريا » الثلاث و « الهوريات » 
النلاث و « الكاريتس » الثلاث. وكلهن من الات القدر في الميثولوجيا اليونانية» 
والرومانية”" . ويقابلهن عند المصريين « الفاتوريات » نسبة إلى هاتور ‏ إيزيس» اللواتي 
كن يظهرن في عدد من أضعاف الثلاثة» وهو التسعةء عند سرير الظفل لحظة الميلاد» 
فيتنبأن له ويكشفن مستقبل أيامه"” . وتبدو الإلحة أفروديت نفسها أحياناً كأم للكاريتيس 
الثلاث”؟» وأحياناً أخرى كالأحت الكبرى بين الموريا النلاث؟ أما في بلاد الرافدين 
فنرى نجمتها تتوسط إلحات القدر الثلاث وهن يعتلين صهرة الشور”' . وفي كل ذلك 





,386-00 22 ,همنهناع8 عأاع010 ,ومكامة1ظ1 عمو -1 
9 2 ,1514 -2 

28 ,119150108 مقنامرع8] . لبهذلا. [ -3 

42 1 ,ناه010طاتا1/4 1ه مقدمناء21 ى ,ممتمفط5 -4 
2231 404 غ058 186 ,مممسنهل2 طعليظ _ى 
9 2 ,لي10 6 


لامغ1 ا د 


إشارة إلى أن هذا النوع من التثليث 
الأنتوي لا يشكل ذواتا مستقلة ها 
كيانها الألوهي الخاص» بل هو تجسيد 
لخصائص عشتار المثلثة . فهن لا يظهرن 
إلا معا ولا يعملن إلا معاء ولا تملك أيا 
منبن شخصية واضحة وسيرة منفصلة . 


وكسيدة للحكمة الليلية الخافية» 





كانت عشتار أيضاً سيدة للالهام الذي ( الشكل رقم 8١‏ ) الموبيا 
ينير نفوس الشعراء والفنانين. فكانت اللاث ‏ نقش روماني 


راعية للفنون والآداب والشعر. ذلك أن الفنون بشتى ألوانها تمتح من مصادر 
الحكمة الليلية» لا من مصادر الحكمة الشمسية التي تصدر عنبها العلوم . والفنان المبدع 
إما يغلق بوابات الصحو ويفتح بوابات المحوء فيسلم نفسه للرؤى والخيالات النابعة من 
دخيلته المعتمة» لا من رشده النقدي اليقظ . وهنا يظهر الحضور العشتاري مرة أخرى 
على هيئة إلحات ثلاث» هن مصدر الاهام ومنبع الابداع الفني والأدبي بشتى :ضوره 
وأشكاله» حكمة الأنثى المتدفقة من نبع الأم الكبى الصاعد من أعماق اللاشعور. من 
هذه الثواليث العشتارية « النعم الثلاث » « الجريس » و « الميوز » الثلاث. كانت 
النعم الثلاث مرافقات لأفروديت وهن اللواتي كن يشرفن على زينتها كلما أرادت أن تبدو 
في أكثر أشكاها بهاء وإغراء. كا كن مسؤولات عن تفتح الأزهار ولباعم في الربيع 
ونضج الثار في الصيى . اسم الأول « أجلايا » أي المتألقة. والثانية « تالايا » واعبة 

الأزهار» والثالثة « افروزينا » مسرة القلوب . تصورهن الأعمال التشكيلية عرايا تضع كل 
منهن يدها على كتف الأخرى”" . أما ٠‏ الميوز » الثلاث فهن عرائس الشعر والموسيقى» 
وربات للينابيع والذاكرة . يظهرن في الأساطير الاغريقية أحيانا كثلاثة في العدد ‏ وأحيانا 
كتسعة . وتظهرهن الأعمال التشكيلية على هيئة حسان لابساتأردية طويلة » مبتسمات 
أو مستغرقات في التأمل . وتشير أسماءهن التسعة إلى توزيع الاختصاصات بينبن» فواحدة 





2 2 ,مق 145010 علءع016 ,لسمعتن1.0 -1 


5ت 


للتاريخء وثانية لآلة الفلوت الموسيقية» وثالئة لأشعار الحب» والرابعة للتنجم ...20 . 
وفي الميثولوجيا الفيدية في المند كان القمر « صمما » الذي ولد من زبد الاوقيانوس 
الهائج هو الثور السماوي سيد مملكة النبات وحآكم حركة المياه في الطبيعة . وكان في الوقت 
نفسه أميرا للشعر وسيدا للاهام والابداع والخلق الفني©. م كانت إلهة السلت 
« بريجيت » التي التقينا بها مرارا عبر صفحات هذا الكتاب كأم قمرية مثلثة» إلهة 
للشعر والحكمة والمعارف”). وعند العرب كانت جنيات وادي عبقر بمثابة عرائس 
للشعر» هنها يستمد الشعراء إهامهم وإليها يعزى كل أمر معجز. ومن وادي عبقر 
جاءت كلمة عبقري » وعبقرية . 
فإذا انتقلنا إلى التقليد المسيحي وجدنا اباء الكنيسة وقد طابقوا بين السيدة مريم 
العذراء وبين الحكمة الموجودة مع الرب منذ الأزل. ورأوا في بعض تضوصن العهد القديم 
التي تتحدث عن الحكمة الالهية »إشارة إلى السيدة العذراء» وخصوصا سفر الأمثال» من 
الاصحاح الأول إلى الاصحاح التاسع”. نقرأ في سفر الأمئال: « طونى للانسان الذي 
يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم . هي أتمن من اللالىء؛ وكل جواهرك لا تساويها . 
في بمينها طول أيامك وفي يسارها الغنى والمجد. طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام. هي 
شجرة الحياة لممسكيها والمدمسك بها مغبوط . الرب بالحكمة أسس الأرض» أثبت 
السماوات بالفهم . بعلمه انشقت اللجج وتقطر السحاب ندى » ... « أنا الحكمة؛ 
أسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير . أنا مخافة الرب بغض الشر . أبغضت الكبرياء والتعظمم 
وطريق الشر وفم الأكاذيب . لي المشورة والرأي» أنا الفهم لي القدرة. بي تملك الملوك 
وتقضي العظماء عدلا ».. « الرب حازني في أول طريقه قبل ما عمله منذ البدء . منذ 
الأزل مسحت من الأول قبل أن كانت الأرض . ولدت حين لم تكن الغمار واليناييع 
الغزيرة . من وجدني وجد الحياة ونال مرضاة الرب »... « الحكمة بنت بيتهبا» نحتت 
أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحهاء مزجت خمرهاء أيضا رتبت مائدتها. أرسلت جوارها 





.118 2 ,1010 -1 
28 ,لإ 010طالز14 مسدتلم1 ,اء540:5 .2.354 -2 
.01 2 ,روه [مطارقاة أب التمام رألعطمصسهن طمعوه1 _و 


الأ متري هاجي إثناسيو » الموسوعة المريمية » ص 3١‏ . 4 





تنادي على ظهور أعالي المدينة» من هو جاهل فليمل إلى هناء والناقص الفهم قالت له 
هلموا كلوا من ظعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها ©" . 

فالسيدة العذراء هي صوفياء حكمة الرب التي صاغها اللوغوس منذ الأزل» 
فكانت معه قبل تجسيدها في الزمان والمكانء وعادت إلى السماوات بعد فناء جسدها 
لضي لتأخذ مكانها إلى جانب الثالوث المقدس””" من ألقابها « مقر الحكمة ©" ومنها 
استمد القديسون حكمتهم . يروي القديس يوحنا الفم الذهبي إن انكشاف بصيته قد 
تم بخارقة من خوارق السيدة العذراء. فبيها كان أمام تمثالها يوما يصلي وهو مازال طفلاء 
فإذا بالحياة تدب في اتمثال وتخاطبه العذراء قائلة : يوحناء تعال قبل شفتي ولسوف تحل 
عليك بعد ذلك المعرفة . فتقدم منها بعد ترود» ثم طبع على شفتيها قبلة كانت كافية لأن 
تملا كيانه حكمة ومعرفة 9‏ 


سيدة الجنوت : 


« خذوا الحكمة من أفواه الجانين » قول عربي مأثورء يصل عالم الحكمة بعالم 
الجنون » ويلخص نظرة الثقافات القديمة إلى بعض أنواع الجنون» التى ليست في حقيقتها 
سوى شكلاً من أشكال الحكمة العشتارية . إن حكمة الليل التي تدير وجه صاحبها عن 
صحو النهار ومنطق الشمس » هي الفضال عن الواقع اليومي » وايغال في عوالم الباطن 
حيث يخفت تدريجيا ايقاع الزمن الارضي ٠‏ وتخبو تكتكات الدقائق والسإعات . لينفتح 
عالم المت وترحف استطالات الزمن الراكد . حيث. المعرفة غير المنطوقة 2 ولذاذات 
الروح التي لم تكن لذاذات الجسد إلا مقدمة لها وبشارة . حيث المهابط التي تشد 
السالك إلى مركز السر الأعظم » معارج للصعود نحو الملكوت الأعلى . حيث اللحظة 
الزمنية » انأ بلا نهاية في أعماق جسد العشتار الليلي . 





العهد القديم » سفر الأمثال »"الاضحاحات 237 248 8 . 1 
104-17 22 ,لا أنصة ا )كتخطن) ص لق تاكتك لسة طاا4ة ,كئ) 6ج /لا مدلا -2 
.140 2 ملاع هامطاتاق8 ع انعم ,لاءوامهقن طمعوهق _و 

جان ديلمو » الغرب والخوف من المرآة » مجلة دراسات عربيه » العدد/؟/) 2١9419‏ -4 


5853 ده 


حكمة الشمس زاد لواقع اليوم: تدبير لشؤونه» وحكمة القمر زاد للغد الآتي 
حيث يحجب الموت نور الشمس فاتحاًبوابة الظلمة المديدة. حكمة الشمس ترويض للعقل 
وحكمة القمر ترهيض للروح» تبيئة في هذا العالم لما سيأتي وراءه. في حكمة الشمس 
إضعاف للروح ؛ وني حكمة القمر إضعاف للعقل . وتناوس السالك بين عالم النور وطوايا 
الظلام قد يتوقف ليختار الفرد عالم الظلام ويغلق على نفسه تماما في رحلة لا عودة منباء 
رحلة يسمها الناس جنوناء ويختبيها أهلها انجذاباً وكشفاً . ولنا في مجاذيب التصوف خير 
مثال عبلى هذه الخبرة؛ وفي كلمة « مجذوب » أفضل دليل على أصل الجنون المقدس 
الذي يعانيه أصحابه « انجذابا » نحو قوة داخخلية علوية في أن معا. 

تقول الم المصرية قديما عن نفسها :« أنا ما كان» وما هو كائن: وما سوف يكون 
وما من بشر قادر أن يرفع عني برقمي »20 . ذلك أن معارف عشتار وحكمتها لا يمكن 
كشفها بالفهم العقلي وقواعد المنطق . بل بالذوبان فيها والفناء بها 00 حجابها 
دون رفعهء إن الاستنارة التي تتحدث عنها حكمة البوذاء والكشف الذي يحكي عن 
مذاقه متصوفة المسلمينء ليسا إزاحة ليقع الحقائق البانية بالمجهد العقل المنظمء بل 
كدح روحى يدخخل صاحبه مملكة الظلام خلف برقع إيزيس» لتتكشف له أنوار عالم آخر 
عند مركز السر أو سدرة المنتبى. عند ذلك يغادر عالم الدورة الشمسية التي تحدد 7" 
وزمن الأض» ويدمل دارة مفتوحة على الأقيانوس الكلي . 

تظهر خاصية الأ الكبرى كسيدة للجنون في أوضح أشكالها لدى كل من إة 
السلت « بريجيت »2 و « هيقات »» و « سيبيل » . فبريجيت التي رأيناها [هة قمرية 
مثلثة ووالدة للآهة جميعا وسيدة لخصب الأرض مملتهمة للرجال. هي أيضا من يضرب 
العقل بالجنون . ومثلها هيقات سيدة الرؤى التي تضرب بالجنون”” وكذلك سيبيل التي 
ضربت ابنها وحبييها اتيس بالجدون فخصى نفسه تحت شجرة التين ونزف حتى الموت'" . 
إن في أسطورة سيبيل واتيس رمز لثلاثة معابر أو برازخ يمر بها الذكر في علاقته بالروح 





.7 2 برعو [مط 84 مم1اموعظ8 ,لند.ل -1 

.5 2 رؤومعط78401 عط1 ,خلدب لظ نرعط80 -2 
6 2 ,و6 74(5621 5 مئال ,ع ستلعدآ .54.8 -3 
.04 2 ,طأعنا80 درعل00[1 عط1 رعممظ وعصتول عد 


-5ه؟ ا د 


الأنثوية الكونية . فالجنون برزخ لتحصيل الحقائق الخفية» تخل عن الصحوء ودخول في 
مملكة السكرة . والخصاء تكريس لحكمة الليل وتوحد صوفي مع المبدأ الأنثوي . والموت 
برزخ أخير يجتازه من أجل البعث في عالم جديدء وهو بعث يتم أيضا تحت جناح الأم 
الكبرى», ؟ا سنرى في فصل عشتار المخلصة . 

إن ارتباط الجنون بالأم القمرية قديماء قد ترك آثاره اللاحقة في معظم الثقافات التي 
تربط بين القمر وحالات الجنون. ومازلنا في العالم العربي نعتقد بتاثير البدر على حالات 
معينة من الجنون التي تشتد في ليالي القمر الكامل . 5 وأننا نجد اثار هذا الاعتقاد باقية 
في بعض اللغات. فمن الكلماث الدالة على الجنون في اللغة الانكليزية كلمة 
« لإعقصدا ». وهي مشتقة من كلمة « حويدة » اللاتينية الدالة على القمر . فالجنون وفق 
هذا الاستشقاق هو المرض القمري. وهو المرض الذي أصاب رواد مركبة أبوللو التي 
حطت على سطح القمر؛ بعد عودتهم إلى الأض» دون أن يتم شفاء بعضهم كاملاً حتى 
الان. 


سيدة الغيبوبة : 


تدعو حكمة الشمس إلى تركيز الحواس وشحذها للتعامل مع الواقع بأعلى كفاية 
ممكنة » أما حكمة القمر فتدعو إلى بلبلة الحواس الخارجية من أجل تفتيح الحواس 
الداخلية . تدعو حكمة الشمس إلى بناء الجسد وتوجيبه لأداء وظائفه العملية » أما 
حكمة القمر فتدعو الجسد إلى اللعب الحر » إلى الرقص الذي يجعل الجسد موضوعاً 
لنفسه » ويعكس طاقته نحو نفسها . محولا الحركة المادية إلى نشوة روحية ووجد صوفي . 
فالانسان في الديانة العشتارية لا يعرف الصلاة » بل يعرف الرقص . وفي المناسبات 
الداعية للصلاة في الديانة الشمسية » نجد الانسان العشتاري يرقص . وهو في رقصه لا 
يعبد إها بعيداً منفصلاً » بل يعيش إلهه ويتلمسه في أعماق نفسه. وفي قمة النشوة» 
عندما يتحقق للراقص الانفصال التام عن مبدأ الواقع » ويشعر أن حركته تتلاشى عند 
نقطة ثابتة في مركز ذاته » يتوقف الزمن في ومضة عند شاطىء الأبدية » ثم تشع الحركة 
من جديد وتفيض نحو المحيط الذي منه انطلقت . رحيل من محيط الذات إلى مركزها 
الذي يتطابق مع مركز السر الأعظم .. « فمن عرف نفسه عرف ربه » .. حديث 


عدم 787 د 


شريف . 

ويساعد الخمر المستحلب. من الغار والمخدر المستخلص من الأعشاب المقدسة» على 
ولوج عالم الليل والتحرر من عالم النهار . فكما أعطت عشتار حبوباً ونباتاً » معاشاً 
للإنسان » كذلك أودعت في نتاج الارض سرا من اسرار الألوهة ونذرا من جنات الخلد . 
فالمخدر يبب المريد مركبة سحرية تجتاز به تخوم الصحو نحو العوالم المقدسة » يحرره من 
كثافة المادة وشروط الواقع ليضعه على مشارف الإلمي وتخوم الحرية » في بارقة مؤقتة هي 
قبس من ملكوت أت . لذلك كانت نبتة الخنشخاش”" التي يستخلص منها أقوى أنواع 
المحدرات ٠‏ رمزاً من رموز الأ الكبرى في ثقافات المتوسط وفي ثقافات بعيدة تماما كثقافة 
الأزتيك في أمريكا الوسطى . فنجد الالحه ديمتر في بعض الأعمال التشكيلية تحمل بيديها 
باقتين من سنابل القمح ونبت الخنشخاش » رمزاً لسلطتها على عالم الغذاء المادي والغذاء 
الروخي في آن معاً . وفي الشكل رقم (71) الموضح في فصل عشتار الخضراء . نجد الأم 
الكريتية الكبرى جالسة تحت شجرة الكرمة التي تتدلى عناقيدها » وقد حملت بيدها باقة 
من نباتات الخشخاش . 

ولقد أعطت عشتار أول ما اعطت سر الخدر إلى المرأة . فالمرأة التي اكتشفت كل 
اسرار مملكة النبات ء فصنعت الغذاء واستحضرت الدواء واستخلصت السموم » قد 
اكتشفت ايضا نباتات المخدر وعرفت خصائصها واستعمالاتها امختلفة . وما زالت 
نساء القبائل البدائية حتى يومنا هذا » موكلات بتحضير الأكاسير المخدرة » حافظات 
لأسرارها. وهناك من الأدلة مايشير الى أن نبات الخشخاش قد تم استخدامه منذ العصر 
الحجري ابان العصر الجليدي”” . ومنذ ذلك الوقت استمر تناول الخدرات باعتباره طقسا 
أساسيا من طقوس ديانات الخصب في الشرق الأدنى القديم وثقافات المتوسط . ففي 
سومر ء كان كهنة ذيانة الخصب يبحثون عن أنواع معينة من الفطر المخدر الذي اعتبر 
ابن للسماء » وذلك بسبب تموه السريع تحت جنح الليل بعد المطر المصحوب بالرعد 
والبرق . وكانوا يصنعون منه أكاسير تجعل شاربها يحضي في رحلة روحية يرى خلاها جنات 





00 2 ,جعطأه14 أدع7) 12 ,مسمصريةء[7 طاعترظ -1 
0 287 ,294-295 22 ,1510 -2 


حت 75:60:54 احس 


النعم ثم يعود إلى الأض”" . وقد استمرت هذه الطقوس قائمة بشكل سري في انحاء 
مختلفة من الشرق القديم » حتى ظهرت لدئ أحد الفرق الدينية المعروفة باسم الفرقة 
الحشيشية » وهي الفرقة التي بدأت دعوتها في إيران ثم انتقلت إلى بقاع أخرى في فترة 
خريف الخلافة العباسية . والحشيشية » اسم اطلقه العامة على هذه الفرقة » وهو مستمد 
من نبات الحشيش ء الخد المعروف في معظم بقاع الشرق ٠‏ وذلك ظناً منهم أن اتباع 
هذه الفرقة انما يتناولون الحشيش في طقوسهم واحتفالاتهم. إلا أن كل البينات تؤكد أن 
المادة المخدرة التي استعملها هؤلاء » هي مادة اقوى بكثير من الحشيش . وأغلب الظن 
انها المادة التي نقل السومريون أسرارها إلى اجيال الفرق الباطنية اللاحقة . 

إلى جانب المواد امخدرة لعب الخمر دورا كبياً في طقوس واحتفالات الديانات 
العشتارية وكانت إنانا السومرية تدعى .ب « الأ النورانية إلهة الخمر »© . وقد بلغت 
طقوس السكرة العشتارية قمتها في عبادات ديونيسيوس ء إله الخمر في العالم 
الكلاسيكي . ذلك الإله الغريب عن البانثيون الإغريقي ٠‏ والذي ألى بلاد اليونان من 
« تراقيا » في تاكن معريدة سدم لال هر ذوق الوتاقية الابرلوق . ولكن هذا الإله 
الجديد ما لبث ان امحذ مكانه بين الة الأتبمب وتحولت إليه الاتجاهات الباطنية 
اليونانية0©. وبقي سمه إلى يومنا هذا علماً لاتجاه السكرة في مقابل اتجاه الصحو ء 
كتيارين موجهين لسلوك الانسان ونتاجاته . ا 

سكر ومخدر وموسيقى ورقص تلك هي عدة الغيبوبة العشتارية التي تعبر بالمريد 
من جفاف الشمس إلى نداوة القمر . عدة كانت عبر تاريخ الثقافة الذكرية » وسيلة 
للتمرد والحلم ٠‏ تمرد على .النظم العقلانية المسيطرة التي تجعل من الفرد عبدا مسخرا 
للقوى الاجتاعية الطاغية وديانتها البطريركية. وحلم بعالم أمومي جديد وفردوس عشتاري 
أرضي يعيد للجسد الانساني قدرته على اللعب ال حر » ولروحه طاقاتها غير المتناهية . ولنا 
في حركة « اهيبي ». التي اجتاحت العالم الغربي إباث ستينيات القرن.العشرين» خير 
مثال على ذلك . 





.05© غ15 380 تمه مك81 52260 عط ,مروعالة صطول -1 
287 2 بوعطخه]1 أوع02 عط رمسمسقصيهوا8 اعوط 2 
,449 2 رطعنه80 صعك001 عغط]1' ,عععة؟ وعتمول -3 


ه55 ده 


سيدة السحر : 


كواهبة لجرعة الحليب الأولى التي تسلم الطفل إلى أولى لحظات الحياة » كانت 
المرأة تجسيداً على مستوى الواقع لمبدأ الحياة الكلي . ومنذ عصر قبيل الصيادين البدائي الى 
عصر المستوطنات الزراعية المستقرة » كانت الممأة مركزاً للنشاطات الرامية إلى حفظ 
البقاء » مستعينة بقدراتها الخفية على تحويل المادة وتغيير خصائصها . فقد رأينا المرأة 
مسؤولة عن التقاط الغار وخزتها واستخلاص أكاسير الأعشاب وعصير الكرمة . ورأيناها 
موكلة بالاستفادة من منتجات الحيوان » والغزل والنسج والحياكة » وبابقاء النار التي 
اكتشفتها مشتعلة ؛ واستتخدامها في تحوبل الطون إلى فخار وخزف . وتحويل الطعام النيء 
إلى غذاء شهي » والعجين الفظ إلى خبز ناضج . إن هذه النشاطات وغيرها , ما تحول 
فيما بعد إلى أعمال دنيوبة يومية عادية , لم تككن في الماضي كذلك . ذلك أن الشروط 
البيئية والمناخية الصعبة ء والصراع المستميت الذي دخله الإنسان ضد كل أنواع الحياة 
الأحرى من أجل البقاء . قد جعل من نشاطات حفظ الحياة مهمة مستحيلة دون عون 


الم الكونية الذي تمده عن طريق وكيلتها على الأض . لذلك كانت المرأة تمارس كل 
نشاطات حفظ الحياة وتأمِين الغذاء والمأوى والكساء » باعتبارها طقوساً تحويلية مقدسة ع 
لا تتم إلا بمعونة جسدها الخلاق . وكان التحويل نوعا من السحر . 


ومن التحويل الأصغر المتمثل في نشاطات المعاش ء الى التحويل الأكبر المتمثل في 
السلطة على عالم المادة والطبيعة » كانت المرأة مسؤولة عن الاتصال بالعوالم السرية عن 
طريق السحر . إن الأنثى بواقع تكوينها الجسدي والنفسبي أكثر قدرة » 5 أسلفنا » على 
تحقيق مثل هذه الصلة . فنفسها أكثر شفافية ورقة من نفس الرجل الصلبة المغلقة » 
وإحساسها الباطني دوماً لا يخيب » وأحلامها نبوءة وكشف . أما جسدها فمستودع 
الأسرار العشتارية » يعمل بطريقة هي أقرب لفعل السحر منها للفعل الطبيعي . لذلك 
كانت المرأة الساحرة الأولى. ؛ وبسحرها كانت تمارس سيطرتها على الرجل وتعزز مكاتتها 
ضمن الجماعة . فليس من المستغرب ان يبدأ الرجل أولى خطواته في التحرر من سلطة 
المرأة باغتصاب صلاحيات السحر . 


-- 76 سس 


لقد كان من الإنجازات الأولى لجماعة الرجال التي حققت الانقلاب التاريضخي ضد 
سلطة المرأة » قيامهم بالسيطرة على نشاطات السحر , وتجريد المرأة من أحد أسلحتها 
الأساسية”" وما زالت ذكرى هذه الانتفاضة محفورة في بعض أساطير القبائل البدائية في 
العصر الحديث ٠‏ والتئ حققت انقلاباتها الذكرية في أزمنة متأخرة . ففي أمريكا الجنوبية » 
تروي قبائل « أونا » اسطورة مفادها : أنه في الأيام القديمة كانت فنون السحر وقفاً على 
النساء اللواقي كن يجتمعن في محافل سرية خاصة , لا يجرؤ الرجال على الدنو منها . 
وكانت البنات الصغيرات تلقن أسرار السحر عندما يقتربن من سن النضج » ويتعلمن 
كيف يجلبن الأذى والمرض وربما الموت لكل من يسبيء إليبن » ثم سعان ما يلتحقن 
بامحافل لين إدارتها عن متقدماتهن . أما الرجال فكانوا يعيشون في خضوع كامل 
للنساء » وخوف مما يمككن لسحرهن أن يجلب عليهم من كوارث . لقد كان في حوزتهم 
الأقواس والسهام والرماح يصطادون بها الطرائد من أجل غذاء الجماعة » ولكن سلاحهم 
لم يكن ينفع في مواجهة قوى السحر التي كانت الساء ادي ل اتعحداتها وتشتط . 
إلى أن كان يوم أجمع فيه الرجال على التخلص من النساء بقتلهن جميعا . فخططوا لمنجحة 
كبية وقاموا بتنفيذها , فقتلوا كل امرأة وكل فتاة , ولم يبقوا إلا على البنات الصغيرات في 
أعوامهن الأولى » ممن لم تتح لحن بعد أية فرصة للاطلاع على فنون السحر ومعرفة ما يجري 
في محافل النساء . ثم قاموا بعد ذلك بتشكيل محافلهم الخاصةالمحظورة على الاناث » وبدأوا 
بتحضير جيل جديد من النساء غير قادر على التواصل من جديد مع قوى السحر 
الخيفة » قابل لسلطة الرجال خاضع لهم'" . هذا وتتحدث أساطير اخرى من امريكا 
الجنوبية أيضاً عن انقلاب ذكري ضد سلطة النساء اللواي كن يحكمن بالسحر » دون 
أن يكون لهذا الانقلاب نفس الطابع العنيف . كا أن شيوع هذا النوع من الأساطير في 
أنحاء متفرقة من العالم ليشير بكل وضبوج إلى مرخلة ستقيعية :من مراجل, التاريخ 
البشري”” . ولربما كان توكيد المرأة على نشاط السحر في المراحل المتأخرة من حياة 
امجتمعات الأمومية » هو نوع من الدفاع الأخير عن النفس . أمام تصاعد قوة الذكور 





42م ر0025101151655) 01 كهنع 011 1126 ,ممقتطناء1] طعار8 -1 


.2315 لا8 8495010 ع لاسنو ملاعط مسوك طروعون3 -2 
317-318 22 ,1510 -3 


د لاه ات 


واستعدادهم للانقضاض الجاسم . 
تقدم لنا مكتشفات العصر الحجري بينات واضحة على نشاط السحر الذي 

كانت تقوم به المرأة » والدور العملي الذي كان هذا النشاط يلعبه في حياة الجماعة . ففي 
نقش على الحجر من العصر الباليوليتي ( الشكل رقم 85 ) ؛ نجد مشهدان جمعهما 
الفنان في حيز واحد . الأول مشهد يظهر الرجل في حقل الصيد » وسط مجموعة من 
الطرائد الكبييةِ » مستعدا لاطلاق سهمه . والثاني مشهد يظهر المأة في كهف تمارس 
طقساً سحرياً من شأنه إمداد الرجل بالقوة والتأثير على الحيوان . تبدو المرأة في المشهد 
رافعة ذراعيبا نحو الأعلى ء لاستمداد الطاقة العشتارية الخفية وتَثلها في داخل جسدها ء 
واطلاقها من ثم عبر بوابة رحمها في قناة خفية » تتصل بالمنطقة الجنسية للرجل الضارب 
في البراري » فتسرى فيه وتعطيه الغلبة على الطرائد الشرسة . وقد قام الفتان باظهار 
المرأة اكبر حجماً من الرجل ومن حيوانات الصيد » وذلك للدلالة على قيمتها وعلو 
مكانتها » تماما كم يقوم أطفال اليوم باظهار الأب في رسومهم أكبر حجماً من كل 
المحيطين . 


ملز لما 


( الشكل رقم 47 ) 
ساحرة العصر ا حجري 55-5 العصر الباليونٍ شهمال افريقيا 


الأعمال الفنية للعصر الحجري وصيلاً إلى عتبات عصور الكتابة . قفي رسم على 
الفخار من مصر يعود إلى الآلف الرابع قبل الميلاد ( الشكل رقم 87 ) نعثر على مشهد 
ممائل لمشهد العصر الحجري الانف الذكر » رغم ألوف السنين الفاصلة بينهما . فهناك 


لالمه] د 


حقل واسع يرتع فيه عدد كبير من الطرائد » وأربعة رجلل متأهبين بآسلحتهم » بينهم 
ثلاث نساء بمارسن نشاط السحر برفع الذراعين نحو الأعلى . ورغم تداخل أشكال 
النساء مع عناصر المشهد . فان حيز الرسم يجمع بين مكانين متباعدين . هما حقل 





( الشكل رقم 2198 ) 


الساحرات والصيد ‏ مصر ء الألف الرابع ق-م 


الصيد ومكان إقامة الطقوس . تبدو المرأة هنا أيضاً » أكبر حجماً من الرجل ومن 
الحيوانات على حد سواء » مع التركيز على منطقة الحوض جريا على التقاليد الفنية للعصر 
الحجري السابق . هذا وتقدم لنا الفترة التاريخية نفسها عدداً كبيراً من الأشكال الأنثوية 
في أوضاع مشابية » وهي أشكال تمثل الأم الكبرى في حالة ممارسة السحرء أو 
كاهناتها . 15 تتضح القيمة السحرية لذراعي الرأة المرفوعتين في عدد من الأشكال 
الأنئوية الفخارية التي تعود إلى عصر تل العمارنه ( أواسط الالف الثاني ق.م ) في مصر . 
وفي أحد هذه الاشكال , وهو محفوظ في متحف بروكلين » نجد رجلين يقومان بإسناد 
ذراعي المرأة المرفوعتين » وذلك لاطالة مدة وقوفها على هذه اليئة وإدامة فترة تأثييها 
السحري . وقد حفظ لنا كتاب التوراة ممارسة سحرية مشابهة قام بها مومى الذي لم 
يكن قد مضى على مغادرته مصر وقت طويل عندما واجه شعب العماليق . واذا كانت 
ممارسات موسى السحرية في مصر أمام الفرعون قد تمت بعون الرب » فإن ممارسته خلال 
حرب العماليق قد كانت ممارسة سحرية بحتة » لا تعتمد القوى الالمية . نقرأ في سفر 
الخروج : « وانى عماليق وحارب امرائيل في رفديم . فقال موسى ليشوع . انتخب لنا 
رجالا واخرج حارب عماليق . وغداً أقف أنا على رأس تلة وعصا الرب في يدي . 


اذ 4قنه؟ سدم 


ففعل يشوع 5 قال له موسى ليحارب عماليق . وأما موسى وهرون وحور » فصعدوا على 
رأس التله . وكان إذارفع موسى يده ان اسرائيل يغلب » وإذا خفض يده ان عماليق 
يغلب . فلما صارت يدا موسى ثقيلتين »أحذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليهء ودعم 
هرون وحور يديه الواحد من هنا والاخر من هناك . فكانت يداه ثابتعين إلى غروب 
الشمس . فهزم يشوع عماليق وقومه بحد السيف"" . 

إن ما كانت تقوم به نساء العصر الحجري من طقوس سحرية لمدد الرجال بالقوة 
في حقول صيدهم » قد استمر في عادات وطقوس القبائل البدائية الحديثة . ففي جزيرة 
مدغشقر إلى عهد ليس بالبعيد » كانت نساء, القبيلة إذا توجه رجالهن إلى الخرب » 
ييدأن رقصأ طقوسياً لا يهدأ ليل نهار » اعتقاداً منبن أن مثل هذا الرقص الطقوسي هب 
الرجال في ساح المعركة البأس والشجاعة والفأل الحسن . وفي ساحل العاج ومناطق أخرى 
من أفريقيا الغربية » إذا خترج الرجال إلى القتال قامت النساء بدهن أجسامهن باللون 
الأبيض ٠‏ وزين انفسهن بالريش وقرون الثور وأشياء غريبة أخرى » وبدأن حركات طقوسية 
سحرية . وفي كولومبيا كانت نساء الهنود الحمر في المناسبات المشابهة ٠‏ يرقصن وفي 
أيديين نصال مشحوذة يمثلن بها عملية قتل الأعداء ليتجلى فعلهن السحري في أرض 
القتال حقيقة ؛ ويقتل رجالهن اعداءهم . وفي كاليفورنيا كانت. نساء قبائل اليوكي يقمن 
حلقة رقص دائري لا تهداً طالما كان رجالهن غائبين في الحرب . لأ فتور حركة الرقص 
يضعف همة الرجال في القتال » بيها يشدها استمراره وحرارته9؟ . 

في كل مكان وفي كل ثقافة عزا الناس إلى النساء استعداداً فطرياً للسحر وقدرة 
على ممارسته”” . واذا كانت الثقافة الذكرية التي بلغت قمتها في المجتمعات الرأسمالية 
الحديثة » قد طمست كل ما يذكر بخصائص القوة عند المرأة » فان القبائل البدائية 
الحديئة مازالت رغم طابعها الذكري الغالب تعزو للمرأة السيطرة على القوى الخفية ومن 
بينها السحر » وتربط. بين قدرة النساء على السحر وعلاقتين الغامضة بالقمر . فهنود 
امريكا الشمالية وشعوب الأسكيمو على حد سواء يعتقدون بأن القمر هو مصدر لكل 





العهد القديم » سفر الخروج ء الاصحاح ١٠‏ 1 1 
30 22 رطعنه80 معء0010 عط1' ,عععةء 132065 -2 
02 2 ,1عط )140 أهء01 112 ,لتمقسروعل8 طعاعظ -3 


-- 753186 لله 








قوة سحرية"©. وتعتقد قبائل التار في اسيا الوسطى » أن النساء لا يستطعن ممارسة 
.السحر إلا مرة في كل شهر . خين يكون القمر هلالاً في يومه الأول . وفي ساحل العاج 
يستعمل القوم كلمة واحدة للدلالة على السحر وعلى القمر . ويجري الاعتقاد لدى قبائل 
كنيةٍ وني أماكن متباعدة من العالم ‏ أن القمر هو الذي يبب للمرأة قدرتها على اتيان 
السحر ولذلك تستلقي النساء الساحرات تحت القمر ساعات طويلة لامتصاص قوى 
القمر2 . وف أوريا القرون الوسطى كانت تهمة السحر لا تلصق إلا بالنساء » وحتى 
القرن السابع عشر نجد بعض المؤلفات الدينية مهتمة بتفسير ظاهرة استعداد النساء 
الفطري لممارسة السحر من دون الرجال©2. 

هذا القمر الذي بمد النساء بقدراتهن الخفية هو الأَم الكبرى سيدة الأسرار وربة 
القوى الغامضة . التي تتجلى في أببى أشكاها تمت اسم هيقات وإيزيس . ففي ثقافة 
اليونان استقطبت الربة القمرية هيقات خخصائص الأم الكبرى الساحرة . فهي سيدة 
السحر بشتى أشكاله وأنواعه””“ وكل عمل يجري بمعونتها واستلهام قوى الظلام التي تسيطر 
عليه . وفي مصر ء تبقى إيزيس على مر العصور اسماً يبعث في النفس رهبة الغوامض 
والخفايا والعوالم السرية . تقص أسطورة مصرية » كيف حصلت إيزيس على سلطتها 
المطلقة من يد الاله الأكبر رع ء بواسطة قواها السحرية الخارقة . فالاله رع قد كبر 
وغدا طاعناً في السن , حتى أن لعابه صار يسيل خارج فمه المتدلي . ولكنه بقي سيدا 
للسماوات والأرض بقوة اسمه السري الذي لايعرفه أحد . وكانت إيزيس تتوق إل الصعود 
إلى مرتبة السيد الأكبر رع كحاكمة للكون وسيدة للالهة » فأحكمت خطة تجبر الاله 
رع على إفشاء سره لها . قامت إيزيس بمزج لعاب الأله رع بتراب الْأض » فصنعت حية 
من طين -نفخت فيها الحياة وأرسلتها في طريقه » فعضته في ساقه ودفعت سمها في 
جسده . سرى السم في جسد الاله » فدعا كل المة الأْض والسماء لشفائه دون 


,294 2 رؤمع 7101 ع1 لهب أكقظ نرعط80 -1 
.294-95 22 ,1010 -2 

3 15610, 22 4. 

217 ,ءلام 84010 عأعه01 ,للمقعتن0. 1 4 

14 2 رقم 7/1561 و'مقدطه ا ,عمسنلعة1آ .14.18 دو 


511 مده 


جدوى . ثم حضرت إليه إيزيس التي تعبق أنفاسها بنسمة الحياة » وتطرد تعاويذها كل 
الآلام فعرضت على كبير الآلهة شفاءه » مقابل ان يفشي لها باسمه السري . ولكنه يتهرب 
من ذلك قائلا : أنا من خخلق السماوات والأض » من رفع الجبال وملا البحار وأسدل 
الأفقين . أفتح عيني فأصنع نباراً وأغلقهما فأصنح ليلا » وبأمري يرتفع ماء النيل ثم 
ينحسر . في الضباح اسعي خبيبوا وني الظهبرة اسممي رع , وفي المساء اسممي توم . ولكن 
إيزيس تقول له إن أيآ من هذه الأسماء ليس هو امه السري » وتمتنع عن علاجه . وعندما 
تصل الام الإله حدا لا يطاق ؛ يرضخ لشيكة إيزيس » ولكنه لاينطق باسمه السري » بل 
يجمله ينتقل من قلبه إلى قلب إيزيس دون كلام » كيلا يسمع به أحد غيها . وهنا تقوم 
إبزيس. باستخدام: تعاريدها السيخرية لطرد: البع .من اجسد ريع + وتقل إلبها جميع قو 
الاله الأكير بانتقال أسمه السري إليها د 





.3 2 برطعننه8 ضعل1ه00) عط1 ,رمعم حعصول -1 


-5855 سمه 


مور الحم 


كانت عشتار » م اشرنا في مواضع أخرى سابقة » أول قوة إلهية توجه البها 
الانسان بالعبادة » وكانت ثماثيلها أول صورة مقدسة نحتها . وقد استمرت عبادة القوة 
الالغية في شكلها الأندوي خلال العصر النيوليتي , الذي شهد منذ مطلعه ازدهاراً لصور 
الأم الكبرى » مترافقاً مع ظهور المستوطنات الزرا راعية الاولى . إلا أنه خلال الألف السابع 
ق.م تبدأ القائيل الذكربة المقدسة بالظهور على نطاق ضيق جداً » وشكل مترافق مع 
التماثيل الأنثوية التي بقيت سائدة . وبذلك يبدأ اتمهيد تدريجياً لظهور الثنائي الالهي : الأم 
الكبرى وابنها » الذي سيأخذ أول صوره الواضحة مع مطلع الألف السادس ق.م في 
ثقافة شتال حيوك جنوب الأناضول . ففي شتال حيوك التي اخذت أبعادها كشبه 
مدينة مع مظلع الألف السادس قبل الميلاد » تبداً ملحمة الاله الذكر في تاريخ المعتقد 
الديني الإنساني .. فرغم بقاء الأم الكبرى المركز الأسامي لديانة هذه المستوطنة » فإن 
بعض صورها تبدأ باظهار الاله الذكر إلى جانبها . وهذا الله الذكر هو ابن للم الكبرى 
وزوجها في آن معاً" . تمثله المنحوتات الجدارية على هيكة ثور يولد من رحم الأم الكببى 





,180-181 22 ,عولط لةغة0) ,أمهد[اء54 5عددول -1 


لح 5175 لم 


كا هو الحال في الشكل رقم (707) من فصل عشتار القمر الذي يمثل الأم الكبرى في 
شكل تبسيطي تلد الاله الثور . وني الشكل رقم (/ا/) من فصل عشتار السوداء 
الذي يمثل بنفس الأسلوب التبسيطي » الأم الكبرى المزدوجة في نفس اوضع » وفي 
الشكل رقم (84) الموضح أدناه » حيث يبلغ الاسلوب التبسيطي مداه الأقصى ‏ 
وتتحول الالهة المزدوجة إلى عمل فني أشبه بأعمال النحت الحديث . أما في الشكل 
رقم ( 850 ) فإن الإلحة تعود الى شكلها المألوف الذي عهدناه في تمائيلها التقليدية التي 
تبالغ في التوكيد على مناطق الخصوبة وإظهارها . فنراها جالسة على عرش تحمله 
الخيوانات ٠‏ وهي تضع مولودها الذي يبرز رأضة بين ساقيها لحظة الميلاد . وقد يظهر 
الاله ادك في بعض منحوتئات شتال حيوك في هيئة ة الرجل الناضج ولكن دون أن يعطي 
انطباعاً برهبة الألوهة » مما يدل على أن الفنان قد أراد التوكيد على الدور الثانوي للاله 
الذكر وتبعيته للالمة الم . 





الشكل رقم (4815) 
الام المزدوجة وابنها الثور | 
شتال حيوك 


518 سه 





الشكل رقم (85) 
الام الكبرى تضع طفلها 
شتال حيوك 

هذه العائلة المقدسة لديانة شتال حيوك » لاتتألف من أربعة آلهة » ا يبدو 
للناظر لأوْل وهلة ١‏ إذ يعتقد أنه أمام أم وابنة » وأب وابن » بل تتألف في الواقع من إطين 
وأربعة تجليات . فهناك الأم الكبرى في وجهبها » وهي الأمُ التي ستظهر فيما بعد في 
حضارة كريت تحت اسم « السيدتين » وفي اليونان تحت اسم ديمتر/ببرسفوني وهناك 
ازدواج الالحة الأم » في فصول سابقة » أما ازدواج الاله الإبن » وقيامه بدور الوليد الإني 
والزو ج الحصب ٠‏ فيجد تفسيره في معتقد الإلهة الواحدة للعصر الحجري . فوفق هذا 
المعتقد التوحيدي » لايمكن أن يظهر إلى جانب الأ الكبرى إله آخر » إلا إذا كان ناشئاً 
عنها مولودا من رحمها . وعندما وصل التطور داخل امجتمع النيوليتي والديانة النيوليتية 
حداً كان لا بد معه من ظهور إله مذكر » لم يكن هذا الاله إلا ابناً للأم الكبرى » انجبته 





1 1510, 2 201. 


أت 776 جه 


لتخصب به نفسها . وقد بقيت هذه العلاقة قائمة بين الأ والابن في الديانات العشتارية 
اللاحقة , رغم ما اصابها من تطور وتغير . ولعل هذه الفكرة ستغدو للقارىء أقل تجريداً 
إذا نحن دعمناها بمزيد من الأمثلة المأخوذة من الأعمال التشكيلية . ففي الشكل 
رقم (87) وهو تمثال للأم الكبرى وابنها من مستوطنة هيجيلار بجنوب الأناضول , التي 
تنتمي للثقافة السورية النيوليتية الشمالية » نجد الام: الكبرى في وضعية الجلوس وقد 
احتضنت إلى صدرها ابنها » الوليد الإلمي الصغير . اما في الشكل رقم (807) وهو تمثال 
من نفس الموقع » فنجد الام والإبن في وضع المجامعة الجنسية الواضحة . وفي كلا 
الدورين اللذين يلعبهما الإله الابن » في هذين العملين التشكيليين المعبرين » يبدو الإله 
الذكر طفلاً أبدياً للأم الكبرى . ودوره الجنسي كحبيب مخصب للإلهة » لا يعطيه ميزة 
عليبا بل على العكس من ذلك , لأن سيطرة اللرأة في العملية الجنسية تبدو واضحة 
تمامأ » ويظهر العمل الفني إستيعابها للعاشق الذي يلعب حتى في الفعل الجنسي دور 
الابن التابع المعتمد على أمه اعتهاداً مطلقاً . 





( الشكل رقم 45 ) ( الشكل رقم 41 ) 
الاله الذكر في دور الابن . جنوب الاله الذكر في دور الحبيب .جنوب 
الاناضول الالف السادس ق.م الاناضول الالف السادس ق.م 


-1 ات 


لم يكن انشطار عشتار إلى ذكروأنثى » بالفكرة الجديدة تماماً على المعتقد الديني 
النيوليتي . فعشتار في طورها الأوروبوري البدثي كدارة مغلقة مكتملة » كانت تحتوي في 
صميمها.على بذرة السالب والموجب ٠‏ اللذين نشأ عن حركتهما الكون المتولد عن الأ 
الكبرى . وفي تجليها الثاني كأم للطبيعة المادية بشتى مظاهرها » بقيت عشتار تحمل في, 
جوهرها بذرة القاكورة والأنوئة » لأن يل الألوهة في جمع الضدين . فكانت الالحة الواحدة 
أنثى كونية » وكانت في الوقت نفسه تنضوي في داخلها على بذرة الذكورة التي انفصمت 
فيما بعد » واعطت الاله الاببن الذي لم يكن في الواقع إلا القوة الاخمصابية الذاتية للأم 
الكبرى معكوسة نحو الخارج . لذلك نجد إنسان الثقافة النيوليتية في الشرق القديم ) 
يرسم إهته الأم » احياناً » في هيكة مؤنثة ومذكرة في أن معاً . ففي الشكل رقم (84) 
نجد تمثالاً من موقع « تيب سراب » في سفوح زاغروس ١‏ شرق وادي الرافدين » يمثل 
الأم الكبرى في وضعية الجلوس وقد استعاضت عن ساقيها بقضيب ذكري كامل . أما 
الشكل رقم (45) فنجد تمثالاً للأم الكبرى من موقع تل الرماد بسورية, يمثلها في هيثة 
ثنائية الجنس . 





0 


( الشكل رقم 84 ) ( الشكل رقم 85 ) 
الام الكبرى الخنثةي زاغروس الام الكبرى الخنثة وسورية 


519 مه 


هذه العلاقة بين الأم العذراء التي ولدت ابنها دون نكاح » ثم تزوجته لتستعيد إلى 
ذاتها قوت الإخصابية التي غدت مشخصة في الخارج ».هي التي تفسر إشارة الغصوص 
الأسطورية والطقسية فيما بعد , إلى الاله الابن على أنه ابن الأم الكبرى أحيانا » وزوجها 
أو حبيبها أحياناً أخرى . ورغم أن كل الآلمة الذكور في الثقافة الذكرية , 
قد نشأوا عن الاله الابن » ثم اتخذوا لأنفسهم شخصيات مستقلة وارتفعوا نحو السماء 
ناكرين أصلهم الأضي , إلا أن هذا الاله قد بقي ابنأ لعشتار » محافظاً على وضعه القديم 
كظل للأم الكبرى » مكمل لهاء حامل جزءاً من صفاتها وصلاحياتها . فهو 
« دوموزى » في سومر و« تموز » في بابل و « أدونيس » في سورية و « أوزوريس » 
في مصر و « اتيس » في فرجيا وروما » و « ديونيسيوس » عند الاغريق . وكل هؤلاء 
يلعبون دورهم المزدوج كأبناء وأزواج . قفي نصوص بلاد الرافدين على سبيل المثال » نقراً 
عل لسان إنانا عدداً من المزامير الموجهة لدوموزي الحريب . تقول له في [حداها : 
« الحبيب التقى لي » فقضى مني وطراً وقضيت . جاء بي إلى بيته فاضجعني على سرير 
العسل وقام بفعل الحب خمسين مرة ..76 . وفي نصوص أخرى يشار إلى تموز على أنه 
الزوج » يا هو الحال في نص هبوط عشتار إلى العالم الأسفل » حيث نقرأ في آخر النص 
على لسان اريشكيجال : « أما زوجها الشاب . فخذوه واغسلوه بماء طهور وضمخوه 
بالعطور الطيبة .. » . وفي ملحمة جلجامش كذلك . حيث نقرأ في خطاب 


جلجامش لعشتار : « على تموز زوجك الشاب قضيت بالبكاء عاماً إثر عام .. » . أما 
في بكائيات عشتار على تموز القتيل فيظهر تموز على أنه الاله الابن » حيث تصرخ 
عشتار ومعها الندابات : « وبل عليك يادامو .. وبل عليك يابني ..67. وفي نص 
سومري عن إنانا النائحة على دموزي نقرأ : 


تلجت إنانا حل عروسيها: الف + 
لقد مضى زوجي الحبيب 





.(409ةأكقة:1 ع16) 203 2 ,أققط عقع11! اأمعلعهة عط1 ,لتقطع 1م معسول -1 
79 2 رطعناهظ8 مع0010 عط1 ررعمةرظ -2 


5182 د 


لقد مضى بني » مضى ابني الحبيب”" 

ولقد بقي في علاقة السيد المسيح بأمه العذراء أثر من هذا التقليد القديم » بعد 
أن ارقت العلاقة المزدوجة إلى مستويات روحانية سامية . نقرأ للقديس مار أفرام السرياني 
في إحدى أناشيد الميلاد على لسان السيدة العذراء : 


كيف ادعوك أيها الغريب عنا والذي صار منا 
هل ادعوك ابناً ؟ هل أدعوك أخاً » هل أدعوك خطيباً » . 
هل أدعوك ربا ؟. 
أنا أخحت من بيت داود الأب الثاني . 
وأنا أم من أجل الحبل بك . 
وأنا خطيبة من أجل قدسك”© . 

وفي بعض صلوات الطقس البيزنطي نقرأ : « أيتها السيدة عروس الله . العذراء 
النقية الطاهرة التي لا عيب فيها ولا فساد ولا دنس . يا من بولادتبا العجيبة وحدت 
الاله ‏ الكلمة » والبشر »”" . وفي بعض المدائح المريمية نقرأ : « السلام عليك ايتها 
العذراء عروس الله . يا منعشة ادم ويميتة الجحم . السلام عليك يا منزهة من كل عيب » 
يا بلاطا للملك الأوحد . يا عرشاً نارياً للقدير .. »© , 


منذ الألف السادس قبل ايلاد » يبدأ هذا الزوج الالحي بالانتشار في البؤرة 
الحضارية الأول » ثم يجتازها تدريجياً في جميع الاتجاهات حتى يصل شواطىء العالم الجديد 
بعد عدة آلاف من السنين . إن موضوع العذراء والطفل » الذي يعالجه الشكل 
رقم (ه*) من فصل عشتار الخضراء » والذي يمثل عشتار البابلية في وضعية الجلوس وفي 
حضما الوليد الالنحي » هو استمرار لموضوع العذراء والطفل » الذي تقدمه لنا منحوتة 
جنوب الأناضول في الشكل رقم (87) من هذا الفصل » رغم الثلاثة الاف عام 





.12 2 ,1016 112511266 52060 ع1 ,تعسوت]1 .5.11 -1 


الأب الدكتور متري هاجي إثناسيو » الموسوعة المرمية » ص57 . 2 
نفس المرجع ص7١‏ . 3 
نفس المرجع ص58" . 4 


75168 سد 


الفاصلة بينهما . ولسوف يتكرر هذا الموضوع في جميع ثقافات الشرق القديم وبحر إيجه 
وقبيص . وتكاد بعض الأعمال التشكيلية التي تعالجه » ان تكون نسخة طبق الأصل من 
بعضها . رغم الفاصل الزمني والتباعد المكاني » م هو الحال في الشكلين رقم )1٠0(‏ 
ورقم (41) الذي يبدو أحدهما وكأنه نسخة معدلة عن الاخر رغم الفارق الزمني الذي 
يصل إلى ألفين من السنين . 





00 0 
العذراء الكريتية وابنها ‏ نقش معدني » كريت 





آنا 


7 1 


( الشكل رقم 5١‏ ) 
الرعاة يتدسون المسيح ليلة المبلاد » نقش معدني 
ايطاليا ٠٠٠١‏ بعد الميلاد 


5,70 د 





يبدو الإله الابن في ثقافة كريت وبحر إيجه » أكثر أقرانه قرباً للإله الاين في 
المستوطنات النيوليتية . ويرجع ذلك ؛ كا اشرنا مراراً إلى احتفاظ الثقافة الكريتية بطابعها 
الأمومي القديم » وإلى انبيارها المفاجيء » على يد الفاتحين القادنين من البر اليوناني » قبل 
اكتهال الإنقلاب الديني الذكري فيبا . فمنذ بداية هذه الثقافة وحتى تدميها لم تعبد 
سوى الأ الكبرى «إبنها » الذي يبدو في الأعمال التشكيلية » أحياناً كطفل صغير » 
وأحياناً أخرى كشاب يافع”" . وا هو الأمر على البر الاسيوي المقابل فان الثور كان منذ 
البدء رمزا لهذا الإله الاين » ولعب دوراً كبياً في الديانة الكريتية وطقوسها , التي لا 
نعرف عنها الكثير بسبب وصوها إلينا محورة من خلال الأساطير الأغريقية” . ولعل في 
أسطورة الميناتور الكريتي ساكن قصر التيه » التي ليست إلا ذكرى باهتة لطقوس عبادة 
الثور في كريت ء مثالاً على هذا التحوبر . على ان الأمر الأكيد حول ديانة كريت » هو 
استمرار الاله الذكر ابنا للأم الكبرى الواحدة لتلك الديانة » وعدم تحويله إلى شخصية 
إهية 'مستقلة تبتديء معها التقاليد الدينية الذكربة بالترسخ » م حدث في الثقافات 
الأحرى التي أتاح لما الوقت تحقيق انقلاباتها الكاملة . وإذا كان لهذا الإله الكريتي أن 
يحقق استقلاله الذكري وبناء شخصيته البطريركية » فان ذلك سوف يحدث على البر 
اليوناني الذي ارتحل إليه مع جموع الفاتحين من أشباه البوابرة » الذين عادوا به إلى موطنهم 
عقب تدمير الحضارة الكريتية العظيمة ؛ أواسط الألف الثاني ق.م . 

إن دراسة متأنية لأساطير الأصول الاغريقية » من شأتها أن تكشف لنا عن كيفية 
نشيوء آلحة الأثيمب الذكور » عن الإله الابن للمجتمع الأمومي السابق . قفي البدء© 
ظهرت الإلحة الأَم » الأيض جيا » من العماء الأول » وانجبت ابنها الأول أورانوس الذي 
جعلته ندا لا » فكان السماء التي تغطيها من كل جوانبها . ثم إن جيا اقترنت بابنها 
وانجبت الجيل الأول من الآلحة . ولكن أورانوس كان يخشى تزايد قوة أولاده في المستقبل 
وتهديدهم لسلطته . فكان كلما ولد له ابن سجنه في أعماق الأرض » دون أن تجدي معه 





.10 2 ملاع 0[ مطاوك1 عاعءع0 ,0متعتيد0 .2 -1 
.11 22 ,للط2-1 
.31,37-39 22 ,رالا رقطاو علاعه05 روم بور0 عرعجامج -3 


ل آالاا ‏ ب 


توسلات جيا ودموعها من أجل أولادها . وبمرور الوقت وتزايد عدد الأولاد المسجونين » 
قررت جيا وضع حد لطغيان اورانوس » فرمت خحطة بالتعاون مع ابنها 
الجريء« كرونوس » للتمرد على الأب . زودت جيا ابنها بمنجل حاد من صنعها وجعلته 
يكمن قرب محدعها . وعندما جاء أورانوس ساحباً وزاءه ستار الليل لينام في مخدع 
زوجته » قام إليه ابنه فخصاه بالمنجل ورمى باعضائه التناسلية إلى البحر » ورفع نفسه 
سيداً للكون . ولكن الحكاية ذاتها تتكرر في الجيل التالي من الآهة . فكرونوس يتزوج من 
الإلمة « رحيا » ( وهي شكل آخخر من اشكال الأنْض جيا ) وتأخذ زوجته بالإنجاب . 
ولكنه كان يبتلع أولاده حال ولادتهم مدفوعا بنفس الخوف الذي لاحق والده من قبله . 
ويستمر الحال على ذلك » إلى أن تلد رحيا ابنها الأخير « زيوس » فتهرب به إلى كريت 
حيث تخبئه هناك » بعد أن تدفع إلى زوجها بحجر ملفوف في قماط فيبتلعه على أنه الوليد 
الجديد . وعندما يكبر زيوس » يرجع إلى أبيه فيجره عن عرش السماوات دافعا به إلى 
ماوراء المحيطات ويعتلي عرشه . 
إن بعض جوانب قصة الانقلاب الديني الذكري تكمن خلف الشكل المزخرف 
لهذه الأسطورة الإغريقية . فأورانوس إله السماء الأعلى الذي انجبته الالحة الأ ثم تزوجته » 
لم يكن في أصله إلا تموز ديانة امجتمع الأمومي الأسبق . ابن الأ وحبيبها الخحصب . ثم 
جاءت جماعة الذكور المنتصرة فرفعته أب! مستبدأ » وحلت سلطة الأب وسيطرته محل حنو 
الأم . وغابت صورة الأ التي تحضن طفلها لتظهر صورة الأب الذي يسجن أولاده أو 
يبتلعهم . ونم يكن الصراع بين الابن وأبيه في كل جيل » سوى انعكاس للصراع بين 
العناصر الأمومية والعناصر الذكرية في ثقافة لم تصل بعد مرحلة الاستقرار . ولكن الصراع 
كان ييل دوماً لمصلحة الاتجاه الذكري , لأن الاله الابن الذي تحاول الأم إنقاذه » يتحول 
بدوره الى طاغية يكرر دور أبيه . ومن الجدير بالذكر » أن نيوس الإغريقي الذي يمثل 
الجيل الثالث من الآلحة » وأمه رحيا . هما بالذات الأ الكريتية رحيا وابنها زيوس , اللذان 
تركزت حوهما ديانة كريت وبحر إيجه , التي لم تندحر أمام المد الديني البطريركي » إلا 
بعد اجتثائها من أرضها وحملها إلى بلاد الإغريق . 
وكا ارتفع الحة الاغريق الذكور » فسكنوا السماء مبتعدين عن أمهم الأرْض 3 
كذلك فعل من قبلهم آلهة السماوات العلى في الشرق الأدنى القديم » منذ مطلع عصور 


ل ا ات 


الكتابة . ففي سومر ء نجد الاله « ان » والاله « إنليل » . وني بابل نجد « انو » و 
« مردوخ » »ء وفي اشور نجد « اشور ». وفي سورية نجد « إيل » . وفي مصر نجد 
« رع » . إلا أن طغيان الديانات البطريركية لم يقض على ديانة الم العذراء ووليدها 
الالمي التي بقيت تستقطب العاطفة الشعبية الدينية » وبقي الناس يقدمون الولاء لآلهة 
السلطة » ويكنون الحي لعشتار وابنها . وعندما انتصرت المسيحية اخيراً ؤقامت فوق بحر 
من العبادات المتناحرة حققت التسوية النبائية بين اله الأب سيد السماء » والاله الاين 
ربيب الأرض . فهبط الإله الأب من عليائه » وصار جنينا في رحم العذراء الأرضية ثم 
ولد وعاش بين الناس ء ومات ثم بعث راجعاً إلى سمائه . 

ما هي الملاح العامة لهذا الإله الابن ؟ وكيف نشأت وتطورت صلاحياته 
واختصاصاته ؟ إن الوثائق الفنية لعصور ما قبل الكتابة » لتقدم الدليل الواضح على أن 
هذا الإله لم يكن موضع عبادة بمعزل عن أمه . لقد عاش حياته كلها ظلاً للأم 
الكبرى » يمارس قسماً من صلاحياتها واختصاصاتها التي انفردت بها قبله » ولكن تحت 
رعايتها ومعونتها . فهو وجهها الاخر » وشقها الذكري الذي كان كامناً فيها منذ الأزل » 
ثم انفصل عنها شكلاً ولكنه بقي جزءاً منها فعلّا . وإذا كانت الأ الكبرى قبل ظهور 
الابن تحمل في بعض صورها التركيب الأنثوي والذكري معا , فان ابنها بدوره سوف يحمل 
ذات التركيبين » ويعيش حياته « ابن أمه » . الفتى الرقيق الجميل ذا الملامح الأنثوية 
الواضحة والجسد الطري الغض . فعشتار وتموز هما في الحقيقة اقنومان لا إلحان 
مستقلان . اثنان في واحد » وواحد في اثنين . 

أخذ الاله الابن عن أمه خصائصها القمرية . فهو الآن الثور السماوي ابن القبة 
المعتمة » الذي تظهر قرونه عند الأفق ليلة ميلاد القمر الجديد . ثم يبدأ بالصعود لينبي 
دورة حياة مقدارها ثمانية وعشرون يوما » فيموت ويبعث في اليم الثالث من بين الاموات . 
ورغم قيام المثيولوجيا الذكرية برفع اهة مذكرة جديدة للقمر , كالاله « نانا » في سومر 
والاله « سن » في بابل , فإن الخصائص القمرية القديمة للاله الابن بقيت تدل على 
نفسها عن طريق الإشارة والرمز . فقرون الثور النيوليتي بقيت تزين رؤوس أبناء الأَم 
الكبيى حتى العصور المتأخرة » ونجدها على وجه الخصوص في تماثيل الاله الكتعاني 
بعل . أما الإله دوموزي أو تموز فتطلق عليه النصوص لقب الثور الوحشي . فها هي 


-7؟ عه 


« إنانا » تناجيه بهذا الاسم في أحد مزامير العشق : « اطلق سراحي أيها الثور 
الوحشي » لأعود إلى بيتي .. ماذا عساني أقول لأَمي » وعندما يلقنها دوموزي ما عليها أن 
تقول لامها يدعوها للبقاء قائلا : « هذا ما تقولينه لأمك , بينا نمرح في حضن الهوى .. 
تعالي » سأهيء لك سريراً رخصاً حيث نقضي أعذب الأْقات ©" . 

وفي مصر القديمة نجد اسم الله الابن « أوزوريس » إذا أعيد إلى جذوره القديمة 
فانه يعني سهد القمر'' وكان من القابه « ازر ‏ آه » الذي يعني أوزوريس القمر . 
ولعلنا واجدين في أسطورة هذا الإله ودورة حياته ما يشير إلى ختصائصه القمرية . فهو قد 
عاش ثمانية وعشرين عاماً فقط ‏ وفي ذلك إشارة إلى دورة حياة القمر الشهرية المؤلفة من 
ثمانية وعشرين يوماً . وعندما قعله أخوه « سيت » قطع جسده الى اربعة عشرة قطعة » 
بمدها في أماكن متفرقة » ثم جاعت زوجعه إيزيس فبحفت عن القطع وجمعتها إلى بعضها 
ونفخت فيها الحياة . وفي ذلك إشارة الى أجزاء القمر التي يفقدها يوما فيوم » أثناء هبوطه 
إلى العالم الأسفل . خلال فترة العناقص المولفة من أربعة عشر يوماً » ثم استعادته لتلك 
الاجزاء خلال فترة التزايد . وقد كان المصريون يحتفلون في اليوم الأول من الشهر القمري 
يوم ظهور الملال , وني اليوم الخامس عشر منه وهو يوم ابتداء فترة القمر المتناقص . 
إضافة الى ذلك » فان الرمز القمري لأزورويس يتجسد في ثوره المقدس « ابيس  »‏ 
الذي يعتبر روح أوزوريس الحية على الأرض » والذي ولد من بقرة أخصبها شعاع القمر . 
وكان هذا الثور المقدس يعامل خلال حياته على أنه الاله نفسه » وتقدم له فروض العبادة 
والتقديس بما يليق يوضعه هذا”” فاذا مات رحلت روحه الخالدة في ثور آخر , وقام 
الناس في طول البلاد وعرضها بالبحث عنه مسترشدين بعلامات فارقة تميزه . فهو أسود 
إللون تماماً لاشية فيه » على جيبته مثلث أبيض ول خاصرقه صورة الحلال . فاذا تم 
العثور على مثل هذا الثور » تم اقتهاده إلى معيده الخاص في مدينة بمفيس”؟ . وفي أخر 





2109أقمة 1 ع6 ) .أكة8 موع71 الع لعمة ع1 ,لمقطءوقط 5عدم3[ -1 
.349-350 22 ,840515 عط1 ,لقن كترظ غرعط80] -2 

12-21 ه22 ,ورزو0 ,عقلن8 ؤزالةللا 3 

.جه 2 ,نروهأمط 14 مفاأمزوط ,لنندزلا. 1[ عه 


7ت 


اشكاله كان اوزوريس ء ابان حكم البطالمة في مصر , يدعى « سيراييس » . والاصسم 
مؤلف من مقطعين الأول « سير » أو « زير » » امختصر عن اوزوريس ٠‏ «الثاني 
« أبيس » الثور . وتحت هذا الاسم انتشرت عبادته في الامبراطورية الرومانية 9 . 

عبرت الأعمال التشكيلية عن الرموز القمرية للإله الابن بطرق شتى » ففي 
الشكل (47) نهد أوزوريس القمر في نهاية سلم مؤلف من أربعة عشرة درجة » هي 
درجات صعود القمر وهبوطه . وهي في الوقت نفسه اجزاء اوزوريس التي تفقد ثم يتم 
جمعها في كل شهر . وفي الشكل رقم (95) نهد أوزوريس يجلس على عرشه داخل قرص 
القمر البدر وأمامه الإله حورس . وني أعلى الصورة نرى الحلال في يومه الثاني » وأمامه اثنا 
عشرة نجمه تشير إلى المراحل الباقية التي توصل الى القمر الكامل . وعلى اليسار إيزيس » 
وفي الأسفل الاله اتمساح « سيبيك » يحمل على ظهره مرمياء الإله القتيل . 





( الشكل رقم 17 ) 


ووجات القمر الازبعة عشرء أو اجزاء أوزوريس المفقود 


أما الفن الاغريقي, ء» فقد رسم الإله ديونيسيوس في كثير من الأحيان في هيئة الثورٍ 
الكامل » كا هو الحال في الشكل رقم (44) حيث نرى الثور ديونيسيوس والنعم الثلاثة 
ترقص بين قرنيه » وفوقه تصطف سبعة نجوم تشير الى الرقم القمري المقدس . 

وقد واصل الاله الثور رحلته غرباً من الشرق الأدنى القديم , إلى أن حط الرحال 
عند حواف العالم القديم وشواطته » حيث حافظ على اسمه السامي « ثور » . ففي 





3 2 ملإكجهامط149! كه لمقدمناء1ئط ى ,داع لم2 لصة معأمقطة -1 


719/89 جه 





نحت بارز ‏ 
الثقافة الامكندنافية القديمة . كان الإله « ثور » ابناً للأم ‏ الأَرض » ورباً للرعد 
والعاصفة والأمطار ونظام الطبيعة . نراه في الأساطير والرسوم متمنطقاً بمطرقة هائلة يحطم 
بها جليد الشتاء » ليطلق الربيع من أعماق الأرض في كل عام . ويركب عربة تجرها التيوس 





( الشكل رقم 15 ) ديونيسيوس الثور 


رسم اغريقي 


ست 0207/7 يت 


لجامحة التي ينحرها كلما جاع ليتغذى بلحومها » ثم مايلبث ان يعيدها الى الحياة من 
جديد . من مآثره التصدي للمردة التي كانت تهدد نظام الكون » وصراعه مع أفعى 
البحر الهائلة « مجدادا » .وكان يوم الخميس لدى الاسكندنافيين القدماء » يوماً مقدساً 
للاله « ثور » ء فيه تعقد الزيجات . وقد بقي اسم ذلك الإله يطلق على يوم الخميس في 
بض اللغات الاوربية » ك هو الحال في اللغة الانكليزية » التي تطلق على يوم الخميس 
اسم (كو:نا18 احور عن إههة':ناطا7 أي يوم الثور . ويقابل الاله ثور لدى الجرمان ء الاله 
« دونار » الذي يتمتع بنفس الوظائف والمخصائص » والذي أطلق اسمه على يوم الخميس 
المعروف باسم « دونر ‏ ستيج »”2 . 
إضافة إلى خصائصه القمرية التي استمدها من أمه . فإن الاله الابن قد بدأ 
تدريياً منذ ظهوره » بمشاركتها أيضاً خصائصها كربة للإنبات ودورة الزراعة . ورغم أننا 
لا نعرف الكثير عن الأسطورة النيوليتية المتعلقة بالاله الابن » فان بمقدورنا أن نتلمس 
خطوطها العريضة , اعتاداً على الأساطير المدونة لعصور الكتابة الأولى » ذلك أن 
النصوص التي سارع الإنسان إلى تدوينبا عقب اكتشاف الكتابة » لم تكن إلا استمراراً 
لتقاليد شفهية موغلة في القدم » حافظت على عناصها الاساسية » رغم ما اقتضته 
مراحل التطور المتعاقبة من تعديل في الشكل والصياغة . فتموز » الثور القمري . قد 
غدا » مثل عشتار الخضراء , إطا للنبات ودورة الزراعة . فهو تموز الخضر (الاخضر ) » 
رب الانبات والدورة الزراعية ‏ الاله المحي الميت » والميت الحي » الذي يهبط إلى باطن 
الأْضٍ في الخريف » ويبعث من عالم الظلمات مع قدوم الربيع » ساحباً وراءه خيرات 
الأعماق وبركات الرحم المظلم الذي خرج منه . ولكن مهمته هذه لا تنجز بقواه الذاتية 
بل لا بد من معونة عشتار له . فعشتار التي كانت تهبط درجات العالم الأسفل وحيدة 
وتصعد وحيدة , هي الان من يدفع بتموز إلى العالم الاسفل لابتداء دورة الزراعة » وهي 
من يستعيده إلى الحياة لاوال هذه الدورة . إن الدور الذي يلعبه هذان الإلمان في أساطير 
الخصب منذ أن انجبت عشتار ابنها » هو دور واحد متكامل . لانهما في الأصل » وفي 
المستويات السرانية للأسطورة , ليسا إلا وجهين لقدرة إلهية واحدة . فإلى جانب الأعمال 





.192 ,56 28 ,لاه ه[مطالزا! 1ه لإعممملءل2 ىه رئاء ع لدء11/معزمهط5 -1 


91/10 تت 


التشكيلية التي أظهرت لنا انبعاث عشتار من باطن الْأَْض وحيدة في الربيع ( الشكل رقم 
4* والشكل رقم 7 فصل عشتار الخضراء ) » تظهر لنا اعمال تشكيلية أخرى ان الإله 
الابن هو الذي ينبعث من باطن الأَض في الربيع ومعه أولى سيقان الزرع الخضراء . قفي 
الشكل رقم (4) أدناه وهو رسم إغريقي على الخرف نهد إله الخصب يخرج من الأِض 
عبر ثلة مرتفعة » ترفرف إلى جانيه ربة الانتصار المجنحة « فيكتورها » رمز انتصاره على 


الموت . ومن جانب الثلة تنمو اول نبتة مورقة . وفيٍ رسوم أخحرى » نجد رص الأم والابن عا 





(الشكل ه9) 


بعث الاله الابن ‏ رسم اغربقي على الخف 


يطلان من باطن الأض ويصعدان جنباً إلى جنب. هذا الدور المتكامل للأم والابن» قد 
عبرت عنه الاسطورة بأكثر من شكل وطريقة. فالأم ديمتر في الأسطورة الإغريقية» هي التي 
اكتشفت زراعة القمح ولكن ربيبها الشاب تربتليموس» هو الذي قام بنشره في شتى أنحاء 
العالم بتوجيبها ومساعدتها. فقد عمدت ديمتر إلى تجهيز عربة تجرها التنانين المجنحة» 
وأسلمت ترييتليموس أول حزم القمح, ولقنته كيفية زراعتها وحصادها وصنع الخبز منهاء ثم 
طلبت منه أن يطير في الاتجاهات الأربعة لنشر فنون الزراعة وتحضير البشر”" . ومقثل 





,04 2 ,برو !هط ارا عاعه2 0 ,لسهعتن0 .1 -1 


سداملا؟ ل 


ترييتليموس في نشر خيرات الأم الكبرى في جميع انحاء العالم » إله الخصب المصري 
أوزوريس » فهذا الإله هو الذي نقل المصريين » 5 تقول الأسطورة » من مستوى 
الوحوش الببية إلى مستوى البشر » وذلك عر طريق تعليمهم زراعة القمح وأكل الخبز . 
وبعد أن بنى أوزوريس المدن في مصر وسن الشرائع والقوانين ووضع أسس العبادات 
المنظمة » تركها في مهمة مشابهة لمهمة رسول ديمتر » حيث نشر الحضارة في كل مكان 
على الأض”" . إن مثل هذه الأساطير » لتحفظ لنا بشكل صاف » ذكرى القفزة 
الحضارية الكبرى التي حققها الانسان باكتشافه القمح وأكله الخبز . فلقد كان الرغيف 
برزخ العبور من مرحلة الهمجية إلى مرحلة الحضارة . وفي ملحمة جلجامش . كان أول 
عمل قامت به المرأة التي قادت بيد أنكيدو من حياة الببية إلى حياة المدنية ؛ أن جعلته 
يتذوق الخبز الذي غدا بعد أكله بشرا سوياً : « وضعوا أمامه خبزاً فارتبك . فأنكيدو لا 
يعرف شيعاً عن أكل الخبر وشرب الشراب القوي . ففتيحت المحظية فمها قائلة لأنكيدو: 
كل الخبز ياأتكيدو » عماد الحياة هو. وخذ الشراب القري فهو عادة أهل 
البلاد .. »”" لذلك كان الله الابن في أسطورّه النيوليتية إنها للقمح بشكل خاص » بل 
كان القمح جسده ء وكان هو للقمح روحه .. فقبل أن ترتفع الاله إلى السماء لتتحكم 
في مظاهر الطبيعة عن بعد » كانت جزءاً لا يتجزأ من مظاهر الطبيعة » وكل ماني الطبيعة 
كان الحياً مقدساً . ثريا ماديا » ٠»‏ في أن معاً . 

إن أول صرخة تضرع اطلقها الإنسان للقوى الانمية لم تكين صرخة عابد يطلب 
خلاص الروح » بل صرخة جائع يطلب حفظ الحياة في الجسد . وكان حقل القمح الأول 
هو المسرح البداني الطبيعي ‏ الذي جرت عليه أسطورة الاله الميت الحي » الحي الميت » 
الذي دخل في إسار الدورة الزراعية السنوية مقدماً للبشر خلاصاً من الجوع . 


القمح القيل : 
تقدم لنا إحدى أساطير الحنود الحمر في أمريكا الشمالية » مدخلا لرسم الملائح 
.6 2 ,نإو هام طار14 ممنامرو8 ,مسدلا -1 


انظر ترجمتي لملحمة جلجامش ٠»‏ اللوح الثاني . 2 


ؤلا؟ د 


العامة لأسطورة الاله الابن النيوليتية . فهذه الأسطورة رأمثالها من أساطير الثقافات 
البدائية الحديئة قد حفظت لنا الكثير من العناصر الأصلية لأساطير العصور الزراعية 
الأولى . تقول الأسطورة :« إنه في سالف الام كان المنود الحمر يعيشون على صيد 
الحيوانات البرية والاغتذاء بلحومها » دون أن يعرفوا الزراعة وأكل الخبز . ثم جاء وقت 
تناقصت فيه حيوانات الصيد وعز الحصول عليها » الأمر الذي دفع بالناس إلى حافة 
امجاعة . وكان لسيد إحدى القبائل ابن شاب في ربعان الصبا » داتم التفكير في « الروح 


الكبرى » » التي تتحكم في محرى حياة البشر وندير حركة الكون , وفي حكمتها الخافية 
عن ادراك الناس . وكان يعمل ذهنه ليل نهار في البحث عن حل ينقذ به شعبه من 
الهلاك . ومالبث الفتى طويلا حتى بلغ السن الذي ينذر فيه فتيان القبيلة للروح الكبرى 
صرماً مقداره سبعة أيام » فيتتجعون مكاناً قصياً يقضون الوقت في العبادة والتأمل . فالى 
الفتى على نفسه . أن تكون فترة صومه مناسبة لتوطيد صلته بالروح الكبرى . ولزيد من 
التفكير في طريقة لتلافي الكارثة المحدقة . كان يخرج كل يوم من معتكفه عند أطراف 
القرية » فيجوس البراري والغابات متأملا مختلف أنواع الأعشاب والأشجار متفكراً في سر 
نمرها وتجددها . وفي اليوم الثالث لصرمه وتجواله هبط عليه من السماء شاب غض 
الاهاب . وسيم الطلعة » يرتدي عدة أثواب طباقاً » متدرجة ألوانها بين الأصفر الفاتح في 
الخارج , والأخضر الغامق في الداخل » ويضع على رأسه قبعة على شكل حزمة من 
الريش . وقف أمامه وأعلمه عن هويته قائلا بأنه رسول من عند « الروح الكبرى » 
بعت به لغوث البشر » وتعليمهم أساليب جديدة في تحصيل القوت » تغنييم عن حياة 
الصيد ولحوم الحيوانات . وإنه مكلف باطلاعه على السر الكبير بعد فترة تحضيرية 
تحددة . ثم طلب منه أن يتقدم لمصارعته في منافسة ثنائية » وذلك كمقدمة للاختبار 
الذي سوف يستمر بضعة أيام . تحامل الفتى الذي انبكه الصيام على نفسه » ودخل في 
صراع مع الرسول استمر ساعات طويلة دون أن يتغلب أحدهما على الائحر . ثم توقف 
الرسول معلناً انتباء فاصل اليوم » وغادر صاحبه على أن يأتيه في اليوم التالي . وهكذا 
تكرر لقاء الاثنين وصراعهما حتى اليوم السابع من أيام صيام الفتى » حيث جاءه 
الرسول قائلا : إن صراع اليوم هو الأخير » وإنه سوف يموت في نهايته . وأن على الفتى أنء 
ينظف قطعة صغية من الأيِض » فينتزع منها الجذور والأشواك ثم يحفر فيها حفرة يدفنه 


ث8 ها 





فيها ويردم فوقه التراب الناعم ويدعه في سلام . ثم يتردد عليه بعد ذلك مرة في كل شهر . 
فيزيح من فوق تربته الأعشاب ويمزجها بتربة جديدة . وذلك إلى عدة شهور يعود بعدها 
الى الحياة » ويعرف الفتى السر الذي أرادت الروح الكبرى نقله الى البشر . وهكذا انتبى 
الصراع فعلا بموت الرسول ٠‏ فقام الفتى بتنفيذ تعليماته حرفيا » فدفنه بالطريقة التي 
اوصى بها » وراح يزوره في كل شهر ويعتني بتربة قب . وذلك حتى أواخر الصيف حيث 
احذت تزي التراب من باطن الارض نبتة صغية » تطاولت شيئا فشيئا حتى صلب 
عودها » وحملت أكواز الذرة الذهبية التي يشبه كل واحد منها ذلك الرسول السماوي 
القتيل » لابس الأثواب المتعددة التي تتدرج في ألوانها من الأصفر إلى الأخضر . والقبعة 
ذات الارياش الطويلة9© . 

لا تختلف هذه الأسطورة في هيكلها العام وبواعثها ومراميها عن أسطورة الإله الابن 
في العصور النيوليتية . فاكتشاف الزراعة بالنسبة لانسان العصر الحجري » لم يكن نتيجة 
فعل بشري بل نتيجة عون سماوي . وسنبلة القمح الأولى التي زرعها » لم تكن إلا جسد 
الاله الابن القتيل الذي أرسلت به الأم الكبرى إلى العالم الأسفل » من أجل ابتداء دورة 
الزراعة والحفاظ على استمرارها حتى نباية الكون . فهو الاله الحي . الميت الحي الذي 
مهبط إلى باطن الأرْض في الخريف » ثم يعود ساحياً وراءة خضرة الربيع مكملاً دورة حياته 
السنوية التي تركزت حوها حياة المستوطنات الأول ودياناتها وطقوسها . هذه الأسطورة » 
بشكلها البدائي البسيط امختلط بالطقس , هي الأساس الذي بنيت عليه فيما بعد 
أساطير إله الخصب الميت ابن الأم الكبرى » بشتى أشكاا وتنوعاتها » بعد انتقال 
عشتار وابنها من حقول قمح المستوطنات الزراعية الأولى » إلى المدن الكبية التي بدأت_ر 
بالتوطد مع بدايات عصور الكتابة . إلا أن زارع القمح قد بقي وفياً لطقوسه وممارساته 
القديمة بعيدا عن سفسطة كهان المعابد , وتعقيد الحياة الدينية » وجنوح أساطيرها نحو 
الكلمة المنمقة والرمز المثقل . فحتى وقت متأخر من تاريخ الحضارات في الشرق القديم , 
كان زارعر القمح يمارسون طقوساً شبيبة بطقوس المزارع النيوليتي » عندما كان يندب في 
الصيف روح القمح القتيل الذي قضى تحت مناجل الحصادين , ثم يحتفل بعودته إلى 





.216-00 22 ,لزع 715010 ع/اتالستلدم رلاعط مسد طمعون[ -1 


581 د 


الحياة في الربيع . فإذا كان النواح على تموز في معابد المدن الكبرى , قد اتخذ أشكالا 
ومضامين دينية مختلفة » فإنه في حقل القمح قد حافظ على أصله القديم كنواح على 
سنابل القمح الجافة . جسد الاله , الذي يقدم نفسه طائعاً للموت . 

تروي المصادر الاغريقية أن المسافرين اليونان عبر الحقول السورية إبان الحصاد » 
كانوا يسمعون صرخات تفجع عالية » يطلقها الحصادون وهم يرددون في ايقاع » كلمة : 
آيلينوس .. آيلينوس . وفي تفسير معنى كلمة أيلينوس . تذهب تلك المصادر إلى القول 
بأن آيلينوس كان فنى غضاً رباه أحد الرعاة » ولكنه ما لبث أن مات ميتة قاسية » إذ 
انقضت عليه كلابه ومزقته إرباً » فا مزارعون يندبونه منذ ذلك الحين . إلا أن تحليل الكلمة 
اعتّاداً على اللغات السامية يشير الى أنها مؤلفة من مقطعين هما اي لانو » وتعني 
«وا أسفاًعلينا »”2 أو الوبل لنا . وتشبه ألى حد بعيد صرخة الفجيعة التي تطلقها 
الندابات في سورية اليوم وهي «ولي علينا» . إن الرواية الاغريقية ليست إلا محاولة لتفسير 
طقس الندب في حقل الحصاد . وليست أسطورة الفتى ايلينوس إلا زخرفة » على الطريقة 
الأغريقية » لأسطورة إله القمح القتيل الذي يلقى مصرعه تحت وقع المناجل ٠‏ وتعيراً 
لطقوس التفجع التي كان الحصادون السوريون يمارسونها » بنفس الطريقة التي مارسها 
من قبل حصادو العصر النيوليتي » والذين مازلنا الى اليوم نستعمل صرختهم ذاتها . ان 
صرخة « ولي علينا ... ولي ... » التي يسمعها المار من قرب منزل حلت به مصيبة في 
أي حي شعبي في سورية » هي من أكثر الصرخات في كل اللغات تعبواً عن حس 
.الفجيعه الصادر من الأعماق . وكلما ارتفعت بها حناجر الندابات » في نغمها 
المأساوي الممدود » تلتقي اصداؤها عند آخر مدى للصوت » باصداء أخرى زاحفة من 
أعماق التاريخ فوق كل مواسم القمح : آيلينو .. ايلينو .. أي . 

وفي مصر ؟ يروي المؤرخ الاغريقي هررودوتس . كانت صرخخة التفجيع ذات 
الإيقاع المأساوي الحزين التي كان الحصادون يرددونها إبان الحصاد » من أقدم الألحان التي 
يمكن للمصريين تذكرها » ولربما كانت أول أغنية غنوها على وجه الاطلاق . وفي مقابل 





.7 2 ,العتتقآ لمنتانظ ع1 ,نامتعلق أعتمومقكة -1 
2 2 ,رطونه80 معلأه0 156 ,عععةء : ملف ع5 


-185 ل 


كلمة ايلينوس التي كانت تسمع في سورية وفي قبرص أيضاً , كان الحصادون المصريون 
يرددون كلمة « مانيروس » التي فسسها الموؤرخ بقوله » إن مانيروس كان أول ملوك 
مصر ء وهو الذي اكتشف الزراعة وعلمها للمصريين » ولكنه مات وهو في ريعان 
الصبا » فالناس يتذكرونه وينوحون عليه في كل موسم حصاد . إلا أن كلمة 
« مانيروس » إذا حللت إلى مقاطعها المكونة » في اللغة الميروغليفية وهمي : 
«ما ‏ في هرا » فانها تعني » عد الى بيتك''' . والحصادون إنما يندبون الاله نفسه 
الاان القتيل + روح القمح + الذي تحول فيما بعد إل أزوييس أو وز أو« اتيئل 6ح 
الإله الغض اليافع الذي مات في زهوة الشباب » ويطلبون منه أن يعود إلى بيته ويصحو 
من موته في الربيع . 

وفي فرجيا باسيا الصغرى . الموطن التقليدي للأم الكبرى سيبيل انها اتيس » 
كانت صرخة الحصادين المشابهة لمثيلاتها في سورية وقبيص » هي « ليتريسيس » » وهنا 
تكرر الروايات اليونانية قصة الميتة القاسية للفتى اليافع أو الملك الشاب . فليتريسيس 
كان ابن الملك ميداس ٠‏ ملك فرجيا » وقد لقي مصرعه على يد هرقل الذي قطع رأسه 
بالمنجل ورمى بجثته إلى النبر . وتفصيل الاسطورة . ان ابن الملك كان شابا ذا قوة هائلة 
وبأس عظم » وكان حصاداً ماهراً لا يجاريه في سعة الحصاد أحد . فاذا مر بحقله أحد 
الغرباء أدخله فقدم له الطعام والشراب . ثم خرج به وأجبرو على الدخول معه في منافسة 
لحصد القمح . فكان إذا سبقه . وهذا ماكان يحدث على 'الدوام » قام إليه فادرجه داخل 
حزمة من سيقان القمح وقطع رأسه بمنجل الحصاد , ثم بسط جسده في الحقل مدة + 
يلقي به بعدها إلى مياه النبر . وقد قضى ليتريسيس على عدد كبير من الرجال بهده 
الطريقة » إلى أن مر بحقله هرقل , ودخل معه في منافسة هزمه فيها , وقتله بنفس الطريقة 
التي كان يقتل بها ضحاياه” . 

سنتوقف قليلا عند هذه الأسطورة الأخيةٍ » لأننا سوف نبني عليها هيكلًا 
متاسكاً من التفسيرات , يلقي ضوءاً على طقوس القمح القتيل » ومفهوم القربان البشري 





.57 2 ,كالتعتتتقآ لقنانظ عط1 ,نامهعلة أعنمومهك1 -1 
2 ,طونا80 معل001 1 ,261 تعسول _ر 


الت 


في ديانات الخصب القديمة . ففي أسطورة ليتريسيس عناصر جديدة لم نصادفها في ما 
سبق من شبيهاتها . فإذا كان تفسيرنا السبابق عن الشاب القتيل في ريعان الصبا 
صحيحاً . فان ما نضيف اليه هنا » هو ان الرواية اليونانية قد فهمت الأسطورة والطقس 
في فيرجيا بشكل معكوس . ذلك أن ليتريسيس لم يكن هو الذي مات ميتة ضحاياه 
السابقين . بل ان الضحايا في حقل القمح هم من كان يموت ميتة الإله الابن » روح 
القمح الذي قضى تحت مناجل الحصادين . والأسطورة تحتوى على أثر من طقس موغل 
في القدم » كانت بموجبه القرابين البشرية تقدم في حقل القمح » وتقتل بنفس الطريقة 
التي مات بها الإله الابن » فروح القمح التي رأيناها في فصل عشتار المخضراء » تتحرك 
في حقل القمح أمام الحصادين . إلى أن تلقى مصرعها في حزمة القمح الأخيرة التي 
حلت فيبا » هي التي تقتل طقسيا في شخص القربان البشري الذي يلف داخل حزمة 
القمح , ويقطع رأسه بالمنجل . ثم يبسط في الحقل لاخصابه » وأخيراأ يرمى إلى الماء 
للإيحاء لمواسم ممطرة قادمة . إن إعادة بناء هذا الطقس القديم انطلاقاً من أسطورة 
ليتريسيس لا تبدو مجرد افتراض تخيلي » إذا نحن قدمنا للقارىء بعض العادات الشعبية 
والأننات الفلكلورية التي كانت موجودة لدى الحصادين في أوروبا إلى عهد قريب جداً . 
فطقوس الم لقمح القعيل الموغلة في القدم غ قد أحدّث تتلاثى بمرور الزمن لتحل حلها 
ممارسات رمزية تشير إلى أصوها السابقة » ثم تلاشت هذه بدورها لتغدو فلكلوراً شعبياً 
يتخذ طابع اللعب والمرح . وترويحاً عن النفس خلال موسم الحصاد المضني . إن 
مسابقات الحصاد في أسطورة ليتريسيس والقبض على الغريب وقتله ورميه في الماء » كلها 
عناضر: ضرت تاهر. في الفلكلور الشعبي بشكل ملفت للنظر . وسنعمد فيما بلي إلى 
إغناء الامثلة التي اوردناها في فصل عشتار الخضراء حول هذا الموضوع . 


في فرنسا » وإلى عهد قريب » كان الحصادون يأخذون حزمة القمح الأحية » 
فيجعلونها على شكل امرأة يرقصون حوها وينادون باسم « سيريس » (١‏ التي هي 
ديمتر ) . فإذا انتبوا قتلوا الدمية بأن سير النار فيها » وراحوا يدعون إلى الأم القمح 
أن تعطيهم غلالاً وفيرة . وفي مناطق أخرى من الريف الاررق » كان الحصادون يأحذون 
حزمة القمح الأخيرة فيجعلونها على شكل كتلة كبيرة يضعون في داخلها حجر يجعلها 


- 7588 سا 


أكثر ثقلاً وذلك إيحاء بمواسم وفيرة للعام المقبل » وكانوا يدعون هذه الكتلة بالأم 
الكبرى . فإذا انتبوا من رقصهم ومرحهم مع انتباء الحصاد , أضموا النار في الكتلة . وقد 
يربط حاصد الحزمة الأخيية الى تلك الحزمة » ويشار إليه على أنه روح القمح . وفي ذلك 
تمثيل نباتي وإنساني مزدوج لروح القمح التي تم الامساك بها في ملجثها الأخير » وهنا 
يعامل الحصادون زميلهم الموثق إلى الحزمة معاملة قاسية قد تصل إلى حد الإيذاء أحيانا . 
وقد ترمى الحزمة إلى الماء لاستجلاب المطر أو تحرق ويذر رمادها فوق الحقول لإخصابها . 
وفي ممارسات أخرى يتم القبض على روح القمح بعيداً عن الحقل » في مكان الدرس » 
حيث التجأت بعد هربها من عصف المناجل واختبأت في مكان تجميع الحصاد . وهناك 
تقتل تحت ضربات الدراسين . وهنا يؤخذ صاحب الضربة الأخية في عملية الدرس 
فيريط إلى آخر حزم القش ويطوف به زملائره في طرقات المدينة وسط تهكم الناس 
وضحكاتب”) : 

من أجل ذلك كان الحصادون يتسابقون في الحقل ومكان الدرس » وكل واحد 
يحاول ألا يأتي ار الحصادين أو آخر الدراسين » لأ روح القمح إذ ذاك سوف تحل 
فيه » وعندها يلقى من زملائه معاملة تختلف باختلاف الأمكنة وتنوع العادات . فقد 
يطاف به في عربة مكشوفة تطوف طرقات القرية » وقد يربط إلى حزمة القمح ليعاني 
اللكز والوخز , وقد يرش بالماء » أو يرمى به إلى مياه النهر » أو يلقى كل هذه الصنوف 
مجتمعة . ففي بعض المناطق كان حاصد الحزمة الأحية يدرج بداخلها فلا يبدو منه 
رأس أو قدم ء ثم يحمل على الظهور فيطاف به بين تمليل رفاقه وصراحهم . وقد يحمل 
الأحير في الحصاد » في آخر عربة راجعة إلى القرية على أنغام الموسيقى » وهنا يقوم رفاقه 
بدحرجته على الأرْض حول مخزن الحبوب » ويقوم آخرون خلال ذلك برشه بالماء . وقد 
تخضع المرأة التي تضم الحزمة الأخيرة من حزم القمح » إلى معاملة لا تختلف عن معاملة 
الرجال المتخلفين في حصاد الحزمة » حيث تلقى صنوفاً من اللكز والوخز ثم تربط إلى 
الحزمة وتدعى بدمية القمح” . 





0 .465-467 22 ,رطوده8 معل001 ع1 ,مععموظ وعموول -1 
.494-46 22 ,10ط1 -2 


هلم5” د 


ومن الممارسات ما هو أقرب إلى تمثيل قثل روح الممح التي تمل في حزمة القمح 
الأخية أو في من يحصدها . ففي بعض مناطق ألمانيا كانت حزمة القمح الأخبية تربط 
وتترك قائمة في الحقل . ثم يتقدم إليبا حصاد شاب فيشحذ منجله ويصعها بضربة قوية 
فتتباوى ونتبعثر . وفي مناطق أخرى . يصنع الحصادون دمية من عيدان القمح . 
وياخذونها معهم إلى مكان الدرس . حيث توضع تحت اخر كومة قمح مملية لللبربي 
وهي الكومة التي تتلقى ضربة الدارس الأخية . الذي يعتبيه زملاقه قائل روح القمح . 
وقد تجمع زوجة صاحب الأض إلى الحزمة الأخبية في مكان الدرس » وتجري عملية 
درسها ثم توضع في المذراة ويجري تمثيل عملية تذريتها باعتبارها ممفلة لروج القسح'" . 
هذا وقد يجري تمثيل القبض على روح القمح باعتبارها حالة في غريب عابر يمر قرب حقل 
القمح . أو في زائر أو في سيد الأيْضٍ نفسه لدى دخوله حقل الحصاد لأول مرة . ومثل 
هذه الممارسات كانت شائعة في جميع أنحاء ألمانيا » وفي بعض مناطق النروج وفرنسا . 
فكان الغريب يقاد إلى حقل-الحصاد أو إلى مكان الدرس » حيث تربط إليه عيدان 
القمح ويشد وثاقه حتى يوافق على دفع فدية نقدية . وفي هذه الأثناعيقوم الاسرون بشحذ 
مناجلهم والتلويح بها في وجهه كمن يستعد لقطع عنقه . وقد يردد الحصادون حول 
الضحية أهازع تتصل بالطقس القديم عندما كان الغريب يضحى به فعلا في حقل 
القمح . من ذلك قولهم : « الرجال جاهزون والمناجل مسنونة . القمح طويل وقصير ‏ 
والسبد يجب أن يخصد رأسه »29 , : 

إن هده العادات التي. كانت شائعة لدى حصادي العصر الحديث عند اواخبر 
القرن التاسع عشر » لتظهر مشاببة ملفتة للنظر من أسطورة ليتريسيس . فهناك مباربات 
الحصاد » وريط الخاسر في المنافسة إلى حزمة القمح أو ادراجه فيها » ورشه بالماء أو رميه 
إلى النبر » والقبض على الغريب المار بقرب الحقل وتمثيل عملية قتله . كل ذلك يشير إلى 
أمرين » الأول : إن ممارسات الحصادين الحديثة هي استمرار لممارسات مزارعي العصر 
النيوليتي » بعيداً عن خخط التطور المديني . والثاني أن أسطورة ليتويسيس هي تفسير على 





497 2 ,1010 1 
498-499 22 ,لز15 -2 


7 ال 0 


الطريقة الإغريقية » لطقس كان قائماً في ذلك الوقت: في حقول الحصاد في الشيق الأدنى 
القديم . ورغم أن تقديم الأضاحي البشرية » كان قد توقف منذ رمن بعيد عندما وضع 
الإغريق روايتهم . فان ما كان يجري في الحقل فعلا هو طقس يقدم دراما تمفل مقتل الاله 
الابن » روح القمح الذي حلت روحه في حاصد الحزمة الأخبية » أو في غريب عابر . 
وهذه الدراما كانت في الازمنة الاسبق . فعلا حقيقيا لا تمثيليا .» اذ كان الحصادون 
يقدمون قرباناً بشرياً حقيقياً . يموت من خلاله الله الاببن » على المستوى العياني » موتاً 
يجسد موته على المستوى الماوراني غير المنظور . فالاله الابن في المعتقد والطقس السابق 
لعصور الكتابة » كان يموت على ثلاث مستويات متطابقة » يظهر بعضها بعضاً . 
المستوى الأول » غيبي » حيث يتم موت الإله في المجال المقدس غير المنظور . المستوى 
الثاني طبيعي . حيث يمثل القمح جسد الاله القتيل » وحيث ترفرف روحه في حزمة 
القمح الاخيرة 5 المستوى الثالث إنساني » حيث يموت الإله من خلال جسد بشري من 
لحم ودم حلت فيه الروح المقدسة المستعدة للهبوط إلى العالم الأسفل » وحيث يتم تمثيل 
ما يجري على المستويين الأوليين بشكل واقعي يستقطب كل الشحنات الانفعالية » من 
حزن على الإله وشفقة بجسده الذي بذله لخلاص الجميع » وأمل في عودته التي يتوقف 
عليها معاش البشر . وأخيراً تنتبي التراجيديا الفوزية بنزول السكينة على قلوب العباد . 
فجسد القربان البشري الذي مثل موت الاله سيتحول إلى اوكسير ينعش الْأرضٍ » ودمه 
سيصير أمطاراً تروي التراب . أما الاله الميت فسوف يعود إلى بيته 5 عودهم دائماً 2 
ماني هرا ) وسوف يبعث من مرقده حقا وصدقاً . لذلك كان إله الخصب الميث 
« زيبي » في حضارة الأزتيك بأمريكا الوسطى » ما زال ينشد عند اقتحام الأوربيين للعالم 
الجديد : 

ربما سأموت » اتلاشى وأغيب 

أنا عود القمح الطري 

ولكن قلبي جوهرة خضراء 

لنا سأعود أخضر ٠‏ 5 كنت 

ولسوف يولد البطل كرة أخجرى”” . 





2 2 ,5401162 أهعن) ع1 ,رتمقصباء8 لعكرظ -1 


الاه5! مس 


وقبل ذلك في بلاد الرافدين كانت الأنشودة البابلية تنادي تموزء الذي سيمضي مختارا الى 
عالم الظلمات من أجل ظهور سنابل القمح كرة أخرى : 


ابض أيها البطل وامض الى عالم الظلمات 

ها عو فين هااطو يكيب قي حضو الارض 

سيغمر عالم الأموات بالخيرات العميمة 

امض الى الأرض البعيدة خلف مدى الأبصار" , 

فرغم أن الأساطير المدونة لعصر الكتابة تظهر أحياناً أن الله الإبن قد هبط الى 
العالم الاسفل مرغماء "ا هو حال بيرسفوني التي اختطفها هاديس » ودوموزي الذي 
اختطفته عفاريت العالم الأسفلء إلا أن جوهر الاختيار يكمن عند المستويات السرانية 
للأسطورةء ويفشي عن نفسه في النصوص الطقسية التي لم يمسها كبير تحويرء كالنص 
الذي أوردته أعلاه. وها هو السيد المسيح» آخر إله إبن في سلسلة الآلمة المتناسلة من 
الإبن ‏ القمح» للعصر النيوليتي» يقدم في ميتته أنبل مثال عن الموت الاختياري من 
أجل خلاص البشرء ذلك الخلاص الذي بدأ خلاصاً مادياً من الجوع» وانتبى خلاصا 
روحياً ودخولاً في الأبدية . ورغم ألوف الشنين الفاصلة بين القمح القتيل إبن الأم العذراء 
للعصر النيوليتي, وإبن الأ العذراء لعالم اليوم ‏ فإن الملايين من البشر حول المسكونة 
يرددون كل يوم مقاطع من الانجيل تعيد ذكرى الصلوات النيوليتية الأولى . نقرأ في إنجيل 
« أنا هو خبز الحياة. اباوَّم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء» 
لكي يأكل منه الانسان ولا يموت . أنا هو الخبز الحي نزل من السماء. إن أكل أحد من 
هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أعطي هو جسدي الذي أيذله من أجل حياة 
العالم. »” إن رغيف القمح النيوليتي » مازال قائما على مائدة البشرية الروحية . 

مم يكن القربان البشري إذن» في بداية عهدهء تقرباً من الآلحة وطلبا لرضائها 





أع م56 ع5 01 7815002 عط]' ,ومدمعلمع 1.1.8 -1 


انجيل يوحنا. الاصحاح 5 : 38 2 1148م . 2 


8م51 اد 


ومعونتها » بل كان تمثيلاً لموت الاله نفسه . والقربان» ما أن يختار ويخص لغاية التضحية» 
حتى يفقد صفته البشرية وتحل به الوح المقدسة المستعدة للموت. وهو إذ يتعذب 
ويموتء لا يلاقي مصيراً فردياً بائساء بل أنه يشارك الروح الالنهية موتها وعذاباتها. ورغم 
تعقد الطقوس الزراعية» فيما بعد. وابتعادها عن حقل القمح» فإن طقس القربان 
البشري » حيئا استمر في ديانات الخصب» لم يبتعد عن وهر القديم . ولعل ليل علد 
من الأمثلة المأخوذة من ثقافات متباينة ومتباعدة مكانياً وزمانياً» سوف يلقى ضوءا على 
هذه الفكرة . 

في العالم الجديد» بقيت طقوس الخصب تقدم القربان البشري في المكسيك إلى ما 
بعد الفتح الاسباني بقليل. وتروي المصادر الامنبانية» أن الازتيك كانوا يحتفلون بعيد 
الخصب السنوي المكرس لالهة الذرة» في شهر أيلول ( سبتمبر ) من كل عام . وكانوا في 
ذلك العيد» يختارون فتاة صغيرة في غاية الجمال» يليسونها زي إلهة الذرة» ويزرعون في 
شعرها باقة من الريش الملون » تشبيباً بحزمة الليف التي تنبت في رأس كوز الذرة ( قارن 
مع أسطورة روسل الروح الكبرى التي أوردتها في مطلع هذا الفصل ): ويحيطون عنقها 
بعقد أكراز الذروة ويضعون عل رآسها تاجاً بعد ذلك يضعونها غل غفة ملوهة حيات 
الذرة والبذور من كل الأنواع» ومزركشة حواشيها بأكواز الذرة وأوراقهاء ثم يحملونها في 
موكب حافل الى المعبد . هناك تنزل الفتاةء فيأتي إليها النبلاء والنبيلات في صف واحدء 
وقد حمل كل واحد وعاء فيه دم مفصود من جسمه » فيسكبون ما في الوعاء تحت قدميها . 
ثم يردد الجميع وراء كبير الكهنة أدعية وصلوات» وهم ييكون وينوحون ويندبون . فإذا 
انتهوا بسطوا جسد الفتاة على كومة من حبات الذرة والبذور الأخرى» وتقدم كبير الكهنة 
فقطع رأسهاء وقام برش دمها على اتمثال القاكم لالحة الذرة وعلى الحبوب والبذور. بعد 
ذلك يم سلخ الجئة ويعطى جلدها إلى أحد الكهنة ؛ الذي يحاول إدخال نفسه فيه قدر 
المستطاع , ثم ياتونه بملابس الفتاة وكامل زينتها فيضعها عليه وياحذونه فيسيرون به خارج 
المعبد في مركب صاخب على أنغام الطبول”" . وهكذا يبدو الطقس بكامله» تمثيلا موت 
وبعث إلحة الذرة» التي تموت من خلال الفتاة وتبعث من خلال الكاهن» الذي يلبس 





222-223 22 رنزوره[امط ج11 عطااتصاعم مللعطمسيدت طمعومل .ل 


- 786 - 


جلد الفتاة ويضع على نفسه زينتها من باقة الريش وعقد الأكواز وما إلييا. ورغم أن طابع 
الدراما يغلب على الطقس . غير أن المشاركين فيه كانواء إذا بلغ الاحتفال أوجه واجتث 
رأس الفتاة» يرون في موتهاء فعلاء موت لربة الخصبء وفي تمثيل بعثهاء أملا في عودة 
حبيبات الذرة إلى الحياة كرة أخرى . إن الفرق بين هذا الطقس وأشباهه لدى الثقافات 
الأخرى» وبين الطقس النيوليتي الأصيل, يكمن في أن الطقس النيوليتي كان خلوا من 
عنصر الدراما . وأن القائمين عليه كانوا يرون في ازهاق روح القربان البشري إزهاقاً لروح 
الاله الذي تباوى جسده تحت المناجل . 

وتقدم لنا القارة الهندية كثيرا من الأمثلة على القربان البشري المقدس . ففي مناطق 
البنغال؛ وحتى وقت متأخر من القرن التاسع عشرء كان القربان البشري يقدم كل عام 
في عيد إلهة الأض . فكانت الضحايا تشترى؛ من كلا الجنسين » من العائلات الفقيرة 
في سن صغيرة وتهياً لهذا المصير. وعندما كان الشاري يستلم الضحية من أهلها كان يقول 
لهم : لقد قدمتم إبنكم للموت لكي يعيش العالم . ثم يؤخذ الطفل فيعتنى به عدة سنوات 
عناية كبيرة ويعتبر كائنا مقدسا. فإذا دنت الساعةء اقتيد القربان إلى غابة عذراء» لم تل 
من أشجارها فأس من قبل» وهناك يربط إلى عمود خشبي ويضمخ بالعطور ويكسى 
بأقخر الحلل» وذلك على مرأى من الحشود المجتمعة التي تتدافع للتبرك بجسده المقدس . 
ثم يأتي الكاهن الأكبر فيجرح الضحية بفأس دون أن يقتلهاء ويتقدم وراءه مثلو 
المناطق » فينهالون عليها بسكاكينهم يقتطعون من جسدها قطعاء يحملونها معهم إلى قراهم 
حيث يقسمونها بالتساوي بين العائلات» لتدفن في الحقل أو تعلق في الهواء فوق بجرى 
الماء الذي يسقي الحقل . أما ما تبقى فيحرق ويذر رماده في الحقول'"". لقد تحول جسد 
القربان» من جسد بشري عادي إلى جسد مقدس تنطلق منه قوى إخصابية إلية . وهذا 
التحول لم يتم لأن الجسد البشري قد قدم لمرضاة الالحة» بل لأن الالحة نفسهاء في الطقس 
الأصلي . هي التي حلت فيه وماتت من خلاله . 

وفي أمريكا الشمالية» كانت بعض قبائل اهنود الحمرء تقوم بتقديم قربان بشري 
من أحد الأسرى» :في العيد اتخصص لكوكب الزهرة . فكان الأسير المنتتخب يغذى 





.503-06 22 رطونامظ دع0010 عط1 ,رععوعظ 265و[ -1 





بأفضل طعام مدة لابأس بباء فإذا حل الوقت جاؤوا به» فالبسوه خير لباس وشدوا وثاقه 
إلى صليب خشبي » ثم قتلوه رميا بالسهام . بعد ذلك يتقدم الكاهن فيشق صدر الضحية 
وينتزع منها القلب ويلتهمه. ثم يقطع جسدها وهو مازال دافئا إلى قطع صغيرق» توزع في 
سلال صغية على الأسر التي تأخذها لاخصاب حقوها. هناك يقوم رب الأسرة بعصر 
قطع اللحم الطرية فوق حفنة من القمح لاخصابها قبل دفنها في التراب . ولدى هنود 
المكسيك» يتم قتل الضحية بين حجري الطاحون في عيد الحصاد, وتدفن أشلايها في 
الحقل . ولدى بعض قبائل أفريقيا يجري استعمال أدوات زراعية أخرى كالمعازق والجارف””' 
إن قيام الكاهن بالتبام قلب الضحية بعد قتلهاء ليس بأية حال بقية من طقس سابق 
يتعلق بأكل لحوم البشرء لأ مثل هذه الطقوس لم تعرف قط عند المنود الحمرء ولكنه 
طقس يهدف إل التوحد بالاله عن طريق أكل الجزء النابض من جسدهء الذي يمثله الآن 
جسد القربان. ولسوف نرى مثل هذا الطقس شائعاً بأشكاله المتنوعةء» لدى كثير من 
الثقافات . أما قتل الضحية بين حجري الطاحون» أو باستخدام الأدوات الزراعية » ففيه 
إشارة واضحة إلى أن القتيل؛ ليس إلا ممثلاً لروح القمح القعيل» التي حلت في الجسد 
البشري وماتت من خلاله . 

إن بربرية هذه الطقوس » بمفهومنا المعاصر» يجب أن لا تحجب عن أعيننا ماوراءها 
من رمز عميق . فالقربان البشري» يمثل نقطة اللقاء بين الانساني والال مي » حيث يموت 
الاله ف جسد بشري» ويموت الانسان ميتة الاله. هذا الرمز قد يبدو أقل تعقيدا وبعدا 
عن المألوف» إذا تلمسناه. في تعبيو الأب » من خلال سية السيد المسيح . الاله الابن 
الذي استعار جسد الانسان» ومات في شكل الانسان من أجل خلاص العالم» مجسدا 
سعي الانساني للالتقاء بالالمي عبر تاريخ الحياة الروحية للبشر. 


والآن كيف تطور معتقد هذا لابن القمح» القتيل» وكيف تحولت وتناسخت 
أسطورته الأوْلى خلال الأزمنة وعبر الأمكنة . هذا ما سنتعرض له بالتفصيل فيما يلي من 
هذا الفصل . 





1- [510, 22 501-502, 


585١‏ لس 


عشتار وتموز: 


لم تحرر الألوهة نفسها من إسار الطبيعة دفعة واحدة. بل لقد حققت ذلك إثر 
عملية طويلة وبطيئة» استطاعت بعدها أن تنتقل من روح محركة للطبيعة من داخلهاء 
متحدة معهاء إلى قوة منفصلة عنها متعالية عليها متحكمة بها عن بعدء وذلك بتأثير القم 
الذكرية التي بدأت تفرض نفسها تدريجيا داخل الثقافة. ففي شكلها الأقدم كانت 
عشتار» روحا للنبات » تقضي جزءاً من السنة في باطن الأرض» وجزءها الآخر في نسغ 
الحياة النباتية » إلهة مزدوجه تمثل العالمين » وتنتقل بينهما دون أن .تفقد بانتقالها إلى واحد 
تأثبيها على الآخر . وعندما أخذت بالخروج من مملكة الطبيعة والتحول تدريجيا إلى سيدة 
لهاء بدأت صورتها المزدوجة بالانقسام وظهرت بدلاً عنها صورة الأ والابنةء حيث تابعت 
الأم مسييتها نحو الأعلى لتأخذ مكانها أخيراً بين الة السماءء وتركت إبنتها حبيسة الحياة 
الطبيعية ودورة الانبات السنوية . إلا أن هذا الانقسام لم يتم تكريسهنهائياء وبقيت الأمديمتر 
والابنة بيرسفوني » في المستويات السرانية للأسطورة اثنتين في واحدة وواحدة في اثنتين. أما 
في الميثولوجيا التي لم يقيض لها أن تتابع خما. تطورها الأمومي » فقد تحول شق عشتار 
الآخرء إلى إبن أصلمته إلى دورة الطبيعة وتابعت مسيتها مع الحة الذكور نحو الأعلى . إلا 
أنها هنا أيضا قد بقيت متحدة معه عند المستويات السرانية للأسطورة» وبقي تموز شقها 
الآخرء وجانبها الذكري الكامن معكوساً نحو الخارج . 

عند هذه النقطة من البحث أعتقد بأننا قد حللنا لغزا كبيرا من ألغاز أساطير 
وديانات الخصب » وذلك بتوضيح العلاقة بين الالمين الرئيسيين في درام الخضب الكوني » 
هذين الالمين» اللذين بقيت خصائصهما ووظائفهما مختلطة» حتى في أذهان أصحاب 
الطريقة الأكاديمية في دراسة ألاسطورة» ممن يشيرون إليبماء وبكثير من الحرية» على أنهما 
إله والهة الخصب.إن اله الخصب وسيدة الطبيعة هي عشتارء وعشتار وحدها. 
أما تموز فإنه روح النبات التي تموت وتحيا في دورة مستمرة باقية» بمعونة روح الخصوبة 
الكونية التي يتوقف عليها إنعاش الابن القتيل واستعادته من العالم الأسفل . 

إن أول نص مكتوب خطه الانسان عن الأم الكبرى وإبنها القتيل» هو نص 


- 5335 سد 


الأسطورة السومرية المعروفة بهبوط إنانا إلى العالم الأسفل. من هنا يمكننا اعتبار هذا 
النص» تدوينا للأسطورة النيوليتية في شكلها الأخير الذي اتخذته عند أعتاب عصور 
الكتابة . ومن هنا أيضا يمكننا اعتبار العناصر الأساسية لهذه الأسطورة بمثابة الفط الذي 
ستمبج عليه الأساطير الموازية لبقية الثقافات. فالأم الكبرى ترسل بإبتها(أو حبيمها)إلى العالم 
الأسفل. ثم تقضي الأيام في ندبه وبكاء روحه الغائبة . وعندما لا يجدي البكاء فنيلقٌ تتبياً 
للشروع في رحلة طويلة للبحث عنه. وتخاطر بالنزول إلى العالم الأسفل لاستعادته وتحريره 
من قبضة سيدة الموت» فتفلح في مهمتها وتستعيده إلى الحياة من جديد . إلا أن عهده 
بالحياة في العالم الأرضي لا يدوم طويلاء ويببط إلى العام الاسفل من جديد مبتدئا دورة 
أخري. هده العاضر الاناسية امستمدة من تصن الأسطورة» ومن افون الرقيظة بياء 
وبجمل الاشارات إلى موضوعها في نصوص أخرى» ستظهر فيما بعد في أساطير متباعدة 
زمانياً ومكانياً . بعضها سيظهر بشكل واضح؛ وبعضها الآخر بشكل رمز وإشارة. 
فمسؤولية إنانا المباشرة عن هبوط دوموزي إلى العالخ الاأسفل» قد لا تظهر في الأساطير 
الكعرى الدقم بهار كيف قن امون ما حيري اديه ته ف سمه 
لدى تقديمنا مقاطع من أسطورة هبوط « إنانا » إلى العالم الأسفلء, في فصل 

سابق » توقفنا عند خروج الالغة منتصرة على الموت وصعودها درجات العالم الأسفل . أما 
العبيم الثاني من الأسطورة » فيصف طواف إنانا في البلاد بحثا عمن ينوب منابها في العالم 
الأسفل » وهو الشرط الذي وضعته إريشكيجال ربة الظلمات» لاظلاق سراحها انها 

من الموت . فإذا كان الشرط في الماضي ينص على عودة الالهة ذاتها بعد قضائها ع من 
السنة على سطح الأرض» وهو مارأيناه في أسطورة ديمتر وبرسفوي التي تنتسب مع 
أسظورة إنانا ودوموزي إلى أصل واحد . فإن الشرط الآن» هو عودة البديل» الذي سوف 
يلعب من الآن فصاعدا دور روح التبات . ولضمان تنفيذ الشرط» ترسل أريشكيجال 
مع إنانا المتحررة» عفاريت لا تعرف الشفقة لجر البديل الى عالم الظلام : 


الذين تقدموا إناناء 
مخلوقات لا تعرف: الطعام ولا تعرف الشراب» 


395 - 


ولا تأكل خبر التقدمات» 

ولا تشرب من خمر القرابين . 

تخطف الزوجة من حضن زوجهاء 

وتنتزع الطفل من صدر أمه الرؤوم . 

هكذا صعدت إنانا من العالم الأسفل 

يسير الموكب في طريقه إلى مدينة إنانا. وكانت العفاريت كلما التقت بواحد من 
حاشية الالة» عرضت عليها خطفه فداعً لهاء فكانت تجد لكل صنيعاً يشفع له. إلى أن 
وصلوا إلى مدينة كولاب مقر دوموزي : 


في كولاب» وضع دوموزي عليه حلة فاخرة» واعتلى عرشه. 
فانقضت عليه العفاريت وجرته من ساقيه . 
انقضت عليه العفاريت 5 تفعل مع الرجل العليل. 
فانقطع الراعي ( دموزي ) عن نفخ نايه . 
ثم ركزت إنانا عليه أنظارهاء ركزت أنظار الموت . 
ونطقت ضده بالكلمة» نطقت بالكلمة التي تعذب الروح 
وصرخحت في وجهه صرخة الاقام: 

أما هذا.. فخذوه. 
وبذلك أسلمت إنانا الطاهرة دوموزي إلى إيدمهه”" . 


لقد حير موقف إنانا في هذه الأسطورة» المفسرين والدارسين . فلماذا وقع اخحتيار 
الالحة على زوجها وحبيبها الذي قضت معه أحلى أوقات الحب وأنشدته أعذب مزامير 
لهوى؟.. إن التفسير ليغدو سهلاء إذا رجعنا إلى أسطورة وطقس الأم الكبرى وابنها 
القمح القتيل . فالاله الابن لم يولد إلا ليسلم إلى الموت من أجل حياة البشر . وقد بقي 
هذا شأنه حتى آخر تجلياته وأعظمها. نقرأ في انجيل يوحنا: « إذا كان قيافا رئيسا 
للكهنة في تلك السنةء تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة. وليس عن الأمة فقط بل 





راجع النص الكامل في مؤلفي » مغامرة العقل الأول . 1 


93ت 


ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد » 7 


وفي أسطورة مخصصة لوصف عذابات وموت الاله الابن. نجد دوموزي يبرب من 
عفاريت العالم الأسفل مختبعا بين الأعشاب الطويلة والقصيرة» هروباً يذكرنا بهروب روح 
القمح واختبائها بين السنايل. وها هو يتحدث إلى أخته قائلا: 


أي صفيتي ١‏ سأختبىء بين الأعشاب » 
فلا تخبري أحداً يمكمني . 

سأختبىء بين الأعشاب القصيرة» 
سأختبىء بين الأعشاب الطويلة» 


ساختبىء بين القنرات والترع ع 


فلا تخبري أحداً بمكمني . 


ولكن العفاريت تأتي إلى بيت أخته وتيدأ استجوابها عن مكانه . فيخشى دوموزي 
أن يصيب أخته شر على يد العفاريت» فيعود من تلقاء ذاته ويسلم نفسه إلهم » حيث 
ينقضون عليه ويوثقونه من يديه وقدميه» ويوسعونه ضريا بالعصي والسياط ويهيئونه للرحيل 
معهم . وهنا يتجه بالدعاء إلى أوتو إله الشمس » طالبا معونته . فيستجيب له ويحول يديه 
ورجليه إلى قواكم غزال فيفر هارباً مرة أخرى : 

أي أرزوء أنت عو زويضي» ونا 'زوي أعمك 

أنا الذي يحمل الطعام إلى معبد إنانا . 

في مدينة إيريك قد أتمَمت زواجي . 

فأنا من قبل الشفاة الطاهرة 

وعانق الجسد المقدس, جسد إنانا . 

فحول يدي إلى يدي غزال» 

وحول قدمي إلى قدمي غزال» 





انجيل يوحنا , الاصحاح ١‏ : ١85ه‏ . -1 


- 586 


حتى لا تطالني أيدي عفاريت الجالا. 


ولكن العفاريت تلقي عليه القبض مختبعا في بيت إحدى الالمات,» وهناك تعاود 
ضرب وتعذيب الاله المنكود محددا. ولكنه هرب بمساعدة أوتو إلى حظيرة أحته وهناك 
كانت نبايته : 


دخل الحظيرة العفريت الأول 

وضرب خدود دوموزي بمسمار طويل نفاذ. 

وتبعه إلى الحظيرة العفريت الثاني » 

فراح يضرب وجه دوموزي بعصا الراعي . 

ثم دخل إلى الحظية العفريت الثالث» 

وأزال ما في الممخضة ورماها خاوية . 

وتبعه إلى الحظيرة العفريت الرابع ء 

فرمى الكوكب المقدس عن مشجب تعليقه . 

ثم دخل الحظية العفريت الخامس» 

فحطم الممخضة الخاوية من اللبن» 

وكسر الكوب . فدوموزي لم يعد من الأحياءء 

وحظيرته قد راحت نهبا للرياح”"©» 

هذه العذابات والالآم. وهذه الميتة القاسية التي ماتها دوموزي». هي التي كان 
الحصادون وصولا إلى العصر الحديث» يمثلونها في حقل القمح . مع فارق أسامبي أن دراما 
الحصادين ليست مستمدة من أسطورة دوموزي أو أية أسطورة اتخذدت شكلها في المدينة 
وبين جدران المعابد» بل هي مستمدة من الطقس الأول والأسطورة الأولى التي قامت عليها 
أسطورة دوموزي ذاتها . 


إضافة إلى أسطورة هبوط إناناء تتعدد الاشارات في النصوص الأخرى إلى مسؤولية 





راجع النص الكامل في مؤلفي » مغامرة العقل الأول . 1 


--546 لد 


إناناء أو عشتارء عن إرسال دوموزي أو تموز إلى العالم الأسفل. ففي ملحمة 
جلجامش. عندما يقف البطل الشمسي بكل عنجهيته الذكرية متحديا عشتار » يذكرها 
بمسؤوليتها عن مصير تموز: 

أي بين أخلصت له الحب إلى الأبد 

وأي راع أفلح في إرضائك على مر الأزمان ؟ 

على تموزء زوجك الشاب 

قضيت بالبكاء عاماً إثر عام 

في هذا النص إشارة إلى إرسال عشتار لزوجها إلى العالم الأسفل » 6 أن فيه إشارة إلى 
الطقوس المعروفة عن بكاء عباد عشتار على تموز القتيل في كل عام » وهو البكاء الذي تشارك 
فيه عشتار نفسها » أو بالأحرى » الذي تبدأه عشتار نفسها وتشاركها فيه جموع الندابين . 
نقرأ في بكائية سومرية لإنانا : 

لقد بكت السيدة برارة على زوجها 

لقد ناحت إنانا بمرارة على زوجها : 

قضى زوجي بين سيقان النبات الامامية 

قضى بين سيمان النبات الخلفية 

ذهب يبحث عن طعام فتحول إلى طعام”' 

وذهب يبحث عن ماء فأسلم إلى الماء”"' 


غير أن البكاء وحده لا يعيد الاله الميت ولا بد من قيام الإلحة نفسها بتخليصه من 


(ه) في اللغة السومرية » هناك كلمة واحدة للدلالة على الطعام وعلى النبات في ان معاً . وقد اختار ناشر 
هذا النص ومترجمه السيد كرير كلمة النبات فجاءت ترجمته لهذا السطر على الوجه التاللى : ذهب 
يبحث عن طعام فتحول إلى نبات ( أو فأسلم إلى النبات ) . وقال في تعليقه على النص بأنه غامض 
وغير واضح الدلالة . بيها ييدو واضحاً أشد الوضوح في سياق تفسينا العام . فتموز هنا هو روح 
القمح التي تموت بين سيقان الزرع وقت الحصاد , وتسلم إلى ماء السقي بعد ذلك لتقدم طعاما في 
الموسم المقبل . . 

2 ,رعالكا ععد د81 لعع 52 ع1 ,تعتسصدي]1 .5.11 -1 


- 1997 د 


ربقة الموت.ء وذلك باهبوط إلى العالم الأسفل واستعادته من أريشكيجال . هذا المبوط 
تحدثنا عنه الأسطورة البايلية» التي تكرر أحداث أسطورة إنانا في معظم تفاصيلها » مع 
الفارق االأساسي وهو أن عشتار لا تحقق بنفسها انتصاراً على الموت الكي ترسل موز 
بديلا عنها » بل إنها تحقق لنفسها قوز , الذي هبطت من أجله » بعثاأ جديداً . نقرأ في 
ختام الأسطورة : 


ثم العفعت ( أريشكيجال ) إلى وزيرها تمتار 

امض يا نمتار واقرع باب الايجالينا 

زين العتبة بحجر الابريتو 

استدع الانوناكي » ودعهم يجلسون على عروسشهم الذهبية 


أما تموز زوجها الشاب 

فخذوه واغسلوه بماء طهور وضمخوه بالعطور الطيبة . 
ألبسوه عباءة ودعوه يعزف نايه اللازوردي 

ولتحط به كاهنات عشتار يبدئن من خواطره2" . 


وبصعود روح النبات من العالم الأسفل. تتفجر الخضرة من أعماق الأضء وتنبت 
المزروعات من كل لون وصنف ,» وتزهر أغصان الشجر اليابس . ويكتمل عيد الربيع في 
يومه الثالث» حيث يتحول بكاء العباد وعويلهم فرحاً. لقد اطمأنوا الآن إلى الموسم 
الطيب. ما عليهم سوى انتظار موسم الحصاد ليرسلوا بتموز هرة أخرى إلى أعماق 


الجحيم . 


يشكل عيد الربيع السنوي البابلي» اختصارا لعيدين قديمين تم دمجهما في عيد 
واحدء هما عيد الحصاد الذي كان يتم في شهر يوليو ( وهو الشهر الذي مآ زال 
المشرق العرني يطلق عليه اسم تموز ): حيث كانت تقام طقوس ندب تموز القتيل روح 





راجع مولفي » مغامرة العقل الأولى 2 -1 


لالمة1 ”ب 


القمح» وعيد الربيع الذي كان يتم مع الانقلاب الربيعي» حيث كانت تقام طقوس 
الاحتفالات بعودة روح القمح القتيل إلى الحياة. ثم جرى تأخير الاحتفال الربيعي ليستقر 
حول الخامس والعشرين من نيسان ( ابريل )» ملخصا الاحتفالين معا في عيد مدته ثلاثة 
أيام . حيث يتم في اليوم الأول بكاء تموز الميت ومثيل عذاباته وآلامهء بشكل يدفع جمهرة 
امحتفلين إلى هستريا جماعية» يتخللها إلى جانب النخيب و«العويل » لطم الخدود وتمزيق 
الثياب وما إلى ذلك . وفي اليوم الثالث » عندما يعلن الكهنة قيام السيد من بين الأموات» 
ينقلب الأتم إلى عرسء وتبدأ احتفالات العيد الحقيقية» التي يتخللها السكر ولمجون 
والرقص والموسيقى والممارسات الجنسية . إن هدة العيد المؤلف من ثلاثة أيام, لا تعكس 
فترة موت تموز واحتجازه في العالم الأسفل . فطقوس العيد ليست سوى دراما يستعيد فيبا 
امحتفلون قصة عشتار وتموزء وهي بقية من طقس قمري قديم كان يتم في كل شهرء 
لمساعدة القمر على الظهور ثانية عند أفق المشرق, ثم صار يتم في كل عام لمساعدة روح 
النبات على قهر الموت . أما موعد العيد السنوي ..حوالي الخامس والعشرين من نيسان . 
فقد بقي موعدا تجمعت حوله معظم أعياد أبناء الأ الكبرى» وصولا إلى عيد الفصح 
ألمجيد» ذكرى موت السيد المسيح وقيامه من بين الاموات . 
وقد استمرت طقوس البكاء على تموزء إلى وقت متأخر في الشرق الأدنى. ونجد 
ذكرا لها في التوارة» باعتبارها من الطقوس التي كان بمارسها اليهود في هيكل الرب » تقليداً 
لجيرانهم السوريين: « وقال ادخل وانظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا. 
فدخلت ونظرت » وإذا كل شكل دبابات وحيوان نجس وكل أصنام ببيت اسرائيل مرسومة 
على الحائط على دائرة . وواقف قدامها سبعون رجلا من شيوخ بني اسرائيل» وكل واحد 
محمرته في يده... وجاء لي إلى مدخل بيت الرب الذي في جهة الشمال؛ وإذا هناك. 
نسوة جالسات يبكين على تموز »<". وفي مدينة حران بسورية» وهي المدينة التي 
حافظت على تقاليدها السابقة إلى ما بعد الفتح الاسلامي بفترة طويلة» كانت طقوس 
تموز ما زالت حية إلى القرن العاشر الميلادي» فبعض المصادر الاسلامية تذكر أن بعض 
الفرق الدينية في حران» كانت في شهر تموز تقم عيد « البغاث ». وهو عيد النساء 
يي ل ا يي ل 


العهد القديم » 'سفر .حرقيال ؛ الاصحاح + : 4 ه١‏ 5 -1 


5482 


الندابات اللوائي كن يبكين الاله « تاعوز ». تمضي تلك المصادر في تفسير معنى 
الطقس فتقول. إن تاعوز كان شابا يافعا قتله سيده ثم طحن جسده بين حجري 
الطاحوة: وذين أجزاءة “فق ااطواء :ولك كارك الساء: خلال العيد لآ 210 فنيكا 
مطحوناً» بل يقعصن على الأطعمة النياتية”©. وهكذا نجد المصادر التاريخية تقع في الخطاً 
نفسه؛ وتروي بعد ما ينوف عن الألف عامء القصة التبريرية نفسها عن الفتى الشاب 
الذي يموت ميتة قاسية في عز شبابه . إن تاعوز هنا ليس سوى تموز القمح القتيل» وليس 
امتناع النساء عن أكل القمح المطحون سوى امتناع عن أكل جسد الاله في عيده 
السنوي . 


عستارت وأدونيس : 


لقد تزوج الاله الابن الأم الكبرى في وجهيها الأبيض والأسود. فغاش في أحضان 
عشغار جزءا من السنة» وني كتف أريشكيجال جز السنة الآحر . وإذا كانت أسطورة 
عشتار وتموزء لا تظهر هذه الفكرة بشكلها الصريح, إذ يبدو تموز في العالم الأسفل رهيناً 
لأْيمشكيجال ينتظر فك أسرهء فإن عنصر زواج تموز من الالحتين وتنافسهما من أجله يبدو 
واضحاً في اسطورة عستارت وأدونيس الكنعانية . 

إذا استثنينا الأساطير الأُغاريتية التي وصلت إلينا محفورة على ألواحها الطينية في 
حالة سليمة نسبياً» فإن معرفتنا المباشة بأساطير الكنعانيين قليلة جدا. فجل ما نعرفه 
عنهاء منقول عن المصادر الاغريقية أو على لسان مؤلفين سوريين هلنستيين من الفترات 
لمتأخرة . لذلك يجب أن نكون منتببين للعناصر الاغريقية التي تبدو واضحة في بعض 
الأناطيرء ومتها أسلورة عستار ت بأدونين. خصوضا بأن الالحة عستار ت الغنيدقية 
هي التي غدت أفروديت الاغريقية » بعد أن أخذ اليونان عبادتباء عن طريق جزيرة قبرص 
التي أنشأ السوريون أول حواضهاء وأسسوا فيها عبادة عستارت» التي كان معبدها في 
مدينة « بافوس » يعتبر من المعابد المشهورة في العالم القديم ,» عندما كانت هذه المدينة 





لم80 001065 قط ,تععورظط وعمسول -1 





مرتبطة مباشة بملك بيبلوس الكنعانية . 

تقول الرواية الاغريقية للأسطورة» أن أم الاله أدونيس قد حولت نفسها إلى شجرة 
عندما حملت به ثم ولدته وهي في هذه الحال» فأتى طفلاً ذا جمال لا حد له. فأحبته 
الالحه افروديت وهو طفل صغير فأخذته إليها. وفيما هي تستعد لغياب طويل. وضعت 
ادونيس في صندوق أحكمت إغلاقه خوفا على الصغيرء ثم أودعت الصندوق لدى 
بيرسفوني إطة العالم الأسفل وغادرتها معتقدة أن بيرسفوني سوف تحافظ على الصندوق» 
دون أن يدفعها فضوطا إلى فتحه ومعرفة ما بداخله . وعندما عادت افروديت من غيبتها» 
وجدت أن بيسفوني قد فتحت الصندوق وببرها جمال الطفل فقررت الاحتفإظ به 
لنفسها . هنا ينشأ نزاع بين الالمتين حول الاستتثار بأدونيس الصغير» ينتبي بأن تحتكمان 
إلى كبير الآلحة الذي يحكم بأن تتقاسم الالمتان ادونيس . وذلك بأن يقضي نصف السنة 
في العالم الأسفل بصحبة ببرسفوني » ونصف السنة الآخر بصحبة افروديت”". وفي رواية 
أخرى لأسطورة أدونيس» نجده شاباً يافعاً مولعاً بالصيد والقنص» تقع في حبه افروديت 
وتقضي وقتها في قلق عليه من مخاطر هوايته تلك » محاولة دفعه للاقلاع عنها. إلى أن جاء 
يوم صرعه فيه خنزير بري في جبل لبنانء قرب منبع النبر الذي مي فيما بعد باسمهء 
ففاض دمه ملوناً مياه التهر بالأحمر القاني » وانبغقت من قطرات دمه المتساقطة على التراب 
أزهار شقائق النعمان الحمراء. وفي كل عام يأقي أدونيس إلى المكان نفسه في الربيع ليلقى 
الميتة نفسها ولتفيض دماءه قتصبغ المياه نفسها المتدفقة من بين 
الصخور الجبلية». هذا ومازالت بقايا معبد عستارت العظيم الذي أقيم عند نبع 
أدونئيس »الذي هو نهر ابراهم اليوم» قائمة قرب قرية أفقَا اللبنانية . ومازال هناك نصب 
صخري يصور مصرع ادونيس » حيث نرى الاله الشاب وبيده حربة منتظرا انقضاض 
الوحش» وعلى مقربة تبدو عستارت جالسة في وضع الحزن والحداد. والمشهد كله لا 
يصف لنا لحظة صراع بقدر ما يصف الحظة استسلام للموت . فحربة ادونيس ليست في 
وضع الاستعداد والتأهب» وإئما مسترخية في وضع الراحة» أما عستارت فلا تبدو في 





2 ,لام 010 طالو14 6 :0م2612 ..1آ -1 
81-2 22 ,1010 -2 


صرة 37ت 


وضع من يحاول الدفاع أو المساعدة. ولا حتى في هيئة القلقة على الحدث الجلل الذي 
يوشك أن يقعء وإنما في وضع المستسلمة للمصير المقدر . 

رغم الشكل المزخرف هذه الأسطورة» في روايتهاء فإنها تطرح تشابهاً واضحاً مع 
أسطورة عشتار وروز البابلية» وتشف في الوقت نفسه عن العناصر الأساسية للأسطورة 
النيوليتية الأولى. ١‏ فالشجرة التي ولد منها الاله هي عستارت نفسهاء أو 
عشتاروت 5 يدعوها كتاب التوراة. إذ أن الكنعانيين كانوا يرمزون لها بيجذع شجر 
يضعونه في محرابها . وقد أشار التوراة في أماكن متعددة من أسفاره إلى هذه الجذدوع الممثلة 
للالحة؛ باسم السواري جمع سارية. ولربما كان أصل حكاية الميلاد من شجرة» أن 
الكنعانيين كانوا يمثلون دراما ميلاد ادونيس في المعبد أمام جذع الشجرة ‏ العشتاروت . 
؟ ‏ يلعب ادونيس في هذه الأسطورة دور الابن ودور العشيق أمام الالحتين . فالصغير 
الذي وضع في الصندوق هو الابن» أما الشاب الجميل الذي تتناوبه أحضاتهماء فهو 
الحبيب الذي يتزوج الأم الكبرى في وجهبيها الأبيض «الأسود.  *‏ افروديت 
وببوسفوني, هما عشتار وأريشكيجال. وأدونيس الذي يقضي ستة أشهر في عالم بيوسفوني 
المظلم» وستة أشهر أخرى في عالم إفروديت» هو تموز الذي يموت في الأسطورة البابلية 
ستة أشهر ثم يبعث إلى الحياة ستة أشهر أخرى. 4 إن قيام عشتار بتسلم تموز إلى 
الموت » يبدو في أسطورة ادونيس وعشتاروت في قيام افروديت بوضع الطفل في صندوق 
وإبداعه لدى برسفوني . أما هبوط عشتار إلى العالم الأسفل لاستعادة تموزء فيعكسه 
رجوع افروديت إلى بيسفوني طالبة استعادة الصندوق. ه ‏ 5 أن قيام عستارت 
بتسلم ادونيس إلى الموت يبدو في المستويات السرانية لفهم رواية الخنزير البري . فالخنزير 
البري كان رمزا من رموز الالحة عستارت» وليس قيامه بقتل ادونيس» إلا إشارة إلى قيام 
عستارت بارسال حبيبها إلى العالم الأسفل. وني إحدى روايات الميلاد من شجرة» نجد 
ا خنزير الري: يتلح. بغرن 'الشجرة لحمل اذى وطارع اهبا الرليك الالمى. :ويذللة: باهم 
الخنزير في ولادة الالهء ثم يرسله فيما بعد إلى العالم الاسفل. وني كل ذلك رمز وإشارة 
إلى أن الأم الكبرى التي وهبت أدونيس الحياة هي التي سلبت منه الحياة . ١‏ يظهر 
عنصر الاستسلام الارادي للموت في المشهد الذي يقدمه النصب الصخري . فادونيس 
يِف مستسلما في انتظار مصيو المقرر سلفاء وعستارت تشرع في حدادها تاركة 


#305 لم 


خنزيرها ينقض على زوجها الشاب. 7 تطرح هذه الأسطورة تشابهاً واضحاً. أيضاًء 
مع أسطورة ديمتر وبيرسفوني. قفي كلا الأسطورتين إله شاب أو الحة شابة يختطفها 
الموتء فنزاع بين إله علوي وإله سفلي» ينتبي بتسوية تجعل الاله المخطوف إو الالهة 
الخطوفة » يقسمان وقتبما بين العالم العلوي والعالم السفلي. 

فإذا أرجعنا كل هذه البنية الأسطورية المعقدة والمثقلة بالرموزء إلى عناصها الأولية 
البسيطة» لوجدنا أنفسنا مرة أخرى» وجهاً لوجه, أمام قصة الاله الابن» روح القمح» 
الذي تحول فيما بعد إلى روح لانبات بشكل عام » تموز الخضر . وتحت قناع أدوئيس » 
يظهر هنا وجه « ايلينوس »» الشاب الغض الذي كان الحصادون السوريون يندبون 
موته » وهم يهوون بمناجلهم على سيقان القمح الجافة . هذه العلاقة بين أدونيس وايلينوس 
لم تكن غائبة تماما. فهذه « سافو » الاغريقية» شاعرة جزيرة ليسبوس التي أنشدت 
بكائيات أدونيس : 

دوي الرقيق يموت يا «كيثريا» فما نحن فاعلات؟ 

اضربن على صدوركن أيتها الفتيات ومزقن أرديتكن”" . 
هذه الشاعرة المشهورةء هي التي أنشدت أيضا بكائيات ايلينوس”" ويبدو أنها بالفعل . 
كانت تطابق بين الشخصيتين. وتندب شخصاً واحداً تحت اسمين”". ذلك أن روح 
القمح القديمة الممثلة في إله لا نعرف امعه. بل نعرف صرخة التفجع عليه » تلك الصرخة 
التي صارت بتقادم الأزمان اسما لهء قد خضعت لتطور بطيء وطويل. ومع هذا النظور 
اكتسب الإله أسماء متعددة وكلها تشير إلى الاله الابن الأحضر . فهر البعل وهو حدد 
وهو أكون الذي حعرله الأفريق إل أدونيس اوهو “النفمان. 

إن اسم النعمان هازال قائماً إلى يومنا هذا في اللغة العربية» وبعض اللغات 
الأوروبية » إذ نراه معضمنا في اسم تلك الوردة البرية القانية اللون؛ التي تندفع من باطن 
الأأْض في كل مكان من سهول الشرق القديم مع بشائر الربيع الأيل . يدعوها العرب 





.5 2 العضممط لودنكل] عط1 ,لامتيعلق أعردع ند81 -1 
27 ,1010 -2 
.493 2 رطأوناهظ مع0010 ع1 ,معجوعظ دعيو[ -3 


”لد 


شقائق النعمان أي جراح النعمانأدونيس. وتدعى في اللغة الانكليزية «انيمون» 
( ع#مسععهة ) المشتقة من النعمان . وفي هذا بقية من المعتقد القديم» بان هذه الوردة 
قد نبت من دم ادونيس القتيل بعد تخضيبه لتربة الأرض» فهي تحمل لون دمه إلى 
الأبد''. م أن لكلمة التعمان ذاتها علاقة بمعاني الخضرة وعالم النبات. ففي القواميس 
العربية نجد كلمة نعم بفتح النون وكسر العين وفتح المم» بمعنى نضر واخضوضر"" . 
ومنبا كلمة الناعمة؛ التي تعني الروضة أو الحديقة”؟. وبذلك يكون اسم أو لقب 
النعمان الذي لقب به أدونيس مقابلا للقب «الأخضر» وهو اللقب المميز للاله الاين. 

تظهر شخصية أدونيس» على وجه الخصوصء ذلك الجاتب الأنثوي من 
شخصية الاله الابن. فهو الشق الذكري للأم الكبرى؛ وجزؤها الذي لم يستقل عنها بل 
بقي مراة لصفاتها وخصائصها. فادونيس هر افروديت المذكرة» وافروديت هي ادونيس 
المؤنث . إن كل النصوص المتعلقة بهذا الاله؛ وكل الأعمال التشكيلية؛ لتؤكد على هذا 
الجانب . فهو الاله الجميل الرقيق» الغض الناعم . وفي الرسوم التي تمثله يؤكد الفنانون 
على ليونة جسد الأنثئ ويستبعدون التفاصيل الحادة لجسد الذكر. ولعل بعض تماثيله 
القديمة التي لم تصلنا والتي نفترض أنها تجمع في تركيب واحد بين أعضاء الذكورة والأثوثة» 
هي الباعث على ظهور أسطورة تبيرية لاحقة في المثيولوجيا الاغريقية» هي أسطورة الاله 
« هرمافروديت » ابن افروديت من الاله هرمس» الذي يجمح في جسده خصائص 
الجنسين معاء والذي يتألف اسمه من مقطعين مندمجين الأول « هرم » الماأخوذ من 
هرمس » والثاني من اسم أمه ذاتها . قالاله هرمس هو إله القضيب» وكان في بعض مراحله 
يمثل على هيئة قضيب فقط”2 . أما افروديت فإن لاسمها جذورا تعود إلى السومريين» وهو 
يعني الرحم المخصب: ١ب‏ بورو ‏ داتي». وهكذا فهرمافروديت ليس إلا 
القضيب - الفرجء وهو الاله الابن ذاته؛ وليست أسطورته التي سنرويها فيما يلي إلا 





.0 2 راع نا80 مع0010 ع1 ,ورعمورظ ودعديول -1 

راجع القاموس المحيط ص ١87‏ السطر ١4‏ 2 
راجع القاموس انمخيط ص ١84‏ السطر ٠٠.‏ 3 
.297 2 ,082لجنآاعظ] عاع01) ,ومك ةلط عصول -4 

.5 126 3130 14151200111 5320 عغط1' ,مجععالن عمطه15 -5 


- 73868 لس 


صياغة أدبية لأفكار وتصورات قديمة» ألقي أمامها ستار كثيف من الرموز 

أنجبت أفردويت ابنها من هرمس وعهدت به عقب ولادته مباشرة إلى حوريات جبل 
إيدا في كريت . اللواتني ربينه في الاحراش الجبلية» فنشا فتى بريا لا يجد متعة إلا في الصيد 
والقنص ومطاردة الوحوش في الغابات . وفي أحد الأيام اتى بحيرة صافية ونضى عنه ثيابه 
فاستحم فيباء فرأته حورية البحيقة « سلماسيس » وبهرها جماله الفتان فوقعت في حبه 
ولا راودته عن نفسهء انتهرها الشاب الخجول وأعرض عنها يحاول إبعادها عنه. وهنا 
صاحت الحورية بصوت عال : عبثا تحاول مني فكاكا.. أيتها الآلحة جمعاء, أدعو إليكم 
ألا تتركوا شيئا يفرق بيني وبينه . وللحال» استجيبت دعوة الحورية» فالتصق الجسدان 
ببعضهما إلى الأبدء وامتزجت خصائصهما الذكرية والأنثوية» وتحول هرمافردويت إلى 
مخلوق ثنائي الجنس”2. إن قصة هرمافروديت هذهء تعيد إلى الأذهان حات من حياة 
وخصائص بعض الآهة الأبناء . فنشأتة في. جبل إيدا هي نشأة ديونيسيوس وزيوس الكريتي 
إين الأم الكبرى للحضارة المينوية اللذين ترعرعا في نفس الجبل المقدس. وولعه بالصيد 
والقنص هو تكرار لولع ادونيس ضياد جبل لبنان . وهو في خنوثته يعادل اتيس وأوزوريس 
المخصيين . والاعمال التشكيلية التي مُثله تذكرنا ببعض تماثيل ديونيسيوس التي تظهره 
باثداء كاملة» وتماثيل ورسوم كل الالحة الابناء التي تؤكد على ليونة الجسد ورقته لا على 
قوته وصلابته . ولا تشذ عن ذلك تماثيل ورسوم السيد المسيح التي أبدعها عصر النبضة 
في أوروبا. إن هرمافروديت» في تفسييناء هنو ادونيس نفسه . ولعل في تمثال افروديت 
ذات اللحية الذي كان و عبادة وتقديس كبيرين في قبريص”" . توكيد لتفسيرنا 
هذا. . ففي هذا التمبال يندج أدونئيس وافروديت في شخصية واحدة. ويتجى الأقنومان في 
هيئة واحدة تجمع خصائص الذكورة والانوثة . 


طقوس آدونيس 


كانت طقوس أدونيس الرئيسية تقام في عيده السنوي» الذي اختلف توقيته من _ 





.68 2 ,لزع 1435010 عاعع02) ,1532020ن1 1.0 -1 
.68 2 ,لنط1 -2 


مكان إلى اخر . فبعض المناطق السورية كانت تحتفل به في الصيف » وأخرى في الربيع . 
أما في مصر واليونان» فكانت احتفالات « الادونيا »» وهي التسمية الاغريقية لأعياد 
أدونيس» تقام في الصيف. يشير هذان التوقيتان إلى أصل الاله أدونيس كروح للقمح 
القتيل» وإلى تطوره اللاحق كروح للانبات بشكل عام . ففي فينيقيا كانت النساء تصنع 
دمى من شمع أو طين مشوي تمثل الاله القتيل؛ فتضعها عند مداخل البيوت وتتحلق 
حوها بثياب الحدادء فتبكي وتندب وتضرب صدورها وتنشد أغان حزينة على أنغام 
الناي. كا كانت صور أدونيس تحمل في مواكب جتائزية في شوارع المدن وخلفها رجال 
يعزفون ونساء تنوح”". أما في الاسكندرية أيام البطالمة حيث وصلتها عبادة أدوتيس 
وعستارت» فكان تمثال الفتى اليافع أدوتيس يسجى على محفة ويغطى بوشاح أرجواني» 
إلى جانبه يوضع تمثال آخر لفينوس ‏ عستارت . ثم تضمخ المحفة بأطيب العطور وتزين 
بكل أنواع الفواكه وأغصان الأشجار المثمرة» وتعلق عليها سلال صغية تدعى بحدائق 
آدونيس . وهذه الحدائق تعدها النساء قبل الالحتفال بوقت قصير. حيث يضعن في سلال 
أو أوعية وأكواب قليلة العمق قليلا من تراب الأرضء وينارن فوقها تحبوياً مختلفة كالقمح 
والشعير والشمرة» ثم يعرضنها لأشعة الشمس ويتعهدنها بالسقاية فتنتش الحبوب وتظهر 
سيقائها الصغيرة بسرعة كبيرة. بعد ذلك تحمل المحفة ويسير وراؤها المحتفلون في مواكب 
الحداد. حتى إذا انتبى الاحتفال قامت النساء برمي حدائق أدونيس مع دمى صغيرة 
تمثله إلى ماء البحر””. وفي بلاد اليونان . تشير بعض الدلائل التاريخية آلى وقوع 
احتفالات الأدونيا في منتتصف الصيف . فعندما أقلع أكبر أسطول. حربي يوناني لقتال 
سيراكوزه في عز الصيف » كانت الآدونياء كا تنقل الأخبارء في أوجهاء وكان الجنود وهم 
يجتازون الشوارع هبوطا نحو الميناء يسمعون عويل النساء على أدونيس ويصادفون صوره 
معلقة عند كل باب ©. 

تمثل “حدائق أدونيس» التي ارتبطت بالآدونيا في كل من سورية ومصرء حياة الاله 
القصيرة وميتته المفاجئة. فالسيقان الخضراء القصيرة التي اندفعت بسرعة من تحت 





.2 2 ولأع 1491010 لم220 ,11مم13ء1..12آ -1 
22 ,1210 -2 
391 2 رطعونام8 ص2ع0010 ع1 ,عععة:1 3:25[ -3 


حا م 


التراب بدون جذور حقيقية» لا تستطيع العيش طويلا وما تلبث أن تذوي وتموت . أما 
تعليق هذه الحدائق على محفة الاله المت وحملها مع مواكب الدمى والصور التي تمثلهء 
فهو نوع من الفثيل المزدوج للاله في شكله النباتي والانساني . وليس رمي الحدائق والدمى 
إلى مياه البحر أو النبر إلا ايحاءً للطبيعة بمواسم طيبة ومطر غزير . ثما يذكرنا بالممارسات 
الباقية لدى فلاحي العصر الحديث» ممن رأيناهم يربطون ممثل روح القمح إلى آخر حزمة 
حصاد ويلقونها في الماء. هذا وقد بقيت طقوس حدائق أدونيس» وبعض عناصر 
احتفالات الادونيا قائمة إلى يومنا هذا في طقوس المسيحية . 

ففي عيد الفصح.ء الذي يتطابق توقيته السنوي تقريبا مع توقيت الادونيا الربيعي 
في فينيقياء :يتم الاحتفال بموت السيد المسيح في اليوم الاول يوم الجمعة الحزينة وبعثه في 
اليوم الثالث يوم أحد الفصح . وتقوم النساء في جزيرة صقلية» وفي مناطق أخرى من 
إيطاليا قبل عيد الفصح» بإعداد حدائق أدونيس بنفس الطريقة التي اتبعتها نسوة كنعان 
قبل ألوف السنين . فإذا حل الفصح وأنتشت البذور المزروعة» حملن أطباقهن وقد ربطت 
سيقان القمح القصية إلى بعضها بشرائط حمراء؛ ومضين إلى الكنيسة حيث توضع 
قرب صور ومائيل السيد المسيح. وطيلة يوم الجمعة الحزينة تعرض في الكنيسة صورة 
شمعية للسيد المسيح. ويتقدم الناس لتقبيلها بيها تقرع أجراس الكنيسة إيقاعات حزينة 
حتى حلول المساء. وني وقت متأخر من الليل. تحمل صورة المسيح فوق نعش مزين 
بأغصان الليمون والأزهار من مختلفف الأنواع,فيطاف بها في شوارع المدينة في موكب وثيد 
الخطى على ضوء الشموع الطويلة» وسط نحيب المشيعين وعبق البخور الذي تحرقه 
النسوة على طرفي الطريق عند ابواب البيوت . فإدا انتبت جنازة المسيخح اعيدت الصورة إلى 
مكانها في الكنيسة؛ والتزم المشيعون صوماً يستمر طيلة السبت ومعظم ليلة الأُخد . فإذا 
دقت الساعة الثانية عشرة» خرج الاسقف ليعلن الخبر السار: «لقد قام المسيح» فيد 
خلفه الحشد الساهر : « لد قام حا وصدقا »2 ثم تبدأٌ المدينة احتفالاتها الفرحة » وتم 
مجموعات الشباب تشعل الحرائق الصغيرة في الشوارع والساحات”" هذا ويمكن مشاهدة 
مثل هذا الطقس في كثير من المناطق الكاثوليكية وخصوصا في إسبانيا. 5 يمكن 


.00 ططوناه8 صعل001) عط]1 ,ععوءط دعصيول 1 


مشاهدته بشكل أقل درامية في بعض الكنائس السورية واللبنانية حيث يقتصر موكب. 
جنازة المسيح على باحة الكنيسة . ففي صباح الجمعة الحزينة يتوجه الناس بلباس الحداد 
إلى الكنيسة حيث يقام جناز كامل تتلى خلاله قصة: موت المسيح. ويبكي امجتمعون 
بحرارة وهم يستمعون إلى ترتيلة : اليوم علق على شجرة الذي علق الكون على الياه. ثم 
يحمل رجال الدين تابوتا مغطى بالورود والأزهار فيطوفون به في موكب صغير حول 
الكنيسة وفي باحتها. 

وفي كلمات أقرب ماتكون إلى كلمات عشتارء في ندبها تموز عندما قالت: 
« ويل عليك يابني وبلي عليك يا دامو .. » نجد السيدة مريم في الطقس البيزنطي تندب 
ابنها المسيح : 


ويحي ياولدي الالحي . وبلي يانور العالم 

لماذا غبت عن مقلتي يانور الله؟ 

وحدي دون سائر النساء قد ولدتك يابني من دون ألم 
وأنا الآن أقامبي هالا يحتمل 

يا ضياء عيني يا ولدي كيف حجبت في القبر”) 


م تورد الأناجيل الأربعة شيئا عن مرائي مريم . وانفرد إنجيل يوحنا بالاشارة إلى وجود 

مريم عند الصليب عندما أسلم المسيح الروح ( يوحنا ١9‏ : 77175 ). إلا أن مرائي 

العذراء قد بدأت تدخل في-الطقس المسيحي مع ظهور الكنيسة السورية» ومنها انتقلت 

إلى الكنيسة اليونانية. ومعظم هذه المراثي تنسج على منوال المرائي الأدونيسية القديمة. مما 

يشير إلى بقاء امرائي الأدونيسية حية في الأذهان» وانبعائها مجددا في طقوس الديانة 
الجديدة”" نقرأ في الطقس اليوناني : 


واحسرتاه . واحسرتاه يا أجمل الأبناء 
يا نور عيني » يا ملك كل شيء 


الأب الدكتور متري هاجي أثناسيو » الموسوعة المركية ص 4١1‏ 1072 . 5 


.68 2 ,كأقع مآ لوناتظ عط ,نامتع الم اأعتدوية11 -2 


لم52 د 


واحسرتاه . واحسرتاه كيف أحتمل رؤياك على الصليب("© 
وفي الطقس البيزنطي نقراً أيضاً : 

هو ذا أجمل المخلوقات قد صار جثة» 

كيف لي أن أطبق عينيك الحلوتين أيها الكلمة.. 

أيتها الجبال والوديان» وأنتم أيها الناس ابكوا معي 

كل الأشياء تبكي معي . أنا أم الاله*"© 
وبعد المسيحية » تسللت مرائي الاله الميت إلى الاسلام في طقوس عاشوراء» ذكرى مقتل 
سيدنا الحسين بن علي. وتبدو طقوس كربلاء لناظرها اليوم مشهداً لم تغير منه ألوف 
السنين شيكا . وبينا يقوم امحتفلون بلطم خدودهم وشّد شعورهم وضرب أنفسهم بسلاسل 
الحديدٍ حزنا على الحسين الشهيد » تلتقي صرخة التفجع التي يطلقوتها » في عنان السماء 
«يا فتى يا حسين » بصرخة عشتار النائحة المحفوظة في طبقات الأثير العلياء وصرخة 
العذراء التكلى» ونكاد نستمع إلى مرثاة واحدة تمثل وحدة العاطفة الانسائية غبر تاريخ 
البشرية . 

ايليتوس::: مانيروس 

وبلٍ, عليك يا بني .. ويلي عليك يا دامو 

كل الأشياء تبكي معي .. يا فتى يا حسين. 

أخيراً. بقيت ذكرى أعياد الربيع الادونيسية ‏ الموزية ‏ الأوزيرية» حية في 
أعياد ربيعية فولكلورية قائمة إلى يومنا هذا في الشرق الأدنى الحديث» وذلك كعيد 





1- 1010, 2 69. 
2- 1010, 2 6. 


لت 44 77ج 


النيروز » وعيد شم النسيم » وأعياد محلية صغيرة في سورية » كيوم خميس المشايخ الذي بقي 
سكئان المناطق الوسطى يحتفلون به إلى أوائل الستينات . ولا أزال أذكر شخصيا ركضنا 
الفرح ونحن أطفال وراء موكب المشايخ المهيب» الذي ينطلق في العشرين من نيسان من 
قرية « بابا عمرو » التي تبعد خمسة كيلومترات عن مدينة مص غرباء ثم يخترق المديئة 
طائفاً شوارعها الرئيسية . كان الموكب يتألف من رجال دين توارثوا مهمة إحياء هذا العيد 
جيلا عن جيل. بعضهم يسير في الموكب فارساً وآخر راجلاً. عليهم عماتم وعباءات لا 
تلبس إلا في تلك المناسبةء وبعضهم يضرب على وجهه لثاما. يتقدم كل فارس 
( سنجق ) نخاص تتوارئه العائلة ويخرج به الابن في الموكب بعد وفاة أبيه. فوق رؤوسهم 
رايات كبيرة ملونة كتبت عليها الايات القرانية» وخيوهم مجللة بالاقمشة ومزينة غررها 
بالأزياش . وفي مقدمة الموكب يسير الموسيقيون الذين يضربون الطبل والصنوج في إيقاع 
جليل يسمع عن مسافات بعيدة؛ ولا يمكن لمن سمعه» قطء أن ينساه. حتى إذا وصلوا 
إلى نقطة معينة» القى الناس بأنفسهم تحت سنابك الخيل التي تدوسهم دون أن يمسهم 
أذى, وهذه من مكرمات بعض المشاغخ المباركين في ذلك اليوم» يضاف إليها كرامات 
أخرى يظهرها بعض المشايخ السيارة» إذ يطعنون أنفسهم بالشيش ( سيف مسنون الرأس 
لاحد له ) فيدخل البطن نافذا من الظهر دون أن 0 أذى . 

وهكذا بقي موكب الربيع يسير متعرجاً في سهول حمص منذ ألوف السنين » إلا 
أن تابوت الإله » قد انزلق من أيدي المشيعين مع وصول الاسلام » وسقط في ثنايا 
التاريخ . 


عناة وبعل: 


سادت عبادة الاله ادونيس» وحبيبته عستارت في فينيقيا الوسطى والجنوبية 
وكانت مدينة بيبلوس مركزها الرئيسي . أما في فينيقيا الشمالية ومركزها الرئيسي أوغاريت» 
فقد عبد الإله الابن تحت اسم « بعل ». وني ارام الداخلية بمراكزها الرئيسية في دمشق 
وحمص وحماة» تحت اسم « حدد ». تحت هذين الاسمين الاخيرين يخطو الاله الابن 
خطى أبعد من تموز وادونيس نحو الاستقلال عن الأ الكبرى» وبناء شخصيته الخاصة 





المستقلة ذات الطابع المسيطر القوي. هنا ترك الإله الإبن شخصيته القديمة كروح 
للانبات», وأسير لدورة القمح والزراعة» وارتفع فوق الظواهر الطبيعية مقلدا الحة الثقافة 
الذكرية الصاعدةء دون أن يقطع تماما حبل السرة الذي يربطه بحركة .الطبيعة ودورة 
الزراعة . إنه الآن سيد لعوامل الخصب الفاعلة. فهو راكب السحاب الذي يرسل 
الأفطار من أعالي السماءء وسيد البرق والصاعقة. صوته كالرعد المجلجل وسلاحه 
العاصفة والطوفان . يروض المياه البدئية الأولى كالاله مردوخ البابل» ويقتل التنين ذي 
الرؤوس السبعة ويصارع الوحوش الخرافية العجيبة . صورة سوف تبلغ شكلها الأكمل في 
شخصية زيوس كبير المة الاوبمب الذي قطع» فيما بعد » كل الجسور التي كانت تصله 
بأصوله القديمة في كريت كإله ابن قتيل. وني علاقته بالام الكبرى» يلعب بعل حدد 
دور الشريك الند المكافقء, لا دور التابع الخاضع» وترجح في شخصيته خصائص 
الذكورة في مقابل خصائص الأنوثة التي ميزت ادونيس . إلا أن العنصر الأساسي في دراما 
الإله الميت يبقى هنا ثابتاء وهو استسلام الإله الإبن للموت استسلاما إرادياء وقيام الم 
الكبرى» من ثمء بانتشاله من العالم الاسفل وإعادته للحياة. وفي فصل لالحق سوف 
نبحث بالتفصيل تحت عنوان « بين إيل وبعل » عوامل هذا التغيير في شخصية 
ادونيس ‏ تموزء ومناحيه وغاياته . 

إن مصدرنا الأسامبي» عن أساطير الإله بعل هو ألواح مدينة أوغاريت» التي يعود 
تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد» والتي تقدم لنا أكمل النصوص الكنعانية» التي 
ضاع معظمها أو لم يتم العثور عليه بعد . ففي الألواح التي اصطلح على تسميتها بألواح 
بعل وعناةء نجد الاله بعل وقد بدأ بتوطيد مملكته وبسط سلطانه» على طريقة الالهة 
البطريركية التي تغبت جدارتها في مستبل حياتهاء بالتغلب على قوى إية كونية خارقة» 
تنتمي لعالم الديانة الأمومية الأسبق. فكانت أولى معارك بعل» معركته ضد المياه الأول 
ممئلة بالاله « يم » أو « نهر » الذي صرعه بعل دون صعوبة . وبعده ينتصر على التنين 
« لوتان » ذي الرؤوس السبعة . ثم يجنح إلى الراحة » فيبني بيتا له يستقر فيه إسوة ببقية 
الحة البانتيون الكنعاني» تساعده في ذلك حبيبته الالحة عناة» التي تستخدم دالتها على 
كبير الاطة « إيل »» ليسمح ببناء ذلك البيت. غير أن الوضع الجديد لبعل لايدوم 
طويلاء لان إله العالم الاسفل « موت » ينبري له ويتقدم إلى مجمع الالهة طالبا تسليمه 


53 


بعل . وهنا لا يبدأ بعل استعداذاته للمعركة» ا فعل من قبل عندما تصدى له الاله بم» 
بل نراه ينزل من عليائه مختاراً دونما عراك» ومعه غيومه وأمطاره وعواصفه وبقيةرموز سلطته» 
ويستسلم طائعاً لاله الموت» الذي يفتح فمه الفاغر لانتلاعه . فشفته الواحدة في الأض 
والأخرى تطال السماء ولسانه بين النجوم. وعندما يببط بعل إلى جوفهء تجف لغيابه 
أشجار الزيتون ومنتجات الأرض رثمارها. أما عناة فتهيم على وجهها نادبة حبيبها الغائب في 
صرخات تردد صداها الجبال والوديان.» حتى هدها التعب «الاعياء. ثم تمضي إلى الاله 
موت طالبة منه إعادة بعل إليهاء فيردها خائبة متفاخرا أمامها بما فعل. ولكن عناة لا 
تيأس وتعود إليه مرارا وتكرارا بنفس الطلب لتلقى منه نفس الموقف المتعنت . فتقرر مجاببته 
واسترداد بعل بالقوة . وتدخل معه في معركة فاصلة تنتبي بانتصارها المؤزر» إذ تمسك الإله 
ثم تسترد إليها بعل» الذي تعود معه الحياة إلى شتى مظاهر الطبيعة» فيورق الشجر 
وبنضج الشمر وتنتعش سيقان القمح . غير أن الإله موت يسترد قواه بعد سبع سنين 
فينبري مجددا للاله بعل : 

وهكذا من أيام إلى شهور 

ومن شهور إلى سنين .. 

ولكن في السنة السابعة» 

عبض هوت معلنا نفسه لعليان بعل. 

رفع صونه وصاح : 

أي بعل بسببك أنت» جللني العار. 

بسببك أنت ذقت السيف. 

بسببك أنت وردت النار. 

بسببك أنت عرفت حجر الطاحون. 

بسببك أنت دفنت في الحقول"© 
وتعود القوتان الكونيتان إلى الصراع وتتكرر دورة حياة بعل. 





راجع مؤلفي مغامرة العقل الأول . 1 


51١15‏ اد 


إن ما بميز دورة حياة الإله بعل عن أشباهة من اطة الطبيغة في ميثولوجيا اللشرق 
القديم والعالم اليوناني» هو أن دورة حياة هذا الإله ليست دورة سنوية» بل دورة تتبع 
نظاما خاصا يعيش بموجبه سبع سنوات» ثم يموت ليبعث من جديد إلى سبع سنوات 
أخر . وعليه؛ فإن التفسيرات المتعجلة التي تطابق بين بعل وبقية الالهة كتموز وادونيس 
وغيرهماء فتجعله تجسيدا لروح النبات التي تموت وتحيا في كل عام» لا تصمد أمام 
النقد. كا أن التفسيرات الأحرى التي تفسر أسطورة بعل بوجود دورة مناخية في سورية 
القديمة» كانت تتسيب في حصول جفاف الأرض وندرة المطر في كل سبع سنوات» 
هي تفسيرات ضعيفة رغم أننا لا نستبعدها تماما. والحقيقة في رأيناء أن تفسير هذه 
الأسطورة يجب أن ينطلق من فكرة التجديد الدوري للقوة الإلمية» وهي فكرة قائمة في 
مثيولوجيا وطقوس بعض الثقافات البدائية الحديثة» وثقافات أخرى موغلة في القدم. 

لم تكن القوة الالهية» بالنسبة للانسان القديم: قوة مطلقة لا ينتابها وهن أو 
قصورء بل كانت في بعض جوانبهاء كقوة الانسان» تتطلب سدندا :ومددا دورياء لتجدد 
نفسها كلما آنست ضعفاًء وتبدا دورة نشيطة أخرى . فأعياد رأس السنة البابلية» لم 
تكن» كا رأيناء سوى طقوس تهدف إلى شحن الطاقة الالحية التي تسند الكون المنظمء 
بقوة جديدة في مواجهة قوى العماء الأولى » التي تحاول إعادة الكون إلى سكونه القديم . 
وطائر الفينيق الخرافي كان يحرق نفسه كلما انس ضعفا ؛ ومن رماد جمندة يتعث عظناً 
فتياً كما كان . والاله مردوخ كبير الحة بابل» يفعل كفعل الفينيق عندما يحضي إلى النار 
المطهرةء ليشحذ ما وهن من قواه بمرور الزمن. نقرأ في أسطورة « إيرا » إله الطاعون 
والأيئة الفتاكة في بابل : ش 

إلى بابل» مدينة ملك الألحةء شد إيرا رحاله 

دخل « الايزاجيلا » قصر السماوات والأرضء ومثل أمام مردوخ 

فتح فمه وقال مخاطبا ملك الآلهة 

أيها الرب . إن الهالة النورانية» رمز ألوهتك 

المشعة أبدا كنجم سماوي 

قد نخبا لونها 


كات 


وتاج سيادتك قد مال عن رأسك 

اترك مكان سكنك وانطلق 

ونحو الدار التي ستطهر نارها عباءتك» شد الرحال”" . 

غير أن التجديد الحقيقي للقدرة الالهية » لا يتم إلا بالموت الفعلي الحقيقي الكامل 
الذي يليه البعث.» حيث يزيل الموت ما بلي. ويعطي البعث كل جديد . ففي النظم 
المثيولوجية التي لا وجود فيها لمعتقد الموت السنوي لالهة الطبيعة» نمد هناك مععقد الموت 
الدوري؛ حيث يموت الاله عند استكمال دورة زمنية تقدر بعدد من السنين» يختلف من 
ثقافة إلى أخرى . فالهة الخصب» هي أكثر الآلحة حاجة إلى تجديد قواهاء لأن أي بادرة 
ضعف تنتابيا» سيكون لها تأثير مباشر على توازن الطبيعة وحياة الكائنات . لذا كان على 
الإله أن يقدم نفسه للموت وهو في عز الشباب» فيجدد نفسهء ويبعث ثانية قبل أن 
تنال منه السنون . ولككن كيف بموت الإله وكيف يتابع البشر دورة حياته ويساعدونه على 
إتَامها؟ 

في معتقد موت الإله السنوي» رأينا أن الروح الإلهية تحل مقتنا في جسد القربان 
البشري وتموت من خلاله. أما في معتقد الموت الدوري» فإن الروح الإلهية تتجسد في 
كائن بشري حي مدة أطول من الزمن» وتحافظ على نشاطها وحيويتها ما دام هذا الكائن 
البشري متمتعا بالحياة النشطة الشابة. وغالبا ما يكون هذا الكائن شخصية ملكية 
مقدسة تعتبر ظلا حيا للقوة الالية الخفية» وتمثلة له على الأرض . فإذا وصل منحى حياة 
الشياب أوجهء كان على ممثل الإله أن يموت قبل أن تضعف قواه ويتخاذل . لأن في ضعفه 
تخاذل للقوة الإلهية التي تعبر عن نفسها من خلاله . ويموت ممثل الإلهء يموت الاله أيضاء 
ليبعث من جديد في الخلف الفتي للملك المقتول. ويبدأ معه دورة حياة جديدة. 
ونستطيع العثور على مثل هذا الاعتقاد والطقس » لدى الكثير من الثقافات التي تعتبر 
الملك تجسيدا لاله الخصب بمركزا لنظام الطبيعة» يتوقف عليه هطول المطرا وختصب 
لض وتكائر الحيوان وتتابع الفصول . 

فإلى عهد قريب»ء كان من عادة قبائل الشايلؤك؛ التي تسكن ضفاف النيل 





0 اأمعاعهم عط كه معنوه أمطالاك/ ,ععسد1. 5.١1‏ -1 


- 5١85 


الأزرق في أفريقياء أن يقتلوا ملوكهم بعد فترة زمنية مقدارها سبع سنين من توليهم الحكم . 
وقد تختصر هذه الفترة» ويقتل الملك قبل أوانه» إذا أجدبت الأرض وساءت المواسم . 
وخلال حياته القصيرة؛ كان ملك الشايلوك يخضع في كل مناحي حياته إلى نظام 
حديدي مفروض من قبل الكهنة» مليء بمختلف أنواع القيود والتحريمات ( التابو ) . 
فشخص الملك مقدسء لا يمكن إلا للنبلاء رؤيته» والدخول عليه محرم حتى على أولاده . 
فإذا خرج في موكب نعي » أحاط به سادة القوم من كل جهة وأخلي السبيل أمامه من 
المارةء وهرع الناس إلى بيوتهم فأغلقوا أبوابها ونوافذها حتى يبتعد الركب الملكي . وعندما 
يحل الموعد المحدد لموت الملك » كان الكاهن الكبير يدعو جميع النبلاء إلى احتفال سري » 
يتم خلاله قتل الملك ودفنه . وكانوا يدفنون إلى جانبه فتاة عذراء وهي حية . ويجب أن يتم 
هذا الطقس في إحدى الليالي المظلمة الواقعة بين غياب القمر القديم وظهور القمر 
الجديدء خلال فترة الجفاف السابقة لموسم الأمطار» وقبل أن تزرع البذور في الحقول . 
وبعد مرور عام كامل يتم تعيين الملك الجديد الشاب”2. وف مناطق أخرى من أفريقيا 
نعثر عبلى مععقدات وطقوس مشابهة . ففي موزامبيق وأنغولا وروديسياء كان الملك يعتبر 
تجسيدا للإله الأكبرء وكان يدعى بالقمر وزوجته تدذعى بكوكب الزهرة. وكان الاثنان 
يقتلان في نباية فترة محددة من حكم الملك على يد الكهنة ويدفنان في قبر واحد على أحد 
المرتفعات”". 

وتقص حكاية شعبية من جنوب السودان عن عادة قتل الملوك التي كانت سائدة 
في تلك المناطق فتقول : إن مملكة كوردفان كانت من أغنى الممالك الأفريقية وكان ملكها 
عق أغنن: ملزلة الضن ...إلا أنه كاث أتسن الملوك» لاك ماد حكئة وسيايد انك مددة 
بفترة زمنية » تنحكم فيها دورة فلكية لا يعرف أسرارها سوى الكهنة , الذين كانوا يتابعون 
تحركات النجوم في السماءء لمعرفة الوقت الذي يتوجب فيه قتل الملك . فإذا حل الموعد 
أجبر الكهنة الملك على الموت, ومعه عدد من أفراد عائلته وبعض المقربين ممن يختارهم 
شخصياً لهذه المهمة» عند صعوده إلى الحكم في بداية الدورة الفلكية . وقد سارت الأمور 





2 ,اكه 1م ط 14 الالنصلام ,اأعطم مهت طوووه10 -1 
.2168 1010 -2 


ااه6”# د 


على هذا المنوال أجيالاً طوالاء إلى أن اعتلى العرش فتى في ريعان الصبا اسمه « أقف » وتم 
اختيار مرافقيه في رحلة الموت وعلى رأسهم مملوك اسمه « فاربماس ». وأخحت الملك 
الشابة واسمها « سالي ». التي تم تعيينها في منصب كاهنة النار المقدسة التي تبقى 
مشتعلة ما دام الملك حياء حتى إذا جاء أجله الموعودء أطفئت النار وقتلت كاهنتها 
وأشعلت نار جديدة ترعاها كاهنة أخرى . وكان المملوك فاريماس معروفاً برواية الحكايا 
الساحرة » فانس إليه الملك وقربه »' وأخحذ يستمع إلى حكاياه في كل يوم ومعه المقربين من 
أفراد حاشيته . فكان إذا ابتدأ فارئماس حكايته الجديدة» أن الملك وضيوفه يغفلون عن 
طعامهم وشرابهم » ويغفل الخدم عن خدمتهم » ويبقى الجميع مشدودين إلى فم فارماس 
حتى آخر الليل وظهور تباشير الصباحء كأن في كلماته سحرا أو أن فيها مخدرا قويا. إلى 
أن جاع يوم انتابت فيه الملك صحوة » فآحس أن كل يوم يمر إنما يقرب من أجلهء فأخحذ 
يفكر في طريقة يتفادى بها ما يعتقده الجميع قدرا محتوما. وكان مثله في ذلك فاريماس 
وسالي اللذين وقعا في حب بعضهماء وتاقا إلى اعتصار العمر حتى أيام الشيخوخة 
الأخيرة . وأخيرا اهتدت سالي إلى طريقة تصرف نظر الكهنة عن مراقبة النجوم ومتابعة الدورة 
الفلكية » اذ استطاعت اقناع كبير الكهنة ومعه بعض أتباعه, بالحضور إلى بلاط الملك 
للاستاع إلى حكايا فارجاس . فأتوا بعد أن أذن هم الملك» يدفعهم الفضول في الليلة 
الأولى» وبدافع الشوق في الليلة الثانية » ثم تعودوا إتيان حلقة فاريماس في كل ليلة » يشدهم 
إليا نداء سحري لا يستطيعون عنه صداً. وف بإحدى اللياليء وبعدل أن انتبت حكاية 
فاريهاس » اكتشف الكهنة أن أحدا منهم لم يبق لاقبة النجوم» وتأكدوا من أنهم قد فقدوا 
أثر الدورة الفلكية التي كادت تقارب نهايتها. فثارت ثائرتهم وقرروا قتل فارماس . إلا أن 
الملك اتفس له ليلة أخيرة يقص فيها اخر حكاياته» فكان له ما أراد. في تلك الليلة» 
هب الناس. من كل حدب وصوب. إلى ساحة كبيية نصب فيها عرش الملك وكرسي 
لفا راس » الذي ابتدا حكايته على مسمع من الناس جميعا . وعندما جاء الصباح وانتبت 
الحكاية » تنبه الناس من خخدرهم فوجدوا أن الكهنة جميعا قد ماتوا. فعاش الملك حتى 
بلغ الشيخوخة وأبطلت من بعده عادة قتل الملوك" . 


152-00 22 ,10ط1 -1 


اا ل 


وفي جنوب المند في مقاطعة ملابرء كان على الملك أن يضحي بنفسه في نباية 
دورة زمنية فلكية مقدارها اثنا عشر عاماء وهي الفترة اللازمة لدوران كوكب جوبيتر حول 
الشمس»ء وعودته مرة ثانية إلى برج السرطان . فإذا حل الموعد المضروب » جاء الكهنة 
الذين أمضوا وقتهم في مراقبة الأفلاك» إلى الملك وأبلغوه بانتهاء أجله» ثم نصبوا له منصة 
خشبية يعتليها أمام حشد كبير من الناس. حيث يبدأ طقس القربان . هنا يعطى الملك 
سكينا مسنونة قاطعة» ويبدأ بتقطيع أجزاء جسده مبتدثاً بالأنف فالأذنين فالشفتين» ثم 
ينتقل إلى يديه وساقيه . وكلما قطع عضواً رماه إلى خارج المنصة أمام الجمهورء حتى 
إذا خارت قواه وقارب الانهيار عمد إلى قطع حنجرته ". 

ومن الممارسات والطقوس الحديثة نعود القهقرى إلى ممارسات وطقوس الحضارات 
القديمة . فالمصادر الرومانية الموغلة في القدم تروي» أن ربمولوس أول ملوك روما قد قتل على 
يد أعيان المدينة» وأن أجزاء جسده قد دفنت في أماكن متفرقة في الأْض. ‏ تنقل 
الروايات اليونانية » أن بعض ملوك طيبة وتراقيا قد قتلوا ومزقوا إزبا إرباء ودفنت أجزاؤهم في 
الأْض بسبب تجديفهم على الإله ديونيسيوس . ويغلب الظن» أن هذه الرواية ليس إلا بقية 
من طقس قديم, كان الملك بموجبه يقتل باعتباره ممثلا للإله ديونيسيوس نفسهء الذي 
مات ميتة مشابهة عندما مزقه التيتان إربا”". وفي الثقافة الاسكندنافية القديمة كانت فترة 
حكم الملك تستمر تسعة أعوام يتوجب قتله بعدها. ويحكئ أن أحد ملوك السويدء قد 
عكف» قبل حلول أجلهء على الصلاة وتقديم القرابين للالهة لتجنبه المصير امحتوم . 
فسمحت له الآفة بالعيش» إن استطاع فداء نفسه بأحد أبنائه كل تسعة أعوام. وقد 
ضحى ذلك الملكِ بتسعة من أبنائه وعاش حتى بلغ الشيخوخة. وعندما كان يستعد 
للتضحية بابنه العاشر قام عليه الناس وقتلوه . 

وهناك من الدلائل والاشارات ما يدفع للاعتقادء بأن بعض ملوك اليونان في 
التاريخ السحيق » كانوا يقتلون في دورة مقدارها ثماني سنوات . ففي الفترات التاريخية» كان 
القضاة الخمسة الذين يشكلون المجلس الأعلى المسيطر على الملك, يختارون في كل ثماني 





.6 2 ,15610 -1 
.9 2 طعناهظ8 مع6010 عط1 ,عععةرظ وعديول 2 
.4 2 ,1510 -3 


9١١‏ د 


سنوات » ليلة صافية السماء مظلمة لاقمر ينيرهاء فيجلسون لمراقبة النجوم في صمت إلى 
طلوع لعجا فإذا لاح الهم شهاب مارق» كان في ذلك إشارة لهم » بأن الملك قد 
اقترف إثما بحق الالهة. عند ذلك يأمر المجلس بلزوم الملك بيته» وكف يده عن الحكم» 
حتى تفصل في أمره نبوءة عرافة معبد دلفي » فإما أن يعاد إلى منصبه » أو يرفع إلى العرش 
ملك جديد . وفي جزيرة كريت» كان على الملك بعد مرور ماني سنوات من حكمه, أن 
يلجا إلى أحد الكهوف في جبل إيدا المقدس ( حيث ولد ابن العذراء زيوس ٠)‏ فيخلد 
إلى الراحة والتأمل» ويتلقى توجيبات الاله التي تعينه على مواجهة أعباء الحكم في 
السنوات الثانية القادمة» ويستمد منه قوة تجدد نشاطه الروحي والجسدي . هذه الدورة 
الزمنية المؤلفة من ثماني سنوات التي حددت في كل من كريت واليونان» توقيت تجديد 
الروح الإلهية ‏ الملكية » بالقتل أو بالوسائل البديلة التي حلت محله» ربما كانت دورة 
فلكية مرتبطة بحركة الشمس والقمر في مدارهما. ففي كل ثماني سنوات » يصادف وقوع 
ليلة البدر الكامل في أطول أيام السنة أو أقصهاء وقد رأى الأقدمون في هذا التوافق نوعا 
من الانسجام بين النظامين الفلكيين الرئيسيين » اللذين يحددان نوعين من التقويم الزمني » 
هما التقويم الشمسي و«التقويم القمري . بعد أن يلتقي النظامان والتقوومان» تبدأ في السماء 
دورة أخرىء وسياقا جديدا بين الجرمين الكبيرين .. لذا وفي هذه الليلة بالذات يتوجب 
تجديد القوة الالحية الملكية" . 

وفي أحد الأعياد البابلية الذي يطلق عليه البابليون اسم « السقاية »2 نجد أثرا 
باقيا من عادة موغلة في القدم » تتعلق بقتل الملوك . ففي هذا العيد المليء بالمرح وغرائب 
العادات ؛ يتبادل السادة والعبيد أدوا رهم فيقوم السادة على خدمة عبيدهم ويلعب العبيد 
دور السادة. وفي اليوم الأول للعيد يوق بأحد السجناء المحكومين بالاعدام» فيكسى 
بملابس الملك ويوضع على العرش ويسمح له بإصدار الأؤامر . ؟ يترك على سجيته فيأكل 
ويشرب وقعع نفسه يكل وسيلة ممكنة» حتى أنه ينام مع سريا املك ريحظياته » وذلك إلى 
اليوم الخامس وهو آخخر أيام العيد . عند ذلك تنزع عنه الثياب الملكية ثم يقتل . إن 
استمتاع الملك البديل بكل حقوق الملك الأصيل» بما فيها النوم مع نسائه » وجلوسه على 





1- 15010, 22 325-66. 


”"١#68-‏ مده 


عرشه ولبسه ثيابه وإصداره الأوامر المطاعة » هي محاولة لإسباغ الشخصية الملكية عليه 
ليكون بديلا حقيقا عن الملك في طقس القربان للقدس . ولاشك» أن هذه العادة التي 
تحولت في الفترات الأخيرة إلى لهو ولعب ؛ قد كانت في يوم من الأيام طقسا جدياء يموت 
بموجبه أحد الأفزاد بديلا عن الملك. الذي كان هو نفسه موضع القربان في فترات 
أبعد” , 
بعد هذه الجولة خلال المعتقدات والطقوس المتعلقة بالتجديد الدوري للقوة 

الإفية» قديمها وحديثئهاء نعود إلى ما تقدمنا به من تفسيرات لدورة حياة الإله بعل» بعد 
أن توفرت لنا الأرضية اللازمة لدعم هذا التفسير. فإله الخصوبة في المعتقد الكنعاني 
الأوغاريتي » يجدد قواه عن طريق اموت والبعث من جديد في دورة مقدارها سبع سنوات . 
أما عن عدد سنوات هذه الدورة فنتقدم بتفسيرين . فإذا كان عدد سنوات الدورة هو فعلا 
سبع سنوات» فإن اختياره راجع إلى قدسيته باعتباره رقما قمريا يدخل في صمم أسرار 
العبادات القمرية القديمة. ولكن هناك من الاسباب ما يدعونا إلى الاعتقاد بان عدد 
سنوات الدورة البعلية هو ثماني .سنوات لا سبعة» فالإله موت يصحو في السنة السابعة 
لتحدي .بعل ولكن بعل لا يموت إلا في الثامنة بعد انتهاء الصراع . يدعم هذا الاعتقاد نص 
في ملحمة « دانيال » الأوغاريتية» التي يعود تاريخ تدوينها إلى نفس تاريخ تدوين نصوص 
بعل وعناة. فهذا هو الملك دانيال يلعن الارض التي ذبح فوقها ابنه « اقهات »: 

ليبتليك راكب الغيوم بهاني سنين 

منع عنك الندى 

لتنحبس عنك الأمطار 

لينقطع دفق النهار 

وتحتجب خيرات صوت بعل”"© 


وفي هذه ال حالة؛ فإن دورة حياة بعل المؤلفة من تماني سنوات» هي نفسها الدورة اللازمة 





.28 22 ,1010 -1 
26 © ,مدعلا ,مه13.001:00.© -2 


عت 111 1ك 


لوقوع ليلة القمر الكاملء في أطول يوم أو أقصر يوم من أيام السنة الشمسية» وتوافق 
التقويمين الشمسبي والقمري . وقد رأينا منذ قليل كيف كانت هذه الدورة تتحكم في حياة 
الملوك من ممثلي الآلهة في كريت واليونان . 


إيزيس و اوزوريس: 


تنجل الأ المصرية الكبرى». في شكلها الأْبى كسيدة للطبيعة» تحت اسم 
إيزيس التي تصفها النصوص المثيولوجية والطقسية بالإلة المتعددة الاسماء.. فهي سيدة 
القمح وأول من اكتشف زراعته. من ألقابها « خالقة كل نبت أخضر » و < الالهة 
الخضراء » و « سيدة الخبز » و « سيدة الجعة » و «:'سيدة الخيرات » و « حقل 
القمح ». وقد قرنها الاغريق والرومان بكل من « ديتر » و « سيريس »2 ووصفتها 
بعض النصوص الاغريقية ب « والدة ثمار الأرض » و « أم حزم القمح » . ولذا نراها في 
الأعمال التشكيلية الاغريقية والرومانية وقد رفعت بيديها الاثنتين باقتين من سيقان القمح 
أو زينت رأسها بسنابله . وقد انتشرت عبادتها في العالم الكلاسيكي انتشار النار في 
الحشيم, منذ فتح الاسكندر الكبيرء وملأت تمائيلها المقدسة أصقاع الامبراطورية 
الرومانية » وخصوصا تلك التي تمئلها جالسة وفي حضنا الوليد الإنهي , والتي بقي بعضها 
يعبد من قبل المسيحيين على أنه تمثال السيدة مريم واينها يسوع20. ومنذ الأزمنة المبكرة» 
يظهر الله أوزوريس إلى جانب إيزيس أخناً أو زوجاً أو ابناً» وشريكا في خصائص 
الخصبء وإا أسيرا لدورة القمح والانبات . 

فبعد أن اكتشفت إيزيس القمح. أعطت باقاته الأولى لأوزوريس الذي قام بتعلم 
البشر زراعتها”'' وقد ابتدأ أوزوريس مهمته في أرض مصر فابطل العادات الهمجية القديمة» 
وعلم الناس كيفية صناعة الأدوات الزراعية واستعمالها في استنبات القمح والشعيرء 
وعلمهم أكل الخبز وشرب النبيذ والجعة وبناء البيوت. وهو الذي أسس الديانة الأول 





.444-445 2 رطونه8 001065 عط رعجوعط وعديو -1 
.444 2 ,طونامظ مع0010 عط1 ,ععمواظ وعتسةل -2 


ث 35158 لدم 





وعلم البشر عبادة الآلهةء واستخدام الآلات الموسيقية . وبعد أن قام بنشر الحضارة في 
مصر غادرها إلى اسيا وبقية أنحاء المعمورة» متابعا مهمته في نشر الحضارة مستميلا إليه 
الناس باللين والمحبة والموسيقى ثم عاد إلى مصر ليحكمها بالعدل» ولكن إلى حين . ففي 
السنة الثامنة والعشرين من حكمهء قام ضده أخوه الشرير « سيت » الذي نام على 
حسده وغيرته وضغائنه فترة طويلة» فقتله غيلة ووضع جسده في صندوق خشبي أغلقه 
بإحكام ورماه في النيل. حملت مياه النيل الصندوق إلى البحرء فطاف على غير هدى 
حتى استقر عند شواطىء كنعان أمام مدينة بيبلون , حيث أمسكت به أغصان شجرة 
الطرفاء النحيلة؛ التي ما لبت أن نمت بشكل غير مألوف بعد أن لامسها التابوت 
المقدس» واحتوته بكامله داخل جذعها. فلما راها ملك بيبلوس» أعجب بها أشد 
العجب رأمر بأن تقطع لاستعمالها كعمود يزين قصره ويدعم به سقفه. وما أن نصبت 
الشجرة عموداً حتى أخذت تتضوع طيباً نفاذاً ذاع صيته في كل البلاد» حتى وصل إلى 
أسماع إيزيس في مصرء التي كانت في حداد مقيم منذ غياب زوجها. فعرفت ببصيتها 
سر الشجرة» وطارت لتوها إلى بيبلوس» حيث تنكرت في هيئة امرأة عادية» ودخلت 
القصر الملكي كضيفة على الملكة « عستارت » وصارت مربية لابنها. ثم ما لبئت أن 
أعلنت عن نفسها وطالبت باستعادة أوزوريس من الشجرة» فكان طا ما أرادت. شقت 
إيزيس الشجرة وأخرجت الصندوق ففتحته وبكت ما شاء لا البكاء فوق جثة زوجها 
المسجاة؛ ثم حملته وطارت به إلى مصر حيث خبأته مؤقتاً في مستنقعات الدلتاء خوفاً 
من أن يعثر عليه أخوه « سيت ». ولكن سيت يجد الصندوق فيفتحه ويمزق جسد 
أوزوريس إلى أربع عشرة قطعة» يوزعها في طول البلاد وعرضها . غير أن هذا لا يفت من 
عضد إيزيس التي تعود للبحث عن أوزوريس وتذرع الأْض منقبة عن أجزائه المبعارة» 
فتعثر عليها قطعة بعد قطعة» ما عدا عضو الذكورة» ثم تجمعها وتنفخ فيها الحياة مستعيدة 
حبيبها من عالم الموق . ولكن أوزوريس بعد بعثهء لا يفضل قضاء بقية حياته على الْأرض » 
وإنفا يهبط إلى العالم الأسفل ليغدو سيداً له حاكماً وقاضياً في مملكة الموق . بِيما يتابع 
ابنه من إيزيس « حورس »» مقارعة عمه سيت » ويستمر صراع القوتين : قوة النور والخير 
وقوة الظلام والشر””. 





16-8 22 ,849450108 مفناجرع8 ,لنانة7 .ل -1 


-5آ؟7”9 نم 


وصلت هذه الأسطورة إلينا عن طريق المصادر الاغريقية» وهي النص الوحيد 
المعتمد نظرا لعدم وجود نص مصري متكامل يروي قصة إيزيس وأوزوريس . ولاشك أن 
الاغريق قد استلهموا روايات شفهية كانت سائدة في القرون القليلة السابقة للميلاد» 
وخصوصا إبان عصر البطلمة . فجاء النص تعبيرا عن الأسطورة في شكلها المتأخرء 
مضافا إليه تزيين إغريقي ضح . ولكننا رع ذلك نستطيم أن تكتشف فيها آثاراً ندل 
على أشكال الأسطورة الأقدم . اراح الى للأسطورة القمربة تظهر في تقطيع 
أوزوريس إلى أربعة عشر جزواًء ثم إعادة تجميعها وتفخ الحياة فيبا. وقد أشرنا إلى ذلك 
مفصلا في مكان آخر من هذا الفصل ..أما الأسطورة النيوليتية الأرلء فتظهر في قهام 
الاله بنشر زراعة القمح والحبوب في مصر وبقية أنحاء العالم» ونقل البشر من طور البداءة 
إلى طور الحضارة. فأوزوريس هنا هو القمح الذي كان لاكتشاف زراعته الأثر الدسم 
في بداية التاريخ البشري . وليس موته. وقيام إيزيس بإعادته إلى الحياة؛ إلا تكرارا لأسطورة 
القمح القتيل ودورة حياته السنوية. ونستطيع التأكيد على أن أسطورته كانت نسخة 
مطابقة لأسطورة تموز وأسطورة ادونيس» قبل أن تمحوله الاتجاهات المتأخرة إلى إله للعالم 
الأسفل . ولرما كان تحوله إلى إله للعالم الأسفل . قد مر بمرحلة انتقالية كان فيها إها لذلك 
العاله» خلال نصف السنة التي يغيب فيها القمح في باطن الأْضِْءْ 5 هو حال 
قوق التي كانت تقضي نصف السنة ملككة على اموق ونصفها الآخر ملكة نورانية في 
العالم الأعلى . أما توزبع أجزاء أوزوريس الأيعة عشر في أنحاء متفرقة من الأْض» فيذكرنا 
بالأمئلة العديدة التي أوردناها في هذا الفصل » وبعض الفصول السابقة » عن دفن أجزاء 
جسد القربان البشري الممثل لاله الخصب القتيل في الأرض لاخصابها . ولربما كان ملوك 
مصر الأوائل» الذين بقوا حتى آخخر أيام الحضارة المصرية يحملون قبسا من روح الاله 
الأكبرء وتقدم لهم فروض العبادة كالآلهة. رىا كانوا في الأيام السالفة يقتلون باعتبارهم 
مثلين للإله أوزوريس نفسه » وتوزع أجزاقهم في الحقول لإتحصابها . 

هذا وتشف بعض عناصر الأسطورة: عن صلتها الوثيقة بأسطورة ادوئيس 
الكنعانية . فأوزوريس يولد بلادة ثانية من الشجرةء كأ ولد أهونيس . وهده الولادة تحصل 
في مدينة جبيل الفنيقية » المركز الرئيسي لعبااة ادونيس . وكا حيأت عستارث ادونيس في 
صندوق وضعته في عهذة ييسفولي, ثم عادت إلى العالم الأسفل تحاول استرجاعه» 


--5؟5” ا مس 


كذلك هو حال أوزوريس الذي وضع جسده القتيل في صندوق راحت إيزيس تبحث 
عنه حتى وجلته في قصر ملكة بيبلوس » التي تطلق عليها الاسطورة اسم « عستارت ». 
وهذا التطابق بين اسم الملكة واسم الالة ليس. من قبيل الصدف» بل هو بقية باقية من 
أسطورة ادونيس» التي ارتحلت في تاريخ مبكر من شواطىء كنعان إلى شواطىء مصر 
السغلى . فالاله يخرج من الشجرة في قصر عستارت ثم يرحل إلى شواطىء مصر حيث 
يبدأ حياته الجديذة في أحضان الأ المصرية الكبرى. ويذكرنا الصراع بين أوزوريس 
الأحضر وسيت الجدبء الذي يمثل الجفاف والصحراء التي تحاول التوسع دوما على 
حساب الْأّاضِي الخصبة جول ضفاف النيل» بالصراع بين بعل وموت. وبشكل عام 
نلاحظ أن شخصية أوزوريس تتطابق في ملانحها مع شخصية تموز وادونيس » وخصوصاً 
في علاقنه بإيزيس» التي تبدو في النصوص المصرية ظلاً حامياً للإله الإبن» لا حياة له 
بدونها . نقرأ في نص يعود إلى المملكة المتوسطة : 


أخته من قدم الرعاية له وبسط عليه الحماية . 

دفعت عنه الأعداء وجنبته مهاوي خظه العاثر . 

دحرت خصومه بتمتّات السحر رتلتها شفتاها. 

وتحرك بها لسانها ا مجرب, وفمها الذي لا تنتبي كلماته . 
إيزيس » صاحبة السلطان وروح العدل, حمت أخاها . 
بحنت عنه بلا كلل» ولا أقعدها عناء . 

بدموع جارية طافت كل البلاد فما استراحت قبل لقياه. 
ظللت جسده بريشها ورفت فوقه يجناحها. 

نعم» إيزيس التي شدت أزر أخيباء 

ونفخت في جسده المتلاشي العزية . 

إيزيس التي تلقت بذوره في بطنهاء 

وحملت بوارله فأرضعته في مأمن7» 





2 2 ,كأ ض05 01 840916265 ع1 ,اععودا1 عع :0601 -1 


الج 757575 عيبم 


طقوس أوزوريس : 


تختلف مواعيد الدورة الزراعية في مصر عن بقية بلدان الشرق الأدنى اختلافا بيناء 
وذلك لندرة الأمطار والاعتماد على فيضان النيل السنوي . يبدأ منسوب مياه النيل بالارتفاع 
اعتبارا من شهر حزيران ( يونيو ): ليبلغ حده الأعلى تحو ناية شهر أيلول ( سبتمير ) 
فيغمر الشريط الخصب الممتد حول شواطىء النبر من جنوب البلاد حتى الدلتا ومصب 
النيل عند البحر المتوسط في الشمال. ولدة شهر تقريبا تبقى مياه النهر ثابئة عند 
منسوبهاء ثم تبدأ بالاتخفاض ليعود النبر إلى سريره الطبيعي نحو شهر كانون الأول 
( ديسمبر ): مخلفا في الأض التي تركها ترية جديدة خصبة؛ جرفها معه عبر مساره 
الطويل . لذلك يختلف موسم دفن الحبوب في التراب وموسم حصاد الحبوب . في الموعد 
السنوي» عن بقية المواسم في المنطقة . فزراعة الحبوب تبدأ في نوفمير ( تشرين الثاني ) 
وتنتبي في ديسمبر ( كانون الأول )» وذلك تبعا لجغرافية المنطقة ووضعها من النبر . أما 
الحصاد فيبدأ في الربيع وينتبي في ايار ( هايو ). وفي الفترة الفاصلة بين انتباء الحصاد 
وبداية ارتفاع النيل تبدو سهول مصر في حالة كثيبة» عهب عليها الرياح الساخنة وتلفحها 
شمس حزيران الحارقة . ولقد أثر هذا الطابع الخاص للدورة الزراعية في مصر على الطقوس 
والاعياد الأوزيرية » وعلى مواعيدها السنوية . 

يمكن تتبع نوعين من الطقوس الأوزيرية في تاريخ مصر القديم. النوع الأول هو 
الطقوس الشعبية البدائية الني مارسها زارعو القمح منذ القديم, وبقوا على ولائهم لها حتى 
الفترات المتأخرة . وقد ارتبطت هذه الطقوس بمواعيد الدورة الزراعية النيلية» فبقيت ثابتة 
عبر آلاف السنين, تقام كل عام في الموعد المحدد نفسه. أما النوع الثاني فالطقوس 
الرسمية التي كان الكهنة يقيموتها في المعابد . وهذه الطقوس رغم انبثاقها عن طقوس المزراع 
القديم. فقد انفصلت عن مواعيد الدورة الزراعية» نظرا لابتكار الكهنة تقوبما لا يتطابق 
تماما مع السنة الشمسية, ولا يجري تعديله دوريا لتحقيق مثل هذا التطابق . لذلك راحت 
مواعيد الطقوس الأوزيرية : الرسمية» عبر فترة طويلة من الزمن» تدور عبر الفصول من 
الصيف إلى الخريف فالشتاء فالربيع؛ راجعة مرة أخرى إلى الصيف , وذلك حتى تبني 


- 7595 لهب 


التقوم الشمسبي الحقيقي » وهو التقوم الاسكندري. عام #٠‏ قى . م". 

تتشابه الطقوس الشعبية الأوزيرية» في جوهرها وكثير من شكلياتهاء مع طقوس 
المزارعين السوريين التي سلف الحديث عنبها. ففي أوقات الحصاد كان الحصادون لدى 
قطعهم حزم القمح الأولى» يندبون الإله القعيل الذي تهاوى تحت مناجلهم المسنونة » 
ويرفعون أدعية خخاصة إلى الإلمة إيزيس ( مما يدل على أن النواح في أصله كان نواحا على 
إيزيس لا على أوزوريس ). وكان نواح الحصادين يتخذ ايقاعا موسيقيا مع ترديد بعض 
الكلمات» التي ميز الرواة اليونانيون منها كلمة مانيروس» والتي تعني عد إلى بيتك » ما 
جرى الحديث عنه في مكان آخر من هذا الفصل . وبعد انتهاء الحصاد وابتداء موسم 
الفيضان» يقام احتفال آخر مكرس لايزيس . فقد رأى المصريون في فيضان النبر دموع 
الالحة التي تبكي زوجها الميت» فتنثال دموعها سواقي ترفع مياه النيل. وما كان ابتداء 
الفيض بترافق مع ظهور نجم الشعرى المانية ( سيوس ) أكثر النجوم الثابتة لمعانا في 
الححاوة تند تبي الفجر ينهدا القجم لزي ,وكاتوا يرؤتة ل الور قبل افر 
خلال الأيُام القليلة السابقة للانقلاب الصيفي » إيزيس نفسها وقد أنت لتبكي أوزوريس 
الفقيذ . أما بعد تراجع الفيضان وبدء موسم البذارء فكان للمزارعين طقوس حداد ثانية 
على الاله القتيل الذي يوارى الثرى. وقد وصف الكاتب اليوناني « بلوتارخ » هذه 
الطقوس ودعا قارئه إلى عدم العجب منها لأنها تشابه في جوهرها طقوس الحداد 
الديمترية؟ . 

أما الطقوس السمية فكانت تقام في معابد المدن بعيداً عن حقل القمح الذي 
نشأت فيه . وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن عيداً واحداً لأوزوريس كان يقام مرة في 
السنة في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ), وأن هذا العيد قد بقي ثابتا في توقيته منذ تبني 
التقوم الشمسي الاسكندري. تستمر طقوس الندب على أوزوريس القتيل في عيده 
السنوي مدة أربعة أيامء تمفل خلالها دراما حياته القصية وعذاباته وبعثه . وتتشابه هذه 
الطقوس مع غيرها من طقوس الاله الابن القتيل» حيث يقود الكهنة جموع الندابين» 





.427-433 2 ,اعتامظ 601 عغط]1 ,ععمدعظ دوقوك -1 
427-31 22 ,15610 -2 


777 جه 





فيقرعون صدرورهم ويلطمون وجوههم وينكأون جراحهم القديمة» ويقومون بالبحث عن 
أوزوريس الفقيد حتى يجدوه فيعلنون عودة الاله إلى الحياة وتبدأ الأفراح . وقد تمثل عودة 
أوزوريس إلى الحياة بطفل صغير يرقعه كاهن يمثل الإله أنوبيس» الذي ساعد إيزيس في 
البحث والعثور على زوجها. وفي ذلك إشارة خفية إلى كون أوزوريس هو الأخ والزوج 
والابن في أن معا. وطيلة أيام الطقوس. ينصب في المكان تمثال خشبي لبقرة متشحة 
بالسواد يرمز للإلهة إيزيس . وقد يحمل تمثال البقرة هذا ويطاف به تمثيل طواف. إيز 
الطويل في رحلة البحث عن أوزوريس'". أما أوزوريس فيمثل أحياناً في هذه لقو 
بعمود معروف في النصوص والأعمال التشكيلية باسم عمود ال « دجد » . وكان هذا 
العمود» في هذه المناسبات وغيرهاء موضع تقديس وعبادة؛ وينوب مناب تمثال الاله 
”. وفي أصله لم يكن ال « دجد » سوى جذع شجرة من فصيلة الأشجار دائمة 
الخضرةء ثم تحول إلى عمود ذي تاج رباعي”" , وفي ذلك إشارة إلى أوزوريس باعتباره روحا 
للشجرة والانبات بشكل عام . وثما يرويه المؤرخ الإغريقي هيرودوتس عن هذه الاحتفالات 
التي شاهدها بأم عينهء قيام فريقين من المشاركين في الطقوس بتمثيل الصراع بين 
أوزوريس وأخيه» عن طريق الاشتباك الفعلي في قتال داع تستعمل فيه الهراوات الخشبية 
سلاحاًء ويسقط في نبايته عدد كبير من الجرحى ورما بعض القتلى أيضا”"» 
هذا وقد عثر على برديات مصرية قديمة تحتوي على نصوص شبه درامية ؛ وضعت 
لتوجية الكهنة ومساعدتهم في الاخراج الدرامي لأسطورة أوزوريس. وقد تم في هذه 
النصوص تقسم الأخداك إلى مشاهد عنفصلة + وقدغت التعلينات: إلى الممكلين تيلا 
حسب ذورة» معتمدة الحركة والأفعال الرمزية» أكثر من اعتادها على الكلمة المنطوقة” . 
وهذا يذكرنا بنصوص بعل وعناة الأُغاريتية التي احتوت بين سطورها إشارات موجهة 





- 


- 1510, 22 433-56 

.126-127 22 ركتعتوه 04 78455162165 غط1' ,أععودل! ع06018 -2 

.5 2 ,رنإعه[فطارا1 1ه لمقصم ك1 ن ,واعصلدة1آ1 لمة مجاتممطذ -3 
6 2 ,وتعلوه 04 5عألة و81 عط راعع د11 ععرمع0 -4 

3- 1010, 22 127-18. 


-755 ده 


للممثلين”". ما يؤكد المنشاً الديني للدراما في شكلها المتطور اللاحق» وولادة المسرح 


سيميلي و <يونيسيوس : 


بعد ادونيس» كان ديونيسيوس ثاني أبناء الأم السوربة الكبرى الذين اقتحمت 
عبادتهم الديانة الاغريقية . وقد جاء هذا الإله ذو الأصول الشرقية الواضحة؛ من منطقة 
تراقياء المتاحمة لآسيا الصغرى من جهة الشمال والمتأثرة بها ثقافيا وحضارياء وابتدأ حياته 
إها ثانويا إلى جانب المة اليونان القدامى» ولكنه ما لبث أن صعد إلى الأويمب وصار 
أكثر الالمة شعبية خلال القرون القليلة السابقة للميلاد . جاء ديونيسيوس إلى اليونان مع 
أمه « سيميل » الأم ‏ الأرض التراقية» ولكنه ما لبث أن انفصل عنها تدريجياء 
وخضعت أسطورته إلى تحويرات الثقافة الذكرية » حتى خلت ديانته تماما من عبادة الإلهة 
الأم» وبقي الاله الاين يلعب وحده الدور الأساسي في الطقس والأسطورة . بعد سيميلي» 
جعلت منه الأساطير الاغريقية المتعددة وامختلفة» ابنا لعدد من أشكال الالهة الأم. فهو 
ابن لبيسفوني أو لديمتر أو لسيبيل. وهذا التنوع في الروايات المتعلقة بنسب 
ديونيسيوس» يشير إلى تراجع دور الأم في الأسطورة الديونيسية» وظهور الإبن كممثل 
وحيد على مسرح الطبيعة . غير أن هذا إلتراجع في دور الأم لم يؤر على جوهر الديانة 
الديونيسية » التي بقيت أمومية في صميمها وغاياتها. ورغم تحوله في شكله الأخير إلى إله 
للخمر والكرمة والأشجار المثمرة» فقد بفي ديونيسيوس يحمل ملاح واضحة وقوية من 
شكله القديم كإله للقمح وا حبوب » وشكله الأقدم كإله قمري وثور سماوي . وهكذا نعثر 
على الابن الثور لمستوطنة شتال حيوك النيوليتية مستمرا إلى ما بعد ميلاد المسيح. تحت 
اسم جديد وقناع جديد. 

فقد جاء ديونيسيوس كمولود ذي قرون» وتشير إليه بعض النصوص على أنه 
« المولود من بقرة » و «وجه الثور» و« ذي القرنين » . وكان يظهر لأتباعه في بعض 





2 ,تمدع نآ ,001000 .0.11 -1 


--7؟5 د 


المناسبات في هيئة الثور الكاملة. وقد استلهمت الأعمال التشكيلية هذه الألقاب 
والصفات » فاستعارت له بعض ملاع الثور وأعضائه» ومثلته في هيئة الثور الكاملة . فنراه 
أحيانا في هيئة فتى ذي قرنين» وأحيانا يرتدي جلد الثور الذي يتعلق به الرأس والذيل 
والأطراف » وأحيانا كطفل ذي رأس عجل يجلس في حضن امرأة. أما عن أصوله كإله 
للقمح. فيحكى عن مولده أن أول سرير وضعته أمه فيه كان مذراة للقمح. وقد غدت 
هذه المذراة رمزاً من رموزه» وأشارت إليه بعض النصوص على أنه « ذو المذراة » . كم أنه 
أول من ربط الثيران إلى امحراث ومارس حراثة الأْض ببذه الطريقة . وكان النور يشع من 
بعض معابده عشية عيده السنوئي ليبشر بمواسم حصاد طيبة. ومن إله للقمح» تحول 
ديونيسيوس إلى إله للإنبات بشكل عام» وإله للشجر المثمر بشكل خاص . فهو الذي 
اكتشف زراعة الشجرء من ألقابه « ديونيسيوش الشجر » و « ساكن الشجر ». 
ويحكى أن بعض الأشجار الببية كانت تحمل صورته دوئما تدخل يد إنسانية تشكلها . 
من هنا كان الكهنة ينصبون في معابده جذع شجرة ينوب مناب تمثاله . وكذلك زارعو 
الشجرء الذين كانوا ينصبون في مزارعهم جذعا مقدسا مماثلا» ويشيرون إلى ديونيسيوس 
بالقاب منها « المزهر » و « منبت العمر » و « ذي الثار اليانعة » وكان شجر الصنوبر 
من أشجار الالهالمقدسة» ومنه صنعت بعض تماثيله التي يظهر في بعضهاوقد حمل ني يده 
صولجانا ينتبي بثمرة الصنوبر . وكذلك الامر فيما يتعلق بشجرة التين التي ارتبطت وثيقا 
بعبادة ديونيسيوس» فكان وجهه في بعض الفاثيل يصنع من خشب هذا الشجر . إلا أن 
شجرته الرئيسية كانت شجرة الكرمة التي ارتبطت بخمرها طقوس هذا الإله وديانته”© 
أما عن أسطورة ديونيسيوس فإن الرواية الرئيسية لها تجري على النحو التالي : عندما 
جاءت الامحة ديمتر من كريت ومعها ابنتها بيرسفوني » قامت بإخفاء ابنتها في كهف أمين 
قرب أحد الينابيع » وأوكلت بحراستها التعبانين الهائلين اللذين يجران عادة عربتها . وفي ذلك 
الكهف مكثت بيسفوني تنسج وشاحا صرفيا لترسم عليه صورة بديعة للكون ( قارن ما 
ورد في فصل القمرء عن عشتار كناسجة للقدر ) . ولكن الإله زيوس يتمكن من دخول 
الكهف في هيئة ثعبان» ويضاجع بيسفوني التي تحمل وتضع في المغارة ابنها ديونيسيوس » 


.449-53 2 طوناه8 5ع3010) عط1 ,وعجدءظ 3205ل -1 


-خ7558 - 


الذي تتعهده بالرعاية في نفس المكان . إلا أن زوجة زيوس الغيور هيراء تحرض التيتان على 
قتل الال الصغير» فيأتون في هيثة تنكرية» وقد طلوا وجوههم وأجسامهم بالجبس الأبيض 
فينقضون على الطفل الذي أظهر شجاعة وفطنة في التخلص منهم» حيث حول نفسه إلى 
أسد فحصان فأفعى ذات قرون فنمر . وأخيرا أمسكوا به وهو في هيئة الثورء وقطعوه إلى 
سبع قطع والتبموه نيكاء ومن قطرات دمه التي تساقطت على الأرض نبتت أزهار الرمان . 
إلا أن الالهة أثيناء التي كانت على مقربة من الحادث». استطاعت إنقاذ قلب الاله 
وسلمته إلى أبيه زيوس الذي أسرع إلى المكان؛ فقضى على التيتان برقه وصواعقه. وأخذ 
قلب الضغير فأعطاه إلى جدته « رحيا » التي أعادت ديونيسيوس إلى الحياة . وني رواية 
أخرى أن أثينا قد وضعت القلب في قالب من الجبس ثم نفخت فيه الحياة””. في شكل 
آخر للأسطورة؛ نجد ديونيسيوس ابنا لسيميلي» وهي إفة الأرض في فرجيا وتراقيا''' وإطة 
للقمر أيضا. وكانت عابدات القمر في احتفال ال « لينايا » الذي يطلق عليه اسم 
احتفال النساء المتوحشات» يضحين لها بثور يقطعونه إلى تسع قطع يلتهمنها نيئة”© 
وذكن الشسطورة اللدأخرة تجحل حن سيميل زوبجة للملك قدموى ملك طيبة» التي يأتيها 
زيوس في هيئة بشرية ويضاجعها خفية عن زوجهاء فتحمل منهبالإله دونيسيوس ١»‏ وتستمر 
علاقتهما إلى أن يبلغ الجنين في بطنها الشهر السادس . عندها تعرف زوجة زيوس الغيور 
هيرا بالأمرء فتأتي إلى سيميلي في هيئة جارة عجوز وتنصحها بأن تطلب من زيوس أن 
يظهر أمامها في هيئته الحقيقية» كاله للبرق والصواعق» لتتأكد من شخصيته الإلهية . 

وعندما يأ زيوس مساءً لينام معهاء تتمنع سيميل طالبة منه آن.يتبدى آمامها في شكله 
الإلمي فيرضخ لطلبباء إلا أن صواعقه تحرقها فتببط لتوها إلى العالم الأسفل » ولكن زيوس 
يفلح في إنقاذ الجنين من أحشائها بمعونة الاله هرمز؛ ويقوم بشق ساقه ووضع الجنين فيه 
ليتم فترة حمله . وفي الشهر التاسع يفتح ساقه» ويستولد منها ديونيسيوس" الذي يرنقي 





101 ,لاع 010طالاظ/! عالاتنسلعط ,لأعطم صقن طوءون3 -1 
,104 22 7.1 مك1 علاعه 01 رقع 0189 نرعن 2 

-220 22 ,موأعنآء 1 عاءع 016 ,روموتمح1] عدو[ -2 

.57-8 2 7.1 ,قط غ149 عام و2 ,قع 0130 1زع10] -3 

.6 2 ,للط] 4 


71558 يده 


وهو طفل عرش أبيه ويلعب بصواعقه بيديه الصغيرتِين مقلدا كبير الآهة. 

إلا أن زيوس الذي يعرف أن حقد هيرا لن يقف عند هذا الحد. قد أخذ ابنه 
الصغير وأسلمه أمانة للملك « اتماس » وزوجته « انيو »» لينشكاه بعيداً عن عيون 
هيرا. فأخذاه وربياه في جناح الحريم وألبساه ثياب البنات» زيادة منهما في اتهويه . ولكن 
هيرا تكتشف الأمرء وتعاقب الملك وزوجته فتضربهما بالجنون. فيعمد زيوس إلى نقل 
ديونيسيوس إلى عهدة حوريات جبل « نيسا » حيث يكبر ويشتد ساعده» ويكتشف في 
مخبئه ذاك زراعة الكرمة ويصنع منها الخمر . ورغم وصوله مرحلة الشباب واكتسابه هيئة 
أنثوية » نتيجة للتربية الخاصة التي خخضع لاء فإن هيرا تتعرف فيه على ملام الابن غير 
الشرعي لزيوس » فتضربه بالجنون فيييم على وجهه في البراري دون هدى فترة طويلة . وعندما 
يصحو يقرر الطواف في جميع أنحاء العالم ومعه معلمه الساتير « سيلنوس »» وحشد 
كبير من الساتير الآخرين الذين ساروا وراءه ف موكب حافل . زار ديونيسيوس مصر 
وسورية والحند وبقاعاً أخرى كثيرة» فنشر فيها زراعة الكرمة ووطد فيها الشرائع والقوانين» 
وبنى المدن الكبيةء وأسس لعبادته فيها. ثم قفل عائداً إلى جبل الأوبمب حيث ارتقى 
سدة السيادة إلى يمين أبيه كبير الآلحة . غير أن ذيونيسيوس لم ينس أمه سيميلل التي مانت 
قبل أن تلده. فقرر الحبوط الى العالم الأسفل لاسترجاعها إلى الحياة» وهناك استطاع 
استرضاء بيسفوني ببعض المداياء ففكت إسار سيميل من الموت» وصعدت مع ابنها 
إلى السماء وانضمت إلى الهة الأويهب ". 

هذه هي أسطورة ديؤنيسيوس في خخطوطها العامة؛ وقد لعب فيها الخيال الاغريقي 
بحرية كبيرة » وتناولتها الاتجاهات الدينية امختلفة كل على هواه. ومع ذلك» فإنها لا تخفي 
الميكل الأصلى لأسطورة الإله الابن» شأها في ذلك شأن بقية أساطين المتأخرة. ١‏ 
فالقطع السبع التي مزقه إليها التيتان والتبموهاء ثم أعيد بعثها في جسد جديد. هي 
درجات الموت السبع التي هبطتها إنانا السومرية وعشتار البابلية» والقطع الرئيسية التي 
تنتزع من القمر في طريقه للاحتجاب في العالم الأسفل. وهي أيضا نصف العدد 2١4‏ 
الذي قسم إليه جسد أوزوريس من قبل أخيه سيت» والتي أعادت إيزيس جمعها ونفخت 





1- 1010, 2282 104-60. 


0 م 





فيها الحياة. ؟' ‏ رغم أن الأسطورة في شكلها الأخير لا تشير صراحة إلى موت وبعث 
ديونيسيوس باعتباره موتا وبعئا سنوياء إلا أن هذه الفكرة متضمنة في طقوسه السنوية التي 
سنتطرق إليبا بعد قليل. ولا شك أن إسقاط الأسطورة: لعنصر الموت السنوي» قد جاء 
نتاجاً لتذكير الأسطورة ومحاولة الابتعاد بهاء عبثاء عن حلتها الأمومية» ورفع ديونيسيوس 
من أسير لدورة الطبيعة إلى إله أويمبي » بجلس على يمين كبير الأرباب في الأعالي» لا في 
الأسفل حيث حضن الأْض.  *“‏ لعلنا واجدين في انقضاض التيتان على ديونيسيوس 
وفزيقه في هيئة الثورء وهي آخر هيكة بتحول إليهاء تكراراً لمشهد مصرع دوموزي في 
الأسطورة السومرية؛ حيث تنقض عليه عفاريت العالم الأسفل محاولة جره معهاء فيطلب 
إلى الاله « أوتو » تحويله تارة إلى غزال وتارة إلى حية . نقرأ في نص هبوط إنانا إلى العام 
الاسفل : 

فبكى .دوموزي حتى ازرق وجهه, 

ورفع يديه إلى السماء نحو أوتو قائلا : 

حول يدي إلى حية وقدمي إلى حية , 

أنقذني من العفاريت ولا تدعهم يأخذونني”) 
وف نص آخر عن موت دوموزي» نجده يدعو أن يتحول إلى غزال : 

فتلقى أوتو دموعه قربانا. 

وكإله رحمة واسعة أراه من رحمته . 

حول يديه إلى يدي غزال» 

فلم تطاله عفاريت الجالا ' 

ونجى بنفسه إلى شوبيريلة0"© 
ولكن العفاريت تنقض في النباية على دوموزي وتمزقه » كا مزق التيتان من بعده ديويسيوس 
رغم تحولاته المتعددة . 4 إن رحلة ديونيسيوس الطويلة في أنحاء المسكونة وتعليم أهلها 
أصول الحضارة وإعطاءهم الشرائع والقوانين وبناء الحدن الكبيقء تكاد أن تكون نسخة 

70 اأمعصة عط 2ه كع ذأع010طغنز14 ,تعصسمكا .5.1 -2 


#379 د 


مكررة عن رحلة أوزوريس» مع فارق واحد يتعلق بالنبات الذي حمله كل إله إلى بني 
البشر فبيها حمل أوزوريس القمح وعلم الناس أكل الخبزء حمل ديونيسيوس الكرمة وعلم 
الناس شرب الخمر . وفي الحقيقة لم يكن النبات الذي حمله ديونيسيوس في شكله القديم 
إلا القمح. ولم يعلم الناس إلا أكل الخبزء لأ الشرائع والقوانين التي هد بها ديونيسيوس 
البشر» والمدن الكبيرة التي بناهاء لتدل على انتشار زراعة القمح» والاستقرار في الأض 
وبناء المستوطنات الثابتة. أكثر ما تدل على انتشار زراعة الكرمة وتخمير الشراب المسكر . 
ه ‏ تبرر الأسطورة» بطريقة مبسطة, التكوين الأنثوي للإله الإبن» فتعزوه إلى تربيته في 
جناح الحريم تربية نسائية» ولبسه لفترة طويلة ملابس النساء اختفاء عن عيون هيراء التي 
كانت تترصدهفي كل مكان. وبذلك لا يشذ ديونيسيوس عن بقية الأهة الابناء» في 
التكوين الأننوي الذي يميز شكله وشخصيتهء بل لعله قد بز جميع أقرانه . وتفسير ذلك 
في رأينا راجع إلى غياب صورة الالحة الام من الديانة الديونيسية؛ واستقطاب الاله الابن 
كل الميول العاطفية التي كانت تستقطبها عبادة الأنثى . يضاف إلى ذلك» أن الديوئيسية 
كانت» بشكل أساسي» ديانة للنساءء 5 أمحنا إلى ذلك في فصل سابق» ولا نستتطيع أن 
نستبعد أثرهن على تشكيل الصورة العامة لاله تلك الديانة . 


هذا ونستطيع أن نعثر على مساهمتين أساسيتين للمثيولوجيا الذكرية» في إضفاء 
طابع بطريركي على هذه الأسطورة. ١‏ - لم تسمح الأسطورة للإهة الم بأن تستكمل 
مهمة ولادة ابنها ديونيسيوس بل لقد شاركها في ذلك الإله الاب نفسه؛ فحمل عنها 
نصف المهمة الأهم» إذ قام زيوس الذي تسبب بوفاة سيميلي » بإنقاذ الجنين وزرعه داخل 
جسمه ليطلقه إلى الحياة كاثنا مكتملا في ولادة حقيقية . وهذه الولادة» هي الثانية في 
حياة كبير آلهة الأهب . فقبلها قام بولادة ابنته أثينا من جبهته بعد أن ابتلع أمها 
« ميتس » وهي حامل بها. وربما كان في هذه الرواية أثر من حدث تاريخي قديم ؛ عندما 
اجتاحت القبائل البطريركية المجتمع الأمرمي» أو ثارت جماعة الذكور من الداخل» 
فقضت على عبادة الأ الكبرى وقتلت كاهنتهاء بيها أبقت على عبادة الإله الإبن وحاولت 
إدماجه في نظامها الديني الأبوي. ؟ ‏ في الشكل المتأخر لأسطورة ديونيسيوس » يخضع 
أحد العناصر الأساسية لأسطورة الاله الإبن» إلى أكبر عملية تحوبر وعكس للأدوار بين 


7915 لس 


الأم الكبرى وابنها الوليد الإلمي » المحكوم بالهبوط الى العالم الأسفل . قفي الشكل الأصل 
للأسطورة يهبط الإبن ميتاً الى العالم الأسفل وتقوم الأم باستعادته الى الحياة . أما في 
الأسطورة الذكرية » فإن الأ هي التي تهبط ميتة الى العالم الأسفل » بيها يبرع الإبن الى 
استعادتها وبعثها من الموت . 


طقوس ديونيسيوس : 


هناك من الدلائل ما يشير» إلى أن طقوس ديونيسيوس الرئيسية» كانت تقام في 
عيده السنوي الذي يصادف وقوعه في فصل الربيعء حيث يبر الإله الصاعد من العالم 
الأسفل فصل الخضرة والإنبات وراءه. في ذلك العيد كانت دراما الإله الميت تمثل وتنشد 
بكامل تفاصيلهاء مع التأكيد على اللحظات الأخيية التي عافى فيها ديونيسيوس العذاب 
والآلام ثم ذاق الموتء حتى أن جوقة الصنوج والفلوت كانت تعبر بالحان تثير كل 
أشجان النفس», عن حشرجات الإله وهو يسلم أنفاسه الآخيرة . وبعد ذلك كانت الدراما 
تنتقل إلى نهايتها المعروفة » حيث يتم بعث الإله وعودته إلى عرشه السماوي من جديد . 
وخلال الطقوس كان المشتركون يأتون بثور يمثل الاله ديونيسيوس نفسهء فيمزقونه حياً 
ويأكلون لحمه نيكا ويشربون دمهء ثم يبيمون بين الأحراش حاملين معهم سلة يفترض أن 
بها قلب الاله القتيل. وفي مناطق أخرى كان الطقس يركز على قصة هبوط ديونيسيوس 
إل العالم الأسفل لاستعادة أمه سيميلي. ثم عودتة “ظافراً مق العالم الأسفل. فكانت 
الدراما تمثل سنويا عند شاطىء بحييرةء كان يعتقد أن الاله قد هبط منها إلى العالم 
الأسفل» ,أنه من ذات البحيية سوف يبعث من جديد2. وبذلك يعود الطقس إلى 
شكله المألوف الذي عهدناه في طقوس بقية الآلهة الابناء» ويبدو ديونيسيوس عل حقيقته 
كروح للانبات التي تموت وتحيا في كل عام . 

وفي عناطق أخرى كان المحتفلون يأتون بتيس يمزقونه حيا ويأكلونه بدل الثورء 
وذلك 'انطلاقاً من معتقد آخر يربط ديونيسيوس بالماعز لا بالبقر. فمن ألقاب 
ديونيسيوس الكثيرة أيضاً « الذي يلبس جلد التيس ». وكان يظهر ني بعض المناسبات 





2 2 طعتامظ دع0010 عظ2” ,عععدءط وغول -1 


"31919 سلسم 


على هذه الهيكة”' وهذا ما يجعله أول الساتيرء وهم جنس من الآلمحة الثانوية التي تصورها 
الأسطورة والأعمال التشكيلية في هيكة البشر وهيكة الماعزء وكانوا يعيشون في الغاب 
ويكرسون حياتهم للشرب وللهو والجنس » وشكلوا عصبة تسير وراء الاله ديونيسيوس 
وتشارك في طقوسه. وقد قدمنا تفصيلات عنهم في مكان آخر من هذا الكتاب. م 
جرت العادة في بعض المناطق على تقديم قربان بشري بدل العيس أو الثورء في طقوس 
ديونيسيوس . فكان هذا القربان يقتل ويمزق بنفس الطريقة التي كان يتم بها قتل وتمزيق 
التيس أو الثور. وقد استبدل هذا الطقس فيما بعد بطقس القربان الحيواني . وهذا ما يعود 
بنا إلى الممارسات القديمة المتعلقة بقتل الإله ممثلا في القربان البشري . ولعل في الروايات 
المتوارثة عن قتل «تمزيق اثنين من ملوك اليونان القدماءء» وهما « بنثيوس » 
و « ليكورغوس » لتجديفهما على الاله ديونيسيوس» إشارة إلى ممارسة قديمة تتعلق 
بقل الملوك ممن كانوا يمثلون الاله ديونيسيوس نفسه'" . 

وبعد. لقد بعثت الديونيسية التقاليد الأمومية في المجتمع الإغريقي» بعد نوم 
طويل . وقام زيوس أخيرا بتسليم العرش إلى ديونيسيوس ابن لمم الكبرى وسليل النسب 
القمري. لا إلى أبوللو إله الشمس وسليل المة الذكور الأعلين. ا مهد انتصار 
الديونيسية المؤزر الطريق أمام غزو الديانات الأمومية الشرقية» التي بدأت منذ فتوحات 
الاسكندر بالتغلغل في العالم الكلاسيكي ء وصارت ها السيادة الكاملة في الامبراطورية 
الرومانية » حيث شاعت عبادة إيزيس» «عبادة « ديا سيريا ». أي الإلحة السورية 
التي .هي «عشتار أو عستارت»٠‏ وعبادة يبيل الأَم الكيبرئ لآسيا الضغرى - 6 عمد يعض 
الأباطرة ذوي الأصل السوري إلى جعل الآلحة السورية آمة رسمية للدولة» مثلما فعل 
الامبراطور اليجابالوس ( اليجا ‏ بعلوس ). عندما حاول رفع الاله بعل إلا أكبر 
للامبراطوية . وقد بدا لفترة» أن الشرق الذي فشل في اجتياح الغرب عسكريا منذ الألف 
الخامس قبل الميلادء قد صار مهيئا لاجتياحه روحيا وثقافيا. وفي هذا الصدد يقول 
« باخوفن » وهو أحد رواد دراسة الأسطورة في القرن التاسع عشرء الذي تركت آراؤه 


1- 151, 2 3 
2- 1510, 2 5. 


-373734 الت 


بصمات واضحة على علم الأسطورة في العصر الحديث: 

« لقرون عديدة بدت إيطاليا وكأنها ستبقى أبدا معتمدة على اسياء بعد أن 
تمكنت الديانات الشرقية من كل ركن من أركانها. كا بدا أنها لن تستطيع تجاوز الثقافات 
الشرقية ؛ التي أقامت عليها روما صرح حضارتها قي الأرض الايطالية» وبزغت من رحمها. 
إلا أن الرومان قد أخذوا تدريجيا يعون بوضوح التناقض فيما بينهم وبين الثقافات الغريبة 
لمحيطة بهم ويدركون دورهم التاريخي . ذلك أن القضاء على العناصر الآسيوية داخل 
جسم الحضارة الرومانية»؛ كان شرطا للوجود بالدرجة الاولى» وشرطا جد روما بالدرجة 
الثانية . من هنا كان تحرك الروح الرومانية للقضاء على مصادر التبديد في الداخل 
والمخارج . فبعد أن تم القضاء على مراكز الثقافة الشرقية في الأرض الايطالية » تفرغت الامة 
لحربها الفاصلة مع قوى الشرق كلهء ممثلة في قرطاجة وقائدها هانيبعل. وكان تدمير 
قرطاجة الفنيقية » أهم نقطة تحول في تاريخ الانسانية» لأنه قد نقل السيطرة على العالم من 
الشرق إلى الغرب . لقد كان تدمير قرطاجة بلا شك » خسارة كبرى في المعارف والخبرات 
الانسانية » ولكنتا غير نادمين على ذلك . لان المبادىء الروحية الغربية قد انتتصرت وقضت 
على الوية الشرقية إلى الأبد 04" . 

غير أن الرومان في قمة صراعهم مع هانيبعل: عندما كان القائد السوري يقرع 
الأبواب» لم يستنجدوا سوى بالأَم الشرقية الكبرى» حين بعثوا رسلاً رسمبين إلى فرجيا 
باسيا الصغرى», لجلب حجر الإاهة « سيبيل » الاسودء ونصب في روما لاستجلاب 
كا 


سيهيل و اتيس : 
دلت سيبيل روما تحت اسم « ماجنا ‏ ماتر » أي الآم الكبرى» وذلك 
عام ٠٠١‏ قبل اكيلاد» عندما كانت الجيوش الفنيقية تتقدم نحو روما الحسم المعركة على 
الأرض الابطالية . وكان ذلك إثر نبوءة لاخدى العرافات جاء فيباء إن نصر روما سيتحقق 





.229-32 22.,أطونظ معطغه14 هه ممنهنا8 ,طعرك1 رومع أمطعهظ .1.1 -1 


ار و ان اد 


بوجود الأم الكبرى بينهم . وقد أوفد مجلس الشيوخ رسلاً سميين إلى فرجياء فجاؤًا بحجر 
الإلفة سيبيل الأسودء الذي يعتيو الفرجيون عرش الإلحة المقدس» ونصبوه في احتفال 
نعي وشعبي كبير فوق قمة البالنتين حيث معبد النصر. وبعد ذلك بأقل من عامين 
خرج هانييعل من إيطالياء فبنى الرومان لسيبيل معبداً خاصاً» وانتشرت عبادتها مع 
حبيبها اتيس في جميع أنحاء البلاد مع مطلع العصر الامبراطوري”". وقد لمس الرومان بركة 
الم الكبرى منذ العام الأول لاقامتها بينهم» إذ فاضت مواسم ذلك العام بخيرات لم تشهد 
لها البلاد مثيلا منذ زمن بعيد . أما القائد القرطاجي المتراجع فقد وقف على الشاطىء 
الايطالي ؛ قبل صعوده في اخر سفينة مغادرة» ليلقي نظرة أخيرة على الأرض«التي كانت 
مسرحا لأحلامه » وهو لا يدري أن روما العظيمة» التي دحرت المد الشرقي العسكري» قد 
فئحت أبوابها لغزو شرق من. نوع آخرء غزو ديني اكتسبها دون قتال ”"» ابتداً بالأم 
الكبرى سيبيل وابنها اتيس القتيل» وانتبى بانتصار ساحق مؤّزر للشرق على الغرب؛ على 
يد الأم الكبرى مريم العذراء وابنبا يسوع الصليب بعد بضع معات من السنين . 

يبدو اتيس في الأسطورة إبنا لسيبيل تارةء وحبيبها تارة أخرى . وتحكي رواية 
مولدةء أن أمه الحتراء قن ملت يه يعد أن الحتضيت غضتنا من أغصان حجر اللو أو 
شجر الرمان. وعندما شب الاله الصغير وصار فتى وسيم الطلعة» لم يستمتع بشبابه 
طويلا؛ إذ أن حياته قد انقضت بميتة عنيفة» عندما خصى نفسه تحت شجرة الصنوبر 
ونزف حتى الموت » ومن دمائه التي سقت التربة» نبعت أزهار البنفسج . ويقال أن الإله 
بعد ذلك تحول إلى شجرة صنوبر . وفي رواية أخرى يموت اتيس نفس الميتة التي سبقه 
إلمها ادونيس» إذ يفترسه الخنزير البري . ولذلك يمتنع عباد اتيس» شأنهم في ذلك شأن 
عباد أدونيس, عن أكل لحم الخنزير. أما عن طقوس اتيس» فكانت -تقام في عيده 
السنوي يوم الثاني والعشرين من اذار . تبدأ الاحتفالات في اليوم الأول بان يحضي إلى الغابة 
فريق مخصص ٠‏ فيقتطع شجرة صنوبر يلفها بالقماش الأييض > تلف الجثة» ويزينها 
بأنهار البنفسج التي انبعثت من جراح الاله القتيل» ثم تعلق إلى وسطها صورة لاتيس 





.20 2 ,لزع 10هط7)49 عطع01 ,320عتنات .1 -1 
4 2 طوناه80 مع0010 عغط]1' ,تعمة:8 2065ة1 -2 


اك 


الشاب ». وتحمل إلى معبد سيبيل حيث تنصب هناك . وفي اليوم الثاني تنطلق الأبواق من 
لعبد الإلحة ومن شتى أنحاء المدينة» تعزف الأنغام الحزينة التي تنعي موت الاله. أما 
الفجار الحزن في شكله الدرامي العنيف فيتم في اليوم الثالث الذي يدعى بيوم الدم» 
حيثويبدأ كبير الكهنة بإحداث جرح كبير في ذراعه يندفع منه الدم على شكل نافورة 
غزيرة » ثم يندفع بقية الكهنة إلى الحلبة في رقص مجنون على أنغام الات النفخ الختلفة » إلى 
أن يتوصلوا إلى حالة من الوجد يفقدون معها الإحساس . فيأخذون بتجرع أنفسهم 
بطع من الزجاج والخزف أو الموس» ويغسلون بدمائهم مذبح الإلحة وصورة الإله القتيل . 
بعد ذلك تبدأ طقوس الخصاء حيث يتقدم الكهنة الجدد لتقديم ذكورمم على مذبح 
سيبيل » ما تحدثنا عنه في مكان سابق من هذا الكتاب . وفي مساء هذا اليوم يتحول حزن 
العباد إلى فرح غامر . لقد فتح غطاء القبر وبعث اتيس من بين الأموات . وفي اليوم الرابع 
للاحتفال الذي كان يعتبر موعدأ للانقلاب الربيعي » ينبي العباد صومهم عن اخبز الذي 
بدأوه في اليوم الأول » اقتداء بسيبيل التي صامت عنه حزنا على زوجها الغائب. وتشهد 
المدينة احتفالات وكرنفالات ببيجة يشترك فيبا أهل روما من كل الطبقات ويبيحون 
لأنفسهم كل ممنوع. وينتبي العيد بأن يحمل الكهنة على عربة خاصة تمثالا للإلهة 
يفتوعا افو قعبة اوراصه ع حجر أسود » فيسيرون به في موكب يتقدمه نبلاء القوم 
حفاأة الأقدام » حتى يصلون إلى النبر فيغسلون العربة واتمثال بالماء » ثم يعودون بالعربة 
وقد زينوها بكل نوع من أزهار الربيع" . 

لاتقدم لنا أسطورة اتيس وطقوسه كثيراً من الأشياء الجديدة على الأرضية التي 
صارت مالوفة لدينا تماما. فالعذراء تحمل بقواها الاخصابية الخاصة دون معونة من ذكر . 
وليست الاشارة إلى احتضانها غصنا من شجر الرمان إلا تعبيراء باللغة السرية 
للأسطورة » عن إخصاب الأم نفسها بنفسها باحتضان رمز من رموزها. وكهنة سيبيل 
الخصيان وطقوس الخصاء في أعيادهاء تذكرنا بكهنة عستارت الكنعانية وطقوس الخصاء 
في معابدها . ومن الملفت للنظرء أن نجد ذكراً لعستارت وكهلتها الخصيان وطقوسهاء في 
كتاب مشهور لكاتب روماني عاش في أواخر القرن الثاني بعد الميلادء وهي الفترة التي 





.404-408 طط طاورادظ وع00[10 عط1 ,ءع2ة22 دعصيو 1 


حت 777 حت 


ثبتت فيها المسيحية أقذامها في كل من سورية وروما. والكتاب لا يشير إلى الإلهة بالالسم 
وإغا يدعوها باسم « الإلهة السورية » ففي كتابه « دعه م90ه0 756 » يقدم الكاتب 
الروماني « 5دذعانامة » في فصل « الكهنة الخصيان » الوصف الحي التالي لجماعة من 
خصيان الالهة السورية وقد خرجت في موكب طقومي وراء تمثئال الالحة المحمول : « كانت 
ملابسهم مختلفة الألوان» وقد صبغوا وجوههم بالأحمر. يضعون على رؤوسهم قلدسوات 
زعفرانية اللون» ويرتدون جلابيب وأحزمة حريرية» ويلبسون في أرجلهم أحذية صفراء . أما 
الإلحة فقد غطوها بعباءة حريرية خاصة. بدأ عازفو المهورن موسيقاهم العالية» وأخذ 
الكهان يلوحون بسيوفهم الضخمة وهراواتهم الشوكية؛ وهم يتقافزون كأن بهم مس 
وأذرعهم عارية حتى الأكتاف . وبعد أن مررنا بعدة قرى توقف الموكب أمام بيت ريفي 
كبير» وعاد الكهنة إلى الرقص فكانوا يرمون رؤوسهم نحو الأمام بقوة تجعل شعرهم الطويل 
يغطي وجوههم ء ثم يبزونها بحركة دورانية سريعة» تجعل شعرهم الطويل يتطوح في دائرة 
واسعة حول الرأس . وبين حين:واخر كانوا يعضون أنفسهم بوحشية» فإذا بلغوا الذروة 
أخذوا بتجريح أذرعهم بسكاكين حادة يحملوتها. وكان فيبم واحد فاضت به النشوةء 
فكان يطلق تنبدات من أعماق صدره وكأنه امتلاً بروح الالهةء فبدا كمن به جنة. ثم 
راح يدلي باعترافاته عن اثام ارتكبباء ويدعو يداه لايقاع العقاب به. وبعد أن انتبى استل 
سوطا وأخذ يجلد به نفسه حتى سال دمه» وهو يتحمل الألم بثبات يثير الدهشة . أما أنا 
فلم أكن في راحة من أمري . وخخطر لي أن هذه الالحة السورية ربما كانت متعطشة لدمي 
أبغاي 3 

أما آتيس فلا يختلف في شيء عن تجليات الإله الاين الأخرى . فالتاج الهلالي 
الذي يلبسه على رأسه في بعض تمثيلاته التشكيلية ينبي عن أصوله القمرية '''واسمه نفسه 
ما يعني « التيس »» وهو ذكر الماعز ذي القرون . وبذلك يلتقي اتيس مع ديونيسيوس 
الذي كان التيس رمزه الثاني بعد الثورء. "ا يلتقي الالهان عند رمز آخر وهو شجرة 
الرمان. فغصن الرمان الذي حملت بواسطته أم اتيس هو الذي نبت من دماء 





.169-10 22 روكذخ 2ع0010 ع1 ,كنائءأنامةم -1 
141 2 روع و14 5لقلده]آ] ,عمتلعدط .814.8 -2 


لا 773 ده 


ديونيسيوس القتيل . أما الصنوبرة التي مات تحتها اتيس والتي كانت صورته ترفع عليها في 
احتفاله السنوي» فهي الشجرة المقدسة في الديانة الديونيسية التي صنعت منها تماثيل 
ديونيسيوس » والتي حافظت على قداستها وصولا إلى الديانة المسيحية» حيث ما زالت في 
نصف المعمورة اليوم تنصب شجيراتها الصغيرة في عيد الميلاد . ومونه بواسطة ا خنزير 
البري يجعل منه نسخة مستعادة لادونيس » ودمهة الذي نبتت منه أزهار البنفسج هو دم 
ادونيس الذي نبتت منه شقائق النعمان» ودم ديونيسيوس الذي نبتت منه أزهار الرمان . 

واتيس هو روح القمح التي تموت في الخريف وتحيا مع الربيع . فمن ألقابه « باقة 
القمح »» وليس صيام عباده عن الخبز خلال أيام العيد إلا صياماً عن أكل جسد 
الآله » وهو ما يذكرنا بعادة أهل حران في سورية ) الذين كانوا يعتنعون عن كل :طعام عر 
نحت حجر الطاحون خلال كترة حزنهم على الاله موز. وهو روح الانبات بشكل عام 
من الفاكهة» ووضع على رأسه إكليلا من مار الصنوبر» وزهر البنفسج . وهو أيضا روح 
الشجو والغات» وليبيك:إشاة الأسطورة إل أذ اتيس قل بعك من 'موته ق شتهرة تور 
إلا توكيدا على ذلك. كا أن في تعليق صورة اتيس على شجرة الصتوبر وحملهما معا في 
مواكب الاجتفال» تمثيلاً مزدوجا للإله في شكله النباتي والانسافي . وربما كانت العادة في 
الماضي ) أن تعلق إلى شجرة الصنوبر أضعية بشرية مثل الاله القتيل » ْم استبدلت فيما 
بعد بصورته . هذا ويذكرنا تحول اتيس إلى شجرة وحمله في هيئة بشرية على شجرةء 
ا الذي انفتحت شجرة الطرفاء لتحتويه » وبأدونيس الذي ولد من شجرة . 
تذكرنا شجرة الصنوبر التي تلف بالأكفان البيضاء بأزوريس الذي يبدو في معظم 
الأعمال التشكيلية ملفوفا بالأكفان من رأسه إلى قدميه» لا يظهر منه خارجا إلا الرأس 
واليدين . 


ولعلنا واجدين في تعليق اتيس على الشجرة استباقا وتمهيدا لتعليق السيد المسيح 
على خشبة الصليب. فخشب الصليب ليس خشباً عادياً بالنسبة للأسطورة المسيحية» 
بل هو مصنوع من شجرة مقدسة هي شجر المعرفة القائمة في جنة عدن والتي أكل منها 


4 


ادم وحواء . من هنأ تطابق النتصوص الطقسية والترانم الدينية بين الصليبي والشجرة”" , 


يوسف الجميل : 


عندما تكبت الرموز السارية في ثقافة ماء بفعل سلطة روحية أو سياسية طاغية» 
فإن هذه الرموز لا تخمد ولا تموت» بل تحاول التعبير عن نفسها بطرق باطنية سرية 
شتى . فتتبدى في أشكال جديدة هي أبعد ما تكون عن أشكاها الأصلية القديمة» مع 
محافظتها على طاقتها الايحائية المتدفقة . ولعل حكاية يوسف بن يعقوب التوراتية» هي خير 
مثال على ذلك . فبعد قرون طويلة من كفاح كهنة يبوه ضد عبادات الخصب الشائعة 
لدى العبرانيين وجيرانهم الكنعانيين: نجد أسطورة الإله الميت تتسسلل إلى التوراة بشكل 
رمزي جميل» لا يخفي عن البصيرة أصوها . 

ففي قصة يوسف ,ء تعود إلى الظهور العناصر الأساسية للأسطورة افوزية " في 
تبطين حذق. لا ندري معه هل جاء تسلل الرمز نتيجة تضمين واعٍ أم نتيجة تدفق 
لاشعوري عبر ذاكرة الثقافة. كان يوسف راعيا شاب غض الاهاب حسن الصورة فائق 
الجمال رقيق التكوين. ولد ليعقوب في شيخوخته من زوجته الثانية راحيل . فكان الأثير 
إلى قلب أبيه المفضل عليهم جميعا. صنع له قميصاً ملوناً وألبسه إياه. وقد أثار تفضيل 
الأب ليوسف حقد إخوته وغيتهم. كا زاد من كرههم له حلم قصه عليهم يتنبا له 
بمستقبل عظم وبتفوقه على إخوته » فقرروا مجتمعين التخلص منه . وبينا هم يرعون الغنم 
بعيداً عن أرضهم رموا أخاهم في بكر مهجورة بعد أن نزعوا عنه قميصه الملون» وعادوا به 
إلى أبهم وعليه دم تيس ذبحوه عند البئرء فأوهموه أن وحشا ضاريا قد افترس يوسف . 





9158 22 ,لإأئصة تأكامطن) طذ لقنغنظ لصة طا84 ,مدآ مقللق -1 
رغم ان تحليلي للعناصر الفوزية في رواية يوسف التورانية » يتخذ منحى خاصاً , 2 
الا انني مدين بهذه اللفتة الى : 11620615801. ل 
في كتابه : ]562262 1126 01 115003 غ15 . 
وبيدو ان هذا بدوره قد سار إثر توماس مان في كتابه . ,520112655 115 أمقة م1056 . 





ولكن قافلة عابرة في طريقها إلى مصرء تنتشل يوسف وتحمله معها حيث تبيعه إلى 
فوطيفار رئيس شرطة الفرعون .. وهناك يلقى حظوة عند سيده الذي يأمن له ويسلمه أمور 
ببته ورزقه» لأن الرب كان يأخذ بيد يوسف في كل أمر من أموره. 

م يكن حقد الأحوة» في الواقع» نابعا فقط من تفضيل الأب ليوسف» بل لقد 
لعب ثوب يوسف الملون دور هاماً في زرع النفور في نفوسهم . . ذلك أن الأثواب اللونة 
كانت في التقاليد العبرانية وقفا على النساء من دون الرجال» فكان ثوب يوسف تأسيساً 
لقم الأمومية بين الجماعة البطريركية الذكرية من. ناحية» وقبولا للجانب الأنقوي في 
شخصية إله الخصب . هذا وتشير مصادر يبودية أخرى إلى أن الثوب الذي لبسه 
يوسف» لم يكن سوى الثوب الذي لبسته أمه راحيل يوم عرسها. وبذلك يعود بنا زي 
يوسف النسافي إلى ثياب الاله ديونيسيوس النسائية » التي تحدثنا عنها في مكان آخر من 
هذا الفصل» وإلى تربيته في جناح الحريم . فوسف الذي ولد ليعقوب في شيخوخته من 
زوجته الثانيةء كان ابنا للأم في بيت مليء بأبناء الاب . وإضافة إلى زيه النسالي» فإن 
ملاع شخصيته العامة ترسم صورة الاله الابن» فتظهر خطوطها متقطعة تحت القناع 
التوراقي الجامد . ومن ناحية أخرى» ليس هبوط يوسف إلى الجب وصعوده منهء سوى 
موت رمزي وانبعاث . ويعادل هبوط تموز أو ادونيس إلى العالم الأسفل. ويقدم لنا دم 
التيس الذي لطخ به قميص يوسف عنصما هاما. فإذا كان يوسف قد مات في الجب 
رمزياء فإن التيس الذي هو .رمز من رموز إله الخصب» قد ذبح فعليا وفاضت دماقه على 
ثياب يوسف . 

في بيت فوطيفار» تقع زوجته في حب يوسف وتعرض عليه وصاها فيعرض عنها 
ولاء لسيده» فتتهمه بإغوائهاء ويلقى به في السجن سنوات طوال . وهناك يشتهر بتفسيراته 
الصائية للأحلام» ومنها تفسيره لحلمين راهما ساقي فرعون وخبازه اللذين أذنيا إلى سيدهما 
فألقى بهما في السجن . فكان تفسيو لحهم الخباز أنه سوف يقتل بعد ثلاثة أيام ولحلم 
الساقٍ أنه سرف يعود إلى مكانته وعمله بعد ثلاثة أيام . وقد وقع بعد ثلاثة أيام ما أكد 
صحة تفسير يوسف , إذ تم إعدام الخباز» واطلاق سراح الساق . وحدث بعد سنتين من 
ذلك أن الفرعون قد رأى حلمين أقضا عليه مضجعه فراح يبحث عن تفسير لهما عند 


551 ده 


حاشيته والمقربين إليه» وهنا يتذكر الساقي زميل سجنهء يوسف مفسر الأحلام» فيؤق به 
على عجل» ويقص عليه الفرعون حلميه. في الحلم الأول رأى سبع بقرات طالعات من 
النمر مكتنزات » تتبعهن سبع بقرات هزيلات قميئات .* فتأكل البقرات الهزيلات البقرات 
السمينات. وفي الحلم الثاني يرى 3 7 طالعات في ساق واحد ممتاكة حسنة» 
3 موسان رقيقة 5 بالرخ قية » 00 السنابل الرقيقة السنابل الممتلقة . 
ا ا وري سر ال بن 
السجن ليسلمه مباشرة إدارة موارد الدولة . أخذ يوسف يخزن القمح في سنوات الخصب 
التي ما لبئت أن توالت سبعاً تباعاً. حتى إذا لاحت بوادر السبع العجاف» أخذ يوزع 
ما ادخر أيام الوفرة مجنباً البلاد كارئة كانت محققة. ويبدو أن الجفاف لم يضرب أرض 
بعرت ون نلك نامل أبدت الاو لتيل زا كبوا قن اليلد الجاورة أيضا . 
لذلك تحدثنا بقية القصة عد: عن إرسال يعقوب لاولاده إلى مصر لشراء الحبوب منهاء وعن 
كانه قيها بد إل جانب أخيهم في أرض مصر . 

إن القاء يوسف في غياهب السجن ثم خروجه منه هو موته الرمزي وبعثه . وآ 
كان خروجه الاول من الجب بركة وخيرا على فوطيفارء كذلك كان خروجه الثاني من 
السجن بركه وخيراً على مصر والبلدان المجاورة . تماماً كالاله الابن الذي يشكل موته وبعئه 
رطأ لاستمرار دورة الطبيعة . ويوسف في تنظيمه لنتائج دوري الخصب والجدب المؤلفة 
كل منهما من سبع سنوات , إنما يعيد تمثيل دور الاله بعل الذي تتحكم حياته في إيقاع 
دورة المختصب المؤلفة من سبع سنوات 0 أن علاقة يوسف بسيدته ) زوجة فوظيفار » 
تحمل إشارة حفية إلى عنصر الخصاء عند الاله الإبن » وإلى عنصر الامبطواة المتعلق 
بإرسال عشتار بحبيبها إلى العالم الأسفل . 


مارجورجيوس الاخضر ‏ سيدنا الخطير: 


--75513 سد 


التراث الشعبي الاسلامي . نموذجا عن الخيال الشعبي الذي يعطي الرموز القديمة على 
الدوام » شحنة عاطفية تجعلها مستمرة عبر الشروط المتبدلة . فبيها تحاول السلطة الكهنوتية 
لكل دين» تحويل التاريخ الروحي للبشرية إلى قطع منفصلة ,ينسخ بعضها بعضاء يقوم 
الخيال الشعبي بدور خيط المسبحة الذي يجمع الثقافة الإنسالية بيعضها إلى بعض في 
تتابع وتداخل ملون بديع. وهكذا استمر تموز الاخمضر حيا في الثقافة المسيحية 
والاسلامية إلى يومنا هذا من خلال مارجورجيوس والخضر . 


نفي أوروبا يحتفل الريفيون بيوم القديس مارجورجيوس» الذي يدعونه بالقديس 
جورج الأحضرء وذلك في الثالث والعشرين من نيسان» وهو نفس التاريخ الذي دارت 
حوله معظم أعياد الخصب القديمة. ففي بعض المناطق يوق صباح الاحتفال بجذع 
شجرة » فيزين بأنواع الأزهار والأوراق الخضراء والأكاليل» ثم يحمل في موكب مرحء وإلى 
جانبه يمشي شاب غض الإهاب» غطى جسمه كله بأغصان الشجر وأوراقه. حتى إذا 
وصل الموكب بين غناء ورقص وموسيقى إلى ضفة النير حمل امحتفلون الشاب ورموه في 
الماء. وفي مناطق أخرى يقطع» جذع شجرة عشية يوم القديس جورجء فيزين بالطريقة 
السابقة نفسها ويفرش تحته ثوبان. حتى إذا جاء الصباح أن الناس إليهء فاذا رأوا بعض 
الاوراق قد تساقطت عل الثوبين كان في ذلك بشرى بمواسم طيبة ثم يأتون بشاب يغطونه 
من قمة رأسه حتى أسفل قدميه بالأوراق والبراعم» ويأتون بقطعانهم فيتثر فوقها قبضات 
من العشب الطري الجديد لتزداد وتتكائر . ثم يسير الجميع إلى النبر حيث يرمى الشاب 
إلى الماء» أو ترمى دمية تمثل القديس جورج الأخضر. وف بعض مناطق روسيا كانت 
العادة أن يخرج الكاهن مع جمهرة .من الناس صبيحة يوم القديس جورج الأحضر إلى 
الحقول فيباركها ويتلو الدعوات من أجل مواسم طيبة . ثم يتقدم بعض الشبان والشابات 
ممن تزوجوا حديثا فيتدحرجون على الأرض لهدونها بخصبهم. هذا وتكشف الأناشيد 
والأغاني التي يترنم بها الناس في ذلك اليوم عن جوهر القديس جورج كروح للنبات 
والاخصاب . تقول إحداها: أتينا ومعنا جورج الأخضر . أتينا. وإلى جانبنا جورج 
الأحضر . فلييبنا علفاً لمواشيناء فإن لم يفعل القينا به إلى الماء0" . 





“159 ,145-146 272 طودهظ مع10ه0 عط1 ,كعمو دعمسول -1 


- 5573 د 


وفي سورية اليوم» يحتفل الناس بعيد مارجورجيوس خصوصا في المناطق التي 
حافظت على طابعها الآرامي القديم كبلدة صيدنايا التي يقام فيها كل عام احتفال 
مشهور يتقاطر الناس للمشاركة فيه من شتى أنحاء اليلاد . 

إلى جانب وظائف الخصب التي تعزى إلى القديس جورجء فإن الخيال الشعبي 
قد حفظ في هذه الشخصية جوانب أخرى لأآلهة الخصب السورية القديمة» خصوصا 
الإله بعل في شكله المعروف كقاهر للتنين ذي الرؤوس السبعة . فألايقونات الشرقية التي 
ما تزال تزين جدران البيوت في بلادناء وجدران المتاحف في أوروباء تظهر القديس ممتطياً 
جواده يخوض صراعاً مميتاً مع التنين متعدد الرؤوس . وإلى جانب المشهد تبدو إمرأة جميلة 
تنظر بهدوء واثق نتيجة الصراعء هي في الأصل عناة الأرغاريتية» ولكنها في رمز اليقونة» 
الكنيسة التي يقاتل من أجلها القديس. 

ومارجورجيوس » هو نفسه <« الخضر » في التراث الشعبي الاسلامي . وكل مسلم 
ومسيحي يطابق بين الشخصيتين دون أن يعرف الأساس الذي تبنى عليه مثل هذه 
المطابقة . واسم « الخضر » بفتح الخاء وكسر الضادء يعني الأخضرء وهو نبي حي في 
كلى زمان ومكان» محجوب عن الأبصار إلى يوم القيامة . نراه في القصص الشعبية وروايات 
الاخباريين جالساً على طنفسة خضراء على وجه الماء متشحا بثوب أخضرء ينبت العشب 
عت قدميه أينا حل" . 





راجع عرائس المجلس للثعالبي » الطبعة الجديدة الصادرة عن دار الكت -1 
العلمية بيروت - عام ١940١‏ الصفحات : 51714 5:8 . 


9288 لس 





بلنالجلو لعل 
تشوعلديانة 
١‏ اللجددرة * 


عندما تحدثنا في الفصل السابق عن الإله بعل , أغخنا إلى أن الإله الإبن تحت 
هذا الاسم, قد خطا خطوة أبعد من أشباهه نحو الاستقلال عن الأم الكبرى وبناء 
شخصيته المستقلة الخاصة ذات الطابع المسيطر القوي, في مقابل الشخصية الرقيقة 
المعتمدة على الأم , التي تميز يما تموز وأدونيس وغيرهما. فقد لعب بعل , كما رأيتك 
دور الشريك المكافئ للأم الكبرى في ديانة الخصب الأوغاريتية » وربما ازدادت 
مكانته عليها في بعض الأحيان . وفي هذا الفصل سوف نتحدث عن الأسباب 
والعوامل الكامنة خلف مثل هذا التحول الام جداً في تاريخ الديانة الشرقية 
ونتابع أثره على تكوين الديانات اللاحقة » وخصوصا الديانة اليهودية التي 
تكونت في رأينا نتيجة المخاض الديني, والصراعات الدينية داخل المؤسسة الدينية 
السورية, ولم تجلب من الخارج كما يميل معظم مؤرخي الديانات إلى الاستنتاج. 
فاليهودية في رأينا لم تأت بدين جديد الصقت فيه ؛ فيما بعد, عناصر شتى 
من ديانات المنطقة ., بل لقد جاءت نتيجة لتطور الدين السوري ذاته 
وجدله الداخلي الخاص بين العناصر الأمومية والعناصر البطري ركيسة. 
بين بعل وعستارت؛ آغة الأرض والطبيعة من جهة, وإيل سيد السماهء المتعالي عن 
الأرض والطبيعة من جهة ثانية. وهو جدل انتهى أخيراً لصال إيل كاله واحد 
في الديانة الكنعانية 


* بعد مرور سنوات عديدة على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب» تخلى المؤلف عن نظريته هنا في 
نشوء الديانة اليهودية. وهو يحيل القارئ إلى كتابه: آرام دمشق وإسرائيل للتوسع في هذا الموضوع. 


وإى الفصل الأخير من كتابه: الأسطورة والمعن. 


46م 


الابراهيمية التي أسسها إبراهم. وفي الديانة اليهودية» فرع الإيلية الابراهيمية الآخرء 
الذي سار على :بجها الصافي شوطاء ثم انحرف عنما محولا الاله إيل إلى الاله يبوه . وقد 
بقيت خميرة الديانة البعلية فاعلة داخل الشكل الرسمي للديانة اليبودية» إلى أن وجدت 
ديانة الم الكبرى وابنها الوليد الالمي, أببى تغبير لها عبر العصور المسيحية التي تمخض 
عنها الصراع الطويل بين يبوه من جهة وبعل وعشتروت » ( عستارت ) من جهة أخرى» 
وذلك عبر التطور البطيء للديانة اليبودية . ولسوف نخصص هذا الفصل لبسط نظريتنا 
هذه بالقدر الذي تسمح به أهداف وغايات هذا الكتاب . 


لم يحصل الانقلاب الديني الذكري» الذي. حقق انتصاره عند أعتاب التاريخ 
المكتوب » بالوسائل السلمية» بل جاء نتيجة صراعات دامية» فرض خلاها الاتجاه 
الذكري وجوده بحد السيف . وقد استطعنا عبر الفصول السابقة» ومن خلال منبجنا في 
تحليل الأسطورة تبيان آثار ذلك الصراع في معظم أساطير المنطقة وأساطير الثقافات 
الجاورة» تلك الاثار التي حفظتها الذاكرة الشعبية وعبرت عنها بإشارات ورموز . إلا أن 
النصوص المكتوبة لا تحدثنا مباشرة عن أخبار ذلك الصراع» لأنه كان بعيدا عتها زمنيا من 
جهة. بلأنه لم يكن يطرح بالفعل مشكلة حقيقية قائمة في ذلك الوقت. فمع مطلع 
عصر الكتابة كان التناقض بين الاتجاهين , الأمومي القديم . والذكري الجديد» قد وصل 
إلى حالة من الاستقرار تعايش معها الاتجاهان في-وئام ظاهري» حيث صار الدين 
الذكري ديناً سمياً للدولة بأجهزتها وطبقاتها الحاكمة» وسمح ا تبقى من تعبيرات الديانة 
الأمُوية أن تستمر كديانات ثانوية يشكل عامة الشعب سواد أتباعها . فبعد ترويض الم 
الكبرى من قبل الة السماء واعطائها دورها المحدد المرسوم في مجمع الالهة) ساد نوع من 
التسا, الديني كان يسمح بموجبه لأي فرد بالانتقال من عبادة إله إلى عبادة إله اخر . 
ونستطيع أن نلمح ذلك بوضوح في ثقافة بلاد الرافدين والثقافات امجاورة؛ باستثناء 
الثقافة الكنعانية التي لم يبدأ فيها الصراع قانا بل اتكهر قن وخدي» أزردا عينا 
وينفجر حينا آخر إلى الفترات المتآخرة . 

ولعل السبب في استمرار الصراع داخل ا الدينية الكنعانية» راجع إلى ميل 
الاتجاه الايلي» بشكل مبكر نحو التوحيد . ولا نعني بالتوحيد هناء شكله المغروف في 
الديانات الكبرئ اللاجقة» بل ذلك الشكل الأولي للتوحيد الذي يرفع كبير الالهة إلى 


5415 د 


أعلى المراتب » تاركا. هوة عميقة بينه وبين بقية الالهة» التي تتحول تدريجيا إلى نوع من 
لملائكة» الني تستمد وجودها وقوتها وصلاحيتها من الآله الأكبر لا من قوتها الذاتية . 
فلقد كان للإله إيل زوجة » وكان له بنين وبنات » ولكنه وحيد في المرتبة والمقام وإليه 
فقط يتوجه الناس بالعبادة الحقة. من هنا كان من الصعب جدا على الاتجاه الإبلي أن 
يتعايش مع الاتجاه البعلي العشتاري الأقدم عهدا والأرسخ في« التعاليلف :ونان عن 
المستحيل من جهة أخرىء على بعل وعستارت أن يتحولا إلى مجرد وكيلين لخصب 
الطبيعة » متنازلين تماما عن مكانتهما السابقة التي تبوءاها منذ عهد المستوطنات النيوليتية 
أي . فكان الصاع تبي لصاح إيل في رات معينة ناطق معنة» ولصاح بعل ف 
فترات أخرى ومناطق أخرى . وبين الشد والجذب كانت تسود في بعض الأحيان تسوية 
دينية تجمع الإنين في بانثيون واحد في حالة تعايش ووئام . 
إن ندرة التصوص الكنعانية تجعلنا تعتمد بشكل أسامي على نصوص مدينة 
أوغاريت » وهي أغزر وأكمل ما وصلنا من النصوص الكنعانية . وبذلك فإننا لأ نستطيع 
أن تمنع أنفسنا من تعمم ما تمدنا به ألواح أوغاريت على الثقافة الكنعانية في ذلك العصرء 
لأ هذه ا المدينة لم تكن | إلا جزءاً من حضارة أشملء وِلأن ما يجري فيها هو صورة عما 
يجري في امجتمع الأوسع الذي تنتمي إليه . فما الذي تمدنا به هذه الألواح ؟ . ٠‏ في الواقع » 
وصلتنا زمرتان متناقضتان من النصوص الدينية الأنغاريتية . وعاتان الزمرتان؛ رغم كونيما 
قد سجلتا كتابة في نفس الفترة تقريباً ( أواسط القرن الرابع عشر ق . م ) إلا أنيما 
0 فترتين هتباعدتين زمنياً: ميرت كل فترة بصبغة دينية مختلفة عن الأأحرى . الزمرة 
الأولى من النصوص دونيا كاهن | إيل الأكبر المدعو « إيلٍ ميلكو » في عهد المللك نقمد 
المشهورء وسماها ب « اللاليء »20. أما الزمرة الثانية» فهي النصوص. المعروفة باسم 
نصوص بعل وعناة» والتي قدمنا مقاطع متفرقة منها عبر فصول هذا الكتاب . 
تتحدث نصوص اللاليء عن أحداث وقعت قبل ثمانين عاما من تدوينها» خلال 
عهد الملك السابق الذي تدعوه النصوص بلقب « الملك الكبير » دون أن تذكر اسمه 


إشاربّنا في هذا الفصل إلى نصوص اللاليء مستندة إلى ترجمة الاستاذ مفيد عرنوق عن 1 


كثاب : تتععمةمدهوح ءأطتط13 


كت 57 ات 


ش الحقيقي . وربما كان إغفال النصوص لاسم الملك راجعا لكونه معروفا في ذلك الوقت 
وأشهر من ان يشار إليه بالإسم . أما موضوع النصوص الرئيسي فيتركز حول سيرة ذلك 
الملك الكبيرء وتقلبه بين عبادة الاله إيل » وعبادة بعل وعستارت » ثم نهايته الفاجعة على 
يد أتباع إيل» والعبر التي يمكن استنتاجها من ذلك» ويبدو أن تلك الألواح كانت 
موضوعة على شكل كراس عدرني لعلم العلاميد. : 

كان الملك الكبير زعيما لتحالف سياسي كنعاني» يضم عددا من ملوك كنعان 
خلال فترة دقيقة وحرجة من تاريخ المنطقة, التي .كانت تبددها الاجتياحات العسكرية 
الأجنبية . ورغم أن الملك الكبير كان من أتباع الاله إيل» إلا أنه تحول إلى عبادة بعل 
وحبيبته عستارت» وأعاد طقوس الخصب و«الدعارة المقدسة إلى البلاد» وهي الطقوس التي 
كانت الديانة الايلية تشجبهاء وتعمل على إبطالها وهدم المياكل التي تقام فيباء كلما 
ارتقتى العرش ملك مومن بالاله إيل» والأخلاقية الايلية المتزمتة . وقد ساعده على المضي في 
هذا الاتجاه اتخاذه لسرية من سكان البلاد المجاورة» كانت مؤمنة بالاله بعل وبطقوس 
الدعارة المقدسة المرتبطة أساسا بعبادة الال مة عستارت . فكانت هذه المرأة تحثه على'المضي 
في توجهه الجديد؛ وتدفعه إلى إلغاء عبادة إيل وهدم معابده وملاحقة أتباعه . ولقد أدى 
موقف الملك الكبير إلى تفكيك التحالف الكنعاني وإلى انقسامات وحروب داخلية» 
أدت إلى تشجيع الغزاة الأجانب واكتسابهم لزيد من أرض كنعان . وبدلا من معالجة 
الموقف بحكمة وتعقل, كان الملك الكبير يغرق في المسكرات متخذاً القرارات الخاطئة 
واحداً تلو الآخرء حتى أفلت زمام الموقف من يدهء فحوصر في قصره حيث قتل وراحت 
أملاكه طعاماً للديران . وتعزو نصوص اللاليء إلى الشعب الغاضب عملية حصار القصر 
والقضاء على الملك » ذلك الشعب الذي رفض الآهة الأجنبية طالبا العودة إلى عبادة الاله 
إيل. ولكن يغلب الظن في رأيناء أن كهنة الإله إيل من حرمهم الملك من امتيازاتهم 
وشتتهم بعيدا عن هياكلهم المهدومة» هم من قاد الفتنة وانتقم من الملك الكبير . إلا أن 
الملك قد بقي حتى النهاية وفيا لمعتقده. وعندما تأتيه المنية يعلن عن سعادته بالهبوط إلى 
باطن حبيبته الارض . 

تعزو نصوص اللآليء كل الكوارث التي حلت بالملك الكبير إلى تركه عبادة إيل 
وتحوله إلى عبادة بعل وعستارت اللذين تصورهما تلك النصوص ء المكتوبة من وجهة نظر 


-3758 لد 


إيلية» في أبشع صورة. فالاله بعل هو زعم الأبالسة والشياطين وسيد الجحم والعالم 
الأسفل , يرافقه على الدوام الشيطان جارس الأموات ودليل المتوفين» ؟ يرافقه شيطان علة 
الموت قابض الأرواح . ورغم اعتراف النصوص باختصاصات بعل الاخضابية» فإنها من 
بين جميع شارات ورموز الخصب لا تركز إلا على الصاعقة المميتة التي تحرق الأشجار 
وتسبب الدمار. أما عستارت فهي علة الانحلال الخلقي ومفسدة المؤسسة الزوجية 
ومصدر الإباحية الجنسية . ويتراءى الالهان في موكب الجحيم الذي محف به الابالسة 
والشياطين من كل صنف ولون . 

إن الخصائص التي تعزوها الإيلية للإله بعل» ا اه 
السابقة حول الأصل الأسطوري للشيطان وكيفية تسلسله من اللهة اجتمع الأمومي 
السابق » بعد تدهورها وفقدانها لمكانتها في مجتمع ديانات 0 السماوية الصاعدة . وقد 
بقي إسم بعل مرتبطا بالشيطان في التوراة العبرانية وفي أناجيل المسيحية» حيث نراه تحت 
إسم بعل زيول . نقرأ في انجيل متى: « حيتكذ أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاهء 
حتى أن الأعمى تكلم وأيصرء فببت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود؟. أما 
الفريسيون فلما سمعوا قالواء هذا لايخرج إلا ببعل زبول رئيس الشياطين . فعلم يسوع 
أفكارهم وقال لهم . كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب» وكل مدينة أو بيت منقسم على 
ذاته لا يغبت . فإن كان بالشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته» فكيف تثبت 
ملكته؟ وإن كنت أنا بيعل زيول أخخرج الشياطين» فأْبتاوّم يمن يخرجون» لذلك هم 
يكونون قضاتكم. ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين» فقد أقبل عليكم 
ملكوت الله »0 . 


هذه الطبيعة الخاصة للحياة الدينية في كنعان, خصوصا في أوغاريت التي عرفت 
أكثر درجات التعصب الديني في منطقة الشرق القديم ‏ وأول إله سماوي غيور يحاول 
بالاكراه إقصاء بقية الألحة وتحويلهم إلى أتباع لا حول لهم ولا سلطان, هذه الطبيعة 
الخاصة هي التي ميّزت بعل عن بقية الآلهة الميتين وجهزته تجهيزا يتلام وطبيعة الصراع 
القائم . لذلك نرى هذا الاله. في الزمرة الثانية من ألواح أوغاريت »: سيدا جباراً متحكماً 
في مظاهر الحياة الطبيعية». يصرف الرياح ويرسل العواصف», ويحمل سلاح البرق 





العهد الجديد انجيل متى 77:17 سا /ر؟ 1 


5482 سد 


والصاعقة , ويعتلي متون السحاب الحامل للمطر المخصب .» ويقهر المياه العاتية فينظمها ني 
دوراتها الطبيعية المعروفة » ويتصدى للتنين الهائل ذي الرؤوس السبعة فيسحقه . ولكنه مع 
ذلك يحافظ على جانبه الآخر كروح للطبيعة النباتية المتجددة» فيسلم نفسه للموت ثم 
يبعث من جديد لاكال دورة الحياة الزراعية . والزمرة الثانية من الالواحء هي الاغزر 
عدداء والتي حظيت بالاههام الأكبر عن قبل الباحثين والدارسينٍ وتشكل مع ألواح 
ملحمة كرت وملحمة اقهات الجزء الاكبر والاهم للتراث الادبي الاوغاريتي . ويبدو إنها 
تمثل حالة تسوية بين الديانة الإيلية والبعلية» انضم فيها الجميع إلى بانثيون واحد تحت 
سلطة الالة. إيل ساكن السماء السابعة. واستمرت هذه الحالة حتى دمار الحضارة. 
الأغاريتية حوالي ١٠٠١‏ قبل الميلاد . تتضح التسوية بين العبادتين من مطالبة بعل ببناء 
بيت له كبقية الالهة تقام فيه عبادته ؛ وقبول الاله إيل ذلك المطلب . ويبدو أنه قد مضى 
على أوغاريت فترة طويلة لم يكن لبعل فيها هيكل أو معبد وذلك بتأثير تعصب كهنةإيل» 
اللذين حققوا انتصارهم ضد كهنة بعل بدعم السلطة الملكية» التي انحازنت إلى جانبهم 
فهدمت هياكل بعل وحطمت أو أذابت تماثيله . نقرأ في النصوص خطاباً موجهاً من بعل 
إلى عناة يشكو فيه من عدم وجود بيت له: 


ليس لبعل بيت كبقية الآلحة 

ولا هيكل كأبناء عشين 

لبس له “كمسكن إيل 

ولا كبيوت أبناء إيل 

ولا كمسكن عشيه سيدة البحر 

ولا كبيت « بدرية » ابنة النور 

أو « طلية » ابنة المطر 

أو أرصية ابئة, الأوض 

أو كبيوت الحوريات العظيمات 
فأجابت عناة العذراء : 


سوهتم أبي إيلء الثور,» بالأمر 





من أجلي سيبتم أني بالأمر :"© 

إلا أن بعل يعود إلى بيتهء بعد أن ينتبي منه الالمين البنائين كوثر وحاسيس» وحيداً دون 
عستارت » لأن الكهنة قد زوجوه من عناة ابنة إيل» التي أخذت صلاحيات عستارت 
الاخصابية من دون طقوس الدعارة المقدسة» وتركت عستارت في الظل كإلهة ثانوية 
نلمحها عرضا في المشاهد الخلفية لأحداث نصوص بعل عناة . هذا التحول » في اعتقادنا 
قد بقي مقتصراً على أوغاريت وبعض مناطق فينيقيا الشمالية. أما في مناطق فينيقيا 
الوسطى ( منطقة لبنان ) والجنوب ( فلسطين ) فقد بقي الإهان بعل :وعستارت يحتلان' 
معا مكائتهما إلى جانب الإله إيل. ويشير إلهيما كتاب التوراة تحت إسم البعل 
والعشتاروت » حيث يضعهما في تناقض دام مع إيل في فصوله الأول » ومع يبوه في فصوله 
الأعرى . ما أننا نعلم من المصادر التاريخية, أن طقوس عستارت الخاصة بالبغاء المقدس 
قد استمرت حتى القرون الأولى لانتشار المسيحية في سورية» ويذكر أن الامبراطور 
المسيحي قسطنطين قد هدم آخر معابدها في جبل لبنان بسبب طقوسة الجنسية . 


إيل وبعل في العهد القدم : 


إن النقطة الأساسية في بحثنا حول نشوء الديانة اليبودية» تنطلق من أن هذه 
الديانة لم تتايز عن ديانة كنعان قبل دخول العبرانين أرض فلسطين قادمين من مصرء 
وإن التراث الابراهيمي الذي يدعيه العبرانيون لأنفسهم» والذي يبدا بالأب الأول ابراهم 
وينتبي بيعقوب , ليس إلا تراثا دينياً كنعانياً» ينتمي للاتجاه الائلي ويشارك فيه عدد من 
الشعوب » ومنهم الاسماعيليون أبناء اسماعيل بن ابراهم » الذي سكن جزيرة العرب وبنى 
فيها الكعبة» والذي بقي معتقدهم الأول سائداً هناك حتى ظهور الاسلام؛ عند طائفة 
الحنفاء الذين يدينون بالابراهيمية الصافية التي لا ثعترف بالدين المبودي وبتاريخ 
الابراهيمية عبر الفرع العبراني اللاحق ليعقوب . وحتى عندما استقر العبرانيون في أرض 
كنعان» فإن دياتهم لم تكن إلا استمراراً لذلك التراث المشترك» مع بعض التحوير 


راجع مؤلفي » مغامرة العقل الأولى . 1 


ع 776:7 ايت 


والتغيير الذي لم يغير من جوهر الديانة اليبودية باعتبارها فرقة تنتمي للاتجاه الايلٍ 
الكنعاني. ولسوف نعمل على توضيح فكرتنا اعتادا على نصوص التوراة» وتفسيونا 
لمدلولاباء دون الدخول في جدل تاريخي حول صحة المقولات التوراتية المتعلقة ببجرة 
العبرانيين من كنعان إلى مصر وعودتهم إلمباء وملابسات الخروج وتاريخه. وكونه قد وقع 
فعلا بالطريقة التي أوردها التوراة أم لم يقع. وما إلى ذلك من نقاط لم تحسم بعد. 
يبدأ تاريخ الأ الأول ابراهم » عندما رحل مع أبيه 2 تارح » من مسقط رأسه 
في مدينة « أور » الكلدائية في بلاد الرافدين» إلى مدينة « حران » في سورية . ويحدد 
المؤرخون زمن هذه الحجرة في أوائل الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد حوالي 
سنة .18٠٠‏ وهذا التحديد. يستند إلى تسلسل أحداث التوراة ذاتهاء لا إلى بينات 
تاربخية تعتمد اكتشافات أثرية ونصوصاً قديمة مكتوية . ذلك أن شخصية ابراهم وأبناءه 
من بعده» مازالت تنتمي إلى التاريخ الديني لا إلى التاريخ العلمي . وإلى أن تقوم البينة 
التاربخية على وجود هذه الشخصيات» فإن المصادر الدينية تبقى المرجع الوحيد للباحث 
في هذا المجال. نقرأ في سفر التكوين: « وأخذ تارح ابرام ابنه ولوطا بن هاران» ابن 
ابنهء وساراي كنته امرأة ابرام ابنه » فخرجوا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض 
كنعان . فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك . وكانت أيام تارح معتين وخمس سنة . ومات تارح 
في حاران »”"'. إن هذه الهجرة التى يحدد العهد القديم قوامها بأربعة أشخاص» ليست 
إلا تمركاً قبلياً هاجرت بموجبه مجموعة من القبائل التي تسكن آطراف أور 
نحو سوربة لأسباب سياسية واقتصادية . وبعد استقرار موقت وغير موفق في حران تمرك 
المهاجرون نحو أرض كنعان الجنوبية في فلسطين : « فأخذ ابرام ساراي امرأته ولوطا ابن 
أخحيه وكل مقتنياتهما التي اقننيا والنفوس التي امتلكا في حاران وحرجوا ليذهبوا إلى أرض 
كنعان 6'". وبعد ذلك بوقت قصير يرحل» ابراهيم وزوجته وابن أخيه لوط إلى أرض 
مصر بتأثير الجفاف الذي ساد أرض فلسطين تلك الآونة ثم يعود منها محملا بالذهب 
والفضة غنياً بالمواشي والمقتنيات . ويغلب الظن أنها رحلة متخيلة» هدف مدرنو التوراة 





العهد القديم سفر التكوين 11١‏ 275-171 1 
العهد القديم سفر التكوين ؟١:‏ ؛ اه . 2 


705 ده 


المتأخرون من ورائها التأسيس لجرة أولاد يعقوب اللاحقة إلى مصر. وعودة أحفادهم منها 
بعد ذلك بقرون تحت قيادة مومى . عند دخوهم مصر يوصي ابراهم امرأته أن تقول للناس 
إنها أخته حتى لا يقتل بسبيهاء لأنها كانت حسنة المظهرء ولأن القوانين في تلك الأيام 
كانت . كا هي اليوم » تحرم زواج المرأة بأكثر من رجل: « فحدث لما دخل ابرام إلى 
مصرء أن المصريين رأوا أنها حسنة جداء وراها رؤوساء فرعون ومدحوها لدى فرعون . 
فأخذت المرأة إلى بيت فرعون » فصنع إلى ابرام خيراً بسببهاء وصار له غنم وبقر وجمير 
وعبيد وإماء وأتن وجمال »7©: إلا أن الرب يرسل المصائب على بيت فرعون بسبب 
ساراي زوجة ابراهم» ويعرف بعد ذلك أنه قد تزوج بامرأة ذات بعل» فيعيدها إليه 
ويرجعهم إلى بلادهم معززين مكرمين . 

بعد عودتهم إلى فلسطين ينقسم بيت ابراههم إلى قسمين. قسم يبقى معه وآخر 
يرحل مع لوط. فتسكن عشية لوط شرق نبر الأردن بيما تسكن عشية ابراهيم في 
فلسطين : « لوط السائر مع ابرام» له أيضا بقر وغدم وخيام, ولم تحملهما الأرض أن 
يسكنا معاء إذ كانت أملاكهما كثيرة فلم يقدرا أن يسكنا معا.. فاختار لوط إنفسه 
كل دائرة الأيدن وارتحل شرقا . فاعتزل الواحد عن الآخر »”©. وبعد خراب مدينتي سدوم 
وعموره » اللتين سكن لوط وعشيرته قربهماء بسبب غضب الرب عليهما لفسق أهلها 
وفجورهم » تنقسم عشية لوط إلى فرعين هم المؤابيون والعمونيون : « فحبلت ابنتا لوط 
من أبههما فولدت البكر ابناً اشمه موّاب» وهو أبو المؤابيين. إلى اليوم» والصغية أيضا 
ولدت ابنا دعت اسمه بني عمي » وهو أبو بني عمون إلى اليوم © ". وتنقسم عشيية 
ابراهم بدروها إلى قسمين رئيسيين» قسم برئاسة اسماعيل من جاريته المصرية هاجرء 
وآخر برئاسة اسحاق من زوجته ساراي ( التي صار اسمها فيما بعد سارة ). يسكن 
الاسماعليون جنوب سورية في المنطقة الممتدة من سيناء إلى بادية الشام عبر صحراء 
النقب » أما بنو اسحاق فيبقون في كنعان . ويعزو التوراة إقصاء اسماعيل وأمه إلى رغبة 





العهد القديم سفر التكوين .1١50- 1١14 :١١‏ 1 
العهد القديم سفر التكوين .1١١ 0-2 :١7‏ 2 
العهد القديم سفر التكوين 56:16 31 . 3 


و ا 


ساره في حرمان اسماعيل من الميراث » حيث يصغي ابراههم الى زوجته ويقصي جاريته وابنها 
إلى صحراء النقب ء « فبكر ابراهيم صباحا وأخذ قربة ماء وخبزاً وأعطاهما لاجر واضعا 
إيامما بعل كتنها والرؤذ وفها. تنعت وراهت ريه جر عيدولا قرع الاين 
القربة» طرحت الولد تحت احدى الاشجار» ومضت وجلست مقابله بعيدا نحو رمية 
قوس » لأنها قالت لا أنظر موت الولد. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت . فسمع 
الرب صوت الغلام» ونادى ملاك الرب هاجر من السماء وقال لحا مالك يا هاجرء 
لا تخافي لأن الرب قد مع صوت الغلام حيث هو.. قومي احمليٍ الغلام وشدي يدك يه 
لأني سأجعله أمة عظيمة . وفتتح الله عينيها 0 بكر ماءء فذهبت وملأت القربة 
وسقت الغلام. وكان الرب مع الغلام فكبر.. ©" « هؤلاء بنو اسماعيل . وهذه اسماؤهم 
بديارهم وحصوتهم . اثنا عشر رئيسا حسب 5 . وهذه حياة اسماعيل مائة وتسع 
وثلاثون سنة . وأسلم روحه وانضم إلى قومه . وسكنوا من حويله إلى شور التي أمام مصر 
حينا تجيء» نحو اشور »© . وبدورها تنقسم عشية اسحاق إلى قسمين بسبب خلاف 
الابن البكر عيسو والابن الثاني يعقوب حول بركة الأب وحقوق البكوريةء حيث يلجأ 
يعقوب إلى الخادعة والكذب والأساليب الملتوية» للحصول منفردا على بركة لت و وانتزاع 
حقوق البكورية من أخيه الكبير: « ثم أخد عيسو نساءه وبنيه وبناته وجمع نفوس بيته 
ومواشيه وكل بهائمه وكل مقتناه الذي اقتنى في أرض كنعان» ومضى إلى أرض أخرى من 
وجه يعقوب أخيهء لأ أملاكهما كثيرة على السكن معا. ولم تستطع أرض غربتهما أن 
تحملهما من أجل مواشيهما »”". أما يعقوب فبقي في أرض كنعان ويتحول اسمه إلى 
اسرائيل بأمر الرب ء ثم يرحل بعد مدة إلى مصر مع أولاده الأحد عشره ء ليلحقوا جميعاً 
بالابن الأصغر يوسف. حيث استقروا وتكاثرواء ثم تمحولوا إلى أجراء بعد وفاة الوزير 
يوسف وزوال سلطة حامههم . وهم الذين عادت سلاتهم من مصرء 5 يدعي التوراة» 
بقهادة موسبى نحو أرض كنعان ثانية» تحت اسم العبرانيين . 





العهد القديم, سفر التكوين 3١-115 :37١‏ . 1 
العهد القديم. سفر التكوين 58: 186-15. 2 
العهد القديم. سفر التكوين 5:55 7 . 3 


ا 


من هذه المعطيات التوراتية يتضح لنا آن بني اسرائيل لم يكونوا إلا فرعا صغيرا 
جدا من تحرك بشري أوسع ؛ كانت عشائره تتحرك بين الفرات وكنعان» حركة تفرضها 
الشروط الاتقنصادية وللسياسية التي كانت سائدة في المنطقة . ونح نإذا تتبعنا الانقسامات 
التي حصات في تلك الموجة الاولى التي جاءت من الشرق مع إبراهم . تلك الانقسامات 
التي لم نأت إلا على ذكر خخطوطها الرئيسية فقط. لتبين لنا بالتأكيد» أن تلك الموجة 
الأول لم تكن بأي حال من الأحوال أسرة صغيرة مؤلفة من أربعة أشخاص» بل كانت 
موجة بشرية كبية دانت بالولاء. لابراهيم الذي ,جاء على .رأسها من أور ٠‏ ودانت فروعها 
لألاده وأحفاده الذين كانوا :يستقلون ويتباعدون كلما ازداد حجم التجمع البشري عن 
مقدرة تنظيماتهم السياسية والاجتاعية على استيعابه . وييدو أن المكانة التي كان بيتمتع بها 
ابراهم وسلالته من بعده . لم تكن نابعة من سلطتهم السياسية فقط بل من سلطتهم 
الدينية » لأَن ابراهيم كان صاحب رسالة دينية تابعها أولاده وأحفاده من بعده . فما هي 
هذه الرسالة الديئية » وكيف بدأت وتطورت ؟ 

يتلقى ابراهم أول وحي من الرب وهو في حران » فيأمره بالتوجه إلى أرض كنعان . 
وهناك يظهر الرب لابراهم ويقجم معه الميئاق الأول :: « وظهر الرب لابرام وقال لنسلك 
أعطي هذه الأرض فبنى هناك مذبحا للرب الذي ظهر له . »”2 فمن هو هذا الإله الذي 
تراءى لابراهم وما هو اسمه؟ إن ظهورات الرب التالية» لتنبعنا بأنه ليس إلا إيل رب 
الكنعانيين . فها هي هاجر زوجة ابراهم تدعوه بهذا الاسم عندما يظهر لا مبشرا بغلام 
اسمه اسماعيل : « فدعت اسم الرب الذي تكلم معها: أنت إيل رثِي» لأنها قالت أههنا 
أيضا رأيت بعد رؤية 6(" وهذ الاله؛ وفق ما تنبئنا به أحداث التوراة المتلاحقة» كان إها 
معروفا ومعبودا في كنعان وله كهنته ومؤسساته الدينية المستقرة . فبعد أن اجتاح الغزاة 
مدينتي سدوم وعموره » وسلبوا ما وصلت إليه أيديهم »رأخحذوا لوطا بين الأُمرى» خرج 
إلمهم ابراهيم فقاتلهم وعاد بالأسلاب والأسرى . .عندها خرج الملوك لاستقباله ومعهم ملل 
مدينة شالم « ملكي صادق » الذي كان موّمنا بإله ابراهم نفسه » وكاهنا مقدسا من 





العهد القديمء سفر التكوين 9-1١1١‏ . 1 
العهد القديمء سفر التكوين 31:15 . 2 


ا 1 اكه 


كهانه : « وملكي صادق ملك شالم أخرج خبزا وخمرا. وكان كاهنا للإله العلي» وباركه 
وقال ميارك ابراههم من الاله العلي مالك السموات والأض » ومبارك الاله العلي الذي أسلم 
أعداءك في يدك . فأعطاه عشرا من كل شيء »”". والحقيقة» إن العلاقة التي ربطت بين 
ابراهم وملكي صادق» لتتجاوز بكثير ظاهر الحدث الذي جمع بينهما. فها هو بولس 
الرسول في رسالته إلى العبرانين يتحدث عن ملكي صادق» فيجعل له مكانة تفوق 
مكانة ابراهيم نفسهء ويقرنه بالسيد المسيح : « لأ ملكي صادق هذاء ملك شالم» 
كاهن الله العلي الذي استقبل ابراهم راجعا من كسرة الملوك وباركه » الذي قسم له ابراههم 
عشرا في كل شيء» المترجم أولا ملك البر ثم أيضا ملك السلام . بلا أب بلا أم بلا نسب 
بلا بداءة أيام لهء ولا نهاية حياة» بل هو مشبه بابن الله . هذا يبقى كاهنا إلى الأبد »2 
وأيضا « حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى 
الأبد ”2.2 وأيضا «ر أقمسم الرب. ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي 
صادق »20 

ومن الأمئلة الدالة على أن إيل ابراهيم هو إيل كنعان أيضاء قصة ابراهيم مع الملك 
أبيمالك المشابهة لقصته مع الفرعون: « وانتقل ابراهم من هناك إلى أرض الجنوب» 
وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار. وقال ابراهيم عن سارة امرأنه هي أختي . 
فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة . فجاء الاله إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له ها 
أنت ميت من أجل المأة التي أخذتها فإنها متزوجة ببعل ... فبكر أبيمالك في الغد ودعا 
جميع عبيده وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم؛ فخاف الرجال جداًء ثم دعا أبيمالك 
ابراهيم وقال لهء ماذا فعلت بنا وماذا أطأت إليك حتى جلبت على مملكتي خطيئة 
عظيمة”>. إن خوف أبيمالك وانصياعه لأوامر الرب الذي ظهر له في الحلم» ليدل على 
أن الملك كان يؤْمن بإله ابراهيم نفسه وذلك على عكس فرعون مصر فيما بعد الذي لم 





العهد القديمء سفر التكوين 15: 7١ ١8‏ . 1 
العهد الجديد ؛ رسالة بولص إلى العبرانيين 377: ١‏ سا” . 3 
العهد الجديدء رسالة بولص إلى العبرانيين ": 3٠١‏ . 3 
المهد الجديد ء رصالة بولص الى العبرانيون 7 : ١7‏ . 4 
العهد القديم: سفر التكوين 37: 95-1١‏ . 8 


لت 817 7 سن 


يعبا بإله موسى رغم كل الكوارث التي حلت به وببلده لعدم إيانه؛ وكان يشير إليه لدى 
حديثه إلى موسى وهارون بقوله : إمهكما. وعندما يرث اسحاق كهنوت أبيه ابراهم, 
يعتر فب الملوك الجاورون بقداسته وتفضيل إههم المشترك له 8 «فقالوا إننا قد رأينا أن الرب 
كان معك فقلنا ليكن بيننا حلف ونقطع معك عهداً أن لا تصنع بنا شرأء كا لم نمسك 
ولم نصنع بك إلا خيرا وصرفناك بسلام . أنت الآن مبارك الرب »©”2. ومع اسحاق يعيد 
الرب عهده الذي قطعه مع ابراهم» ويفعل الشيء نفسه مع يعقوب الذي انتقلت إليه 
كهانة أبيه . 

ومع ذلك فإن ديانة قوم ابراهمم » وديانة سلالته الكهنوتية » كانت مشوبة بعبادة 
آلهة أخرى غير إيل» شأنها في ذلك شأن الديانة الكنعانية . وهذه أسرة يعقوب نفسه 
تحتضن الحة أخرى وتتعبد لهاء قبل أن يظهر إيل ليعقوب 5 ظهر لإسحاق وابراههم من 
قبله : « ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الارض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة 
الرب صاعدة ونازلة عليها . وهو ذا الرب واقف عليها . فقال أنا الرب إله ابراهم أبيك وإله 
اسحاق .. فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حا إن الرب في هذا المكان أنا لم أعلم ... 
وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتا 
على رأسه ودعا اسم ذلك المكان ببيت إيل »”"... « فقال يعقوب لبيته ولكل من كان 
معه اعزلوا الآلحة الغريبة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم ... فأعطوا يعقوب كل الالحق 

500 ا 1 ل 5 8 6 

الغريبة التي في أيديهم والاقراط التي في اذاتهم فطمرها يعقوب » . 

بعد قرار يعقوب التوجه بالعبادة إلى إيل وحده ونبذ بعل وبقية الآلمة الأجنبية» ك] 
يسميها النص» يقوم بتغيير اسمه إلى « إسرا ‏ إيل » أي الذي اصطفاه إيل أو مختار 
إيل : « وظهر الرب ليعقوب أيضا حين جاء من فدان ارام وباركهء وقال الرب لا يدعى 
بعد اسمك يعقوب » بل يكون اسمك اسرائيل »2. وبعد اختيار يعقوب لايل إلا واحداء 





العهم القدبمء سفر التكوين 575: 75-1574 . 1 
العهد القديم» سفر التكوين .1١95--0150:174‏ 2 
العهد القديمء سفر التكوين 8: 17 ؟ 3 
العهد القديم؛ سفر التكوين :7٠©‏ 5 ل .3١١‏ 4 


767 د 


أو كا يقول النص ؛ اختيار إيل ليعقوب . يطلق أبناء يعقوب على أنفسهم اسم شعب الله 
الختارء وهي تسمية مشابهة لما أطلقه على أنفسهم الكنعانيون من عبدة إيل» إذ كانوا 
يشيرون إلى أنفسهم أنهم « شعب إيل »» ويعتبرون أنفسهم شعب الاله المخاص'" . 
والواقع , فإنه انطلاقا من أبناء يعقوب » يبدأ التاريخ المستقل لبني إسرائيل » وانفصالهم عن 
العشائر الابراهيمية التي تسلسلوا منهاء حيث يذهبون وراء يوسف عقب موجة الجفاف 
التي سادت المنطقة ويستوطنون هناك» ثم يتحولون إلى فئيات هامشيةء بعد وفاة يوسف 
الذي كان يقدم هم الحماية والرعاية. ومنذ وفاة يوسف إلى ظهور موسى» تنقضي 
أربعمائة سنة هي تاريخ مجهول وفترة غامضة يصمت عنها كتاب التوراة صمتا مطبقا. 
فبعد موت يوسف » ينتبي سفر التكوين» ويبدأ سفر الخروج بالحديث عن حياة الذل 
التي عاشتها ذرية يعقوب بعد يوسف . و عن استعباد الفراعنة لهم وتسخيرهم في الاعمال 
العامة . ثم تقفز الرواية إلى ظهور مومى . 

رغم الفجوة الحاصلة في التوراة بين يوسف وموس ٠»‏ فإننا نستنتج أن العبرانيين في 
مصر قد حافظوا على ديانتهم الكنعانية باتجاهاتها القديمةء نظرا لكونهم قد عاشوا تحت 
ظروف الاضطهاد والاستعباد في مجتمع منغلق على ذاته. محروم من الاختلاط بالمجتمع 
المصري . فعبدوا إيل وبعل وعشتاروت ونقلوا إلى هناك التناقض بين الاتجاهين الدينيين 
الكنعانيين» الاتجاه الايلي الأقرب إلى التوحيد في شكله الابراهيمي» والاتجاه البعلي في 
شكله التقليدي. إلا أن الديانة بمجموعهاء كانت قد صارت إلى حالة من التفسخ 
والتحلل. مع اختلاط العبرانيين بمجموعات مستعبدة أخرى في المجتمع المصري » جمعهم 
الوضع البائس المشترك . وتشكلت من هذه المجموعات التي تعيش على هامش امجتمع. 
بروليتاريا رئة لا يوحدها سوى السخط و«الرغبة في التحرر. ني هذه الظروف ظهر موسى 
وقام بإصلاحه الديني الكبير محاولاً لم شتات هذه البروليتاريا في معتقذ واحدء وتحقيق 
أملها المشترك في التحرر . 

يلف الغموض شخصية موسى» شأنه في ذلك شأن ابراهم . فكما لم تظهر حتى 
الآن نصوص سورية تأني على ذكر ابراهيم» كذلك لم تأت البديات المصرية على ذكر 








مفيد عرنوق » اللاليء . 1 


6ن كت 


موسى» وعلى قصة الخروج من مصر . ولا نريد هنا أن ندخخل في الجدل الدائر حول نسب 
موسى وأصله» وهل هو عبري أم مصري» ولكننا ثميل إلى القول بأن مومبى كان عبرانيا . 
والأصل المصري لاسمه ليس حجة ذات وزن لصالح الرأي المعاكس . أما قصة إلقائه في 
الماء صغيرا» وانتشاله من قبل إبنة فرعون ونشأته الملكية في البلاط. فليست إلا محاولة 
لاإتكار أصل ملكي نبيل له. ذلك أن الخيال التوراتي لم يكتف بأن نسب مومى إلى 
سلالة ابراهيم الكهنوتية النبيلة» بل جعله ربيباً لفرعون مصرء وابنا له بالتبني . وبذلك لا 
يشذ مومبى عن جميع أصحخاب الرسالات الدينية الكبرى» الذين إن لم يتسلسلوا من 
نسب نبيل» ألصق بهم ذلك النسب إلصاقا. ا يبقى الاحتّال قائما في انتتسابه لاحدى 
الفئات الحامشية الأخرى . أو قدومه أصلا من « مدين » في سيناء» وهو المكان الذي 
تروي التوراة أنه قد لجأ إليه بعد هربه من مصرء وتزوج فيه» وكلمه الرب لأول مرة هناك . 
وهذا الاحهال الأخير قد يفسر لجلجة موسبى وغرابة لمجته» التي تنتمي إلى الارامية 
السيتائية ولحجة الجزيرة العربية» أكثر من انتائها للكنعانية المعدلة التي يفترض أن 
المجموعات العبرانية كانت تلهج بها. 

يتدخل موسى لصالح رجل عبراني كان يضربه رجل مصري, فيقتل موسى الرجل 
المصري ويبرب من وجه فرعون الذي يطلبه للقصاص . ثم يقوده تجواله إلى أرض مدين في 
صحراء سيناء. وهناك يلتقي بكاهنها وبتزوج إحدى بناته السبع» وفكث هناك عدة 
سنوات يرعى غنم حميهء الذي يطلق عليه التوراة في بعض المواضع اسم. يثرونء وفي 
مواضع أخرى اسم رعو إيل . وفي مدين يأتيه وحي الرب لأول مرةء حيث يظهر له 
وسط ليب نار شجرة لاتحترق » ويخاطبه قائلاً : « أنا إله أبيك ابراهم وإله اسحاق وإله 
يعقوب .... وقال الله أيضاً لموسى, هكذا تقول لبني إسرائيل: يبوه إله آبائكم إله ابراهم 
وإله اسحاق وإله يعقوب أرسلني اليكم. هذا اسمي إلى الأببد »”2. وني ظهوره التالي 
يؤكد أن اسمه جديد على بنر. إسرائيل» ولكنه مع ذلك هو نفس الاله القديم: « ثم 
كلم الله موسبى وقال لهء أنا الرب» وأنا ظهرت لابراهيم واسحق ويعقوب بأني الاله القاذر 





العهد القديم, سفر الخروج 7: 5 --350. -1 


الوه ا 


11 


عل كل شي وأما باسني يبوه فلم أغرف عند »7". ثم يأمره أن يعود إل مغر » لأن 
الفرعون الذي كان يطلبه قد ماتء ليبدأ التبشير بين عشيرته بمعونة أخيه هارون» الذي 
يساعده على نقل رسالته إلى الناس بسبب ثقل لسانه. وهكذا يبدأ موسبى إصلاحه 
الديني الكبير بالعودة إلى الايلية الصافية» التي ترفع إيل إِها واحداً وتهبط بالآهة الأخرين 
إلى مستوى الملائكة أو مستوى الشياطين» والتي نفترض أن العبرانيين قد نسوها ومالوا 
إلى جانب الديانة الكنعانية الأخرى المتمثل ببعل وعشتاروت ( عشتار ) . ذلك أن الإله 
اليك ودورة حياتة: الطبيعية :+ كان :دوما أقرب الى قلوب الشرائح الاجتاعية المغلوبة 
والمستضعفة من إله السماوات امجردء الذي كانت تفرضه الفئات والشرائح المسيطرة . 
ولكن ماهي العوامل الكامنة خلف توجه موسى» الفاعلة في تكوين فكره 
التوحيدي؟ إن أصحاب نظرية موس الفرعوني, يجعلون منه تابعاً وفياً من أتباع الفرعون 
اخناتون» صاحب أول رسالة توحيدية في تاريخ الديانة المصرية . ويفترضون أنه قد لجأ 
إلى التبشير في صفوف العبرانيين المضطهدين» بعد انيار الاصلاح الديني الاخناتوني » 
وعودة الديانة الرسمية القديمة الى مصر. وإن الاله الذي بشر به موسى هو في الأصل إله 
اخناتون نفسه ثم اختلط هذا الإله خلال تجوال العبرانيين في طريقهم إلى لض الجديدة» 
بإله آخر ذي طبيعة نارية بركانية» فأدى ذلك إلى تشكيل صورة يبوه المعروفة في العهد 
القديم . هذه النظرية تعود في أساسها إلى الربع الثاني من القرن العشرين» عندما كانت 
ألواح أوغاريت ما تزال قيد الدراسة والنشر والترجمة. أما اليومء وبعد أن حملت تلك 
الألواح كثيراً من المعلومات المباشرة عن ديانة الكنعانيين» وعرفنا عن الاتجاه التوحيدي في 
ثقافة كتعان من مضادر غير المصادر الدينية» فقد غدت نظرية موسى المصري وخلفياته 
الاجماعية » ضعيفة أمام النقد. فخمية الفكر التوحيدي كانت موجودة لدى العبرانيين 
باعتبارهم فرعاً من فروع الايلية الابراهمية» وموسى لم يكن بحاجة إلى الديانة الاحناتونية 
ليبداً إصلاحه الديني الجديد داخل الديانة الكنعانية_العبرية» ناهيك عن الجدل 
التاريخي الذي ما زال قائماً حول قرب موسى من زمن الفرعون أخناتون أو بعده عنه . إن 
ما كان موببى بحاجة إليه فعلا هو تواصل جديد مع منبع من منابع الديانة الإيلية» وقد 
حصل ذلك في مدين» حيث عاش في بيت كاهنها كزوج لابنته سنين طويلة . 


العهد القديم» سفر الخروج 5: 70-57 . -1 


كخم 14 77 انك 





رغم أن التوراة لاتشير إلى ديانة كاهن مدين وإلى إلههء إلا أن اسمه « رعوئيل » , 
الذي يعني راعي ايل لذو دلالة كبيرة في هذا المجال. م أن في ظهور الاله لموبى في 
مدين بالذات» إشارة إلى الاستنارة التي حصلت له هناك بتأثير تعالم رعوئيل. وعندها 
ايخرج موسى ببني أسرائيل إلى صحراء سيناءء يعرج بهم على بلاد مدين؛ وهناك يلتقي 
مجدداً برعوثيل ( أو يغرون كا تشير اليه النصوص أحياناً. ويبدو أن يثرون هو الاسم 
ورعوئيل هو اللقب ) ويقص عليه كل ما جرى له. ومن الفقرة التي سنوردها فيما يلي» 
نستدل. بصورة قاطعة على أن "له كاهن مدين وإله موسى هو واحد : « ففرح يثرون بجميع 
الخير الذي صنعه إلى إسرائيل الرب الذي أنقذه من أيدي المصريين» وقال يثرون مبارك 
الرب الذي أنقدّم من أيدي المصريين ومن يد فرعون» الذي أنقذ الشعب من تحت أيدي 
المصريين» الآن علمت أن الرب أعظم من جميع الآلهة »”©. وفي هذا المجال يمكن أن 
تلقي أخبار القران الكريم بضوء على هذه النقطة . فالقران يأتي على ذكر قصة هروب 
موسى إلى مدين ومصاهرته لرجل صالح فيهاء وزواجه من إحدى بناته وقيامه برعي غنمه 
عشر سنوات . ولكنه لايأتي على ذكر اسم ذلك الرجل ولايعطي أية تفصيلات اضافية 
( راجع سورة القصص 70٠ ١٠7١‏ ). ولكنه في آيات أخرى يتحدث عن نبي مد 
ويدعوه شعيباً ( راجع سورة الأعراف ‏ 850 ). وهنا يقول المفسرون إن رجل مدين 
الصالح الذي احيضن وني » ليس إلا. النبي. شيف نفس( راجع بتسير الطبري وابن 
كثير ) . والمفسرون هنا كعادتهم دوماء إنما يعتمدون على تراث غني من الاخبار الشفهية 
المتداولة عبر العصور . وبذلكُ تكون نبوة مومى مبنية على نبوة شعيب ولاحقة 

ومن الدلائل التي تشير بشكل واضح إلى سلطة رعوثيل على مومى » وموقفه منه 
موقف المعلمء حتى بعد عودته على رأس المجموعات الماربة من وجه الفرعون » تلك 
التوجيهات التي أعطاها له في مجال الحكم والسياسة» وكان لها أثر كبير في تحسين قيادة 
موسى وزيادة* سيطرته على الجموع . فهو لما رأه جالساً من الصباح حتى المساء يقضي 
بين الناس وحيداً» وينظم أُمورهج الحياتية والدينية قال له: « إن الأمر أعظم منك 
ولاتستطيع أن تصنعه وحدك . الآن اسمع لصوتي فأنصحك . فليكن الله معك . كن أنت 





العهد القديم . سفر: الخروج 9:18 ١١‏ -1 


الا كك 


للشعب أمام اللهء وقدم أنت الدعاوى إلى الله وعلمهم الفرائض والشرائع» وعرفهم 
الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعسلونه . وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة 
خائفين الله أمناء مبغضين الرشوة» وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء معات ورؤساء 
خماسين ورؤساء عشرات» فيقضون للشعب كل حين . ويكون أن الدعاوى الكبيرة 
حترن > اليك وكل اللاعاوق الصنخية يمشرن عم فيا وخفف عن نفسك نهنم ججملوت 
معك . فسمع موسبى لصوت حميه»”© إن هذه النصائح والتوجيبات التي تضع أسساً 
للتنظم ما زالت قائمة إلى الآن» لمر ل د وليس انصياع موسى 
لتوجيبات رعوئيل من قبيل احترام صلة القربى بينبماء يل هو استمرار لعلاقة المعلم بالمريد 
التي كانت قائمة بينهما منذ البداية 

أما عن اسم الاله الجديد يبوهء فتتعدد نظريات الدارسين ومنها أن الاسم ذو 
أصل كنعاني » وهو مشتق من اسم أحد أبناء الاله يل المدعو « ياو » . أو « ياويل » 
وأن الابن قد حل محل الأب. م هو الحال في ديانات كثيية. وقد ورد اسم « ياو » في 
أكثر من موضع في نصوص رأس شمر”. ونحن لايهمنا الدخول في جدل حول أصل 
الاسمء بقدر ما يبمنا متابعة استنتاجنا بأن يهوه العبراني ليس إلا إيل الكنعاني » في حلة 
جديدة وتحت اسم جديد فرضته طبيعة الاصلاح الديني المؤسوي» ورغبة العبرانيين فيما 
بعد بالفيز عن جيرانهم الكنعانيين. وإن الفروق بين الإلحين ليست إلا نتاج العاريخ 
الخاص للشعب اليهودي وما تميز به هذا الشعب من انغلاق وضيق أفق. فرغم الاسم 
الجديد» بقي يبوه يذكر في التوراة باسمه القديم إيل» 5 رأينا في سفر الخروج» وباسم 
آخر مشتق من إيل هو « إيلوههيم ». وهذا الشكل الغاي لاسو يتكرر في 0 
أسفار التوراة . ولكن قارىء التوراة باللغة العربية لايعثر عليهء لأن من نقل التوراة إلى 
العربية استبدل كلمة « إيلوهم » بكلمة « الله ». ورغغم أن كلمة إيلوهم لاترد في 
النصوص الكنعانية, إلا أنها ليست من نحت عباني» إذ تجدها في الجزيرة العربية قبل 
ظهور الاسلام على شكل « اللهم ». ويبدو أنها من تراث الابراهيمية الاسماعيلية 





العهد القديم » سفر الخروج م1ن ه54 1 
.24-25 .28 انقةع لآ 60008 .0.11 -2 


7 عد 


فالمصادر العربية تذكر أن بعض القبائل العربية زمن الجاهلية» كانت تقول إذا أهلت في 
الحج : «لبيك اللهم لبيك لا شريك لك . إلا شريك هو لك فبملكه وما ملك»”2 من هنا 
نرجح أن الكلمة ذات أصل آرامي ‏ كنعاني» وأنبا كانت سائدة في كنعان وفي الجزيرة 
العربية قبل وبعد دخول العبرانيين . هذا ومن الدلائل على وجود كلمة « إيل » في اللغة 
العربية» كونيا قد وردت في القواميس العربية التي أشارت إلى أصلها اللسوري القديم , من 
ذلك مثلاً ما ورد في معجم مختار الصحاح : : « إيل اسم من أسماء الله تعالى » عبراني أو 
سرياني . وقوهم جبرائيل وميكائيل كموهم عبدالله وتم الله.. » . وهذا هو السيد المسيح 
قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيية على الصبليب» ينادي الاله الأ باسمه القديم إيل : « ومن 
الساعة السادسة كانت ظلمة على الأأض إلى الساعة التاسعة. ونحو الساعة التاسعة 
صرخ يسوع بصوت عظم قائلاً.. إيلي.. إيلي» لما شبقتنني . أي إلهي .. إلهيء لماذا 
تركتني .. »27 , 

مع الإصلاح الديني الموسوى وخروج العبرانيين من مصرء تبداً الايلية في المنطقة 
مرحلة مد جديدة . ولكنها تفشل في السيطرة تماما على قلوب العبرانيين» كا فشلت من 
قبل في إجتذاب إيمان الأُغارتبين جميعاً . وما تميز تاريخ أوغاريت بالشد والجذب بين إيل 
من جهة» وبعل وعستارت من جهة ثانية» فإن إيل في شكله الجديد « يبوه ». يدخل 
منذ البداية قي معركة رئيسية ضللا نفس الاين » ومعارك ثانوية ضد الحة كنعان الأخرى . 
ولكنه لايستطيع تثبيت أقدامه قبل مروز ألف عام على دخول العبرانيين أرض كنعان . 
وين خلال هذا ازا تأخذ اليبودية شكلها النهائي » وتنفصل تدريجياً عن ديانة كنعان» 
التي لم تكن إلا جزءاً منها بكل تناقضاتها وصراعاتها. فمنذ تجوال العبرانيين على غير 
هدى» في صحراء سيناء والمناطق المتاخمة للمالك الكنعانية القوية التي لم يجرؤوا في البداية 
على الاقتراب منها لم يفت العبرانيون في الارتداد عن إله مومبى والعودة إلى الآحة الأخرى . 
وييدو أن موسبى كان الرجل الوحيد المومن بعبادة إله واحد لا نستثني من ذلك أخحاه 
هرون الذي كان ساعده الأيمن في الدعوة الجديدة. ذلك أن أول ردَةٍ إلى عبادة الاله 





الدكتور سعيد رمضان البوطي. فقه السيرة ص 44 . 1 
العهد الجديد, انجيل متي 0؟: 48 45 . -2 


3ح 


الابن» قد تمت تحت إشراف هارون ومباركته . فبينا كان موسبى معتكفاً في جبل سيناء 
يتلقى وحي الرب .» شعرت الجموع بطول غيبته وبتراخحي قبضته الحديدية التي كانت 
تشدهم إلى دينه بالقوة والحزم » فلم يروا غضاضة في تعبد الهة أخرى . فأتوا إلى هارون : 
وقالوا: قم اصنع لنا الهة تسير أمامناء لأ هذا موسى» الرجل الذي أصعدنا من أرض 
مصر لانعلم ماذا أصابه . فقال هم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم 
وشيكمٍ وبنابكم واتوني بها... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا 
مسبوكا . فقالوا هذه المتكم يا إسرائيل'" . وهرون يفعل ذلك بعد وقت قصير من نزول 
وصية الرب القائلة : « لاتصنعوا معي الحة فضة» ولاتصنعوا لكم الهة ذهب . مذبحاً من 
تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك »”20. عندما ينزل موسبى من الجبل 
وبرى ما فعله بنو اسرائيل في غيابه» يكسر في سورة غضبه اللوحين اللذين جاء عليهما 
بوصايا الرب . ويعمد إلى تمثال العجل, الذي يرمز في رأينا إلى الاله الابن» فيصهره في 
النارء متبعا ما كان يقوم به أتباع إيل في كنعان» من صهر تماثيل بعل وعشتاروت . نقرأ 
في نصوص اللالىء الأوغاريتية : 

إصهر الفضة المغتمنة 

والأساور الذهبية» اصهر الفضة الموجودة بالآللاف 

والذهب اصهرة ولو كان بعشرات الاللاف 

إصهر الحيوانات وردد ا لصيغ السحرية 

ذوب من جديد الاله الذي أقمته”» 

ثم يتبع مومسى ذلك بمجزرة ضد المرتدين» يقع ضحيتبها ثلاثة الاف شخص» 

يمضي بعدها إلى الرب يسأله أن يغفر للشعب خطيئته: فيعطي الرب مغفرته. ولكن 
عقاب مومسى الشديد الذي نفذه بتوجيبات الرب » ومختلف الوسائل التي اتبعها لفرض 


العهد القديم. سفر الخروج :1": 3١‏ . 1 
العهد القديم » سفر الخروج 1 012 -2 
مفيد عرنوق » اللاليء . 3 


ا ل 


عبادة إله واحد. لاتفلح. حيث نجد بني اسرائيل يغتدمون كل فرصة مواتية للعودة إلى 
عبادة البعل: « وأقام اسرائيل في شطمء وابتدأ الشعب يزنون مع بنات مؤاب» فدعوا 
الشعب إلى ذبائح الهتهن فاكل الشعب وسجدوا لاهتهن . وتعلق إسرائيل ببعل فغور» 
فحمي غضب الرب على إسرائيل» فقال لموسى خخذ جميع رؤوس الشعب وعلقهم للرب 
مقابل الشمس فيد حمو غضب الرب عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل اقتلوا 
كل واحد قومه المتعلقين ببعل فغور 6©. وبعد هذه الجزرة يغفر الرب أيضاً لبني 
إسرائيل. ومع تقدم بني إسرائيل في سيناء وتجولهم على حدود بلاد كتعان, واقتحامهم 
على شعوب آمنة وإحراقهم مدنها وسبيهم نساءها وأطفاهاء تتكرر خطايا الشعب أمام 
الرب ويتكرر تدخل موسى وحصوله على الغفران بعد العقاب . إن إصرار إله التوراة على أن 
يكون إفاً لبني إسرائيل» واستمرار معونته لهم لتحقيق وعده بالأرض الجديدة رغم 
جحودهم ونكرائهم » إنما يعكس إرادة موسى الصلبة وصبره وأناتهء وإصراره على فرض 
عبادة إهه وتثبيت شريعته . 

إلا أن مومبى يموت قبل تحقيق هدفيه الرئيسيين . فلا هو استطاع فرض إله واحد 
على بني إسرائيل» ولا هو حقق لهم وعده بالارض الجديدة. وعندما تقترب منه المنية» 
يتنبا بالصراع الطويل المقبل : «خطوا كتاب التوراة هذا » وضعوه بجانب عهد الرب إلهكم 
ليكون شاهدا عليكم . لأني عازف تمرذم ورقابكم الضلبة . هوذا وأنا بعد حي معكم اليوم 
قد صرتم تقاومون الربء فكم بالحري بعد موتي 76 . بعد موسى يستلم القيادة يشوع 
بن نون . وفي زمنه يتم عبور نهر الأدنء واقتحام كنعان والاستيلاء على الأَض بحد السيف 
وإفناء مدن بكاملها. ولكن الاستقرار في الأرض بعد موت يشوع, وبدء فترة حكم 
القضاة : يتحول القبائل الهائمة على وجهها إلى مزارعين يفلحون الأض ويحصدونهاء قد 
أعاد بني اسرائيل إلى المناخ الطبيعي للصراع بين إيل إله السماء الحتجب من جهة؛ والهة 
الطبيعة القرببة من رائحة الْأْضء من جهة أخرى . نقرأ في نصوص اللالىء الأوغاريتية : 

« إفي منيك ومغلوب 





العهد القديم , سيفر العلد ©: ؟ ى © . 
المهد للقدم » عخفر الثيية 27١‏ 37-55 . 2 


5186 د 


أتضرع من أعماق يأمبي إلى الإله المحعجب » 
وأيضاً « : إني أتضرع إليك من أعماق يأسبي أيها الإله ننجب 

بكل قداسة ومن خلال دمار إِرثي »0© 

ووصف الاله امحتجب هذاء الذي يطلق على إيل في النصوص الكتعانية؛ هو 
أيضاً وصف للاله يبوه في العهد القديم” : « حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل 
النخلص » 2. 


مات يشوع بن نون» واتتبت بموته مرحلة الاحتياجات الأولى و : « قام بعدهم 
جيل آخر لم يعرف الرب ولا العمل الذي عمل لاسرائيل. وفعل بنو اسرائيل الشر في 
عيني الرب وعبدوا البعطيم » وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصرء وساروا 
وراء الهة أخرى من آلحة الشعوب الذين حولم وسجدوا لها وأغاظوا الرب . تركوا الرب 
وعبدوا البعل وعشتاروت. فحمي غضب الرب على إمرائيل قدفعهم بأيدي ناهبين 
تببوهم ) وباعهم بيد أعدائهم حوهمء لم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم ©" 
وتسعمر فترة حكم القضاة» التي تلت فترة يشوع وسبقت بداية فترة الملوك» على هذا 
المنوال. حيث نجد العبرانيين يتوجهون بالعبادة بشكل رئيسي إلى بعل وعشتاروت : 
« فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والآموريين والفرزيين والحوبين 
واليبوسيين . واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساءء واعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا اتيم . فعمل 
بنوا إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البعليم والسواري »07 
والسواري هي ء لا أشرنا في مواضع أخرى» هي جذوع الأشجار المقطوعة التي كان 
الكنعانيون ينصبونها مرا لعستارت . وكانت تأني فترات لايذكر فيها أحد اسم يبوه؛ بل إن 
الجميع يتوجهون بالعبادة إلى بعل. فهذا جدعون الذي تراءى له الرب وطلب منه أن 





مفيد عرنوق » اللاليء 1 
مفيد عرنوق » اللاليء 2 
العهد القديم, اشهها 1:5 : ١١‏ 3 
العهد القديم» القضاة 5: ١8-011١‏ 4 
العهد القديم, القَضامَ *: 5ه ل لا 5 


5 


يدم معبد البعل» لا يفعل ذلك إلا في الليل خوفاً من أهل المدينة» الذين لم يوجد بينهم 
واحد يقف إلى جانب جدعون : « وكان في تلك الليلة أن الرب قال لهء خذ ثور البقر 
الذي لأبيك وئوراً ثانياً ابن سبع سنين» واهدم مذبح البعل الذي لأبيك واقطع السارية 
التي عنده وابن مذجاً للرب إهلك .... فبكر أهل المدينة في الغدء وإذ بمذبح البعل قد 
هدم والسارية التي عنده قطعت .... فقال أهل المدينة ليواش ؛ اخرج ابنك لكي يموت 
لأنه هدم مذبح البعل وقطع الساربة التي عنده. »”©. وفي سفر صموئيل الأول نجد في 
خطاب « صمو إيل » لبني إسرائيل » ما يذكرنا بخطاب يعقوب منذ مئات السنين 
لأحل بيته بعد أن تل له إيل: « وكلم صموئيل كل بيت إسرائيل قائلاًء إن كنم بكل 
قلوبكم راجعين إلى الرب فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من وسطكم, وأعدوا قلوبكم 
للرب واعبدوه وحده فينقذم من يد الفلسطينيين . فنزع بنو إسرائيل البعليم والعشتاروت 
وعبدوا الرب وحده »”". هذه الآلهة الغريبة التي يطلب صموئيل من بني إسرائيل نزعها 
من وسطهمء هي الالهة الغريبة نفسهاء التي رأينا يعقوب يطلب من أهل بيته بالذات 
أن يتزعوها من وسطهم , عندما قال لهم . « اعزلوا الالهة الغريبة من بينكم وتطهروا وبدلوا 
ثيابكم .. » فكيف توصف بالغريبة» الهة عاشت مع الشعب كل هذه الفترة المديدة؟ . 


وعندما شكل بنو إسرائيل مملكتهم الصغيرة الأولى» لم يستتب الأمر ليبوه كذلك . 
فها هو الملك سليمان بن داوودء ثالث ملوك المهود وأكغرهم شهرة» يحاول التوفيق بصورة 
بعية بين عبادة يبوه وعبادة البعل والعشتاروت . فسليمان رغم كونه مختار الرب لبناء أول 
معبد مستقر له بعد أن كان طيلة عهده يعبد في خيمة متنقلة» قد بنى أيضاً وفي الوقت 
نفسه معابد لبعل وعشتاروت أقام فيها طقوسهما. نقرأ في سفر صموئيل الثاني شكوى 
ليبوه تذكرنا بشكوى بعل لعناة ومطلبه في بناء بيت له: « وفي تلك الليلة كان كلام 
الرب الى ناتان قائلاً» اذهب وقل لعبدي داود أأنت تبني بيتاً لسكناي ؟ لأني لم أسكن 
في ببت منذ أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليومء بل كنت أسير في 





العهد القديم , القضاة 5: 301068 . -1 
العهد القديم . صامرئيل الأيل /ا : 4 5 : 2 


تر 771110 حت 


خيمة ©”'". ولكنه يختار سليمان فيما بعد لهذه المهمة: « وقال داود لسليمان يا بني قد 
كان في قلبي أن أبني بيتاً لأسم الرب إهي . فكان إلى كلام الرب قائلأء هوذا يولد لك 
إبن يكون صاحب راحة» وأريحه من جميع أعدائه حواليه : لان اسمه سيكون سليمان فاجعل 
سلاماً في إسرائيل في أيامه . هو يبني لي بيتاً لاسمي وهو يكون لي ابناً وأنا له أب » وائبت 
كرمبي ملكه على إسرائيل إلى الأببد »”". وما كانت مملكة إسرائيل جديدة» ولم تأخذ 
بأسباب الحضارة بعد» فلم يكن في طول البلاد وعرضها من يستطيع بناء هيكل كبير. 
لذا يتوجه سليمان إلى « حيرام » ملك صور الكنتعاني » يطلب منه تزويده يبنائين هذه 
المهمة » ومواد بناء من شب أرز ومعادن وما إليا. فيأتي الكنعانيون ويبئون لسليمان 
هيكل الرب . وهنا سنتوقف قليلاً عند الرسالة التي أجاب فيها حيرام الكنعاني طلب 
سليمان . لأَنّ جواب ملك صور إنما يكشف بوضوح علاقة إيل كنعان بإيل العبرانيين . 
فحيرام عندما يرسل بنائيه وخشبه ومعادنه لبناء هيكل الرب» إنما يني هيكلاً لأحد 
أشكال إله السماء الكنعاني إيل تحت اسم مختلف . وهو إذ يصف في رسالته الاله .يبوه 
بأنه خالق السماء والأرض إنما يقرنه بإيل ويطابق بين الالحين. وهذا ليس بالأمر الجديد ني 
تاريخ الديانات فلقد عرف اليونان والرومان على الدوام إلهاً واحداً تحت اسمين , هنا اسمه 
اليوناني « زيوس » والروماني « جيوبيتر » . تقرأ في رسالة حيرام: « فقام حورام ملك 
صور بكتابة أرسلها إلى سليمان : لأ الرب قد أحب شعبه جعلك عليهم ملكا . وقال 
حورام : مبارك الرب إله إسرائيل الذي صنع السماء والأرض» الذي أعطى داود الملك ابناً 
حكيماً صاحب معرفة وفهم الذي يبني بيتأ للرب . »© 

ومن ناحية أخرى فإن سليمان باني الميكل الذي تركزت حوله طقوس اليبود طيلة. 
تاريخهم التالي» والذي صار رمزاً لأزهى فتراتهم, لم يجد غضاضة في التعيد للبعل 
والعشتاروت : « وكان له سيعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري . فامالت 
نساؤه قلبه.... فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين؛ وملكوم رجس 





العهد القديم, صاموئيل الثاني /ا: 4 س5 . 1 
العهد القديم, أخبار الأيام الأيل 151 5س 31١‏ . 2 
العهد القديمء أخبار الأيام الثاني : ١١-1١‏ 3 


- 518 ل 


العمونيين » وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماماً كداود أبيه .... فقال 
الرب لسليمان من أجل ذلك عندك للم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بهاء فإني 
أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك . إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود 
أبيك , بل من يد ابنك أمزقها » ”". إن انتقام يبوه من سليمان بإزالة ملكه وتمزيق دولته 
من بعده» ليشبه انتقام إيل من المللك الكبير في نصوص اللالىء للسبب ذاته : 

إيل مد يده إلى قلب قصره 

وذل فتيان السيد 

كا وقعت ثروة السيد في الذل وياللأسف 
وبعد ذلك : 

لقد سقط إلى الحضيض 

سيموت السيد الأعظم 

وسينبب مسكن سيد الأرض ”© 

وفي الحقيقة فإن مملكة سليمان لاتتمزق في عهده لأ الرب قد كرمه من اجل 
أبيه داود» بل لأ سليمان بحنكته وتسامحه الديني, قد صالح بين الاتجاهات المتصارعة 
داخل الديانة العبرانية . وما أن يموت هذا الملك الحكبمء حتى تنقسم المملكة من بعده 
إلى ملكتن » مملكة يبوذا التي يحكمها ابنه « رحبعام » في أورشلم ويتبعها سبطان فقط 
من أسباط بني إسرائيل » وبملكة إسرائيل ويتبعها الأسباط العشرة الباقية» تحت حكم تابعه 
السابق « يربعام » . ورغم أن الأحداث السابقة للانقسام توحي بأنه قد جاء نتيجة لظلم 
رحبعام بن سليمان من جهة, ولأطماع يربعام في الاستكثار بالجزء الأكبر من المملكة» من 
جهة أخرى» إلا أن الصراعات الدينية» ؟] يظهر مسار الأحداث اللاحق» تلقي بظلها 
الثقيل على هذا الانقسام . فأورشلم» حيث أقيم الميكل الجديد ,تبقى على عبادة يبو 
أما مملكة إسرائيل بأسباطها العشرة فقد تحولت إلى عبادة البعل . هناك أقام يربعام تمثالين 
للاله بعل في هيئة الثور وأبطل عبادة يبوه: « وقال يربعام في قلبه الآن ترجع المملكة الى 





العهد القديم الملوك الأول 1١ 5:1١‏ 1 
اللآليء؛ مفيد عرنوق . 5 


ا 0 


بيت داود إن صعد هذا الشعب ليقربوا ذبائح في بيت الرب في أورشليم ويرجع 
قلب هذا الشعب إلى سيدهم ملك يبوذا ويقتلوني . فاستشار الملك وعمل عجلي ذهب 
وقال هم كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشلم » هوذا الهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك 
فق أن مصتر 27ب وها :بدلا ذلك خجرة: وعد مدا كينة )بن لكين لل 
للحرية الديدة: « والكهنة اللاويون الذين في كل إسرائيل مغلوا بين يديه في جميع 
تخومهم, لأن اللاويين تركوا مسارحهم وأملا كهم وانطلقوا إلى بوذا وأورشلم, لأ يربعام 
وبنيه رفضوهم من أن يكونوا كهنة الرب » وأقام لنفسه كهنة للمرتفعات وللتيوس وللعجول 
التي عمل . وبعدهم جاء إلى أورشليم من جميع أسباط إسرائيل الذين وجهوا قلوبهم إلى 
طلب إله اسرائيل ©" . 

غير أن هذا الفرز المبدبي » لايدوم ع لأن الاتجاهين المتصارعين يعودان إلى الظهور 
داخل كل مملكة على حده؛ حيث يسود هذا الاتجاه أو ذاك 0 
للاخر. ففي مملكة يبوذا بعد موت رحبعام : « ملك أبيام على يبوذا... ولم يكن قلبه 
كاملاً مع إلهه كقلب داود أبيه» ولكن لأجل داود أعطاه الرب إلهه سراجا في أورشلم؛ | 
أقام إبنه بعده وثبت ثبت أورشلم 4 ". وعد أيام أت إبنه 1 سا الذي يعود إلى عبادة الرب . 
«١‏ وعمل اسا ما هو مستقيم في غيني” الريك + وأزال المأبونين من الأرض وتزع جميع 
الأسنام التي عملها آباؤه» حنى أن أمه خلمها من أن وك بكلا له 
لسارية » وقطع آسا تمثالها وأحرقه في وادي قدرون »2 ولكن ابن اسا من بعده يعود إلى 
التسوية بين العبادتين إِذْ يبقي على الطقوس البعلية التي تقام على المرتفعات: « وملك 
ببوشافط بن اسا على يبوذا... وسار في طريق اسا أبيه لم يحد عنها .. . إلا أن المرتفعات 
لم تنزع بل كان الشعب لايزال يذبح ويوقد على المرتفعات »© ... « وملك يبورام ابنه 
وعمل الشر في عبني الرب» وم يشأ الرب أن يبيد بيت داود لأجل العهد الذي قطعه مع 


العهد القديمء الملوك الأول 117: 54-58 . 2 
العهد القديم, أخبار الأيام الثاني 11: 315-37 . 2 
العهد القديمء الملوك الأول :”سا5 1 3 
العهد القديم, الملوك الاول اه 4 
العهد القديم ء الملوك الأول 4١ : 5١‏ 1# . 5 


ل مك 





داود”© ». ويستمر هذا الشد والجذب» الذي نتابعه في أسفار الملوك الثاني وأخبار الأيام 
الأول وأخبار الأيام الثاني حتى السبي الآشوري والسبي البابلي بعده. حيث نجد تماثيل 
بعل وعستارت مازالت تتصدر هيكل سليمان: « كان يوشيا ابن ثماني سنين حين 
ملكء وملك إحدى وثلاثين سنة في أورشلم .. وأمر الملك الكاهن العظيم وكهنة الفرقة 
الثانية وحراس الباب أن يخرجوا من هيكل الرب - جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية 
ولكل أجناد السماءء وأحرقها خخارج أورشلم .. وأخرج السارية من بيت الرب خخارج 
أورشلم إلى وادي قدرون وأحرقها ودقها إلى أن.صارت غباراً وذرى الغبار على قبور عامة 
الشعب ©" وكان في عهد حفيد يوشيا هذاء أن اجتاح البلاد نبوخذ نصر البابلي: 
« كان يهوقم ابن خمس وعشرين سنة عندما ملك» وملك إحدى عشر سنة في أورشليم» 
وعمل الشر في عيني الرب إلهه. عليه صعد نبوخذ نصر ملك بابل» وقيده بسلاسل 
بنجاس ليذهب به إلى بابل ... ولم يشفق على فتى أو عذراء ولا على شيخ أو أشيب بل 
دفع الجميع ليده ... وأحرقوا بيت الله وهدموا أسوار أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار 
وأهلكوا جميع آنيتها اكتمينة وسبي الذين بقوا من السيف إلى بابل فكانوا له ولبنيه عبيداً 
إلى أن ملكت مملكة فارس »2 . 

أما في مملكة اسرائيل» التي كانت طيلة هذه المدة في حرب مع مملكة يبوذا في 
أورشلم » فبعد موت ملكها الأول يربعام يتتابع الملوك الذين ساروا على نبجه . « وملك 
ناداب ين يربعام ... وعمل الشر في عيني الرب وسار في طريق أبيه وفي خخطيته ... وا 
لكر ع ارح يرع و لح ل ل 3 وعمل الشر في 

عيني الرب وسار في طريق يربعام وفي خطيته التي جعل بها إسرائيل يخطىء ... وملك ايله 
بن بعشا على إسرائيل في ترصة سنتين» ففتن عليه عبده زمري ... فدخل زمري وضربه 

فقتله وملك عوضا عنه... وصعد عمري وكل إسرائيل معه من جبثون وحاصروا ترصةء 
ولا رأى زمري أن المدينة قد أخذت» دخل إلى قصر بيت الملك وأحرق على نفسه. 
فمات من أجل خطاياه التي أخطأ بها بعمله الشر في عيني الرب وسو في طريق 





العهد القديم, أخبار الأيام الثاني 55 : ١ل‏ . 1 
العهد القديم » الملوك الثاني ”173 : ١‏ س1 . 2 
العهد القديمء أخبار الأّام الثاني 55: © 3١‏ . 3 


-915” د 


يربعام ... وعمل عمري الشر في عيني الرب وأساء أكثر من جميع الذين قبله. »”" وفي 
تمن الملك اخاب ل يا الذي كان وحده داعيا ليبوه في كل 
إسرائيل » ذلك أن « إيزا ‏ بعل » زوجة اخاب ابنة ملك صيدا الكنعاني» ظلت 
أتلاحق أنبياء وكهنة يبوه حتى أبادتهم وقطعت دابرهم : « وملك اخاب بن عمري على 
إسرائيل في السامرة اثنتين وعشرين سنة. وعمل أخاب الشر في عيني الرب واتخذ إيزابل 
إبنة أثبعل ملك الصيدونيين ن امرأة وسار وعيد البعل وسجد له. وأقام منبحا للبعل في بيت 
البعل الذي بناه في السامرة »”" ولكن النبي إيليا يتحدى آخعاب رأنبياء البعل جميعاء 
ويدعوهم لاظهار قوتهم أمام الناس إن كانوا صادقين . وعندما يجتمعون ع يتوجه إيليا بنداء 
إلى الشعب يدعوه إلى التوقف عن التأرجح بين يبوه وبعل » ويختار من تثبت ألوهته 
الحقيقية في ذلك الاجتاع : « فتقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال : حتى همتى تعرجون بين 
الفرقتين ؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوهء وإن كان البعل فاتبعوه ... أنا بقيت نبيا للرب 
وحدي» وأنبياء البعل أربع مكة وخمسون رجلا . فليعطونا ثورين فيختاروا لأنفسهم ثور 
واحداً ويقطعوه ويضعوه على الحطب ولكن لا يضعوا نااً. وأنا أقرب الثور الآخر وأجعله 
على الحطب ولكن لا أضع ناراًء ثم تدعون باسم المتكم وأنا أدعوا باسم الرب » والإله 
الذي يجيب بنار فهو الله. فأجاب جميع الشعب وقالوا الكلام حسن »76 . فقرب أنبياء 
البعل ثورهم وبقوا من الصباح إلى الظهية ينادون: يا بعل أجبنا ولكن دون جدوى . 
عندها تقدم إيليا وقدم ذبيحته ودعا باسم الرب» فنزلت من السماء نار أكلت التقدمة 
وكل ما حوها . وهنا يقوم إيليا إلى أنبياء بعل » فيقتلهم جميعا ويبرب من وجه إيزابيل التي 
7 ولكن خخصوم إيزابيل لم يكونوا أقل قسوة منها في التعامل مع كهنة وأتباع الديانة 
الاخرى . قبعد موت زوجها اخخاب يتمرد التابع « ياهو » على سلطان ابنباء ويقتحم 
قصها فيقتلها ويرمي ببنتها للكلاب . ثم يعمد إلى أنبياء البعل فيقتلهم جميعاء م قتلت 
إيزابيل في حياتها أنبياء هوه : « ثم جمع ياهو كل الشعب وقال لهم ء إن اخاب عبد البعل 


العهد القديمء الملوك الأول 1: 58 . 1 
العهد القديم الملوك الأول 55:15 58 . 2 
العهد القديمء الملوك الأول 18: 754-5١‏ . 3 


د 319:5 مم 


قليلا أما ياهو فيعبده كثيرا. والآن فادعوا إلي جميع أنبياء البعل وكل كهنته» ولا يفقد 
أخد » لأن لي ذبيحة عظيمة للبعل... فأتى جميع عبدة بعل» وم يبق أحد إلا أت ودخلوا 
بيت البعل فامتلاً بيت البعل من جانب إلى جانب ... ولا انتهوا من تقديم احرقة» قال 
ياهو للسعاة والثوالث ادخلوا اضربوهم لا يخرج أحد. فضربوهم بحد السيف وطرحهم 
السعاة والثوالث » وساروا إلى مدينة بيت البعل » وأخرجوا تماثيل البعل وأحرقوهاء وكسروا 
تمثال البعل وهدموا بيت البعل وجعلوه مزبلة »”". 

تأتي فترة السبي البابلي» ويتشتت بنو إسرائيل في أصقاع الامبراطورية البابلية. 
ولكن الصراع لم يكن جاهزاً للحسم » رغم أن التدوين الفعلي لأسفار التوراة قد بدأ خلال 
تلك المرجلة . وها نحن نستمع لأصوات أنبياء تلك الفترة تردد النغمة القديمة نفسها . نقراأ 
لارميا: « وقال ألرب لي » توجد فتنة بين رجال اليبود وسكان أورشلم . قد رجعوا إلى آثام 
آبائهم الأزلين الذين أبوا أن يسمعوا كلامي . وقد ذهبوا وراء آلهة أخرى ليعبدوها. قد 
نقض بيت إسرائيل وبيت يبوذا عهدي الذي قطعته مع ابائهم. لذلك هكذا قال الرب» 
ها أنذا جالب شرا لا يستطيعون أن يخرجوا مته »””. وفي سفر حزقيال نقرأ عن صور 
الآلحة داخل هيكل الرب » وعن النساء اللواتي يكين هناك إله الخصب المائت : « وقال 
لي ادخل و انظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا. فدخلت ونظرت» وإذا كل 
شكل دبابات وحيوان نجس وكل أصنام بيت بني إسرائيل مرسومة على الحائط على دائره» 
وواقف قدامها سبعون رجلا من شيوخ بني إسرائيل » وكل واحد مجمرته في يده » وعطر 
عئان البخور صاعد ... وجاء بي إلى مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال» 
وإذا هناك نسوة جالسات ييبكين على تموز » © . 

بعد هذه الجولة في أسفار التوراة ونصوص أوغاريت » نعتقد آن نظريتنا التي تقدمنا 
بها في مطلع الفصل تبدو الآن أكثر وضوحا. وسوف نلخص فيما بلي الاستنتاجات 
التي أوصلتنا إليها هذه الجولة : 





العهد القديمء الملوك الثاني :٠١‏ 5-14 1 
العهد القديم, ارميا :1١١‏ 39 س-١١.‏ 2 
العهد القديمء سفر حزقيال 4: ١5-95‏ . 3 


و ا 


ألا س جاء التوحيد الذي تعرفه الديانات الكبرى القائمة اليوم؛ نتيجة للجدل 
يون الديانة الأمومية والديانة البطريركية. . وكانت أرض كنعان في سورية المسرح الذي شهد 
فصول الصراع الختامية»؛ حيث تجلت القدرة الاحية أخيرا في شكلها الذكري الواحد, 
المقابل لشكلها الأنثوي الواحد في فجر الانسائية . 

ثانا - بدأ التوحيد بالتوضح تدريجيا داخل الديانة الكنعانية» حيث رفع 
أصحاب الاتجاه البطريركي الاله إيل» رب الأباب وإله السماءء إفأ أسمى . وجعلوا بقية 
الالهة في مقام أدنى هو أقرب إلى مقام الملائكة والأبالسة. وقد كان العامل الحاسم في 
انتصار هذا الاتجاه أخيرأ» تعصبه الشديد ورفضه لأيّة مصالحة أو تسويةء على المدى 
البعيد» مع الاتجاه الامرمي . 

ثالئاً ‏ رغم معلوماتنا القليلة جدا عن الديانة الاإراهيمية» فإن الدلائل تشير | 
وجودها الفعلي وإلى تطورها داغل الديانة الكنعانية عبر الاتجاه | الل . كا أن أخبار ابراهم 
والابراهيمية التتي يمكن تتبعها في المراجع الدينية اليبودية والحنيفية والاسلاميةء وفي مراجع 
غير دينية كالأُخبار والروايات شبه التاريخية التي كانت متداولة في جزيرة العرب قبل 
الاسلام» تشير إلى أن التوحيد الابراهيمي الانلي قد خطا خطوة واسعة عن أصوله الأول » 
نحو صورة أوضح للذات الاغهية الواحدة. 

رابعا ‏ انتشرت الايلية الابراهيمية في مناطق واسعة من سورية الداخلية وكنعان 
وسيناء» وهي المناطق التي انتشرت فها القبائل الابراهيمية» وفي جزيرة العرب التي هاجر 
إلييا امماعيل» © تروي المصادر العربية . إلا أنها لم تتمكن من السيادة التامة في أي من 
هذه المناطق» بل بقيت في صراع مع الاتجاه البعلي » انا ف ذلك شأن الايلية 
الأؤغاريتية . يدلنا على ذلك وجود الآلة الغريبة في بيت يعقوب نفسهء حفيد ابراهم . 

خامساً ‏ إذا صح انتساب العبرانيين إلى يعقوب» عن طريق يوسف واخوته 
الذين أقاموا في مصر وتناسلوا إلى زمن الخرو ج» وإن كل من ساروا وراء موسى هم من 
فاه تلك المجموعة الأولى ( وهذه فرضية مازالت موضع نقد وتفنيد )» فإ هؤلاء 
العبرانيين ليسوا إلا فرعاً صغيراً جداً من المجموعة الابراهيمية الكبرى» كا تدل على ذلك 
أنساب التوراة ذاتها. وكانت فروع المجموعة الابراهيمية ماتزال قائمة لدى دخول 


#504 لد 


العبرانيين سورية الجنوبية » كالموابيين» والعمونيين اللذين تسلسلوا من لوط وغيرهم . من 
هنا يأتي احتكار التاريخ الابراهيمي من قبل العبزانيين واعتباره تاريخهم الخاص» في تناقض 
واضح مع معطيات التوراة ذاتها . 

سادساً ‏ لم تكن الحركة الموسوية إلا إصلاحا دينيا داخل المؤسسة الدينية 
الكنعانية» التي حملها معهم العبرانيون إلى مصرء ولم يكن إله موسى التوراقي سوى إيل 
كنعان وإيل إبراهم . غير أن هذا الإصلاح الديني فشل في تحقيق غاياته» وبقيت الديانة 
العبرانية حتى القرون الاخيرة السابقة للميلاد ديانة كنعانية» تجمع في بانثيون واحد الهة 
متصارعة لا متصاحة . وليست نصوص التوراة التي اقتبسنا غيضاً من فيضهاء سوى 
استمراراً لنصوص أوغاريت . إن الوحدة بين إيل كنعان وإله موسى التوراتي ليثبتباء في 
رأيناء برهان قاطع لا سبيل إلى دحضه أو تفنيده . فلقد صب مدونو التوراة كل لعناتهم 
عبر أسفار الكتاب ؛ على الهة كنعان والهة الشعوب امجاورة» دون أن يتعرضوا بالذكر 
ارت الأياب الكدعاني إيل . فهل يعقل أن يستننى هذا الإله من سخط كهنة يبوه إن لم 
يكن يبوه شكلا من أشكاله؟ وإن لم يكن الاتجاه الهبوي داخل الديانة العبرية معادلاً 
للاتجاه الايلي داخل الديانة الكنعانية ؟ 

سابعاً ‏ حدثت التلفيقة الكبرى خلال القرن الخامس قبل الميلاد» عندما بدا 
كهنة المبود في المنفى بتدوين التوراة في صيغته النهائية» حيث حاول المدونون إظهار الاتجاه 
المبوي داخل الديانة العبرية المتعددة الاتجاهات», على أنه ديانة عبرية مستقلة ومتميزة 
منذ بدايتها الأولى» وأن الاتجاهات الأتحرى لم تكن إلا تأثيرات غريبة طرأت على الديانة 
من نخارجهاء نتيجة الاحتكاك بالشعوب الأجنبية . ولقد كان الوضع العام مهيئاً لترسيخ 
مثل هذه التلفيقة» بسبب المايز النسبي الذي حققه أخيراً الاتجاه المبوي بعد صراعه 
الطويل » عن الاتجاه الايلي الكنعاني العام» وتكوينه لشريعة خاصة وجدت صيغتها النهائية 
بعد الاحتكاك المباشر بشرائع ثقافة وادي الرافدين الناضجة ذات التاريخ العريق. 


والان . عند القرن الأول قبل المسيح بدا وكأن الأمر قد استتب تماما للإله الأب إله 
السماء الأعلى» وأن الإله.الإبن قد هوى صريعاً إلى عالم الظلمات دون رجعة . تدلنا على 


1 له 


ذلك بوضوح نصوص التوراة المتأخرة» التي لا نلمح فيها آثار الصراع القديم» بل نراها 
تؤسس لصراع جديد داخل مؤسسة إله السماء الواحد. لقد أفلح إله موسى في التربع 
وحيدا على عرش الكون » وبدأ يحقق بالفعل صورته التي ارتسمت تدريجيا في قلوب وألباب 
أصحاب الاتجاه الايلي» بعد صراع مرير داخل النفس البشرية وخارجها. تلك الصورة 
التي بشر بخطوطها العامة الملك سليمان دون أن يؤمن بهاء عندما قال أمام الشعب بعد 
أن انتبى من بناء بيت لسكنى الرب : « والآن أيها الربء فليتحقق كلامك الذي 
كلمت به عبدك دارذ.. لأنه هل يسكن الله حقا مع الانسان على الأرض؟ هو ذا 
السماوات وسماء السماوات لا تسعك» فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت ... فاسمع 
أنت من السماء مكان سكناك, واغفر واعط كل إنسان حسب كل طرقه 5 تعرف 
قلبه . لأنك أنت وحدك تعرف قلوب بني البشر. لكي يخافوك ويسيروا في طرقك كل 
الأيام التي يحيون فيها على وجه الأرض ... الأجنبي الذي هو ليس من شعبك إسرائيل وقد 
جاء من أرض بعيدة من أجل اسمك العظم ويدك القوية وذراعك الممدودة . فمتى جاءوا 
وصلوا في هذا البيت» فاسمع أنت من السماء مكان سكناك وافعل حسب كل ما 
يدعوك به الاجتبيء لكي يعلم كل شعوب الأْرْض اسمك فيخافوك كشعبك 
إسرائيل . »07 

كا تلمح تباشير صورة الإله الواحد الكاملة» في سفر أشعياء رغم أن هذا السفر 
بقي زاخراً بالصور الوثنية . فبعد أن كانت الأسفار الأولى تصف الرب بأنه أعظم الآلهةء 
نجده في سفر أشعيا وبعض الأسفار القلية الأحرى, الاله الواحد القادر ولا إله غيه: 
« أنا الأول والآخر ولا إله غيري »”". « أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي . مصور 
النور و خالق الظلمة؛ صانع السلام وخالق الشر »”. « أنا هو . أنا الأول وأنا الآخر. 
ويل أسبست لاضن ويميني نشرت السماوات » أنا أدعوهن فيقفن معا »». وبعد أن 
كان إلا لشعب واحد تأخذ ثموليته بالتوضح أكثر فأكثر: « أليس أنا الرب ولا إله 





العهد القديمء اخبار الأيام الثاني 5 : 35-١17‏ . -1 
العهد القدي , اشعيا 41 : 5 7 . 2 
العهد القديم . اشعيا 48 : 5 ل . 7 
العهد القديمء أشعيا 44 : 1١5‏ 21 3 


-59 سهد 


غيري . إله بار ومخلص ليس سواي . التفتوا إلى وأخلصوا يا جميع أقاصي الأض» لأني أنا 
الله وليس آخر . بذاتي أقسمت» خرج من فمي الصدق كلمة لا ترجعء أنه لي تجثو 
كل ركبة » يحلف كل لسان » ”". وبعد أن كان إها منتقما يفتقد ذنوب الاباء في الابناء» 
تظهر جوانبه الأخرى كإله غفور مجيب الدعاء :« اطلبوا الرب مادام يوجد» ادعوه وهو 
قريب . ليترك الشرير طريقه ورجل الاثم أفكاره» وليتب إلى الرب فيحمه وإلى إهنا لأنه 
يكثر الغفران ... لأنه م ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان 
الأْض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زبعا للزارع وخبزا للاكل . هكذا تكون كلمتي التي 
تخرج من فمي لا ترجع إلي فارغة بل تعمل ما سررت به »”. إلا أننا يجب أن لا نتفاءل 
كيرا بما تقدمه هذه المقاطع من تباشير بصورة جديدة لاله العهد القديم . ذلك أن سفر 
أشعيا نفسه يقدم لنا كذلك صورا تعود إلى ماضي إله العهد القديم لا إلى صورته 
المستقبلية : « في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظم الشديد لوياتان الحية 
الحاربة . لوياتان الحية المتحوية ويقتل التنين الذي في البحر »”" وأيضا: « استيقظي 
استيقظي » البسبي قوة يا ذراع الرب» استيقظي كا في القدم. 6 في الأدوار القديمة. 
ألست أنت القاطعة رهبء الطاعنة التنين ؟ »4 يضاف إلى ذلك أن التعصبه 
والانعزالية التي ترسخت في المجتمع اليبودي تدريجياء قد جعلت من الصعب عليه 
الوصول بصورة الاله الواحد الشامل إلى منتهاهاء والخروج بها من حلقة امجتمع المبودي 
الضيق» إلى الآفاق الرحيبة للمجتمع الانساني الكبير. لذا كان على هذه الصورة أن 
تنتظر اللحظة « صفر ». عندما قرر الاله ,الواحد القديم الدخولفي الزمن 5 
والابانة عن نفسه كإله أب كوني شامل » وبنفس الوقت كإله ابن يستعير عدا هن 
العذراء يتراءى به على الأيِض . ثم يموت ويبعث إلى سمائه ثانية ملغياً 9 
مرة واحدة وإلى الأبدء التناقض بين إيل وبعل... ها أجراس الميلاد تقرع» ومريم تلد 


العهد القديمء أشعيا 468: ١11ل‏ "5 . -1 
العهد القديم , أشعيا 8ه : 5 -- 1١١‏ . 2 
العهد القديم» أشعيا لا١: ١‏ . 3 
العهد القديم. أشعيا :5١‏ 4 . 4 


الال/ا”# لدم 


كان لابد من حدوث الانقلاب المسيحي داخل المؤسسة الدينية اليهودية» من 
أجل تحرير فكرة الاله الواحد الشامل ونشرها. لأن هذه الفكرة كانت قد وصلت إلى 
مأزق لاخروج منه. مع التعصب الديني والانغلاق الثقاني للشعب المبوديء وإصراره على 
احتكار الإله الكوني» واعتباره إلا لبني إسرائيل فقط وخصما لبقية البشر. ورغم أن 
المسيحية قد بدت أول عهدها كإصلاح ديني داخل المؤسسة الدينية المبودية؛ ورغم أن 
أقوال السيد المسيح » التي فسرها أصحاب الاتجاه اليبودي ‏ المسيحي على هواهم , ومنها 
حادثة المرأة الكنعانية. التي رفض المسيح علاج ابنها المريض عندما قال: « لم أرسل إلا إلى 
خراف بني إسرائيل الضالة » ”'. ورغم أن بعض الحواريين وعلى رأسهم بطرس الرسول لم 
يبشروا بالمسيح إلا بين أفراد الجاليات اليبودية خارج فلسطين» رغم كل ذلك فإن 
المسيحية استطاعت بعد فترة وجيزة» أن تثبت رسالتها الانسانية الشاملة» وأن تتوجه 
لبني البشر في كل مكان. 

من ناحية أخرى يكن الانقلاب المسيحي الجذري هو الذي حمل إلى العالم 
منفرداً فكرة الإله الكوني الواحد . ففي الجزيرة العربية التي بقيت طيلة التاريخ القديم في 
مناى عن أحداث العالم وصراعاته » والتي احتضنت لاجيال الديانة الابراهيمية بفرعها 
الاسماعيلي» بقي الإله الكوني الواحد حياً في قلوب الجماعات الحنيفية المتفرقة» حتى 
أرسل الله وحيه إلى محمد َه برسالة الواحد الحقى: « يا أيها المدثر قم فأنذرء وريك 
فكبرء وثيابك فطهرء والرجز فاهجر »'" «قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ول يولد وم 
يكن له كفوا أحد »©2. وبعد أقل من ربع قرن على نزول هذه الآيات . كان الاسلام 
يطرق بوابات العالم القديم , وينشر فكرة الاله الكوني الواحد في مطالع الشمس ومغاريهاء 
مشكلا مع المسيحية الحياة الروحية لانسان العالم الحديث » في الوقت الذي تحجر فيه إله 
العهد القديم مع البقايا المتحجرة للمجتمع المبودي . 





العهد الجديد, إنجيل متى :١8‏ 55 . 1 
قرآن كريمء سورة المدثر ١ل‏ 4 . 2 
قران كريم » سورة الاخلاص ١‏ س5 . 3 


حك لا 


عرن_رار المخراصرة 
1 


ل يمر على الانسان وقت لم يكن فيه مأخوذاً بفكرة خلود الروح» والخلاص من 
عالم المادة إلى عالم آخر ذي طبيعة مغايرة .فقبل ظهور « الانسان العاقل » الذي تعتبر 
البشرية اليوم استمرارا لهء كان الانسان النياندرَالي الشبيه بالقرد يدفن موتاه وفق طقوس 
خاصة ويضع في قبورهم بعض الطعام والشراب» مما يدل على اعتقاده بأن الموت ليس إلا 
معبرا من حالة إلى حالة ومن عالم إلى عالم. م تقدم لنا حفريات العصور الججرية القديمة 
بينات كثيرة على طقس واعتقاد مماثل . 

ويبدو أن القمر كان منذ فجر الانسانية» مركزا لمعتقد وطقس الخلود والخلاص . 
فالقمر الذي يجدد نفسه كل شهر في حركة دائمة» وينبعث من العالم الاسفل جديدا 
كلما هبط إليه؛ نما يضع أمام الانسان مثالء ويهبه أملاً غامضاً في السير على. منواله 
والبعث بعد الهبوط إلى باطن الارض . ولعلنا واجدين في معتقدات الشعوب البدائية للعصر 
الحديث بقية من معتقد الانسان القدبم ونظرته للقمر. 

ففي الملايوء يعتقد بعض القبائل بأن انبعاث القمر الشهري هو الذي يحفظ 


709084 د 


حياة البشر على الأْض» ولذلك كانوا يقيمون الطقوس التي من شأنها مساعدته على 
الظهور 'ثانية» في الليلة الظلماء التي يغيب فيها في أعماق الأوضِ . وعندما يقوم الهنود 
الحمر برقصاتهم الطقسية في ليالي القمر ينشدون: 5م يموت القمر ثم ينبض للحياة من 
جديد, كذلك نحن نموت» ولكن الحياة الجديدة في انتظارنا . ويشيع لدى قبائل أخرى 
دعاء موجه للقمر يقول : هل لي أن أجدد حياتي ‏ تجدد أنت حياتك . وفي مدغشقر 
تقول الأسطورة إن البشر لما خلقوا أول مرة خيروا في أن يتجددوا م يتجدد القمر فيخلدوا 
بذواتهم» أو أن يتجددوا كا تتجدد شجرة الموزء أي بتخليد نوعهم عن طريق بذورهمء 
فاختاروا النوع الثاني من الخلود. مفضلين الحياة الجنسية التي تهب البنين على جنة لا 
تربط المرأة والرجل برباط الجنس» تماما كا هو حال الرواية التوراتية عن آدم وحواء اللذين 
خسرا الخلود الفردي مقابل الفعل الجنسي الذي يخلد النوع. وني ميلانيزيا تقول 
الأسطورة» أن إهة القمر الكامل أرادت أن تسبغ نعمة التجدد والخلود على البشرء ولكن 
أختها إهة القمر الهلال قد حولت تلك النعمة إلى جنس الأفاعي ( قارن مع ملحمة 
جلجامش ). وفي أستراليا اعتقد السكان الأصليون أن البشر في مطلع غهدهمء كنوا 
يتجددون 5 القمر فيبعثون في اليوم الثالث لموتهه”" . 

لقد رأى إنسان العصر الحجري في القمر إهة خالدة قادرة على تجديد نفسها 
أبدا » وقادرة على منح الخلود لعبادها . وعندما صارت إل القمر الخالدة إهة للدورة 
الزراعية ا قوت .تيع سنوي لسكناف كؤرة (التضرل 6 يقن ممق عشكان أملذ للانيتان 
ببعث ممائل . فالإلهة التي هبطت إلى العالم الأسفل لتنترع حياة النبات من غياهب 
الموت فتهب البشر هعاشا في هذه الحياة » قد ذاقت الموت أيضا لتهب البشر خلاصا من 
الموت وبعفاً إلى عالم أفضل . إلا أن نعمة الخلود لم تكن مبذولة للجميع » كا لم تكن جزاء 
يناله كل من أدى فريضة العبادة وطقوسها وسار في خط الأخلاق القوم » بل كانت 
وقفاً على الخاصة ممن استطاعوا في هذه الحياة » ومن خلال رياضات روحية شاقة 
وطقوس سرية متاحة للقلة » أن ينتشلوا جوهر الروح من حمأة المادة ويحققوا لقاء المتناهي 
باللامتناهي » الانساني بالالمي » في أعماق النفس الإنسانية » في تجربة تجعل من الوعد 
الاتي خبة معاشة الان والساعة . 





22310-1 رقع طا140 عغط1 ,السو كلظ رعطه18 -1 


ل ءلل3 لما 





ففي الديانات الرسمية لمعظم حضارات الشرق الأدنى وحوض المتوسط ء لانعثر 
منذ بدايات عصور الكتابة على اعتقاد واضح في وجود حياة ثانية وخلاص إلى عالم 
أفضل . فالموت كان نباية الحياة الفردية » وأرواح البشر دون تمييز تذهب إلى العالم 
الأسفل , لتبقى هناك في حالة من الوجود الممض الثقيل . في جو مظلم مغبر ساكن 
وزمن راكد لاجريان فيه ولاتغيير . هذه كانت حال العالم الأسفل في بلاد الرافدين » 
الذي أطلق عليه السومريون والبابليون اسم «كور» » وكذلك حال العالم الأسفل في 
الميثولوجيا الاغريقية التي اطلقت عليه اسم «هاديس» . ولم يشذ عن ذلك » العالم 
الأسفل التوراني الذي اطلق عليه العبرانيون اسم «شيكول» أو «المحاوية» في الترجمات 
العربية . فالعبرانيون قد ساروا في تصوراتهم الأخروية على نسق التصورات السومرية 
والبابلية » وبقيت فكرة الخلود والعالم الاخر غامضة لديهم حتى ظهور المسيح الذي حرر 
الموق وفتح أمام البشرية بوابة السماء ”© . ففي الفلكلور المسيحي الذي اعتمد انبيلاً 
منحولاً اسمه انجيل «نيكوديوس» يببط المسيح بعد موته إلى العالم الأسفل ليحرر الموقق 
وجميع الأنبياء امحتجزين هناك منذ زمن ابراههم . وقبل ظهور نور المسيح في عالم الظلمات 
يشعر الموت بأن أمرا ما سؤف يحدث . فيلتفت إلى الشيطان يحدثه قائلا : إننبي لاشعر 
بمن ابتلعتهم منذ الخليقة يضطربون في جوفي فبطني اليوم تؤلني . وما أن أتم كلامه حتى 
بزغ من غياهب الظلمة نور أسطع من نور الشمس أضاء العالم الأسفل كله » وجلجل 
صوت كقصف الرعد قائلاً : افتح أبوابك الأبدية ليدحل إليك ملك امجد . فاضطرب 
الشيطان وأعوانه محاولين تدعم بوابات العالم الأسفل متسائلين : ومن هو ملك المجد 
هذا ؟ فأجابهم الأنبياء وخصوصاً أشعيا والملك داود : إنه الرب الجليل الذي سيحطم 
نزاباك التحاض وكير قتتان اديت لتكرر الماسوون فيز كعاب الوك المظلفة + 
ولكن يد المسيح تمتد الى الشيطان قبل أن يستطيع صد البوابات في وجهه » ويسلمه إلى 
الملائكة الذين قيدوه وأطبقوا فمه » ثم يقوم بتحرير آدم والأنبياء والقديسين ويرفعهم معه 
إلى السماء”” . 





2 وج د للا يا ف جَ الشق الم ا اذ 5 
لمزيد من التفاصيل حول فكرة الموت والعالم الاسفل في اسطورة الشرق القديم » راجع مؤلفي 1 
« مغامرة العقل الأولى » » سفر العالم الأسفل . 
.لا 5010غلز1 مسملاأكأتط0) ,لارعلا8 عع06018. 2 


عد 7572 اح 


إلى جانب هذا المعتقد الرسمي المرتبط بعبادة الالهة الشمسية » نجد معتقدات 
الخلاص «النشور إلى عالم آخرء قائمة في قلب الديانات العشتارية ذات الأصول 
القمرية . وقد بقيت هذه المعتقدات جزءا من ديانات الخصب » محافظ عليها وتمارس 
فونه خلعات فيقة داس[ الدرانة تفينها »إل أن "امات نح الخلنات مدكا: 
ديانات سرية خخاصة بها » وهي ديانات الأسرار التي شاعت في الشرق القديم والعالم 
اليوناني ‏ الروماني » خلال القرون القليلة السابقة لميلاد السيد المسيح . ورغم أن هذه 
الديانات فد وكرت خول الىة اللأصب: ؤانها إلا أن قد ملت من فكرة لالض كرا 
ادها وطقسا + متفدة عن عضقة الحعطب الذي قات عله + وقول إله عدب 
إلى مخلص للبشر من عالم المادة الفاني إلى عالم الروح الباق . وتحولت طقوس الخصب 
السنوية إلى طقوس سرية مقتصرة على فئة قليلة ؛ تهدف إلى تخليص أتباعها من الموت عن 
طريق التوحد بالاله الذي عرف الموت وانتصر عليه . ففي الوقت الذي كان يحتفل فيه 
أتباع ديانات الخصب ببعث روح الخصوبة لتدفع عنهم جوع عام آخر» كان أتباع 
ديانات الخلاص يحتفلون ببعث المخلص الذي يفتح,ءلهم بوابة الأببدية . ورغم أن الفريقين 
كانا يحتفلان بنفس الدرام الالهي القاتم على دورة حياة إله الخصب . فان أحداث هذا 
الدرام كانت تتخذ معاني سرية خاصة عند أنباع الأسرار . حتى إذا وصل الدرام نهايته » 
رفع ممثلو درام الخصب باقة طرية من سنابل القمح الذهبية » رمزاً لولادة إهة الخصب من 
ظلام العالم الأسفلال ؛ ورفع ممثلو درام الخلاص نفس الباقة » رمزاً لولادة جوهر الروح 
الذهبي الذي لايفنى . 

ان ما نعرفه عن ديانات الأسرار قليل جداً مقارنة باهمية تلك الديانات في الحياة 
الروحية للحضارات الكبرى وشيوعها الواسع . وذلك يعود إلى الطبيعة السرية لتلك 
الديانات » والتكتم الشديد الذي فرضته على نفسها . فهي رغم كرتها قد نشأت أصلاً 
في منطقة شق المتوسط ومنها انتشرت إلى العالم اليوناني ‏ الروماني”'' فان جل معلوماتنا 
عنها مستقى من أشكاها الغربية . ولعل أهم ماتميزت به ديانات الأسرار هو طقوس العبور 
« 19168ئه1 » المغروضة على المريد الجديد الذي يستعد للانضمام إلى حلقة الجماعة 





95 2 ,1325101081102 نعط لطة 5195625 التمعاعمة ,االتسطءذ أندهظ ‏ -1 


35 لد 


الناجية . وهذه الطقوس تبدأ بنوع من التطهير المادي الذي يعكس استعداد المريد إلى 
تطهير روحه من كل ما علق بها من مراحل حياته السابقة وتجهيزها للمرحلة الجديدة . 
يل ذلك طقس الموت الرمزي والبعث » حيث يتم تمثيل موت المريد ثم افاقته من الموت » 
وذلك كناية عن فناء نفسه القديمة وانتعاش نفسه الجديدة المستعدة لتقبل الخلاص . وهنا 
تنتبي مرحلة العبور الأولى إلى أسرار الخلاص . ولكن مراحل أخرى في انتظار المريد قبل 
أن يصل إلى مرتبة العارف . ولكل مرحلة طقوسها الخاصة التي تومن عبورة إلى المرحلة 
التي تليها » وتعطيه معرفة جديدة وتفتح قلبه وروحه على عوالم نورانية جديدة . والمعرفة هنا 
ليست ذلك النوع من المعارف العقلية التي تقدمها المدارس الفلسفية لتلاميذها » بل 
هي عرفان نابع من الداخل .وخبرة روحية ليس لها معادل من كلمات مرصوفة . خخبرة 
يحصلها المريد بجهده وكدحه وتوجيه من سبقوه في الطريق . فالأسرار ليست تعاليم دينية 
وعبادات » وطقوسها ليست هدفاً بحد ذاتها بل أدوات . 


تقدم لنا الأسرار الاليوسية ( نسبة إلى إيليوسيس ء المقر الرئيسي لعبادة الإلمة 
ديمتر في اليونان ‏ نموذجاً عن الأسرار العشتارية القديمة الصافية . وقد انحدرت الأمرار 
الديمترية من فترات موغلة في القدم سابقة على الحضارة الإغريقية » وورد أول ذكر مكتوب 
خا فق تله هيويية تقول أن انرا الدعرية قد أسست من قل الافةتقجها»: وأن 
المشاركين في تلك الأسرار هم المباركون الذين تفتح هذه الطقوس أمامهم بوابة الخلود"" . 
وفي نص من مطلع القرن الرابع ( ق . م ) نقرأ : لقد وهبت الإنمة ديمتر للبشرية شيئين 
عندما حلت في إيليوسيس . الأول نتاج الحقل الذي حول الإنسان عن حال الحيوان » 
والثاني طقوس الأسرار التي جعلتنا ننظر بأمل إلى نهاية الحياة'" . إن معجزة تمو النبات 
من باطن الأْض وتناوب الدورة الزراعية بين الموت والحياة ليس إلا نموذجاً للمعجزة 
المقبلة » معجزة بعث الأرواح بعد الموت ورفعها إلى العوالم النورانية . لقد أذ الإنسان 
ثمار الأْض من يد الموت » من هاديس إله العالم الأسفل الذي أشرنا سابقاً إلى أن اسمه 





.4 2 رؤعاطة)1495 لقنم تكداعا8 01 كقتصدء11 ع1 ,00 ,ععئلد171 -1 
.15 2 ,10ط1 2 


منت“ :12/28 ؟سنت 





يعني « واهب الخيرات » » ومن يد زوجته ببرسفوني التي ليست إلا ديمتر في وجهها 
الأسود الآخر . ومن يد الموت أيضاً سوف تعطي له ديمتر الحياة » عن طريق الطقوس 
السرية والخبرة التي يمر بها المشاركون في تلك الطقوس . 

عرفت بلاد الإغريق نوعين من الطقوس الديمترية هما الطقوس الصغرى والطقوس 
الكبرى . كانت الطقوس الصغرى تقام في كل عام احتفالاً بعثور ديمتر على ابنتها 
وصعود بيرسفون من العالم الأسفل . وكان يغلب على هذه الطقوس طابع احتفالات 
الخصب . أما الطقوس الكبرى فكانت تتم مرة كل خمسة أعوام وهي مخصصة لديمتر 
امخلّصة وأسرارها الاليوسية . فكان مركب المشاركين في الطقوس الكبرى » ممن تم 
احتيارهم لدخول أسرارها والعبور إلى حلقة خاصة عبادها » ينطلق من أثينا مشياً على 
الأقدام في طريق طويل إلى إيليوسيس . وعند المرور قرب البحر كان المشاركون ينزلون في 
الماء لتطهير أنفسهم رمزياً من حياتهم السابقة » والاستعداد للحياة الجديدة التي 
تنتظرهم . كا كانوا يطهرون بالماء خنازير جاؤوا بها معهم فيقدموتها قرياناً للآهة . 
وفي إبليوسيس تبدأ طقوس العبور بعدد من الطقوس المهيدية منها تناول شراب .خاص » 
رأكل نوع بن الكمك الضبووع عن الدقوب» ومدل بدراياء لعجاف رفوي وغودة! 
ثانية . أما ما تبقى من الأسرار فقد بقي أمراً غامضاً إلى يومنا هذا » لأن المشاركين فيها قد 
حاذروا دوماً من البوح بحقيقة ما كان يجري هناك(" . ولكنهم بلا شك قد خبروا تجربة 
فريدة هزت كيانهم وبدلت حياتهم المادية والروحية . تقول إحدى التراتيل الديمترية عن 
طقوس العبور الكبرى : « لقد رأى النعفة الالمية من شهد هذه الأسرار » وعاش في 
الضلالة من لم يشارك بها وسد في وجهه الطريق . تعيساً يببط إلى غياهب الظلمة 
والديجور”" . ». وتضع الأسطورة على لسان البطل هرقل » الذي مر بأسرار إيليوسيس قبل 
نزوله إلى العالم الأسفل » قوله : لقد نجحت لأني قد رأيت ما رأيت في إيليوسيس” . 


إن تمثيل الدراما الالمية في طقوس الأسرار أو تلاوتها من قبل المنشدين » إنما يتخذ 


.108 2 ,ولاع 1425010 علعء2 ,لمعت .7 -1 
.23 2 ,معط ه14 أدع05) ع1 رممفمصسيوعلة8 طعومظ ‏ -2 
.39 2 ,117/5621 2دتسأدباعاظ 01 ع8 لتصدعء11 عط1' ,00 ععئغلة1ا - 3 


-7586 د 


في هذه الطقوس دوراً مركزياً أساسياً في التحضير لتلقي الحقائق الكامنة وراء كل عمل , 
من أعمال الالهة الممثلة في الدراما . وإن ما تحاول الأسرار أن تنقله للمريد المشارك » هو 
أن الأسطورة رغم شكلها الخارجي كتتابع لأحداث إهية تروى في صيغة الماضي » فإنها 
حقيقة أزلية وحاضر مستمر حي لا يتحول أبدا إلى ماض ميت » وأن احدائها تلك 
ليست إلا تعبيرا عن حقائق جوهرية من حقائق النفس والروح والوجود الكلي . هنا فقط 
تستطيع الأسطورة أن تمارس دورها الفعلي كمعلم روحي . لا كحدوته تصف أحداثاً 
تعاقبت في زمن ما لا تربطنا به رابطة : وهنا فقط يشعر المريد » في الاسرار الديمترية » ان 
الالمتين حاضرتان معه الآن والساعة » وأنهما جزء لا يتجزأ من كيانه لأنهما وحدة الحياة 
والموت في جسده وروحه » وتحول كل منهما إلى الآخر في حركة دائبة . لقد حاولت 
الأسرار الديمترية أن تعيد, الوحدة القديمة بين الاله والإنسان » في زمن بدأت فيه الأسطورة 
بالتحول إلى لاهوت وتعالم » إلى جثة هامدة لا بهاء فيها ولا ألق . 


بعدما حل الاله الابن محل الأم الكبرى كيطل رئيسي في درام الخصب السنوي 3 
حل محلها أيضاً كبطل رئيسي في درام الخلاص » وصار الإله الذي دفعت به إنانا إلى 
العالم الأسفل من أجل ضمان استمرار الدورة الزراعية » إِها مخلصاً للبشر من ربقة 
الموت . لقد بذلت عشتار ابنها الوحيد من أجل خلاص العالم . ولسوف يستمر المعنى 
السري لهذ الأسطورة حياً في ديانات الأسرار ويدخل عنصراً أساسياً في المسيحية التي 
يتركز معتقدها وطقسها على هذه الفكرة . نقرأ في انجيل يوحنا : « لأنه هكذا أحب الله 
العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يبلك كل من يمن به بل تككون له الحياة الأبدية”؟ . 

وقد أخذ الاله الابن بالاستقلال تدريجياً عن الأم الكبرى في ديانات الخلاص , 
حتى صار في بعضها البطل الوحيد ؛ يقود ملحمة الخلاص دون أم كبر . وقد حصل 





العهد الجديد , انجيل يوحنا . ” : ١١‏ 1 


مم73 د 


هذا التطور في ديانتين رئيسيتين من ديانات الخلاص التي شاعت في العالم 
اليوناني ‏ الروماني بين سنة ٠٠٠١‏ ق . م وسنة ٠٠١‏ ميلادية . وهما ديانة ميترا امخلص 
الشمسبي الذي غزا الامبراطورية الرومانية قادماً من فارس ( والذي قارعت ديانته السرية 
الديانة المسيحية الناشكة مدة قرنين قبل أن تتراجع أمامها ) والديانة الأورفية التي نشأت 
في قلب ديانة الخصب الديونيسية ثم استقلت عنها وحولت إلهها ديونسيوس إله الخصب 
والكرمة والخمر إلى إله مخلص . 


تنتسب الديانة الأورفية إلى «أورفيوس» نبي الإله ديونيسيوس المخلص » ومؤسس 
أسراره . تجعله بعض الروايات ابناً للحورية «كاليوني» دون أن تحفل بذكر الأب . ويغلب 
الظن أن أورفيوس كان. شخصية دينية عاشت حال بطع الغركه العمادسن كيل الميلاد . ثم 
رفعتها الفرقة الدينية التي أسستها إلى مصاف الألهة”') . وتصور الأساطير الأورفية | لنبي 
الإله اورفيوس شاباً جميلاً حالما ينشد أغانيه في البراربي على أححان قيثارته السحرية ؛ فيأسر 
غناه كل الخلوقات , وتجتمع حوله الحيوانات من شتى الفصائل » والأشجار » لتستمع 
إلى ألحانه التي كانت أيضاً تمرك الأحجار والصخور . أحب الحورية «أوريديس» التى 
كانت الأنثى الوحيدة في حياته . ولكنها هاتت قبل الآوان ٠‏ فمضى أورفيوس يملا الأوض 
أنغاماً حزينة » حتى رق له قلب إله وإطة العالم الأسفل اللدين اعد بس الحا 
فسمحا له بالهيوط إلى عالم الموق واستعادة حبيبته من هناك تحت شرط واحد . هو أن 
يقودها خارجاً بها دون أن ينظر إلييا حتى وصوهما إلى العالم الأرضي . عثر أورفيوس على 
حبيبته ومشى بها عبر بوابات الجحمم » ولكن صبو نفذ عند البوابة الاخرة فالتفت إلييا » 
وحالاً سحبتها قوى الموت نحو الأعماق من جديد » فصعد أورفيوس وحيداً وتو عل 
نفسه عفد فما اقترب من امرأة » إلى أن قتلته نساء تراقيا غيرة وحسداً ومزقته إرباً » وألقين 
به وقينارته إلى مياه النهبر” . وبذلك يلقى نبي ديونيسيوس ء نفس اليتة التي ماتها إلهه من 
قبله عندما مزق التيتان جسده إرياً » وتبقى عذاباته موضوعا دائما لتفجع أتباع 
الأورفية » الذين بقوا يسترجعون ذكراها ويعيشونها في احتفالاتهم . 





7 2 رومع و١‏ عنطو 0 عط ,لتلا موغلة 178‏ -1 
149 2 ,لزع ه01 ط غ84 عاع:01 ,15320ن 2.0 -2 


17741 


لكي نفهم فكرة الخلاص لدى الفرقة الأورفية » يتوجب علينا أن نفهم نظرية 
التكوين الأورفية في خلق العالم وظهور الآهة والبشر ء لاعها تقدم مفتاحاً للولوج إلى عالم 
الأويية السري وتصوراها الكونية والأخروية . تقسم الأسطورة الأورفية تاريخ الكون إلى 
ثلاثة أدواز تتطابق مع المراحل الثلاث التي مر بها الاله ديونيسيوس منذ العماء البدثي » 
إلى حادث مرته وارتفاعه مخلصا للبشرية . ففي البدء » كانت البيضة الكونية التي 
انشقت ليخرج منها ديونيسيوس فانيس » أي ديونيسيوس المضيء أو جامل الضياء » 
الذي كان ذكراً وأتنى في آن معا » وله رأس الثور وجناحان من ذهب » وفي داخله بذور 
الآلحة وجميع مظاهر الكون التي ما لبئت أن انبئقت عنه . من أسمائه في هذه المرحلة 
« إيروس » ومن أسمائه «ميتيس» . وكانت الالهة «نيكس» أي الليل أول ذريته » فكان 
أباها وأمها في نفس الوقت . ثم انجبت نيكس الأْض «جيا» والسماء «أورانوس» ثم 
«كرونوس» . وهنا ينتبي الدور الكوني الأول ليبدأ الدور الثاني الذي يحكمه ديونيسيوس 
أيضاً تحت اسم زيوس . كان زيوس أعظم أحفاد ديونيسيوس فانيس » ولكنه لم يتوصل 
إلى السلطان إلا بعد ابتلاعه للإله البدثي فائيس نفسه . لم يكن هذا الابتلاع بمثابة فعل 
مجي بمارسه حفيد صغير للاستيلاء على عرش الجد الأكبر » بل كان فعلاً طببعياً ضم 
الوجود الستاتيكي السكوني للاله فانيس » إلى الوجود الديناميكي الحركي للإله زيوس في 
كل موحد . فبعد هذا الابتلاع تبدأ معالم الوجود المادي المنظم بالظهور والتشكل . ثم 
يضاجع زيوس ابنته بيرسفوني وينجب منها ديونيسيوس ‏ زاغروس . وقبل أن يشب 
زاغروس عن الطوق يعهد إليه أبوه بحكم العالم الأعلى والعالم الأسفل معاً » الأمر الذي أثار 
غيرة التيتان فانقضوا على الطفل فمزقوه إرباً والتهموه . ولكن زيوس عاجلهم بصواعقه 
فأحاهم إلى رماد » ومن رمادهم خرج الجنس البشري الذي ينضوي في جبلته على شر 
متأصل وريه عن النيتان » وعلى قبس من روح الألوهة وربه عن ديونيسيوس الذي التهمه 
التيتان . وهنا ينبي الدور الكوني الثاني ليبدأ الدور الثالث» دور 
ديونيسيوس ‏ زاغروس المخلص . فالالهة أثينا التي كانت على مقربة من مسرح الجرمة ‏ 
قد استطاعت انقاذ قلب الاله قبل أن يأتي عليه التيتان مع بقية الأعضاء . فحملته إلى 
زيوس الذي شق فخذه وحضنه فيه حتى اكتمل جنيناً ثم أخرجه إلى العالم مرة أخرى » 
فكانت ولادة ديونيسيوس ‏ ليسيوس مخلص البشرية وحرر الأزواح . قمع ديونيسيوس 


لالالم؟ مه 


الأول انفضت الوحدة إلى الكثرة غ ومع ديونيسيوس الثالث ترجع الكثرة إلى أصلها قُِ 

الواحد في 0 0 3 م 0 0 في ب 0 » كذلك هي 
لي ( قبل أن تتحرر من كئافة المادة 1 الحسد راجعة 71 00 في العوالم 
الذي يخرج أرواح البشر من سجن المادة إلى حرية الأبدية”"" . وهي نفس المهمة التي قام 
بها السيد المسيح فيمًا بعد عندما خخاطب الصيادين بطرس وأندراوس قائلاً : هلما وراني 
فأجعلكما صيادين للناس7» 


إلى جانب الديمترية والديونيسية » كانت ديانة الإلهة سيبيل وابنها اتيس . ثالث 
أكبر ديانات الخصب في العالم اليوناي ‏ الروماني . وفي هذه الديانة أيضاً نشأت 
حلقات مرية لمعتقد الخلاص . عاشت داخل الديانة الأم دون أن تستقل عنها . وكان 
أتباع هذه الحلقات يمارسون طقوسهم واحتفالاهم الخاصة في المواعيد اللخصصة 
لاحتفالات ديانة الخصب السيبيلية نفسها . ورغم قلة ما نعرفه عن معتقدات تلك 
الجماعات وطقوسها , فإن نتفاً مبعثة من أخبارهم تدل على أن إله الخصب اتيس قد 
تحول في معتقدهم إلى إله مخلص » وأن غاية الطقوس السرية الانيسية كانت التوحد مع 
ذلك الإله » وخصوصاً عن طريق طقس العشاء السري » الذي يتناول خلاله الأتباع 
جسد الاله ويشربون دمه . ويسبق طقس العشاء السري فترة صوم قاسية » يطهر المريدون 
الجدد خلاها أجسادهم من اثار الغداء الأرضي ويستعدون اتلني جسد المخلص . وف 
نهاية الصيام يوق لهم بطعام في أوعية تشبه الطبول » وشراب في أوعية تشبه الصنوج ء 
وذلك على غرار الأدانين الموسيقيتين اللتين تستعملان في احتفالات اتيس الصاخبة 
المملوءة بالعنف ومشاهد الدم . وإلى جانب العشاء السري » كان من أبرز طقوس العبور 
إلى الأسرار الآتيسية » طقس العماد بالدم » حيث يوق بالمريد الجديد وينزل به إلى حفرة 
تغلق فوهتها بألواح من خشب » ثم يوت بثور فينحر فوق الفوهة المغطاة » ويترك دمه 





70-75 28 ,رقع 184511 علطم 0 ع1 ,للزلا رع زولظا -1 


العهد الجديد . انيل متى 54 : .١9--1١8‏ 2 


لاخمخم3 ا ل 


ينثال من شقوق الألواح فيتلقاه المريد مخضباً به جسده » ثم يخرج وقد غطاه الدم من 
رأسه إلى قدميه بين تبليل أقرانه وصلواتهم . فلقد غسل بدم الثور خطاياه الماضيات وولد 
من جديد بعد موته الرمزي » وبعث حياً في آنيس . ويبدو أن هذه الطقوس كانت تقام 
في روما في معبد الإلحة سيبيل الرئيسي الذي كان قائماً على تلة الفاتيكان » وفي نفس 
الكان الذي شيدت فيه كنيسة القديس بطرس . فقد تم العثور عام ١04.‏ خلال 
أعمال توسيع كنيسة الفاتيكان على مخطوطات تتعلق بطقوس اتيس المخلص0©. 


إذا انتقلنا إلى الشرق الأدنى القديم وجدنا في الديانة الأوزيرية المصرية أوضح مثال 
على معتقدات الخلاص الشرقية . فهنا تطور الاله أوزوريس . كغير من الهة الخصب » 
من إله قمري إلى إله للدورة الزراعية » وأخيراً إلى إله مخلص يحكم العالم الأسفل ويتلقى 
الموق فيحاسبهم على ما قدمت أيديهم في الحياة الدنيا » ويزن حسناتهم وسيئاتهم فيسل 
بامحسنين إلى النعيم وبالمفسدين إلى الجحيم . وفي شكله الأخير هذا » صار أوزوريس أكثر 
الآلهة شعبية في مصر خلال الألف الأول قبل الميلاد » وطغت عبادته تدريجيا على عبادة 
جميع الآلهة الرسمية . 

في بداية التاريخ المصري » كان الخلاص وقفاً على الملك الذي يعتبر تجسيداً بشرياً 
لأوزوريس » وكانت قصة حياة الإله القصيرة والامه وموته وبعثه » تتلى من قبل الملك 
شخضياً لضمان خلاصه وخلودة من دون بقية الإخر .وما لبث يعض الأقراد من الأسرة 
الملكية ومن علية القوم أن شاركوا في ذلك الطقس » فاتسعت دائرة الناجين وتأسست 
ديانة أوزوريس السرية التي بقيت في توسع مستمر حتى شملت أخيراً كل عابد صادق 
راغب في خلاص نفسه'" . وكان المحظوظ بين الناس من يجد له قطعة صغيرة من الارض 
يحفرها قرا له في الأْض المقدسة التي تضم قبر الاله وهيكله المقدس » فيشارك الاله بعنه 
وخلوده”" . هذا وتشير عادات الدفن إلى الأمل الذي يعقده الميت على أوزوريس الذي 
سيبعثه كا انبعث هو في سنابل القمح الجديدة . ففي كثير من القبور تم العثور على دمى 





408-409 22 لطعياو8 معل001 عط]1 ,ععموء2 دعصصول ‏ -1 
6 2 روعللعء)15495 واسمددره1] ,عمتلعد8 .354.8 2-2 


.17 2 ,لزج 10م ط 14 مماعمزع8 ,لندالا .ل -3 


عد :77/9 ميم 


مصنوعة من القماش محشوة يحبوب القمح موضوعه في تابوت خشبي أو فخاري قرب 
تايوت المتوفى . كم عثر على نوع آخخر من الدمى مصنوع وجهها من الشمع الأخضر 
المحشو بحبوب القمح . وقد توضع بين سائي المومياء دمى من طينة زرعت فيها حبوب 
قمح قد أنتشت وبرزت سيقانها الصغية'" . وإلى جانب عادات الدفن هذه » تزودنا 
الصلوات والأدعية الأوزيرية من كتاب الموق المصري » بفكرة عن أصول معتقد الخلاص 
الأريري . فرق إجداها >< أى أوزويش .يا أ :القدين .+ احفظ أعضاء بدي 
فلا أفنى . لم أفعل في حياتي أمراً تكرهه , فلا تجعلني أصير إلى الديدان » خلصني م 
خلصت نفسك ولا تتوكني إلى الفساد كبقية الأحياء . أي أوزوريس يا أني المقدس » 
جسدك لم يتحلل ‏ لم يدركه اهلاك » فاجعلني مثلك . دعني أحبى » دعني أستيقظ في 
سلام 0 

ورغم أن ديانة الخلاص الأوزيرية قد صارت مفتوحة أخيراً أمام الجميع : فإن هناك 
من الأدلة إلى أن الأمرار القديمة قد حافظت على استمرارها ضمن تيار الأوزيرية العام . 
ذلك أن الخلاص الذي تقدمه طقوس الأمرار يقود أصحابه نحو درجات أعلى من مجرد 
الاستمرار في حياة ما بعد القبر . والأسرار الأوزبرية في ذلك ٠»‏ إنما تشبه طرائق التصوف 
التي تقدم لأتباعها مفتاحاً لعوالم لا يصل إليها المتعبد العادي الذي يقصد بعبادته يجرد 
شراء مكان له في الجنة السماوية . وهكذا يحدثنا شاهد عيان هو المورخ الاغريقي 
« هيرودونس » . عن الطقوس السرية الاوزيرية المحجوية عن العامة فيقول باقتضاب : 
« على تلك البحية أمام المعبد في الدلتا » يقيم المصريون طقوسهم المكرسة لالههم الذي 
لن أنطق اسمه . ورغم شهودي لكل مأتم في ذلك المكان , فإني لن أزيد في القول عنه 
شيئاً ؛ وأمسك لساني ل أمسكته عن البوح بما رأيت في طقوس الإلحة ديمتر في 
إيليوسيس . ولكني أستطيع القول فقط , دون أن أقع في التجديف : إن بنات دانيوس 
هن من أنى بهذه الطقوس من مصر ودرين نساء بيلاسيان عليه" . 





.437-38 22 ,طوناهظ معل001 عغط]1' ,رععدء1 و5عصول ‏ -1 
6 2 ,رأعط 140 )0222 عط1 ,ممقمضسولك8 طعلمرظ ‏ -2 
02 2 ,قأمزو0 04 معاوع]1405 عط1 ,أعهدا! عع 1م06 -3 


ك5 





وعندما انتقلت عبادة إيزيس وأوزيريس إل العام الإواي ب الروماي عقي ترج 
الاسكندر » لعبت دوراً كبياً في الحياة الروحية هناك . وبقي تأثييها قائماً إلى ما بعد 
القرن الثاني الميلادي . وكان لكل من إيزيس وأوزوريس أسراره الخاصة ومعابده وعباده . 
وقد وصلنا هن القرن الثاني للميلاد » وصف حي لطقوس العبور في ديانة إيزيس 
اغخلصة . بقلم الكاتب الروماني « ابوليوس » الذي يعتير من كبار مثقفي تلك الفترة 
الحافلة بمازج الثقافات والديانات , والذي تحول فيما بعد إلى كاهن لإيزيس عقب مروره 
بأسرارها . نقرأ في كتابه المعروف بعنوان (كعه 001900 756) عن تجربته الشخصية ما يلي : 

« في الصباح , قادني الكاهن الأعظم من يدي إلى المعبد الكبير . وعندما فتح 
أبوابه قام بأداء شعائر الصباح المعروفة ‏ ثم مضى إلى الحرم وأحضر معه كتباً مكتوبة بمخط 
غير مألوف »2 لمحت في بعضها كتابة على شكل رسوم لحيوانات وما إليها » وفي بعضها 
الآخر كتابة خط عادي جرى وصل حروفه بعضها ببعض ودوائر من شأنها إخفاء مدلوها 
غلى غير الخبير بها . ثم قرأ علي تعليمات تتعلق بما يلزم التزود به من ثياب وحاجيات 
أخرى لازمة لطقس العبور المقبل . فمضيت لتوي وحصلت عليها 5 أشار . وعندما حل 
الموعد المحدد جاءني الكاهن الأعلى فقادني إلى الحمام ومعه كهنة آخرون كانوا يحفون بي 
طيلة الطريق . هناك أتممت غسلى المعتاد » ثم قام الكاهن نفسه بسكب ماء مقدس 
خاص على جسدي وهو يتلو صلوات وأدعية خاصة . فلما انتهينا أعادني إلى المعبد 
وأجلسني عند قدمي تمثال الإنمة » وأعطاني تعليمات مقدسة لا أجرؤٌ الآن حتى على 
الهمس بها ء ثم ألزمني صياماً خاصاً فلا أقرب اللحم والخمر عشرة أيام » أقتصر خلالها 
على الطعام البسيط اللازم لسد الرمق » ففعلت ذلك كله . وعندما حل مساء اليوم 
الأخير وأنا في موضعي » رأيت الكهان يتقاطرون علي من كل زوايا المعبد . وفي يد كل 
منهم هدية تبنئة » على ما تقتضيه العادة القديمة . ثم جاء الكاهن الأعظم فأمر بانصراف 
كل من لم يمر بطقوس العبور . ثم ألبسني عباءة قطنية » وقادني إلى قدس أقداس المعبد . 
لا أشك في هذه اللحظة . أن قارىء كلماتي هذه قد أخذه الشوق ليعرف ما جرى لي 
هناك. ولكني لو سمحت للساني بالنطق» وسمحت أنت لأذنك بالسمع . فإن لساني 
سيلقى جزاء بما نطق وأذنك جزاءً بما سمعت . ومع ذلك فإني أستطيع الافضاء لك بما هو 
مسموح لي أن أفضي » شريطة أن تكون مستعداً لتصديق كل كلمة فيه . فاستمع 


75933 سم 


إلي! لعل وتوت فين جافة الموث: الفعل ووضعة: قدمى عل عنة يضفو + م جعي 
أن أعود القهقرى سابحا عبر العناصر كلها . في منتصف الليل شهدت الشمس ساطعة 
كوقت الحاجرة . مثئلت في حضرة الة العالم الأسفل وكان آطة العالم الأغلى يقدمون لهم 
قرو الزلة : هكذا “ان »_وعتدماةانبى الطقتن الخليل “عوجت من كلاسن الأقداس 
وعلى اثنا عشر ثوباً » فأمرني الكاهن أن أصعد إلى المنبر القام في وسط المعبد أمام تمثال 
الإنفة » وأمسكني مشعلاً باليد الهنى ووضع على رأسي إكليلاً من أغصان التخيل , ثم 
رفعت الستارة التي تحجب المنبر من أمامي لتقع على عيون الجمع المحتشد" .. » . 


أما الاله أوزوريس فقد رحل إلى العالم اليوناني ‏ الروماني تحت اسمه الجديد 
« سيرابيس » المأخوذ عن الاسم المصري أوزوريس ‏ ابيس . ( والاسم ابيس » كا مر 
معنا سابقاً ؛ هو اسم الثور المقدس الذي بمثل أوزوريس ) . وقد أسس عبادته أول ملوك 
البطالمة في الاسكندرية » ومنها انتقل إلى رومه منذ عام 8٠٠‏ ق . م واستمرت عبادته 
قائمة حتى عام 71١‏ مء حيث كان الامبراطور الرؤماني جوليان من أتباعه في ذلك 
الوقت المتأخر . وفي رومه حاول أتباع سرابيس رفعه إطاً كونياً شمولياً . نقرأ في أحد 
النصوص عن لسان سورابيس : « السماء رأسي والبحر بطني والأرض قدمي والشمس 
عيني » . كا طمحت ديانته لأن تكون ديانة أمية عالمية » فاستعارت لإلهها ملاتح 
وخصائص الة متعددة من مصر وسورية وإيطاليا » الأمر الذي نشر عبادته على أوسع 
نطاق ممكن . فكانت صوره تعلق في أعناق الرومانيين وَاثيله تنصب في المرافء . وكان 
عدد من الأباطرة الرومان ميالين لديانته مشجعين على انتشارها » مثل كاليجولا وتيتوس 
وفسبازيان . ويروى أن الأخير كان يشفي العميان والمرضى بقوة إلهه سرابيس"" . 

لم تكن ديانة سبرابيس المخلص الوحيدة التي تسعى تحو الشمولية والأثمية » فإلى 
مئل هذه الشمولية والأثمية كان طموح الديانة الأورفية أيضاً . فكانت هذه بمظاهرها 
البسيطة وتجنبها بناء المعابد » وإقامة صلواتها وطقوسها في البيوت العادية » نموذجاً لحركة 
المسيحيين الأوائل . فإذا أضفنا إلى ذلك حشد الآلحة المخلصين الذين امتلأت بهم ثقافات 





.240-241 22 رؤوة 0010492 عط1 رذبااء آنامة  1-١‏ 
106-108 22 ,وع 14356 امعاعصة ,التسطعءة ابوط -2 


584:5 د 


الشرق القديم والبحر المتوسط . اكتملت أمام أعيننا صورة المشهد الذي شكل أرضية 
لملحمة انتصار ديانة الخلاص الجديدة المتركزة حول اخر الخلصين »؛ يسوع المسيح 2 
الذي ما زال وعده قائماً على الأرض . 


يسوع امخلص : 


لكي نفهم معتقد الخلاص الذي قدمه يسوع للبشرية » لا بد لنا من الرجوع 
إلى نظرية التكوين المسيحية م بناها آباء الكنيسة الأوائل انطلاقاً من العهد القديم ) 
وسيرة يسوع وأقواله » وأعمال الرسل وخاصة بولص ٠‏ وفكر أولتك الآباء المتأثر بحصيلة 
الثقافة المتوسطية في تلك الفترة الخصبة . 

فقبل ظهور المكان وجريان الزمان » ومنذ الأزل . كان هناك الاله الأب والاله 
الابن والروح القدس » ثلاثة في واحد . في أزمان ما قبل الأزمان تلك » وقبل أن يتجسد 
الابن في هيئة بشرية ليغدو يسوع الناصري ٠‏ وقبل أن هبط الروح القدس في هيئة حمامة 
نارية » مبشراً مريم . كان الإله الابن الكلمة اللوغوس » المولود الوحيد للإله الأب » 
يصدر عنه منذ الأزل . ومنذ الأزل كان الروح القدس ينبئق منهما معاً ويغلق الدارة 
بينهما . ثلاثة في وأحد إله قديم غير مخلوق » لم يظهر أقنوم من أقائيمه قبل ظهور 
الآخرء ولم يمر وقت لم يكن فيه الثلاثة معاً في واحد . دارة حب مغلقة مكتملة 
مكتفية » فاض بها العطاء فأرادت أن تخلق , لا عن حاجة إلى الخلق وإنما عن حرية 
مطلقة . وهكذا . وبأمر من الكلمة , تم خلق أولى الكائنات المفارقة للطبيعة الالمية وهم 
الملائكة» مخلوقات نورانية أحاطت بالنور الأعظم في هالات » هالة بعد هالة . كل هالة 
تحتوي على رتبة من رتب الملائكة , أعلاها رتبة الكيروبين يليها السرافم » وصولاً إلى 
الملائكة العاديين2" , 

بين هذه الخلوقات النورانية التي تميط بالاله وتسبح بحمده , كان هناك ملاك من 
المرتبة الأولى إسمه لوسيفر , أي حامل الضياء . وكان فائق الجمال-مكتمل الصنعة 





2-7 21 الاأنسهغكتمطن هذ لدنغان8 لمة طار34 ,كلها مدالق -1 


وا كك 


لملائكية » معجباً أشد العجب بما وهبه الله من عظمة واعياً أشد الوعي لما » معتقداً أنه 
من الصعب على الخالق أن يصنع ما هو أعظم منه , لأنه مثال على معجزة الخلق . وقد 
كان لوسيفر دام التحديق إلى مركز النور الأعظم » حتى أنه أخذ يشاركه في رقى 
المستقبل . فكان أن عرف أن الاله يعد لإيجاد مرتبة أعلى من مرتبة الكيرويم والسراقم » 
يضع فيها مخلوقات فظة وجلفة من لحم ودم يكسو جلدها الشعر » وأن امرأة من هؤْلا 
تغدو في المستقبل ملكة عليه . كا عرف . ويا للعجب , أن. الإله الابن نفسه سوف 
يغدو إنساناً منهم ويليس جسداً ادمياً . وهنا » وانطلاقاً من إرادته الحرة » فضل أن يلتزم 
ده الملائكي الذي وهبه له الرب » فيقدمه عن القصد الإمحي ويظهر تمرده على الله » 
رغم علمه الكامل بما سيجر عليه هذا الفرد من لعنة أبدية مقيمة . وهكذا كان , إذ أدار 
لوسيفر ظهره لنور الخالق وتبعه في ذلك عدد كبير من الملائكة الآخرين » ممن أثار فيهم 
مرف مشاعر الله قتطرج الجميع: في مهاري الظلام «الخارخي + .وول الوسيفر إل 
ابليس ومن تبعه إلى شياطين » وصار حاكماً لمملكة الظلام عدوا للخالق . آخذاً على 
عاتقه إحباط صنائع الله » وإفساد البشر الذين أعدت لهم تلك المكانة العالية" . 


بعد ذلك تأتي مرحلة خلق الكون . فكان أول ما ظهر ء المادة البدئية الهيولية التي 
هي الحياة الأولى بلا شكل ولا حدود » والرحم المظلم الذي كان روح الأب يرف فوقه 
على غير هدى . ثم أخذت الكلمة تخلق الكون انطلاقاً من تلك المادة الأولى » فاكتمل 
في ستة أيام ‏ وكان اليوم السادس يوم خلق الحيوانات الدابة على سطح الأرض وخخلق 
الانسان الأول كذلك . جبل الاله ادم من تراب الأرض فسواه على صورته ونفخ في أنفه 
نسمة الحياة » فجاء في صورة مادية كاملة وروح خالدة . ثم صنع له جنة في مركز الكون 
أسكنه إياها . وكان في وسط الجنة شنجرة الحياة ».وشجرة معرفة الخير والشر . وقال الله 
لآدم أن يأكل من كر الجنة كله عدا شجرة المعرفة , لأن الأكل من ثمرها سيجلب عليه 
المت . ثم وهبه المرأة حواء التي صنعها من ضلعه وهو نائم » وتركهما يرتعان في أرجاء 
الجنة التي سخر لما كل ما فيباء فعاشا فيها بعيداً عن كل هم أو ألم أو حاجة إلى كدح 
وعمل » عاربين لا يخجلان من عريبما . إلى أن تسلل لوسيفر إلى الجنة في هيئة الأفعى » 





1- 1510, 22 41-3 


5155 


والتف حول شجرة المعرفة منتظراً مرور المرأة حواء . فلما مزت من قرب الشجرة لفت 
نظرها وجود الأفعى فاقتربت منها فقالت الأفعى : أصحيح أن الرب قد منعكما عن ثمار 
الجنة ؟ فققالت المرأة » بل نستطيع أن نأكل من كل شجر الجنة عدا هذه الشجرة » لأن 
الرب قد أمرنا ألا نأكل منها أو نلمسها كيلا نموت . فقالت الأفعى : لن تموتا » بل 
ستنفتح أعينكما إن أكلتا منها » وتصبحان كالالهة فتعرفان الخير والشر . وهكذا رأت 
حواء أن الشجرة صا حة للأكل بممتعة للنظر » فمدت يدها وأكلت ثم نادت ادم وأطعمته 
كذلك . وما أن أكلا حتى انفتحت عيوتهما وائتبها لعريهما فراحا يخصفان عليهما من 
ورق شجرة التين القريبة . وهنا مر الاله وغرف فعلتهما فقال لآدم الذي اختبأ وامرأته من 
وجهه : هل أكلت من الشجرة التي أمرتك ألا تأكل منها ؟ فقال آدم : إن المرأة التي 
اعطيتني هي الني جعلتني كل . فقال الإله للمرأة : أي فعل اقترفت ؟ فقالت : الأفعى 
أغوتني فأكلت . وهنا ثار غضب الرب وصب لعنته على ادم وحواء » تلك اللعنة التي 
انسحبت عل عالم الطبيعة برمته » لأن ادم كان رأس ذلك العالم وسيده . وقدر إلرب 
على. حواء ومن يليها من نساء البشرءأن يلدن أولادهن بالوجع «الآلام. وأن يكن تبعاً 
لأزواجهن . أما آدم فقد لعن الرب من أجله الأرض ؛ فجعلها لا تنبت إلا بعمل الانسان 
وكده وتعبه » وجعلها تنبت مع الزرع شوكاً وحسكاً . ثم قدر عليهما معا اموت وطردهما 
من الجنة إلى الأض التي جبلا منها فيكدحان عليها وذريتهما . منذ ذلك الوقت ظهر 
الموت إلى الوجود » وظهر 'لالم » وظهر الشر مخالطا لنسيج الوجود المادي . وافترق 
الإانسان عن أصله الإممي وسقط من عوالمه العلوية”" . 

منذ البداية » كان الرب عارفاً بما ستجره حرية الاختيار التي وهبها للوسيفر الملاك 
وآدم الانسان . من فساد للكون . وكان عليه الآن أن يقدم الدواء للعالم الغارق في الظلمة 
والخطيئة والموت » وذلك بالحلول في عالم الخلق ودخوله نفسه دورة الحياة والموت » من 
أجل رفع لعنة الموت وحمل خطايا البشرية . فهو الوحيد الفادن على تقديم القريان الكامل 
الذي من شأنه تحرير الخليقة من لعنتها البدئية وخطيئتها الأصلية الأولى . وهكذا هبط 
الإبن من عليائه وعاش بين الناس ردحاً قصيراً » ثم مات على الصليب.» مقدماً لمن آمن 





1- 1510, 52 51-54. 


58468 د 


به حياة أبدية . فإذا كان بادم الأول يموت الكل » فإنه بآدم الثاني بسوع المسيح » الكل 
يحيى . وإذا كانت حواء الأولى قد قدمت ثمرة الموت » فإن حواء الثانية التي هي السيدة 
مريم قد حملت يثمرة الحياة . نقرأ للقديس مار أفرام السرياني : « إن البعول دعتني لازم 
سر بتوليتها العجيب . فاعطني يا ابن الله منك معجزة . ومن عطيتك هذه أغني على 
كنارتي فأرسم صورة والدتك ببية .. البتول مريم. ولدت. ابنها بالقداسة وأرضعت حلييها 
مرضع البرايا » و<ملت ركبتاها حامل الكون . وهي بتول وهي أم .. فلتفرح بمريم جميع 
أجواق. العذارى لأن :واحدة هنين قد أنجيت ووضعت الجبار الخامل البزاياء “ويه البشرية 
المستعبدة حررت .. فليفرح بمريم ادم الأول الذي لسغته الحية » فمريم أعطته نبتة إن أكل 
منها سحق الحية » وبها يشفى من لسعة الحية القاتلة . فليفرح الكهنة بالمباركة التي 
انحنت ووضعت الكاهن العظيم الذي صار ذبيحة وعفاهم من سائر الذبائح . وهو 
بإرادته صار ذبيحة وأرضى أباه »”" . فادم يرمز إلى المسيح ٠‏ وحواء إلى مريم » والمسيح 
هو ادم الجديد . منقذ البشرية ومعيدها إلى حالا الاول ٠‏ ومريم هي حواء الجديدة » 
شريكة ادم الجديد في إعطاء الحياة الفائقة الطبيعية . وصورة ادم وحواء المستقلين عن 
الله بالثورة والابتعاد عنه » قد محتها وبدلتها صورة المسيح والعذراء المرتبطون بالله . فالمبسيح 
تخل عن ذاته والتصقت حياته وإرادته بحياة الله وإرادته » فانتصر على الخطيئة وجاز 
الموت . وبوته وقيامه أقام معه البشرية كلها" . 

نقرأ في العهد الجديد : « من آمن بي وإن مات فسيحياء وكل من كان حياً 
وامن فلن يموت إلى الأببد »”" .. « الآن دينونة هذا العالم » الآن يطرح رئيس هذا العالم 
خارجاً . وأنا إن ارتفعت عن الأْض أجذب الجميع إليّ »2 . وفي رسائل بولص الرسول 
نقرأ : « حتى كا أقهم المسيح من الأموات بمجد الرب » هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة 
أظياة : الأنه اق كنا قد هنا متسيدين هذه يعيها كرنة تين أيضا زقياته عالمن أن 
إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطيئة » كي لا نعود نستعبد أيضاً 





الاب متري هاجي إثناسيو . الموموعة المريمية » ص ١48 ١44‏ . -1 
نفس المرجع ص 8” . -2 
العهد الجديد , انجيل يوحنا 1١١‏ : 58 2ل 38 . 3 

3 


نفس المرجع 11: 579-11١‏ . 


-551 لد 


للخطيئة . لأ الذي مات قد تبرأ من الخطيئة . فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤْمن أننا 
متحي أيضا معة 014 ولبولض الرسول ثقراً آضيا : « مع المسيح صلبت فأحيا » لا أنا 
بل المسيح يحيا فنَّ . فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الايمان » إيمان ابن الله الذي 
أحبني وسلم نفسه لأجي اك 
وهكذاتم التحول من شريعة موسى الحديدية التي تهدف إلى إتقاء غضب الاله الأب» إلى 
الايمان بالاله الابن وبحقيقة تجسده في المسيح . وهذا الايمان هو الذي يبب الانسان 
الخلاص ويجعله واحدا مع المسيح الذي مات من أجل الانسان وقهر الموت لأجل 
خلاصه. 5 تم التحول من أخلاق العهد القديم» إلى الموذج الخلقي الذي تطرحه سيرة 
السيد المسيح من أقوال وأفعال وسلوك . 

وفي الحقيقة. فإن معتقد التجسد في جوهره الرمزي يتجاوز في غاياته الكبرى 
مفهوم اللاهوت الرسمي , الذي ينظر بالدرجة الأولى إلى حادئة التجسد باعتبارها واقعة 
تاريخية زمنية حصلت ليسوع المسيح وحدهء جاعلا منها ماضياً ميتاً لا انا حياً متجدداً. 
ذلك أن التجسد لا يقدم للبشرية؛ على مستوى الرمزء حقيقة تاريخية» بل حقيقة لا 
زمنية ماثلة أبداً هنا والآن . إنه وحدة الإلحي والإنساني . فالإله الابن عندما تجسد في هيئة 
بشرية» قد امتزجت خصائصه الإهية بخصائصه البشرية» فرفع البشر إلى مستوى 
الألوهة » وهبط بالألوهة إلى مستوى البشر . وهو بحلوله في جسد بشري واحد هو جسد 
يسوع؛ قد حل في كل الأجساد البشرية مرة واحدة وإلى الأبْد. فمن أدرك شر هذا 
المغنى ؛ أدرك سر الخلاص الذي قدمه يسوع . 


مر جديد ف جرار قديمة : 


في قول للسيد المسيح من إنجيل لوقا نقراً: « ليس أحد يجعل حمراً جديدة في 
زقاق عتيقة, لثلا تشق الخمر الجديدة الزقاق » فهي تبرق والزقاق تتلف . بل 'يجعلون خمراً 





العهد الجديد ؛ رسالة بولص إلى أهل رومية 5 : 8ه . -1 
العهد الجديد » رسالة بولص إلى أهل غلاطية * : .7 . 2 


/7741 نت 


جديداً في زقاق جديدة فتحفظ جميعا »". وفي الحقيقة» فإن هذا القول لا ينطيق على 
تاريخ وتطور معتقد الخلاص 5 يمته سيرة يسوع وطوره بولص الرسول واباء الكنيسة 
الأزائل. فهذا المعتقدء رغم جدته وتفرده في كثير من جوانبم» قد وضع في صيغ وأشكال 
قديمة كانت معروفة في ديانات الأسرار ومعتقدات الخلاص السائدة في ذلك العصرء ا 
نجد فيه أصداء لديانات الخصب الأقدم . هذه الخمر الجديدة لم تتلف الجرار القديمة التي 
صبت فيهاء كا أن الجرار القديمة لم تتسبب في إهراق الخمر الجديدة. لأن التاريم الروحي 
للبشرية كل متاسك الحلقات, ومعتقدات الخلاص السابقة. هي التي هيات المسرح 
لمشهد انتصار معتقد يسوع التخلص»ء الذي جاء تتويجاً لهاء وخاتمة لذلك المخاض الديني 
الروحي الطويل . يقول كليمنت الاسكندري وهو أحد الدعاة الأوائل: « تعال إليّ لأريك 
أسرار اللوغوس» وأشرحها لك من خلال صور مألوفة ومعروفة عندك »”". ولعل هذا 
القول.يقدم مفتاحاً ذهبياً لفهم معادلة الخمر الجديد والزقاق القديمة في تكوين المسيحية 
الناشكة . 

1 دورة حياة يسو ع اللخلص» » في خطوطها العامة تشاباً واضحاً مع ص 
حياة الآلة الأبناء اخلصين . ورغم أن موت يسوع وبعته لا يتخذ طابعاً 06 متوراً 5 
هو شأن الحة الخصب.» فإن الاحتفال بتجسيده وميلاده وموته 3 بعئه عبر السنة 
المسيحية» يجعل من دورة حياته سلسلة من الأحداث الحاضرة أبدأء المتكررة إلى يوم 
الدينونة . ذلك أن الاحتفال بهذه الأحداث ليس إحياء لذكرى وقائع ماضيات» بل هو 
عيش لوقائع تحدث الان والساعة. والسيد المسيح في مولده وموته وبعثه. إنما يجمع إلى 
شخصه خصائص المخلص الشمسي والمخلص القمري في ان معا. فميلاده شمسبيء أما 
بعثه فقمري . 

لم يرد في الأناجيل الأربعة ما يشير إلى تاريخ مولد المخلص يسوعء ولم تحتفل به 
الكنيسة في مطلع عهدها. ولكن المسيحيين في مصر بدأوا يحتفلون بعيد الميلاد في يوم 
السادس من كاتون الثاني ( يناير )» وعنهم أخحذت الكنائس الشرقية هذا التقليد. حتى 





العهد الجديد, انجيل لوقا 2: /ا”# ل م” . 1 


7 2 ,(ل50116) 165ر7)425)6 عط ,لاع مسقت طوعون3 -2 


7ل ل 


إذا حل القرن الرابع الميلادي تبنت الكنيسة الغربية » التي م تحتفل من قبل بعيد الميلاد» 
يوم الخامس والعشرين من كانون الأول ( ديسمبر ) كتاريخ سمي لميلاد السيد المسيح . 
وكان هذا التاريخ في ذلك الوقت دلالات دينية في العالم اليوناني ‏ الروماني وفي الشرق 
الأدنى القديم على حد سواء. فيوم الخامس والعشرين من كانون الأول» هو يوم الانقلاب 
الشتوي حسب التقويم الجولياني؛ فيه تصل الشمس اخر مدى لما في الميلان عن كبد 
السماء» ويبلغ النبار أقصره . ولذا فقد اعتبر يوم ميلاد للشمس ولالة الشمسء لأ اليوم 
الذي يليه هو يوم صعود الشمس من جديد نحو كبد السماءء واستطالة النهار على 
حساب الليل. فكان أتباع الخلص الشمسبي « ميترا » يحتفلون بميلاد مخلصهم في ذلك 
التاريخ » وكذلك السوريون الذين تحول مخلصهم إلى إله شمسبي في الفترات المتأخرة» وفي 
لمناطق التي تأثرت بالثقافة الرومانية مثل بعلبك . ففي ليلة الخامس والعشرين من شهر 
كانون الأول؛ عند منتصف الليل. كانت صرخة الميلاد تنطلق من حجرات قدس 
الأقداس معلنة ميلاد الخلص : « ها هي العذراء تلد ابنأ والنور ينتشر . والعذراء المعنية هنا 
هي الأم الكبرى عستارت ؛: سيدة السماوات »77 , 

وف الأناحيل هنالك عدد من الإشارات والرموز السرية القديعة الي تربط الابن 
المخلص بالشمس وميلاده عيلادها. ومنها حادثة اعتماد السيد المسيح عياه الأردن. 
فعماد السيد المسيح هو ميلاده الثاني » وكل مسيحي يجب أن يولد ثانية بعد التعميد 


بالماء : « الح , الحق أقول لك . إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل 
ملكوت الله »”". أما عن حادثة الاعتهاد فنقرأ « حينقذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن 
إلى يوحنا ليعتمد منه» ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأني إلي ؟ 
فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برء حيشد سمح له . 
فلما اعدمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله 
نازلاً مثل حمامة وأتيا عليه وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به 
سررت »"©. وفي الحقيقة» فإن طقس الاعتاد الذي كان معروفا في الديانات السرية» 





6 2 رطع 801 م0010 ع1 ,تعموعظ وعصيول -1 
العهد الجديد, انجيل يوحنا 1: 8 . 2 
العهد الجديد. انجيل متى *: ١9-11‏ 3 


5 


يرجع في أصله إلى عبادة إله الماء السومري ‏ البابلي « إيا » الذي يعني اسمه إله بيت 
الماء. وكانت طقوس الاعتاد بالماء تتم في معبده» بيت الماء ذاك . وكان البابليون يرمزون 
للإله إيا بحيوان خراني نصفه الأعلى لجدي ونصفه الأسفل لسمكة» ا كانوا يرمزون لبرج 
إنكي السماوي بنفس ال حيوان . وهذا البرج مازال معروفاً إلى يومنا هذا ببرج الجدي, وهو 
البرج الذي لاحظ اليابليون القدماء أن الشمس تدخله وقت الانقلاب الشتوي لتجتازه 
بعد ذلك صاعدة في دورتها الجديدة نحو منتصف السماء. فإذا علمنا أن الاسم الذي 
عرف به الإله إنكي في الفترات المتأخرة هو « اوانيس » الذي يلفظ باليونانية 
« ايوائيس » وباللاتينية « يوحانيس » وبالعبرية « يوحنان »2 لأدركنا العلاقة السرانية 
بين إله الماء إنكي ويوحنا المعمدان في الانجيل”" . وهذه العلاقة إنما تربط في الوقث نفسه 
بين يونا المعمدان الذي يعمد بالماء» وبرج إنكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها 
الجديدة في السماءء وتجعل من حادثة اعتاد السيد المسيح انعكاساً للحدث الفلكي . 
فالسيد المسيح بعد اعتاده بماء الاردن على يد يوحنا وولادته الجديدة» يصعد من الماء 
ويجتازه لييبط عليه الروح القدس ويكرسه ابنأ للإله وقاهراً برسالته للظلام» تماماً ما تلد 
الشمس في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر مجتازة برج الماء في ميلادها السنوي 
الحديد. 

أما بعث السيد المسيح فقمري؛ وتسير حادثة موته وقيامته على خطى موت وبعث 
الآلحة القمرية القديمة؛ التي تغيب في اليوم الأول وتظهر في يومها الثالث . وما كان الآلهة 
القمريون الحة للخصب «دورة الزراعة أيضاء يبعثون إلى الحياة مع الانقلاب الربيعي 
كذلك هو السيد المسيح الذي يبعث في يوم الفصح الربيعي . ففي البلدان الناطقة 
باللائينية حيث شاعت عبادة الاله اتيس ابن الأ الكبربى سيبيل» جرت العادة على 
الاحتفال بيوم الام المسيح وموته في الخامس والعشرين من آذار ( مارس ) المصادف ليوم 
الانقلاب الربيعي حسب التقييم الجولياني» وبقيامه في يوم الفصح الموافق للسابع 
والعشرين من اذار . وهذه التواريخ مقاربة لتواريخ احتفالات اتينس. حيث يصادف يوم 
الثاني والعشرين من اذار يوم الاحتفال بموت اتيس والخامس والعشرين منه يوم بعثه . وقد 





7 2 ,رهم امط ك1 تمصع 0 ,لأءطصوصسق0 طوعون3 -1 





٠‏ كان هذا التطابق بين المناسبتين مدعاة لجدل طويل بين أتباع الديانتين . فبيها |تهم أتباع 
آنيس المسيحيين بالتقليد» لجأ المسيحيون إلى اتهام الشيطان الذي يقلب موازين الأمور 
ويغطي الحق بالباطل ليزيغ به القلوب”". أما اليوم فيتم الاحتفال بعيد الفصح في الكنائس 
الشرقية في أول يوم أحد بلي القمر البدر عقب الانقلاب الربيعي مباشرة. وبذلك يجمع 
الفصح إلى نفسه البعثين. بعث القمر وبعث الطبيعة . 

ويا تحول أبناء الأ الكبرى » من الحة قمح يببون جسدهم لدفع غائلة الجوع عن 
البشرء إلى الهة خلاص يببون نفس الجسد القديم لخلاص الروح؛ كذلك السيد 
المسيح » فجسده الذي وهبه من أجل البشر هو قمح الحياة الأبدية: « أنا هو خبز 
الحياة: من يقبل إلي فلا يجوع » ومن يؤْمن لي فلا يعطش أبدا »”'' ... « أنا هو الخبز 
الحي الذي نزل من السماء . إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا 
أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياأة العالم »'". وجسد المسيح أيضا هو ثمر 
لض الذي صار ثمر الخلاص : « أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام »20 . 

على أن الايمان بتجسيد الإله الإبن وظهوره على الأرض في هيئة يسوع الناصري + 
والايمان بدورة حياته التي انتبت بالموت على الصليب والقيامة من بين الاموات » واتباع 
مثاله الخلقي في الحياة» كل ذلك لا يكفي لجعل الموُمن واحداً مع المسيح ونيل الخلاص. 
فهناك عدد من الأسرار التي لابد من المرور بهاء وطققوس عبور لازمة لكل راغب في 
التحول للمسيحية . من ذلك سر التناول وسر العماد وسر المسبحة وغيرها. وسنقوم فيمأ 
يلي بعرض سريع لسر التناول باعتباره السر الأساسي الزكري في الطفين المسبخي + فمن 
بين سلسلة أحداث حياة المسيح التي تتابعت لتحقيق الخلاص» كان العشاء الأخير من 
أكثرها إثارة لعواطف المومنين: ووعداً قائماً بالخلاص عن طريق التوحد مع الفادي . نقراأ 
في إنجيل متى : « وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال : 





.9 - 417 ,407 - 405 2ط اطهدام8 معل001 14 ,عرععةء1 معصنو[ -1 
العهد الجديد» انيل يوحنا 5: ني ” 2 
نفس المرجع 5: 8١‏ . 3 
نفس المرجع 18: .١‏ 4 


ل ١أاءة‏ سه 


خذوا هذا هو جسديء وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا: اشربوا منها كلكمء لأ 
هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا »20 , 
وفي إنجيل لوقا: « ثم تناول كأسا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم, لأني أقول 
لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله . وأخذ خبزاً وشكر وكسر 
وأعطاهم قائلا: هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم, اصنعوا هذا لذكري. وكذلك 
الكأس أيضا بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك 
عنكم 2”6. وفي رسائل بولص الرسول : « إن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ 
خبزاً وشكر فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم . اصنعوا هذا 
لذكري . كذلك الكأس أيضا بعدما تعشوا قائلا: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي . 
اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري . فإنكم إن أكلتم هذا الخبز وشربم هذه الكأس تخبرون 
بموت الرب إلى أن يجيء »27 . 

إن طقس التناول ليس استعادة لذكرى فداء المسيح, بل هو إعادة. فالسيد 
المسيح لم يبذل جسده ودمه في الحظة معينة من التاريخ » بل إنه يبذهما من أجل البشر في 
كل مرة يجتمعون من أجل الناولة إلى فناء الأكوان. والخبز والخمر اللذات يتناوهما 
امجتمعون» هما خبز وخمر من النوع العادي الذي يألفونه في خياتهم اليومية, إلا أن إيمامهم 
بسر الفداء يعطي مده المادة العادية رهرا كيرا :وقرلنا إلى #فكرة..ذلاك انع مسد 
المسيح في شكل خبز القربان المقدس» وشرب دمه في شكل خمرة الكرمة» ليس توحداً 
مع المسيح في الجسدء بل توحد معه في الجوهر عن طريق الايمان» وتثبيت للإلحي في 
الروح البشرية . نقرأ في إنجيل يوحنا: « اثبتوا فيّ وأنا فيكم . 5 أن الغصن لا يقدر أن 
يأتي بشمر من ذاته إن لم تثبت في الكرمة » كذلك أنتم أيضاء إن لم تثبتوا فى . أنا الكرمة 
أنتم الأغصان . الذي ينبت في وأنا فيه هذا يأتي بئمر كثير »©". إن اللحظة التي 





العهد الجديد, انجيل متى 75: 38-55 . 1 
العهد الجديد. انجيل لوقا 5١ ١ا/ :5١‏ . -2 
العهد الجديد؛ رسالة بولص إلى أهالي كورنثوس :1١‏ +7 75 . 3 
العهد الجديد, انجيل يوحنا :١8‏ 4 داه . -4 


1 د 


يتناول فيها المجتمعون للقربان المقدس الخبز والخمر في إيمان كامل بأن مايأخذونه إلييم هو 
جسد الفادي ودمه» لتضعهم خارج الزمان وخارج المكان في ومضة خاطفة, وتفتح لهم 
بوابة على الابدية» وتجدد العهد ما بينهم وبين المخلص. 

إن تفرد سر التناول المسيحيء في مضمونه وغاياته لا ينفي اعتاده على الأسرار 
السابقة والمعاصرة له إبان تشكله, وعلى طقوس دينية أخرى موغلة في القدم . ففي الفصل 
السابق رأينا كيف أن القربان البشري لم يكن إلا تمثيلاً للقربان الإلمي . 6 رأينا أن 
التضحية بالملك الذي حلت فيه روح الإلهء أو في ابنه أو في أي قربان بشري آخر يقوم 
مقامه؛ ليست إلا حدثاً يجري في تزامن وتواقت مع موت الاله نفسه . لذلك كان لجسد 
القربان البشري طابع القداسة. فما أن يتم تنصيب الملك الجديد الذي سيقتل بعد مدة 
محددة» أو يتم تخصيص شخص ما ليكون موضوعا للقربان؛ حتى يفقد الشخص المهيء 
للموت مع الإله خصائصه البشرية ويغدو جزءاً من الاله نفسه . من هنا كان أكل جزء 
من جسد القربان عقب قتلهء هو أكل لجسد الإله نفسه في سعي للتوحد معه. والشيء 
نفسه ينطبق على القربان الحيواني الذي يقتل كممثل للإله ثم يؤكل لحمه طقسياً 
لاكتساب القداسة التي حلت عليه . وفي هذا لمجال نذكر بطقوس ديونيسيوس التي كان 
عباده خلاها يأتون بثور حي بمثل الاله فيمزقونه إربا ويأكلونه . كا كان عباد ادونيس في 
سورية يذبحون في عيده الخنزيرء وهو رمز الإله نفسهء ويأكلونه في ومة طقسية رغم أن 
لحمه كان محرماً عليهم في الأوقات العادية وخارج هذه المناسبة . 

على أن التضحية الفعلية بإنسان أو حيوان» لم تكن دوماً عنصراً أساسياً في 
طقوس التناول . ففي بعض ديانات الخلاص كان يكتفى بصنع نوع خاص مقدس من 
الخبز يمثل جسد الالهء فيتم أكله في الاحتفال الديني, كا هو الأمر في طقوس ديتر أم 
القمح. التي أشرنا إليها في مكان اخر من هذا الفصل» وفي طقوس ميترا حيث تظهر 
بعض الرسوم القائمين بالطقس وقد وضعوا أمامهم على المائدة أرغفة رسم عليها شكل 
الصليب”". وبعيداً عن حضارات العالم القديم » فإن ثقافات القارة الأمريكية تمدنا بأمثلة 
عدة عن طقوس أكل جسد الاله. ففي ثقافة الازتيك في المكسيك» كانت طقوس 





2 2 ,14355 عطا طأ 5912250150 22:2102مأقمة 1 ,عقنال .0.0 -1 


العشاء المقدس تتم مرتين في كل عام, مرة في كانون الأول ( ديسمبر ) والأخرى في أيار 
( مايو ): حيث يصنع امحتفلون في كل هرة دمية من عجين مصنوع من دقيق عدد 
متنوع من الحبوب » تمثل الاله الاكبر . توضع الدمية على المذبح الرئيسبي في المعبد ليلة 
الاحتفال؛ ويحرق حوها البخور طيلة الليل» ويقمم أمامها الكهنة طقوسا خاصة . حتى إذا 
جاء الصباح حملت إلى قاعة كبيرة يحتشد فيها الناس» ويأتي الكاهن الأكبر فيسي صدر 
الجا مهم ريخل يعر قله ويغلائاة اللسللك» مينست يفيه الجبية إل تلع منغية 
يوزعها على بقية الموجودين فيأكلونها في حزن وخشوعء ويصلون قائلين إنهم يأكلون 
جنسد الاله وعظامةة" . 

وقد بقي من طقوس أكل جسد الأم الكبرى ديمتر في هيئة خبز القربان» بقية في 
عادات مزارعي القمح في أوروبا حتى العصر الحديث . فإلى وقت قريب كان المزارعون 
يقيمون بعد الحصاد ويمة تدعى بعشاء الحصادء حيث يقوم رب الأسرة بعجن رغيف كبير 
مأخوذ من آخر حزمة قمح ( وهي الحزمة التي رأينا سابقاً أن روح القمح تسكن فيها ) 
ثم يجعله على هيئة دمية نسائية» ويخبزه في النار ثم يجلس وأسرته إلى عشاء الحصاد حيث 
يأكلون الدمية. وني بعض المناطق تصنع دمية من العجين تعلق على غصن شجرة 
مقطوع ثم تنقل في آخر عربة حصاد راجعة من الحقل» فتؤؤخذ إلى بيت عمدة القرية» 
الذي يقسمها بين الناس امجتمعين في بيته لهذه المناسبة . وفي بعض المناطق التي لا تصنع 
دمى خاصة لعشاء الحصادء تقوم عائلة المزارع بصنع نبز خاص لهذه المناسبة» يأكله 
الجميع في خشوع وهم .يرفعون أدعية موجهة لله وللأرض الخصيبة في ان معا”" . 


نتقل الآن إلى الجانب الآخر لمعتقد الخلاص المسيحي» و«المتمثل في الإيمان 
بيسوع المسيح كحامل لخطايا البشر وبحرر لهم من الذنوب الماضيات. نقرأ في رسائل 
بولص الرسول : «وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس متهووا له من الناموس 
والأنبياء . بر الله بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون . لأنه لا فرق إذ الجميع 
اخطاوا وأعوزهم جد الله . متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح » الذي قدمه 
م ا ا يت 


.568 - 566 22 ,لطأعلاوظ دع0010 عط1 ,تعمد عمقل -1 
.59 - 558 22 ,1510 -2 


ل 


الله كفارة بالإيمان بدمهء لاظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال 
لله . »”" وأيضا « مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح» الذي باركنا بكل بركة روحية في 
المسيح .. .. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا. »”". وني رسائل يوحنا الرسول 
نقرأ: « يا أولادي اكتب لكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند 
الاب يسبوع المسيح البار الذي هو كفارة لخطاياناء ليس لخطايانا بل لخطايا كل العام 
أيضا »27 وني رويا يوحنا اللاهوتي نقراأ: « .. يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من 
الأموات ورئيس ملوك الأض . الذي أحبنا وقد غسلنا من خخطايانا يدمه » وجعلنا ملوكاً 
وكهنة لله أبيه» له المجد والسلطان إلى أبد الأبدين امين... »©©. وني إنجيل يوحنا نقرأ : 
«وفي الغد نظر يوحنا يسو عمقبلاًإليه فقالهو ذَاحَمَلُ الله الذني يرفع خطيئة لعالم» © 
وفي إنجيل يوحنا أيضا: « .. فقال لهم واحد منهم وهو قيافا وكان رئيسا للكهنة في تلك 
السنة : أنتم لستم تعرفون شيئاً» ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب 
ولا تهلك الأمة بأسرها ولم يقل هذا من نفسه. بل إذ كان رئيسا للكهنة في تفك السنة تنبا 
أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمّة» وليس عن الأمة'فقط بل لجمع أبناء الله المتفرقين إلى 
واحد 4 

إن فكرة الاله القتيل حامل الخطاياء رغم تفردها في المضمون والغايات» فإنها 
تحمل أيضا تاريخا طويلاً من معتقد الانسان وطقسه. وسنقوم فيما يلي برسم صورة عن 
الجرار القديمة التي صب فيبا هذا المعتقد الجديد. 

اعتقد الانسان القديم بإمكانية التخلص من الامه وأحزانه واثامه وسوء طالعهء 
وما إلى ذلكء عن طريق تحويلها إلى موضوع خارجي .قد يكون إنسانا أو جماداء أو 
حيواناء وذلك 6 ينقل الواحد ثقلا ماديا ليضعه على كاهل الآخر. ونستطيع متابعة هذا 





العهد الجديدء رسالة بولص إلى أهالي رومية “8: 51١‏ 535 , -1 
العهد الجديدء رسالة بولص إلى أهالي افسوس 8:١‏ ل ا. -2 
العهد الجديد, رمالة يوحنا الأول ؟1: 70-1١‏ . 3 
العهد الجديد, رؤيا يوحنا اللاهوي :١‏ ه سد" . -4 
العهد الجديدء إنجيل يوحنا ١‏ : 59 5 

6 


العهد الجديد» إنجيل يوحنا 59:١١‏ 5ه. 


الاعتقاد في تمارسات الانسان وطقوسه عبر أزمنة وأمكنة مختلفة . ففي بعض أجزاء جنوب 


الهند يتم نقل خطايا الميت إلى عجل صغير يوق به ليقف عند رأس جسد المسجى. ثم 
يقوم كبير القبيلة بتلاوة لائحة الاثام التي أفكيا بطرينة تله فائلة : لهذ افك عدا 
وكذا .. وإنها لخطيئة فيردد الجمع المتحلق حول المتوفى : إنها لخطيئة؛ ثم يضع يده على 
رأس العجل فتنتقل الخطيئة من الميت إلى الحيوان» ثم يتابع ترتيله ويتابع الآخرون الترداد 
وراءهء حتى ينتبي من تلاوة الاعترافات نيابة عن الميت . فإذا انتبى أحنى رأس العجل 
ووضع كفي الميت عليه ليتطهر من بقايا ذنوبه» ثم يقول بصوت عال : تستطيع الآن أن 
تلجأ إلى قدمي ربك الطاهرتين. أما العجل فيطلق ليهيم على وجهه في البراري بعد أن 
ترسم عليه علامة معينة» ومنع على من يلتقي به أن يستخدمه لأي غرض دنيوي لأنه قد 
غدا مقدسا. وهم يعتقدون أنه لن يلبث طويلا حتى يختفي ويتلاشى . وفي أجزاء أخرى 
من المند. كان المهراجا وزوجته يتخلصان من اثامهما بنقلها إلى أحد المجرمين امحكومين » 
الذي كان يشتري حريته بالتطوع هذه المهمة . وكان طقس نقل الخطايا يتم على الوجه 
التالي : تنصب للشخصيتين الملكيتين منصة خشبية يوضع المتطوع تحتهاء ثم يصعد إليها 
المهراجا وزوجته وهما في أببى حلة وأفخر ثياب » فيسكب فوقهما ماء يغسلهما ويتسرب 
من بين شقوق المنصة ليبلل امجرم القابع تحتهاء ناقلا بذلك خطاياهما إليه. وني طقس 
آخر يتطوع أحد رجال البراهاما الصالحين لحمل خطايا المهراجا وهو في نزعه الأخيرء 
فيأت إلى سريره ويعائقه قائلا: إنني أحمل عنك أيها الملك كل خطاياك واثامك» فإذا 
سل الرو ح » تم ابعاد حامل خطاياه إلى ما وراء حدود المملكة ولا يسمح له بالعودة بعد 
ذلك”'. 

وجرت العادة لدى بعض قبائل النيل الأبيض في افريقياء على أن تقوم بعض 
العائلات باقتناء بقرة مقدسة تحتفظ بها إلى أوقات الأزمات العامة . فإذا حلت بالقبيلة 
شدة أو انتشر وباءء .قام زعيم القبيلة باختيار إحدى هذه البقرات لتحمل عن القربة 
الامها . عند ذلك ا نساء القرية بالبقرة المقدسة فيسقتها بين بيوت القرية بيتا بيتاء ثم 
يدفعنها عبر النبر إلى الشاطىء الآخر حيث تترك نهبا للوحوش الضارية» حاملة معها 





.629 - 628 22 ,تاعناهظ8 مع0010 عط]1 ,مععواظ وعديو -1 


- 6غ د 


المصائب «الرزايا. ولدى بعض قبائل افريقيا الشرقية» إلى وقت متأخر من القرن التاسع 
عشر» كانت تسود عادة التضحية بكبش فداء بشري يحمل عن القبيلة خطاياها . فكانوا 
يحتفظون بالرجل المفرد للقربان مدة من الزمن يجري خلانها تغذيته والعناية به على أكمل 
وجه حتى إذا حل الموعد المضروب .سيق في طرقات القرية وقد أخفيت ملامحه بطبقة من 
الأصباغ . فيتزاحم الجميع حوله واضعين أيديهم عليه لينقلوا إليه اثامهم وأمراضهم وسوء 
طالعهم. ثم يؤخذ إلى المعبد حيث يذبح» فإذا تصاعدت أناته وحشرجاته ارتفعت 
أصوات الجتمعين خارجا بصرخات الفرح والتهليل» لأن موت القربان البشري سيعطيهم 
راحة الضمير وسكينة النفس"'" . 

وفي التييت» كان نقل الخطايا إلى كبش فداء بشري» يتم دورياً مع مطلع كل سنة 
جديدة» حيث يلقي الناس عن كاهلهم شرور السنة القديمة» ويتقون مجهول السنة 
القادمة . فكانوا في عيد رأس السنة» يأتون بالرجل الخصص للفداء فيدهن وجهه 
بالأبيض والأسود» ويليس ثوباً من جلد ويطلق عليه اسم « ملك السنة ». ثم يأخذونه 
إلى أزقة المدينة وأسواقهاء حيث يسير بين الناس وبيده ذيل ثور أسود يبزه فوق رؤؤوس 
لمتقاطرين إليه من كل مكان» فيأخذ إليه خطاياهم وحظوظهم العاثرة . بعد ذلك يوضع 
على حصان أبيض وينطلقون به إلى جبال جرداء قريبة» بين صراخ الناس وشتائمهم 
وطلقات البنادق والسهام الموجهة نحو الأعلى هناك يوضع الرجل في كهف مهجور ومنع 
من مغادرة المنطقة حتى موعد رأس السنة القادمة: حيث ياتون إليه مرة أخرى» فإن 
وجدوه ميتاً اختاروا شخصاً جديداً كملك للسنةء وإن وجدوه حيا اقتادوه تمثيل الدور 
نفسه”" . وهنا يستوقفنا لقب « ملك السنة » الذي يطلق على كبش الفداء في الطقس 
التيبتي » ويحضر في ذاكرتنا طقوس قتل الملوك الذين تتجسد فيهم روح إله الطبيعة المستعد 
للموت من أجل تجديد دورة الطبيعة . ولعلنا نستطيع الافتراض» ببعض الثقة» أن ملك 
السنة كان في بداية ظهور الطقس بديلاً للدالاي لاما كاهن التيبت وملكهاء وأن الملك 
نفسه كان في الفترات الأقدم عهدا هو موضوع القربان حامل الخطايا ومجدد روح 





1- 1010, 22 655-660. 


2- 1510, 22 662-663. 


ل 507 سا 


الطبيعة في ان معا. 

وفي ثقافة الاغريق » نجد حشداً من الأمئلة على كبش الفداء البشري . فعلى سبيل 
المثال كان الأثينيون يحتفظون بعدد من الأْقاء عديمي الفائدة والقيمة العملية لأوقات 
الأزمات. حتى إذا أرادوا صد شر وباء أو كارثة محدقة» أخرجوا اثنين من هوْلاء وضحوا 
بهما فداء عن الجميع . وفي بعض الأقات » كانت هذه التضحية تم خوريا في كل آسدة 
حيث تقاد الضحيتان خارج أسوار المدينة وترجمان بالحجارة حتى الموت. وفي تراقيا 
القريية من بلاد اليونان » كانت مدينة أبديرا تطهر نفسها سنوياً بقتل كبش فداء بشري 
رجماً حتى الموت » وقبل قعل الضحية » كان يعلن أمامها وعلى مسمع من الجميع أنها تموت 
لكئن تحمل وحدها خطايا الناس جميعا” . 

وني رومه القديمة كان طقس الفداء البشري يقام في أول ليلة قمر كامل تعقب 
رأس السنة الرومانية التي تبدأ في: الأول من شهر اذار ( مارس ) . ففي تلك الليلة كان 
يتم اقنياد رجل يرتدي الملابس الجلدية في موكب يخترق شوارع المدينة» وخلال المسيرة 
يقوم أفراد الموكب بضرب الرجل بعصي طويلة بيضاء حتى يصلوا به آطراف المدينة » 
حيث يلقون به خارجاً ويطلقون عليه اسم « مارس القديم »'". ومارس هو اسم لول 
شهور الربيع وبنفس الوقت اسم للاله الروماني المعروف بإله الحرب ولعل إلقاء مزيد من 
الضوء على شخصية هذا الاله. يساعدنا على فهم خفايا هذا الطقس الروماني وأصوله 
البعيدة . فالاله مارس لم يكن في مطلع عهده إهاً للحرب بل إهاً للخصب وفصل الربيع 
وتكائر الفطعان. وكانت عبادته مقدمة عل عبادة جويتر الذي ضار فيما بعد رئيساً 
لمبانشيون الروماني . وتروي الأسطورة أن أمه قد أنجبته دون لقاح من ذكرء بل من لقاء بينها 
وبين زهرة خرافية . للم يتحول مارس إلى إله للحرب إلا في الفترات الرومانية المتأخرة » 
حيث نزعت عنه نعصائص المخصب وأعطيت إلى الحة أخرى » ولكن اسمه بقي مع ذلك 
يطلق على أول شهور الربيع”" . من هنا نستنتج أن كبش الفداء الروماني الذي يضرب في 


1- 1010, 20 





.269 ,1010 -2 
. 202 2 ,لام 141010 تقطمهظ ,لظة تنا 5,0 3 


لام ةع ده 


شوارع المدينة تحت اسم مارس القديم ثم يرمى به تخارجاً » لم يكن في بداية عهده سوى 
ممثلا لاله الحصب الذي يموت في كل عام لضمان دورة الزراعة . ؟! نستطيع أن نستنتج 
أن إله الحصب كان يلعب في الوقت نفسه دور كبش الفداء حامل الخطايا » فعنده قد 
اجتمع الطقسان المستقلان في طقس واحد . فإذا كان لابد من موت إله الختصب فلماذا 
لا يتم تحميله في الوقت نفسه كل اثام الجماعة وشرورهط وخخطاياها ليخلصهم منبا في كل 
عام . هذا الدور المزدوج لاله الخصب , رغم عدم وضوحه في ديانات المقصب في 
شكلها المتأخر وديانات الخلاص المتفرعة عنبها » إلا أنه متضمن في الموقف النفسي 
للمشتركين في الاحتفالات الدينية السنوية . فالبكاء الحقيقي الصادر من أعماق القلب 
والتفجع » ليس فقط حزناً على الاله الميت وندباً لموته » بل ينطوي على أبعد من ذلك . 
إنه نوع من الاحسماس بالخطيئة , والاعتراف بها , والندم عليها » وتحويلها إلى الإلهليحملها 
معه ويريحهم منها . 

أخيراً ؛ يكتمل إرث الشكل والقالب القديم لمعتقد الخلاص الجديد » إذا عرفنا أن 
يسوع المخلص إنما يموت في صفة الملك . نقرأ في إنجيل يوحنا : « فقال له بيلاطس 
أفأنت إذن ملك . أجاب يسوع أنت تقول إني ملك . لهذا أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم 
لأشهد للحق . كل من هو من الحق يسمع صوتي . قال له بيلاطس ما هو الحق . ولا 
قال هذا خرج أيضا إلى اليبود وقال لهم : أنا لست أجد فيه علة واحدة . ولكم عادة أن 
أطلق لكم واحداً في الفصح . أفتريدون أن أطلق لكم ملك الييود ؟ فصرخوا جميعهم 
قائلين ليس هذا بل باراباس » وكان باراباس لصا » .. « وكان استعداد للفصح » ونحو 
الساعة السادسة . فقال لليبود هوذا ملككم . فصرحوا خذه .. خذه اصلبه » .. 
« وكتب بيلاطيس عنواناً ووضعه على الصليب . وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك 
اليبود »'" . وفي إنجيل متى نقرأ أن يسوع قد لقب منذ مولده بملك اليهود : « ونا ولد 
يسوع في بيت حم اليبودية في أيام هيرودوس الملك» إذا مجوس من الشرق قد أتوا إلى 
أورشليم قائلين» أين هو المولود ملك اليبود ”2 وهو تحت لقب ملك اليبود يصلب 





العهد الجديد, إنجيل يوحنا 1:18 ١4204.00‏ م03 و١‏ 1 
العهد الجديد؛ إنجيل متى ؟ : ١‏ 7 . -2 


مون ةا ورك 


ويموت : « فأخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة فعروه وألبسوه 
رداء قرمزياء وضفروا أكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة في بمينه. وكانوا يجثون 
قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود »'". ومن ناحية أخرى فإن نصوص 
العهد الجديد تشير إلى النسب الملكي ليسوع الناصري وتربطه بأسرة الملك داود . فرسائل 
بولص الرسول توضح أن المسيح بحسب الجسد هو من ذرية داود©. وفي إنجيل لوقا 
نجد أن الملاك يبشر مريم بابن يرث كرسي ملك أبيه « لا تخافي يا مربم لأنك قد وجدت 
نعمة عند الله . وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه . يسوع . هذا يكون عظيما وابن 
إلعلي يدعى . ويعطيه الرب كرمبي داود أبيه »”". 

على أنه لا بد من القول إن معتقد الخلاص الجديد قد مارس بدوره تأثيراً قوباً على 
معتقدات الخلاص التي نافسته ردحاً من الزمن» قبل أن تنهزم أمامه إلى الأبد. فبعض 
معتقدات الخلاص الغنوصية التي نشأت في الشق القديم وامتدت إلى العالم اليوناني 
الروماني خلال القرون الثلاثة التالية للميلاد» قد جعلت من السيد المسيح نفسه مركراً 
لطقسها ومعتقدها . 5 قامت المعتقدات الاقدم , بانتحال بعض خصائص انخلص 
الجديد ونسبها إلى الهتها . فأتباع الأورفية مثلاً قد أخذوا يصورون في أعماهم التشكيلية 
أورفيوس معلقاً على الصليب (الشكل رقم 45) . مما يدل على أن كل ديانة كانت تحاول 
استالة أتباع الديانة الأخرى » عن طريق الاستعارة منها » وصب رسالتها في قوالب مفهومة 
لديهم ومقدسة عندهم . 


وبعد. لعل الجرار القديمة» ا رأيناء لم تفسد الخمر الجديدة. والخمر الجديدة لم 
تشقق الجرار القديمة . بل لقد حفظت الجرار خمرها جاهزة في كل ان» للمؤمنين بجوهر 
الالمي لا بحرفية اللاهوت وطرائق الكهنوت . 





نفس المرجع 11/1307 739 . 1 
العهد الجديد» رسالة بولص إلى أهل رومية :١‏ * , -2 
العهد الجديد. إنجيل لوقا :١‏ 568 975 . 3 


لكك 








الشكل 5و 


اورفيوس على الصليب وفوق رأسه الحلال والكواكب 
السيعة . 7٠٠‏ بعد الميلاد 


مريم الخلصة : 


لا تهدنا-الأتاجيل: الأيغة الرسمية بمعلومات كافية عن السيدة مريم» التي تبدو 
شخصيتها غامضة وغير واضحة المعالم عبر سيرة السيد المسيح . فبشارة الملاك لمريم بالمولود 
الالمي لا تسرد إلا في إنجيل لوقا. وفي القليل الذي أورده إنجيل متى عن طفولة المسيح» لا 
تتضح العلاقة بين الأم والابن» ولا دور الأم في تربية وتنشئة ابنها. وعندما تريد المشيكة 
الالفية إنقاذ العائلة المقدسة من بطش الملك هيرودوس يبط الوحي على يوسف النجار 
ليأمره بالهرب إلى مصر هو وأسرته. وعندما يموت هيرودوس يببط عليه ثانية ليأمره 
بالعودة . وفي كلا الإنجيلين تنتقل بنا الاحداث بسرعة عبر طفولة المسيح الغامضة» لنجد 


د ١اآاة‏ ده 


أنفسنا فجأة أمام يسوع الرجل» يعتمد بماء الأيِدن. أما إنجيل مرقس ويوحنا فيبتدئان 
محادث الاعتاد. وما يليه من بدايات التبشيرء دون أي ذكر لميلاد يسوع وطفولته 
وحداتته , 

وعبر حياة السيد المسيح اللبشيرية القصيرةء لا نستطيع أن نتبين للسيدة مريم 
دوراً خاصاً. وفي المواقف التي تجمع يسوع بأمه. لا نجد أصحاب الأناجيل يصرفون 
الأذهان إلى مريم » بل يبقى الابن في مركز الصورة وبورتها . نقرأ في إنجيل مرقس على سبيل 
المثال : « فجاءت حيتئذ اخحوته وأمه ووقفوا خارنجاً رأرسلوا إليه يدعونه» وكان الجميع 
جالساً من حوله فقالوا له: هو ذا أمك واخوتك خارجا يطلبونك . فأجابهم قائلا: من 
أمي واخوتي ؟ ثم نظر. حوله إلى الجالسين وقال : ها أمي واخوتي . لأ من يصنع مشيئة الله 
هو أخي وأختي وأمي . »27 . وفي إنجيل لوقا نقرأ: « وفيما هو يتكلم بهذاء رفعت امرأة 
صوتها من الجمع وقالت له : طونى للبطن الذي حملك والثديين اللذين أرضعاك . أما هو 
فقال: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه . »”. وعندما يتكلم الابن والأمْ مع 
بعضهما البعض» لا تنبي طريقة تخاطبهما بعلاقة خاصة» بل العكس » إذ يسود جو من 
الموضوعية بينهما. ولعل في حادثة عرس قاناء الذي دعيت إليه مريم 5 دعي إليه يسوع 
وتلاميذه في اليوم الثالث لهبوط الروح القدس» مثالاً على ذلك : « وفي اليوم الغالث كان 
عرس في قانا الجليل» وكانت أم يسوع هناك . ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس . 
ولا فرغت الخبمر» قالت أم يسوع له: ليس لهم حمر . فقال يسوع : مالي ولك يا امرأة 
م تأت ساعتي بعد. »". ولا يشذ إنجيل يوحنا عن الأناجيل الأخرى في طمس ملامح 
السيدة مريم» وذلك رغم أن يوحنا قد ثعهد مريم بعد موت ابنهاء وضمها إلى بيته حيث 
عاشت إلى أن وافتها المنية . وكان ذلك تنفيذا لوصية يسوع وهو على الصليب : « فلما 
رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاء قال لأمه : يا امرأة, هو ذا ابنك . ثم قال 
للتلميذ: هو ذا أمك . ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته 94 , 





العهد الجديد, إنجيل مرقس *: 7851١‏ . 1 
العهد الجديد. إنجيل لوقا :1١‏ 59 -580. -2 
العهد الجديد. إنجيل يوحنا 1: 1-1١‏ . 3 


نفس المرجع 0-55:19؟. 


2١5‏ ل 


إلا أن تحولاً جذرياً أخذ يطرأ على صورة السيدة مريم فيما بين القرن الأول والقرن 
لرابع للميلاد» بتأثير العاطفة الشعبية التي تركزت لأجيال طويلة حول الأَم الكبرى» 
وبتأثير بعض القديسين الأوائل ممن أسسوا بكتاباتهم المبكرة وأشعارهم وصلواتهم لعبادة 
السيدة العذراء. ومن هؤلاء القديسين» يوحنا الفم الذهبيء ومار أفرام السرياني» 
وميتوديوس وغيرهم . نقرأ في ترتيلة للقديس ميتوديوس : 

« إن اسمك يا مريمء يا أم اللهء ممتلىء نعمة وبركة إلهية . أنت أم المؤمنين. لقد - 
أدركت ما لا يدرك » وحويت من لا يحده مكان . أنت أم الخالق» ومغذية مغذي الجميع . 
وقد حملت من بكلمته يحمل الجميع. لقد أقرضت الله الذي لا يعوزه شيء» جسداً 
ليظهر به للبشر . القدير على كل شيء؛ قد رضي أن يصير إنساناً ويعرف الناس إليه . أي 
شيء أعظم من هذا الشرف» وهو أن الماليء السماوات والأرض ؛ والمالك كل شيء» قد 
رضي أن يصير فقيراً فيحتاج إليك . أنت أقرضت الله ثوباً وجسداً لم يكن له من قبل . 
ابتبجي يا أم الله وأمتهء فإن دائن الخليقة كلها قد صار مديناً لك . نحن كلنا مدينون لله 
وهو صار مديئاً لك . والذي قال أكرم أباك وأمك . شاء أن يحفظ هذه الشريعة' التي 
مها لهذا غهر آمة تجمة وكزفا لأخنا ولدته ميلاد ا جديا +80 

إلا أن أمومة مريم الالمية قد بقيت موضوع جلاف المذاهب المسيحية الأولى» 
حتى انعقاد مجمع إفسوس الذي انتصر فيه التيار الغالب المؤمن بالأمومة . وقد رأس المجمع 
القديس كيلس الاسكندري الذي أثزت تعالمه على قرارات المجمع حول هذه النقطة. 
وكان من جملة أقواله التي ساقها في فترة اتقهيد لعقد المجمع وخلاله: « إني أعجب من 
أولكك الذين يتساءلون هل يجوز لهم أن يسموا القديسة العذراء أم الله أم لا؟ بما أن سيدنا 
بسوع المسيح هو الله. فكيف لا تكون التي ولدته أم الله؟ تلك هي العقيدة التي نقلها 
إلينا الرسل القديسون» ولو أنهم لم يستعملوا هذه العبارة. » . وبعد انتهاء مداولات المجمع 
بحضور ١٠١‏ أسقفاء تمت الموافقة على عقيدة الأمومة الالهية ع م اطلاق اسم « أم 
الله » رسمياً على السيدة مريم. وكان شعب مدينة إفسوس واقفاً تحت نوافذ قاعة 
الاجهاعات يترقب تحديد العقيدة وإعلانها . وما أن تم ذلك » حتى خرج الشعب كله إلى 


الأ متري فهاجي إثناسيوء الموسوعة المركية ص ١85‏ . 1 


539 سمه 


الشوارع» وسار الجميع وعلى رأسهم الأساقفة يقطعون شوارع المدينة والمشاعل في 
أبدييم والنساء يحملن المباخر » والجميع ينادون بأن مريم هي والدة الله وينادون : يا مريم يا 
أم الله 6'" , 

لقد فتح هذا اللقب الجديد الباب واسعاً أمام العاطفة الشعبية 005 السيدة 
مريم أما كبرى بكل معنى الكلمة . إن أمومة مريم الالهية ليست أمومة للطبيعة الالهية» ولا 
مبدأ لكيان الابن القديم, لأنه الكلمة الذي كان» عند الله بلا بدايةء بل هي أمومة للإله 
الكلمة المتأنس يسوع . ومع ذلك فإن لقب أم الله قد وضعها في مصاف الأم الكبرق 
الني تدعى لدى كل الثقافات بأ الآلهة . وبدأ الخيال الشعبي يسبغ عليها ويستعير لها كل 
خصائص وصفات الأمهات اللواقي كن موضع عبادة في الديانات السابقة. واتخذت 
مقاما في العبادة يأتي مباشة بعد الثالوث المقدس . وذلك يرجع في رأيناء إلى نزوع نفسي 
متأصل في الطبيعة البشرية لعبادة القوى الالهية في تجليها الأنثوي, إلى جانب عبادتها في 
تجليبا الذكري . ولقد استعرضنا عبر فصول هذا الكتاب رحلة السيدة مريم من قديسة إلى 
أم كبرى, ولا نهد حاجة لتقديم ملخص شامل حول هذا الموضوع 

ولقد ساهمت الأعمال الفنية والتشكيلية في رسم هذه الصورة الجديدة للسيدة 
مريم» وقدمتها كأببى ما تكون الأ الكونية الكبرى . من فيض هذه الأعمال نشبر إلى 
عملين يقدمان في رأينا فكرة عما حاولت بقية الأعمال أن تقول. ففي تمثال خشبي 
بالحجم الطبيعي من فرنسا القرن الخامس عشم”” نجد أن السيدة العذراء في وضعية 
الجلوس تحمل في يدها اليسرى كرة الكون . وتضم بيدها اليمنى الوليد الاممي الواقف على 
ركبتها. إلا أن سر الفثال يكمن في أنه مجحوف من الداخل ولة مصراعان قابلان للفتح . 
فللوهلة الأول يبدو اتمثال عملاً عادياً من النوع المألوف » فإذا فتح المصراعان كشف 
اتمثال عن معانيه السرانية » إذ نجد في داخله الاله الأب ممسكاً بيديه الأثنين الصليب» 
والاله الابن معلقا عليهء وكلاهما متضمنان في كون العذراء الرحيب . أما العمل الثاني 





نفس المرجع ص 59528 - 5595 . -1 
167 وع اط عء5 ,331 2 تعطغه84 أقعرن عغط1 بممفصسيعل8 طعل8 2 


5١8‏ ده 


فلوحة زيتية من روائع الفنان الاسباني فلاسكيز محفوظة في متحف مدريد تحت إسم تتويج 
السيدة . في هذه اللوحة نجد الثالوث المقدس مؤّلفاً من الأب والابن والعذراء التي تتوسط 
الاثنين » شاغلة مركز الصورة وأكبر مساحة فيهاء ويمسك الأب والابن بتاج يضعانه على 
رأس السيدة . 

هذا الدور الكبير للسيدة العذراء قد جعلها شريكة كاملة للاله الابن في سر 
الفداء والخلاص . فبدوتها لم يكن ممكنا لملحمة الخلاص أن تتم وتستكمل شروطها . نقرأ 
في أناشيد الكنيسة الشرقية وصلواتها: « بما أنك كنز قيامتنا يا جديرة بكل تسبيح» 
انشلي الوائقين بك من قعر جب الزلات. فإنك أنت خلصت الحاملين تبعة الخطيكة 
بولادتك الخلاص . يا من هي قبل الولادة عذراء وبعد الولادة عذراء » .. « السلام عليك 
يا فرحنا وسترئا وخلاص نفوسنا. إن أجناس الأرضين كافة يلتجئون إلى سر معوتتك 
جانحين ».. « سهلى لي مناهج الخلاص يا والدة الاله. لأني دنست نفسي بخطايا 
سمجةء وأفنتيت عمري كله بالتواني ».. « لما حياك ,جبرائيل أيتها البتول» تجسد مع 
صوته سيد الكل فيك» أيها التابوت المقدس » وظهرت أرحب من السماوات إذ حملت 
خالقك . فالمخد للذي سكن فيك المجد للذي أتى منك . امجد للذي حررنا بولادته 
منك 06©. وفي المجمع الفاتيكاني الثاني الذي أعلن الدستور العقائدي للكنيسة 
عام 11714١غ»‏ تم تناول شخصية السيدة مريم ودورها في تدبير الخلاص» وذلك في الفصل 
الثامن من الدستور الفقرة 7٠‏ حيث نقراً: « إن العذراء الطوباوية التي أعدت منذ الأزل 
في تصمم تجسد الكلمة كي تكون أم الله غدت على الأْرض بتدبير العناية الالمية أماً 
حبيبة للمخلص الالحي وشريكة سخية في عمله بصفة فريدة أبدأء وأمأ للرب وديعة . 
بالحبل بالمسيح وبوضعها إياه في العالم وبتغذيتها له وبتقدمته في الحيكل إلى أبيه» وبتألمها 
مع ابنها الذي مات على الصليب؛ ساهمت في عمل المخلص مساهمة لا مثيل لا »7 


وفي الوق » فإن مثل هذه الكلمات التي تصدر عن أعلى سلطة رسمية كاثوليكية لا 





الأب متري هاجي اثناسيو» الموسوعة المركية ص 589441411591١‏ . -1 


نفس المرجع ص ”١ه 8١4‏ . 2 


ا ا كك 


بمكن إلا أن تكون ذات صيغة توفيقية بعيدة عن التطرف» وذلك حفاظاً على الروابط مع 
بعض الكنائس التي ليس لعبادة العذراء فيها المكانة نفسهاء وتدعيماً لسبل الوحدة 
المسيحية. و لعل في قول الكردينال الفرينك خلال مناقشات المجمع الفاتيكاني الثاني. 
الانف الذكر. ما يشير إلى الاختلاف بين الصيغة الرسمية للعقيدة والممارسة الشائعة» إذ 
قال : «إن التعبد للعذراء مربم شيء » والتعبيز عن إيمان الكنيسة وتعابمها شيء آخر» . 

وبعد. لقد كانت السيدة مريم العذراء آخر تجل للألوهة المؤنئة في ضمير 
الأفنان. وفنو أنيا باقنة معه عل مر “الأزمافة. 


ج18 ست 


روما 


هاهو المر الضيق الوعر الذي صعد بنا عبر الأحراش المتشابكة 
يوصلنا إل القمة . حطواتٌ وريم آخر الأفصان التي تحجب خيرة عشتار 
الصافبة . هنا مسخت الإلة الراعي الشاب أكيتون ألا فطاردته كلابه ومزقته 
إرباء جزاء اقتحامه عزلتها ورؤيتها تستحم عارية . 

أضع قدمي اللألى عل العشب الأُحضر وأسير محذر دون أن اسمع 5 
لخطواي .. الشمس والقمر ثابتان عند الأفق 06 إلى جنب ء والنجوم منتز: 
ا تحت سماء زرقاء .. كل ما حولي ساكن سكون الوجود 006 
قبل أن تبث فيه روح الخالق .. مشيت إلى حافة البحيرة واستلقيت .. كان 
الصمت 0 من هسام جلدي كدر الطواء في يإناء مفر أ حتى امنلآات 

لعدم .. لا أدري هل مرت دقائق 0 سنين وعيناي مفتوحتان على اتساعهما 

تحدقان الى نقطة ثابتة فى أعماق ليل أبدي .. ثم ترك الزمن سطء وأعذت 
أميز الاشياء .. النجوم تت . وظلال الاشجار تنطاول وتتلانثى مع غروب 
الشمس ء والقمر البدر يصعد خط السمت . وهبت نسمات تحمل كل 
عبق اللكان .. انكمت على وجهي أشم رائحة التراب والعشب ء بيغا تصاعد 
من أعماق صوت خافت سمعته بوضوح صوت التصوف « النفري » ١‏ 

«أمر كانء وأمر يكون. وأمر للكون أبداً. فأمر كان. حتي 
التي رمن وكرن يه ا لاز 5 لا تعرفني يعرف لذ 


«النفري» ‏ المواقف وامخاطبات 


5١7‏ سم 


مراجع البحث 


ع0 ,152011408 عاع01) ص قاع تصقآ لقن1ان8 1126 .أعققع 1122 ,نامتوءلث - 
1514 

5 ,5ناعقط ةق ,01035 1826 3130 5410518100123 53220 15 ,. ل ,رمعوعللة - 
110 

2 ! ,تلأناع 260 ,013165) .1 لإ5 13232512460 رذقث 2ع010) 1126 كناك أتاوم - 
1230 

علعول بوع51 ,رمماععصاء2 ,أطون1 «عط)1540 0قة لقلانظ ,رطااك84ة .1 ,مع أمطعهه - 
13ظ1 


5 5أمطنا!1 ,لإمممططه© لتلة 56016 ,20320 عترمأقتطء22 .1 .813108000 - 
7 لجولا بجع11 ,تلناع مع عق ,تمع طأه84 عط .أرعطه8 ,النده ك8 - 

1970 عارملا بجعل8 روعامه8 تزأذووعانملآ ,051515 .كتللة/18. ى. 8 رعع800 - 
71.79.69 ,12072 ركسقتاورعآ1 غط) 4ه 0005© عط .كتللة/11آ.ى.ظ ,ععلدظ8 - 
77 :زولهمآ لم80 منمهمء2 ,ترومامطز14 ءالاتسلوط رطمعد30 رلأءطمسة) - 


- 2:١8 


10177 0 80015 لتباعمء2 ,ناوه أمطاتاك8 لمامء 01 رلأمعوه1 ,لأعطممة0 - 

0 80015 لتاعدع2 ,لزع 1/1010 لام 00 ربطمع05ل ,لاعطمصية0) - - 
117 

7 20058ه0.آ 80015 ستسووء 2 ,نخع010 غ1 ع الأد02) رطمعو10 ,العم ليد - 

06 لوكنة11 رعمناوء لح236-5ز5 ع2 معع1113 ورعتووءن2 5عن]آ ,5علاو2 ل رماايية0 - 
.76 نامآ راقع ”.1 

225 هآ عتادعن) روعتتوتط غتامء80 قطملع1ا8 .5عناوع3ك ,ملاييون - 
,2 دوعو رععلمغقتطعءءط ع0 ع8 ءزومامء1*8 

م1 ,امقعطآ صممارملظ ,أموظ عوعل1 المعاعصهة أوه84 عط1 .و«هل2ه0 ,للتطن - 
9 7011 

[197 لمملا بجع1[1 رده لالت 542 ,طأونتمظ مع0010 عط1 ,وعطرول رععمةظ - 

للهلا عط 01 غتمتمك ع1 .عنطناك ,رعتهجهعاه00 - 

5 لجو لآ بجع[ ,لإققرط ل سوغده11 يأعوظ نون[ أو زعمم عط 1 . .ل ,م0100 - 

101 77 لوط 1 74020 ,رعأ 2 3ق50 3541 لمع الموع0.11.17 ,ردمل:00 - 
107 

0 مم1 ,8001 تسقعتاء2 كش رقطاتز4] عاعه 92 .20626 رو 0183 - 

3 1.0500 , لالزاتسقطط ,نوع 1495010 عاءعع .1 ,320انا0 - 

,لاع 1م طانا14 04 019عمهاعتزعمظ نما ,لزعو امطا14 ممسهع. 1 رلقممعاناي - 
7 1.05008آ ,لازلسة 11 

1ل بجعملا( , و1 حطة معمع 3ط ,145522125 5 مهجمه/171 .تعطاوظ .54 ,عمتلموط - 
1516 

أوسء اند رمم نوناع 1 عاعه 02 01 بزلنن5 عط 0 قمعصمععء لتمظ .عمدل ,ممكموط - 
6 ارملا بجعا8 روعلهه80 1 

9 ,01116280) ,تلطاء210 ,2062515 مقتمه83[1 عط1' .رعلسصقيت لك ,[ءع11210] - 


0 ,1380© بتتمعمطط ,عامط لاوعتصسدع 011 عا رععلسهوعلى ,اعل ه11 - 


لزه لآ ج71 ,800165 001117 ,أمعمعع5 عط 1ه منهل5 للا عط .آل رمموععلمع 1 - 
10011 
نهآ لامكسصتطء 111 دممنوناء 1 سوتراووة4 350 لتدتم8351:10 .5.11 ,20012 - 
1 دكت 


1313 1.08008آ ,لإكق رطا 
. 1977 عاكملا بوع81 وماأععملء© ,مععمفط 01 8001 ,عمل 1 - 
2]'' :182 ,354255 عطا 15 5203 225011ئنا5- 153251011126102 .0 .© ,18تلال - 
8 011ل" 7169 ناماع صلوط ,اأعطم تصق .ل بر 1 * 111561 
نط6 نهنا 331521086© ,2105لا 320 متقتصقةء]1 5ال ربطاتا1ة ,0.5 .علعرظ - 
3 ععل امطاصة 0 
9 021لا بتاع[8 ,100112160237 ,51113 21 وع2طاع؟5 21150173 .5.101 ,تع لون - 
1 عرولا بجع81 , 80 لهند ععمعة]ظ ,نزم 10م طانز4] ممتتعصسياك .5.10 ,تعترةك - 
#لطعطث ,(80160) لان الا أمعاعصمة عط 01 نزمه1هط1ز84 ./1.ذ ,تعمو عي - 
011لا 3م316 رقع[ 800 
9 21655 5517 الآ 322نكم1 ,عانظ عع 14313 لعععه5 عط1 .اذ.5 ,وعسون] - 
8 01008.صآ ,لأنافدء2 ,11هآ.0) .نآ لاط لعنفأققة1 رمضتط .1 1211180 1:03 - 
لة تع تتقط1 رأكوظ موعل8 عط 1ه 01111520053 أوعتائق8 .كعدر3ل ركققلاء54 - 
8 101001 ,111105012 
ن1] لسة معصسمط1 بأكقظ عقعل عط 1ه علطغتامع1:. عط1 .كعصول ,أمققلاء14 - 
1602002111 
7 102002 ,005002 320 1132165 ,أ لالزلا 02131 .ؤ5عتتتة1. ,)1111335 - 
اا 1 26 ععاوغمتطعع5“'“ صا رعتطاتامع11 س1 متاك طامه1ظ! ,بجع لهم ,عهه84 - 
0 عوط ,015 
00 201160 * ”كع 1م5455 عط1"* :1 15كزو0 1ه 5علر2ع)5 112 ع1" .06018 راععةل8 - 
8 عاءنل بوع[1 ,ومع6عصعط ,لأعطممةة 
4 عرولا بععع[1 بلاوئععع 2ع ,رتعطأه11 خوع01) عط ]1 .لطأعاوظ ,رمفصسيةل8 - 
0 لحل رققك قكنا0 0295© 01 111502 320 كملع 021 عط1 .لأعارظ ومقطيعال8 - 
0 021ل" بجعلا 
**و216ع)15 عطا"' ' قا ,562165( هةنسذةناء81 01 عمنمدء81 ع1" .جع غلة 77 ,010 - 
8 عازولا بجع[8 ,رمسواعءعصوطط ,اأعطمصسدتن. ل ز5 160ل8 
2 102002 ر5ق 8001 متناهدء2 ,كأقمطم3220)ء11 .0110 - 
01 7015م زعصظ عذذنا0ئ3آ“' 12 ,لاع ه[عطار149] مدتلسآ .مترمكلة له أء00:5 - 


- 2758 اند 





7 10200123 ,لمواأسمط * ”زمه 1م ط ك1 

5 ترماعع2:12 ,(10160) أمظ عوع[ظ! لمعاعصمة 116 .5ع2نةل ,رلعقطء رط - 

عظ)"'“ هآ رصمو1 أه كاعم عط معتل رمءعءخ 10326 1801120 قناكءآ .11302 رعنالوط - 
1ع ج71 لماع ع مر ,لاعط مدهت . ل (5 50160 روم 1ر315 

آه عولظ عط1]' .وعامقطن) ,مفصلع8 - 

-00آ ,03131808) رلإع 11715010 01 لمقصملء11 .ى . وعاععلسع11 سه ممتمقطة - 
1 م00 

0 ,153251011230101 جلعظ1 320 دع1495621 امعاعهمة عغط1: .انه ااتتسصطء5 - 
38 عرولا بجع21 رصماءعصلرط ,الءطصمهت. ل ترط 801660 ''قعلرع )835 ع1 

؟0 0313عم160ء2219 12201155" * 18 ولاع 8643:2010 اسقلامع2 .ل ,1300لا - 
7 020012آ السو ,نزم 1/1010 

5ن لقة كعتشقط!" ,لتانق ا ك عط 1 106021 لسصة طتركة .مذلا4 ,5هللا - 
4 10210022 

01لا بلاع11 ,/00222322) 300 110 ,000 01 ولصقطط عبصا ع1" .مقلالى ,8/3115 - 
8ظظ15 

.ل لاط 80160 * :5ق ه1495 ع1“ 0[ رقع للة1195 عتطمء0 عط1 .عع لع ,لملا - 
8 ططجولا بععل8 رومعءعساءظ ,للعطمصسة © 

27177 ,221266011 ,انث 12013123 ها 015طتز5 لنققنة طازال/1 .لاعتعمء1] ,عسات - 
4 2011 

“15108 14951 عط1"“' ص[ ,ععط540 1701لا مدتلم] ع1 .طلع مما 1ك ,مع ص2 - 
838 7021 برعلا رلماع رط 


[انجلرء أصل العائلة والدولة والملكية الخاصة)» دار التقدم , موسكو . 


ابن الكلبي؛ كتاب الأصنام. تحقيق أحمد زكي» الدار القومية للطباعة» القاهرة 
5و١‏ 


الطبري » تفسير الطبري » المطبعة الميمنية) القاهرة . 
الشيخ عبد الكريم الجيلي» الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل . 


ا لكا 


فراس سواح مغامرة العقل الأولى؛ دار الكلمة؛ بيروت .١948١‏ 

فراس سواح» ملحمة جلجامش. دار الكلمة؛ بيروت .١98١‏ 

محي الدين بن عربي » الفتوحات المكية . 

الاب لويس شيخو اليسوعي », النصرانية وادابها بين عرب الجاهلية . 

محمود سلم الحوت ء الميثولوجيا عند العرب . دار النهار» بيرؤت ١90/9‏ . 

الأب الدكتور متري هاجي اثناسيوء الموسوعة المرمية دمشق 1985. 

ميديكوء اللالي» من النصوص الكنعانية» ترجمة مفيد عرنوق» دار الفكرء بيروت 
.١1940‏ ' 

النووي» رياض الصا حين » دار إحياء الكتب العربية» عيسى البابي» 'القاهرة . 

أرسطو» في السياسة ؛ ترجمة اوغسطينس بربارة البولسبي » الفيجنة اللبنانية لترجمة الروائع 
بيروت .١988٠0‏ 


-ا 75 1 - 





أدونيس 
ع 
ل 
أثينا 
3 
ب إن 
ابسو : وه١‏ ص 
اتيس لالالا ‏ االلاء 
حت يق نض 
اي 5 
ارسطو 
048 دسدة 7 
44 ارك 
0 
آن ا ” نت 
ل 
ابوللو :98ل 25# ابعر #خزية افيد 
5 الأسطورة الأول 
أييس كلا 812 . 
أتوم : .١55‏ اسكليبوس 


--25390 له 


هه ؛ ععآأهة 
ل دق ه7١‏ .2 
7 ا و8 


: لاطاع ه51 . 
: لالال2» لاه 2 مه 


امع لام م21 
ك4 25 
ين ت م * 
”ا . 

ولع ه55. 
335820667 . 
كلاط كما . 
0 

20 ال 
١15‏ 555؟. 

. 1617 


اغيميمنون 
افجينا 
افروديت 


ألف ليلة وليلة 
ألواح القدر 
اليجا بالوس 
امازونيات 
إنانا 


أودين 
اورانوس 


أورفيوسءأورفيه. أورني: 


أوروبوروس 
أوزوريس 


ايل 


0 0 0 
ا © 2 3 


لاا لاهى, 5و2 


ىم" 28 
5 
255 2*7؟. 
682585 5. 

هه . 


كلا الا ١١5‏ 


راكع امل كات 


الا 2١75.52‏ 
0514 :ا ء2 
0 

كلا ١6م.‏ 

5ه عيقك) 21155 
0 

345 . 
مف 6لا مه١ا.‏ 


. "51 


ا 


1 
١غ‏ 
ه31 . 
31 . 


15 ء 


. ١565” لمكعء‎ : 


)»2 
95”. 
مم21 
كلا١(‏ . 


لاك21 


و21 


01 6 


ا 
0 








ايللات 1 

ايروس. حا 

ايرينيات 5 لا. 

ايزيس لاك كمقا الا 
ا مكل 
مأك 20 
:م 20 
لكا .”50١‏ 

_ 

بؤرة حضارية ها 2560615 
و 13 2 

باست لاا 1017م 

باليوليتي » ل 0 

ثقافة باليوليتية 1564441 . 

باك لع .١9١‏ 

باندورا 2.54 

برو ميئيوس 3584” . 

.575١ 011 بريتيوهارسي‎ 

بريجيت الاك لام اك 
2000 )2 
5 . 

بعل ا 75 ء هلالا 
/لا/ا١ا‏ . .”6١١‏ 

بعلبك 1. 

بغاء امك كلمل 
. 

بقرق.بقر,البقرةالسماوية : ”"ه , 5٠١‏ ١الاا.‏ 

.١ بلوتر‎ 


258 ده 




















بليستوسيني 215 قل المرد هل ملف هق 
بوذا : 75”. 0 . 
بوسيدوت 0 تموز ل لة 
بوكراس 00 0 
بيبلوس .١‏ تيان 2.15 
بيغون 2 2١5٠‏ تيريسياس او 
01 
بيرسفوني فكلر امكل _ 
.5١‏ 
بيرسيوص, شف الوث اق 6 
البيغا 55 . 3994. 
الثور الإله الغور الا سلا كلا 
6م20 كدل5,) 
ت لا الالك 
ك2 الا2)0 
وفقفقية ررد 0 
تاو ثاوية 00 يفضبة 
ترستوقوس ”اع 574 . ثورة مدينية 00 تت رشية 
تعامة ١‏ 00 بين ثورة نيوليتية 5284 . 
وق 2015 يسوس ا ا 0 
53١9 18‏ . 
تفنوت ده 
تكوين بابلي : رهن “فق وق 
ه5١53‏ ., 
تكوين توراتي 67. الجرة المقدسة 254 45. 
.تكوين صومري : له. جلال الدين الرومي : ١9“‏ . 
تكوين فينيقي ١ك6لا.‏ جلجا :2480 ٠8‏ 
تكوين مسيحي ال همالك 55 
0" الجبس المقدس 6 
تل أسود 8 40. جنة 7 4ه. 
ابل حلف ا 2١‏ 25. جورجون. جورجونات : 21١178‏ 7150, 
تل :العييد 01 /ا. 


حت به 437 حم 


1 


1 


لاك لاه ّمه 
اما لمت 2015 
2١55‏ ؟اكا2 
201 51 
؟'/ا؟ . 
5م . 


2 








حاسب الدين وملكة الحيات : 


الحجر المقدس 


حامة, ماعة, الرو ح القدس 


رس 


' 


. 64 

١ه‏ قم . 
08 

. 864 

0 

1غ هه5”. 
عر" 

هه" ح” . 


: لام ع 21١548‏ 


ولع لت لمق 
6١‏ » كا201 
. 
0 








خصاء. صقورص الخصاء 


الخضر ١‏ اهل 4" . 








خلق الانسان هه. 
الخيام اللءه؛. 
2 

دانو م 

١ دلفي‎ 

درموزي 5 215١١‏ 4كك 2 
تففية حدق 
5 

ديمتر : الال الاه 6 ما 21 


3 مضة 
20 ككركء 


1 

ديا سوريا مه عم . 

ديانا اهم 210 
يغدة 

ديانة نيوليتية ب اث ل 
00 

ديانة مركزية ل هكى, ه56 


ما )» 2١١‏ 
حن © خض 5 








لام . 
ر 
رأس شهرا 5 
ربة الينبوع 44. 
رحيا : لاا ع لاه كلا 


ل اوداك 








زأرادشت,. زارادشتية : ١١١‏ . 

.١ 58 : زاغروس‎ 

زيوس : عمء)آأالم »2١١5‏ 
2١55‏ ككل 
5 
555 2 5”ل؟ . 

: لاه .81م . 


سس 


ساتير ا 

.١5١ لم8‎ : 

ا 0 

سبتء سباتو ثبات : ه07 . 

سبخ ؛ اوبسيدان 2 : .١9‏ 

.١ 6١ : ستيتية‎ 

: لا 975”. 

سرة عشتار 9 

172 

سلت :54. 

سمارة . 

سواستيكا : ه24 
الا١ا.‏ 

سيبيل د مف : اليف الرفيفق 
"2 هع" ء, 
4م" . 

سيت : ا احل2 5 ؟. 

: لاا يكم 2 5؟” 

. 84 


زبوس الكريتي 








3 














سيرينيات 2 

سيلين 54 

.١5١ سيلينوس‎ 

سيرمسي 0 

سيريس 0 

سيرئباس . 

ش 

شتال حيوك “٠‏ ؛ 60585 2950 
4ل لا 5 . 

شجرةمقدسة, عبادةالشجر: 85 ) /8 . 

شجرة الميلاد ه1. 

شعر 257 

شكسبير رقف" 

فش الما 

. 75١7 21١9٠ : شيطان, عبادةالشيطان‎ 

شيفا كلا 84" . 

ص 

صليب لا 5م ءءء 
201486 خرش 
5# 

الصليب والاتجاهات الاربعة: 901 . 

الصليب والقمر كم 096.0 ١5ة.‏ 

صليب معكرف ه5924 . 

صليب نيوليتي ه55 ءع١ءة.‏ 

صوفيا . 


257 لد 








طيفون : عم ع ة4؟١.‏ 





3 





عذراوات النارالمقدسة: ٠١9‏ . 


العرى : لاا) لمم كق2 
يك ه43 )» 
١‏ 

عستارت د كاد تال 
١5‏ /ا5ء 
ل" 

عشتاز البابلية "مه هلوا .همق 
كلمءعمةق.٠‏ أاكللا 
21 ك 201 
١8١‏ » 2 
25 مك20 
4" . 

عشتار ديركيتو 48ث6١.‏ 

عشتاروت ؟13١.‏ 

عشيرة : 8ه 

العماء البدثي : 4لا. 

عملاق 7 81 

عناة ١‏ الاكاء الا هلالا 
28 /111 2 
."١١‏ 




















غار ثور ١0١‏ 
غنوصي ٠‏ غنوصية ا بي 
44 
غولة 4 
فو 
الفأس المزدوج 00 
فائيس #لا م 4لا . 
فرجء فرج ذوالأستان : معمل 58 . 
فصح اما 
فيستا 5" 
فيلو لا 
فينوس ل 
فق 
قاييل وهابيل 17. 
قسطنطين 1 








كاديكوس ف .ص 
كارييدس ها 














كارقيس 1" 

كالي 0. 

كبش الفداء لكدة. 
كرونوس ملع ؟آلا؟. 
كور ااال (8؟3. 
الكوم د" 1 
كينغو ه58ة. 

كيوبيد اال" 

ل 
متت جح صق 117 
اللات : لالاء همع مم 

ليش ” 
لاوتسو 5١ا.‏ 
لوسيفر 0 
لوغوس : 6لا 2١4‏ 
.6١‏ 
لوياتات : .١58‏ 

م 
هارجوجيوس ٠‏ 77 . 
مارس 4دة. 
ماكيث الى 
ماندالا 0. 
ماهي 0 
مت ا 
المسيح الأفص 2 : .1١48‏ 
المسيح | مل الخطايا غ40 


المسيح بز الحياة : 1.0١‏ 

المسيح والرقص الدائري : ١”‏ . 

المسيح المنلث : مة. 

المسيح الملك 5 قءة. 

مراني عشتار اا 

مردوخ : 6.84 ١٠م‏ الىء» 
5ع لمه١.‏ 

مريم الأم الكبرى :وّه. 

مريم أم الله قمع #ل4. 

مرب الجرة المقدسة والاناء ل 

ريم البقرة 6ل . 

مريم السوداء .ص 

مريم سيدة السنابل ١‏ . 

مريم سيدة الصحة 1 

مريم الشعلة 001 

مريم القمر اككع5لا. 

مريم المادة البدنية 1 

مريم النائمة ا 

هرم : 

مريم النجمة ملل 4ش ١‏ . 

مربيط : هلءمطلء5ما 

.١ 69: عمو‎ 

مولوخ الاللا. 

مناة : 154لا ملف كقم24 
ك5 "5١‏ . 

موت لكلءكة١.‏ 

الموريا الغلاث 5 

مولوية الا . 

موريا 4غ14؟. 

مهنتا 4 , 

ميترا ف ف 0 

يتيس 144 . 








المينولوجيا الشمسية : 04 . 

المينولوجيا القمرية /ا. 

ممناتور الالاء ام 

ميداس خم . 

ميدوزا ا 

موز 148 . 

النار المقدسة 00 

نحاش . نعاس 5 

لسر 58 لوا١3.‏ 

نطوفي نطوفية 0 

النعمان ل 

العم الثلاث 45 . 

مو الاك 9ه عه . 

نعو +6 ع هه 5# 

ننخرساج : الالا ع 4ه. 

نتليل 8 . 

ننشوبار 58258 . 

نتجيزدا : لاه١‏ 

ندخبت 8١ا5ا.‏ 

نوت 04 ا ا كل 

نون 7 

نون 1 

نيت همع كه الا 
0 . 

نيوليعيء ثقافةنيوليتية ٠‏ 2148 255 2358 
ا ل اليك 
0145 

نيوليتي فخاري 0 


1 

















نيوليتي ما قبل الفخار: ١35044‏ 
نيكس اانه 
م 

هابور 484 . 

هاتور : ” .؛ كهمم علض 
احلللك )0 
54. 

هاديس »ع ان 
١م”‏ . 

هرقل ال 51582481 . 

هرمافروديت ا 

هرهز هع 5605 0 

١7١ هستيا‎ 

هوريا 7 1558 . 

هيرودوس د 

هيقات : لالم 0-0 
501 54 
؟5ه؟ . 

هيليجار 5 . 

وادي فلاح در 

5 

يسم 51؟. 

عر 2 

ين ء يانغ كخما خم ١ا.‏ 

4.0. 21528١ : يوحناءيرحناالفوالذهبي‎ 

يونغ المدرسة اليونغية : 74 





© فانحة ملمف موف ةين ووم وروي جومم ميرم عع مر ممم دمو مممء م رمرم ينه 


١‏ البؤرة الحضارية والاسطورة الأولى ..... ل 
؟ ل عشتار الأم الكبرى 05 اا 010 
© المججمع الأُومي - فردوس الأْض 000 
© الام الكبرى 000100000 070 ##ظ22 
© الأَم الكبرى لعصور الككتابة 77 ش#ظ3 
٠‏ عشتار القمر و 
© البقرة السماوية العامة مو ااه مام اا لا 20 
© أنوثة القمر وقمرية المرأة ل ا ا و 0 
© أسبقية عبادة القمر ا 
© القمر والخصوبة #اتشاة الل او تمق لاوا وما كه لالطو 
© الأطوار الثلاثة للقمر -ربج03 1 1 2107070170101 
© سيدة الوقت » سيدة الأقدار والمصائر ل 
© الأمُ القمرية أم واحدة ا 0 
4 عشتار الفضراء 10[ [121111011#31[1[1[1 


أت 29١‏ عد 


١٠١ 
١15 
١74 
١. 
١ ه:‎ 


ه ‏ عشتار العذراء مسا اف ا لامك ما 
© التبع امختوم مم حرط ابلطم خخ م 
5 عشتار البغي المقدسة جا ا ف وو ا ارق مع كم و 10 
© عشتار في التوراة العو مساوق ةل اسنقسس ذقنا 
/ا ل عشتار السوداء ما فو ا 1 ١‏ 
© الأم الكبرى سيدة الموت 0 0 
© التدمير الذائي متش املع امف اال ار ا م و ع ع 1 
8 - عشتار سيدة الأسرار الم ا ا د 
© سيدة الحكمة 0 00 0 0 0 0 ا 0 
© سيدة الجنون بزب 003 ا ل 
© منيدة الغيبوبة اا مالا ا 31 عو 5017 
© سيدة السحر اجام اناا اراب كا لاله بالط او 8 
8 تموز الخضر 00 0 0 
© القمح القتيل 00018 0 0 
© عشتار ووز 0 و 
© عستارت وأدونيس ا خاو ارط داف أ اموا ام اوعد ال الوا كروك - ع 
© طقس أدوليين 1 ا 00 
© عناة وبعل ا 1 1[ ز[ 1 ا ا 
© ايزيس وأوزوريس ا ا 
© طقوس أوزوريس 8ب 0 ااا ا 
© طمقّوس ديونيسيوس ومع حو او المطام لعو الاو اام 
٠‏ بين أيل وبعل 
«نشوء الديانة البودية» ا ل 
1١‏ عشتار الخلصة الال م لتر 1 وما لت ا 221 ا د 1 11 
©الابن امخلص دمع ف ع لمشتو ماضن خط الاو و رطاخ ولحو شو نو ليو ٠‏ 1807 
١‏ مراجع البحث 0 0 ا 
٠‏ فهرس الأسماء العاف ممحوواف انو لازا و ملق اط الم كشو لاا 


قائ كنب (التارب لين ول رسيا ثرا رجلزء (الر 











العادات والتقالبد في حجبل العرب عطا الله الزاقفوت 
الحضاران القديمة 5١‏ ف. دياكوف / س. كوفاليف 
صراع بين الحرية والاستبداد فارس الحناوي 
ارام دمشق وإسرائيل في التاريخ و الناريخ التوراتي قراس السواح 
الأسطورة والمعنى ‏ دراسة في المثيولوحيا و الديانات المشرفية فراس السواح 
الناو تي نشينغ إنجيل الحكمة التاوية فراس السواح 
الحدث التوراتي في الشرق الأدنى القديم فراس السواح 
الرحمن والشبطان الثنوبة الكؤبية و لاهؤث الناريج في الديانات فراس السواح 
حلجامش ملحمة الرافدين الحالدة فراس السواجح 
ذبن الإبسات ‏ بحث قفي ماهبة الذين و منشا الداقع الذيني فراس السواح 
تفز عشنار ‏ الالوهية المؤنئة و أصل الدين و الأسطورة فراس السواح 
مغامرة العفل الأولى ‏ دراسة في الإستطور فراس السواح 
تاريخ أورشليم فراس السواح 
زه الشمس الحمصي فرانتس الهايم 
الحضور اليماني فضل عبد الله الجثام 
المصادر الناريخية العربية في الأتدلس ك. بويكا 
دراسات حول الأكراد لبدرخ 
معجم الأساطير ماكس شابيبرو 
سويداء سوريا موسوعة شاملة عن حبل العرب مجموعة من المؤلفين 
الاثنولوحيا ‏ دراسة في المجتمعات البدائية ا الخطبب 
الفكر الإعربقي محمد الحطبب 
مصر اباع الفراهنة محمذ الخطيب 
موسوعهة تاريخ الفعقاس وأل ركس محمد جمالك صادق إبه زاق 
صرح ومهذ الحضارة السورية مغيد عرنوق 
الديانة الزرادشتية نوري اإسماعيل 


الديانة الفرعونية والبس بدج 











تاريح الجماعات السرية أركول داروك 
معركة المزرعة ملحمة السلاح الأبيبضص إسماعيل الملحم 
ناريخ البايات أودين أولدفادر 
الجنس في العالم القديم بول فريشاور 
الشكابت القدماء لبلاد ما بين اتنهرين وسوربا الشمالية حاب كلود مأرعرون 
من هم الموحدون الدروز حمبل ابو نرابي 
أميرات سوربات حكمن روما حودكري تورتون 
أساطير في أصل التار جيمس فريزر 
الوم الآخر ونهاية الزماب حالد صناديفي 
الاقنباس والجحس في التوراة خالص مسور 


المراحل التاريخية والسياسية لد دنحو داوود 








القاشرة وببب المفدس و ديفيد صمونبل مارحوليوت 


هل هبط أدم قي العمقم مز رحيم كاظم الهاشمي 
سلسلة الأساطير السورية ريتيهن لابات 
طقوس الجنس المقذدس س. كريمر 
السريات المسيحيون المسلموت سمير عبده 
السريانية العربيه سمير عبدهة 
المسبحيبون السوريون لال ألعي عام سمير عبده 
المسبيحيوب السوريوب قديما وحدينا سهير عبده 
مني إنساب ذاعرب العازية صالح هواش المسلط 
صفحات منسية من نضال الجزيرة السورية صائح هواش المسلط 
أنقم اتغروات في صفحات الإسلام الخالدة عبد أحمد السعدى 
بدايات الحضارة عبد الدكيم الذبوت 
تاربخ القأنون في العراق عبد الحكيم الذنوت 
الاسطورة في بلاد الرافدين عبد الحميد محمد 


أصواء على النورة السورية الكبرك عطا الله الراقوبت 





0 


ولعل أهم ما علمين إياه العمل في هذا المؤلف . هو وحدة التجربة 
لل للطاء ر لواة الات نا ا للف 0200 
ونظام ميثولوجي ليس إلا قطعة ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة 
زاحرة بالأجزاء الي تبدو مستقلة عن قرب ؛ متوحدة عن بعد » في 
نظام متكامل يعطي معن لكل جزء من أجزائه ؛ ويستمد معناه من 
هذه الأجزاء ذاتها. 

قْ يت رت 1 تقدم ببحث واف عن شخصية الإلهة الأم 
أو الأم الكبرى ف النسق الميثولوجي السوري - البابلي ومتوازياتها 
في الثقافات الكبرى المجاورة ؛ ثم اكتشفت تدريجياً أن الحيز المكاني 
اه ل ا لل 0 ال ات ل رك 
على الإحاطة بالموضوع . كان تتبع الأم الكبرى يوغل بي زمنياً إلى 


ما وراء حدود التاريخ لت لك أودع النصوص 
المكتوبة لح كه لحت رت الت 0 
ل ا ا ال م 0 
اكت ال ا ل ا لل 0 0 
نقطة المبتدى. 


ا كم